هل تُريد أن تصبح قائداً استراتيجياً؟ ركّز على هذه المجالات الأربعة

6 دقيقة
اللياقة الاستراتيجية
مايكل برنس/غيتي إميدجيز

ملخص: اللياقة الاستراتيجية هي قدرة القائد على التعلم من بيئته والتكيف معها لتحديد الاتجاه وخلق ميزة تنافسية. وجدت دراسة امتدت 4 سنوات وشملت 77 مديراً تنفيذياً بالإدارة العليا أن القادة الذين يتمتعون باللياقة الاستراتيجية يتفوقون في 4 تخصصات: 1) اللياقة الاستراتيجية: القدرة على تحديد اتجاه واضح والتعديل عند الضرورة؛ 2) اللياقة القيادية: القدرة على تحسين نهج القيادة لمواكبة التحدي؛ 3) اللياقة المؤسسية: يستثمرون الوقت في التفكير في مستقبل الشركة؛ 4) اللياقة في التواصل: القدرة على التعاون بفعالية مع أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين. تقدم هذه المقالة مجموعة من الأسئلة التي يمكن أن تساعد أي قائد على تقييم لياقته الاستراتيجية وتعزيزها.

في رحلة سفاري في كينيا، كنت أراقب مجموعة من الأسود تترصد قطيعاً من الحمير الوحشية بصمت تام لأكثر من ساعة ونصف. وفجأة، قفز شبلٌ صغير من مكانه مرحاً، فانتبهت الحمير وهربت. زأرت اللبؤات في وجه الشبل المرح وتابعت عملها من جديد، وقد أدركت أن بقاء مجموعتها يعتمد كلياً على لياقتها؛ أي قدرتها على التأقلم مع البيئة المحيطة بها واكتساب ميزة تمكّنها من الحصول على الطعام.

أثارت هذه التجربة انتباهي واعتبرتها مثالاً مفيداً على اللياقة الاستراتيجية، التي تشير إلى قدرة القائد على التعلم من بيئته والتكيف معها من أجل رسم مسار ناجح وخلق ميزة تنافسية. تماماً مثلما كان على مجموعة الأسود التكيف مع الفرصة الضائعة للحصول على الطعام، يجب على قادة الأعمال أن يتكيفوا مع البيئة المتغيرة لتنمية أعمالهم والحفاظ عليها.

عادة ما يقضي الرياضيون المحترفون وقتاً أطول في التدريب مقارنة بأوقات المنافسات، لكن هذه الديناميكية معكوسة بالنسبة لقادة الأعمال، حيث يخصص معظم المسؤولين التنفيذيين جلّ وقتهم لإدارة أعمالهم، في حين لا يخصصون سوى القليل من الوقت لتحسين المهارات الضرورية لنجاحهم. في الواقع، مستوى اللياقة الاستراتيجية للقادة الذين يهملون تطوير مهاراتهم أشبه بمستوى اللياقة البدنية المنخفض لحيوانات حديقة الحيوان، مقارنة بنظيراتها البرية التي تعزز مهاراتها كل يوم من خلال الصيد والمنافسة من أجل البقاء.

إذاً، كيف يمكن للقادة تنمية لياقتهم الاستراتيجية والحفاظ عليها؟ للإجابة عن هذا السؤال، درستُ 77 مديراً تنفيذياً بالإدارة العليا في الولايات المتحدة على مدار 4 سنوات. عمل هؤلاء القادة في قطاعات تشمل التكنولوجيا والرعاية الصحية والخدمات المالية والسلع الاستهلاكية المعبأة والمؤسسات غير الربحية، وقد خضع كل منهم لاستقصاء اللياقة الاستراتيجية المكون من 80 سؤالاً، وكان متوسط الدرجات الأساسية 60 من 100، ما يشير إلى وجود مجال كبير للتحسين. ثم أجريت محادثات ثنائية شهرية معهم وتابعتهم خلال اجتماعات فِرقهم التنفيذية الفصلية. بناءً على ملاحظاتي على القادة الذين حققوا نتائج أعلى، وأولئك الذين تحسنوا بمرور الوقت، حددت 4 تخصصات يمارسها القادة الذين يتمتعون باللياقة الاستراتيجية.

اللياقة الاستراتيجية: يضعون اتجاهاً استراتيجياً واضحاً ويعدلونه بحسب الحاجة.

القدرة على وضع استراتيجية واضحة من أهم المهارات التي يجب أن يتمتع بها أي مسؤول تنفيذي ناجح. فوفقاً لدراسة أجرتها شركة ماكنزي أند كو على مدار 10 سنوات وشملت 1,500 شركة، فإن تحديد اتجاه استراتيجي واضح هو العامل الأساسي الذي يعزز صحة المؤسسة. مع ذلك، كشفت الأبحاث التي أجرتها مؤسسة غالوب وشملت أكثر من 10 ملايين مدير على مدار الـ 30 عاماً الماضية، أن 22% فقط من الموظفين يتفقون بشدة على أن قادة مؤسساتهم قد حددوا اتجاهاً واضحاً لأعمالهم.

أحد السلوكيات التي تميز القادة الذين يتمتعون باللياقة الاستراتيجية هو قدرتهم على تعديل استراتيجيتهم في مواجهة البيئة المتغيرة، وهم يحققون ذلك من خلال عقد اجتماعات منتظمة مع أعضاء فرقهم لجمع وجهات نظر مختلفة ودمج ملاحظاتهم لتحسين الاتجاه الاستراتيجي. كما أنهم يبحثون باستمرار عن الرؤى المتعلقة بالسوق والعملاء والمنافسين والشركة.

على سبيل المثال، واجهت شركة تكنولوجيا يديرها أحد المسؤولين التنفيذيين الذين أتعاون معهم، وهو تود، مشكلة عندما حققت إيرادات سنوية وصلت إلى نحو 100 مليون دولار. كان فريق المبيعات يوقع عقوداً مع عشرات العملاء الجدد يومياً لأنهم كانوا يحصلون على حوافز على أساس العدد الإجمالي للعملاء، وليس على أساس الإيرادات أو الربحية لكل عميل. أدى عدد العملاء الصغار غير المتناسب إلى إرهاق قسم خدمة العملاء إلى حد كبير، وبدأ الفريق بإهمال احتياجات عملائه الأهم والأكثر ربحية للشركة.

أعاد تود تقييم استراتيجيته واتخذ قراراً صعباً وضرورياً بإنهاء عقود جميع العملاء الصغار الذين تقل قيمة عقودهم عن حد معين بحلول نهاية العام، واستثمر بالكامل في منتجات جديدة وخدمات محسّنة مصممة لتقديم قيمة أكبر للمؤسسات الأكبر حجماً.

لتقييم لياقتك الاستراتيجية، فكّر في الأسئلة الآتية:

  • هل أعدّل خطتي الاستراتيجية عند ظهور رؤى جديدة لخلق قيمة فريدة للعملاء؟
  • هل أثبت قدرتي على تعديل خطتي عند تغير ظروف العمل؟
  • كم مرة أحدّث استراتيجياتي وخطتي برؤى جديدة؟

اللياقة القيادية: يكيفون نمط قيادتهم لمواكبة التحدي.

عندما قابلتُ الرئيسة التنفيذية للإيرادات في شركة خدمات مالية بارزة، لوري، كان فريقها قد فشل في تحقيق أهدافه المالية لربعين متتاليين. للمرة الأولى في حياتها المهنية، أدركت لوري أن أسلوبها القيادي القائم على "إنجاز العمل بأي ثمن" لم يعد يحقق النتائج المرجوة، لذلك كان عليها أن تجري تغييراً.

يدرك القادة الذين يتمتعون باللياقة الاستراتيجية أن أهميتهم للأعمال تتعاظم من خلال التدقيق المستمر في سلوكياتهم وتفاعلاتهم لتحديد كيفية تحسينها لتواكب التحدي، فيعملون وفقاً لمجموعة من المبادئ القيادية التي تحفز السلوكيات الضرورية لدعم توجههم الاستراتيجي، مثل "نعمل بعقلية المسؤولية الكاملة تجاه عملنا" أو "نقيّم المشهد التنافسي بانتظام". كما يحددون السلوكيات التي يمكنهم من خلالها مساعدة الآخرين على تحقيق أهدافهم، مثل "أستمع للآخرين باهتمام دون إصدار أحكام" أو "أوفر الوقت للآخرين وأحميهم من المهام المشتتة".

حددت أنا ولوري 5 مبادئ قيادية تعتقد أنها ستساعدها وفريقها على تجاوز عقلية إنجاز المهام بأي ثمن، مع إمكانية تعديلها بحسب الحاجة:

  • نتولى مسؤوليات مناصبنا فقط ولا نؤدي عمل مرؤوسينا المباشرين.
  • نتفق أو نختلف ولكننا نلتزم بعد ذلك بمسار العمل المختار.
  • نعزز الثقة من خلال الوفاء بالتزاماتنا.
  • نحدد صلاحيات اتخاذ القرارات لتجنب تعقيد الأمور.
  • نمنح الآخرين كامل انتباهنا خلال الاجتماعات.

لتقييم مستوى لياقتك القيادية بصورة أفضل، فكّر في الأسئلة الآتية:

  • ما هي مبادئي القيادية؟ كيف أريد أن يتذكرني الموظفون بصفتي قائداً؟
  • هل ألتمس مسبّقاً ملاحظات حول أدائي القيادي من الزملاء والمرؤوسين المباشرين لتقييم تأثيري؟
  • ما هي المحفزات التي أنشأتها لمساعدة الفريق على تبني مبادئ القيادة؟

اللياقة المؤسسية: يستثمرون الوقت في التفكير في مستقبل الشركة.

تعتمد اللياقة المؤسسية إلى حد كبير على القدرة على تطوير نموذج عملك لتمكين فريقك مسبّقاً من خلق القيمة وتقديمها واستردادها. لقد كشف استقصاء عالمي للرؤساء التنفيذيين أجرته مؤسسة برايس ووتر هاوس كوبرز أنهم يقضون 47% من وقتهم حالياً في التفكير في مستقبل أعمالهم، وأنهم يطمحون إلى رفع هذه المدة إلى 57%.

يتطلب استثمار الوقت في التفكير في مستقبل المؤسسة التخطيط والانضباط، تماماً مثلما تتطلب ممارسة الرياضة كل صباح قبل أن يزدحم جدول اليوم القوة والإرادة للاستيقاظ مبكراً. لقد وجد أحد الاستقصاءات التي تناولت القادة في قطاع الإنشاءات أن 63% منهم يفتقرون إلى خطة تمتد أكثر من عام واحد، وأن نصفهم ليس لديه خطة لهذا العام.

ستتغير الخطط على مدار العام بالطبع، لكن الجانب الأهم هو عملية المسح المستمر لبيئة العمل لتحديد الأنماط والاتجاهات والأنشطة الجديدة التي يمكن أن تؤثر إلى حد كبير على الأعمال. في هذا الصدد، تساعد تنمية القدرة المؤسسية على توليد هذه الرؤى ومشاركتها على تفكيك عقلية الصومعة وتخلق دورة تعلم مستمرة يمكن أن توّلد ميزة تنافسية.

مثال على ذلك تجربتي مع شيريل، التي تولت منصبي الرئيسة والرئيسة التنفيذية لشركة للتكنولوجيا الصحية خلفاً لسلفها الناجح جداً. أدركت شيريل صحة القول المأثور "الطرق القديمة لن تجدي نفعاً". لقد حقق سلفها بالفعل أداءً مالياً قوياً، لكن أداءه ركّز على المدى القصير ولم يتضمن الاستثمار الكافي في مجالات البنية التحتية المستقبلية المهمة، مثل إدارة البيانات.

لذلك عملت شيريل على تحديد العناصر الأساسية لنموذج عمل شركتها الحالي، ثم شرعت في تصميم خيارات للمستقبل من خلال مقارنة المعايير الحالية بالانحرافات المستقبلية المحتملة عن القاعدة. وقد برعت في تسخير أفكار فريقها لتوليد طرق جديدة لاسترداد القيمة، حيث عقدت شراكات مع عملاء رئيسيين لتصميم العديد من عروض البرمجيات كخدمة (SaaS) وترخيص العديد من منتجات الملكية الفكرية التي لم تكن متاحة للعملاء سابقاً.

لتقييم لياقتك المؤسسية، فكر في الأسئلة الآتية:

  • هل قدّمتُ نموذج عمل الفريق بوضوح؟
  • هل أفهم التحديات الداخلية التي تعوق تطوير نموذج العمل بنجاح؟
  • في أي مجال يمكننا الابتعاد عن معيار القطاع لخلق قيمة أكبر وتقديمها واستردادها؟

اللياقة في التواصل: يتعاونون بفعالية مع أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين.

كشفت دراسة استقصائية أجريتها بالتعاون مع مؤسسة هيومان كابيتال ميديا ريسيرش (Human Capital Media Research) وشملت 400 قائد لإدارة المواهب، أن 58% من المجموعات المتعددة الوظائف داخل المؤسسات لا توائم بين استراتيجياتها بفعالية.

فمع تزايد المسؤوليات والضغوط لتحقيق الأهداف والغايات المالية، يسهل الوقوع في فخ العمل الفردي وتجاهل أهمية العمل التعاوني. الأمر أشبه بلاعب نجمٍ في فريق لكرة السلة يعتقد أن عليه تسجيل النقاط بمفرده في كل مرة بدلاً من تمرير الكرة إلى زملائه في الفريق الذين يتمتعون بفرصة أفضل ويمكنهم الإسهام بطرقهم الفريدة.

يعمل القادة الذين يتمتعون باللياقة الاستراتيجية على بناء علاقات مع زملاء يمكنهم تقديم الخبرات والقدرات التي قد لا يتمتعون بها هم أنفسهم. وعند الضرورة، يبحثون عن مورّدين خارجيين يمكنهم سد الثغرات ثم يتعاونون معهم بفعالية.

التقيت ستيف بعد أن نال ترقية مؤخراً من منصب نائب رئيس تسويق المنتجات إلى الرئيس التنفيذي للتسويق في شركة تصنيع متوسطة الحجم. كان على دراية تامة بالتحديات التي تنطوي عليها محاولة التخلص من عقلية الصومعة بين أقسام المبيعات والتسويق. فقد لاحظ على مر السنين اتفاق مندوبي المبيعات ومدرائهم على تخصيص الموارد حتى لأصغر الطلبات من العملاء غير المربحين، في حين كان فريق التسويق يروّج لأسعار أعلى، ويبدو أن فريق العقود يستغرق وقتاً غير معقول لتنفيذ الاتفاقيات.

تحرك ستيف بسرعة لتطوير تفاعلات منتظمة مع الجهات الفاعلة الرئيسية في كل مجال، وأدت جهوده إلى تقليل المشكلات التي تصل إلى الفريق التنفيذي، وأتاحت المزيد من الوقت لتطوير الشراكات الاستراتيجية مع العملاء الرئيسيين.

لتقييم لياقتك في التواصل، فكّر في الأسئلة الآتية:

  • هل أعقد اجتماعات مدروسة ومنتظمة مع أصحاب المصلحة الرئيسيين داخل المؤسسة لتطوير العلاقات ومواءمة الاستراتيجيات؟
  • هل لدي فهم واضح لأهداف زملائي واستراتيجياتهم لتحقيقها؟
  • ما هي الوسائل التي نستخدمها لتبادل الرؤى والمعلومات بين المجالات الوظيفية المختلفة؟

من خلال اتباع نهج استباقي لتعزيز التخصصات الأساسية الأربعة للياقة الاستراتيجية، في الاستراتيجية والقيادة والمؤسسية والتواصل، ستكتسب باستمرار رؤى جديدة من تفاعلاتك تساعدك على تعزيز الكفاءة والثقة في تحديد الاتجاه الاستراتيجي لشركتك. وفقاً لبحث أجراه مايكل بورتر ونيتين نوهريا من كلية هارفارد للأعمال، يستثمر الرئيس التنفيذي العادي 45 دقيقة يومياً في تحسين لياقته البدنية. كم من الوقت تستثمره أنت يومياً في تعزيز لياقتك الاستراتيجية؟ قد يكون هذا الوقت الفيصل بين الازدهار أو الفشل في مشهد الأعمال التنافسية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي