ملخص: كان التعليم الإلكتروني جزءاً مهماً من خطة التحول الرقمي من أجل تطوير المنظومة التعليمية القائمة وتحقيق مستهدفات 2030 من خلال تأهيل كوادر بشرية مجهزة لسوق العمل في المستقبل. ومن أهم التجارب التعليمية المتخصصة المدرسة الافتراضية التي ستنطلق بالتعاون مع مؤسسات تعليمية محلية وستحقق ما يلي:
- ستقدم المدرسة الافتراضية حلاً تعليمياً بتكلفة أقل وجودة أعلى، ما سيسهم في تعزيز التعلم الذاتي لدى الطالب، ومواجهة مشكلة نقص المعلمين أو الكفاءات، وتوفير التعليم المستمر والمتعدد اللغات.
- تكييف محتوى المناهج بحسب مستوى كل طالب بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي.
- سيساعد نموذج المدرسة الافتراضية الكثير من الطلاب الأجانب في المملكة ممن ليس لديهم قدرة مالية أو إمكانية الوصول إلى المدرسة، أو حتى الطلاب الذي تدفعهم ظروفهم العائلية إلى التنقل والسفر باستمرار.
شكّل التعليم الإلكتروني ركناً أساسياً من أركان رؤية المملكة 2030، فمع توجه السعودية نحو هدف بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي، ركزت على تحسين جودة التعليم وجعله متاحاً للجميع وتعزيز التقنيات من أجل توفير ثقافة التعلم المستمر والتشجيع على البحث والابتكار وريادة الأعمال.
وكان التعليم الإلكتروني جزءاً مهماً من خطة التحول الرقمي من أجل تطوير المنظومة التعليمية القائمة وتحقيق مستهدفات 2030 من خلال تأهيل كوادر بشرية مجهزة لسوق العمل في المستقبل. وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد-19 أسهمت في تغيير العملية التعليمية وإعادة النظر في طبيعة المناهج وطرق التدريس فإن الفجوة بين التعليم وسوق العمل لا تزال قائمة.
صمود منظومة التعليم أمام الجائحة
تختلف طرق الاستجابة للأزمات بحسب طبيعة المؤسسات، فكما قال الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنتل، أندرو غروف: "المؤسسات الضعيفة تتدهور وتندثر، والمؤسسات القوية تتكيف مع الأزمة وتتجاوزها، أما المؤسسات العظيمة فتستفيد من الأزمة وتخرج منها أقوى".
واستطاعت المؤسسات التعليمية في السعودية الخروج من أزمة كورونا بأقل الخسائر الممكنة، ولم يكن الانتقال من التعلم المدرسي إلى التعلم عن بُعد لينجح لولا القدرة على التكيف السريع.
وبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" الصادر عام 2022 بعنوان "برامج التعلّم الوطنية عن بُعد في استجابة لإرباك كوفيد-19 للتعليم: دراسة حالة للمملكة العربية السعودية"، فإن المدارس في المملكة استطاعت الانتقال إلى التعليم عن بُعد بسلاسة وفعالية، من خلال توفير حلول تناسب حاجة الطلاب والطالبات ومهاراتهم، وتعزيز الوصول والمهارات الرقمية للمعلمين، وجاهزية المحتوى والمنصات التعليمية، ودعم ذلك بالتشريعات اللازمة، ومنها توجيه وزارة التعليم بتوحيد منصات التعلّم المختلفة لتغطي المدارس والمستويات جميعها، وتطوير منصة "مدرستي".
وعزّزت المملكة الممارسات الإبداعية في التدريس عبر منصة "عين" وموقع "العودة للمدارس" اللذين يقدمان إرشادات وأدلة تعليمية لاستخدام المصادر التعليمية بفعالية وتحسين تجربة التعلم، إلى جانب حماية البيانات والخصوصية، وحلول التقييم والاختبارات.
وعلى مستوى القطاع الخاص، تنافست شركات الاتصالات مثل موبايلي وزين وإس تي سي (STC) لتقديم خدمات تدعم العملية التعليمية، مثل مضاعفة سعة البيانات للباقات الصوتية، وطرح باقات مخصصة للتعليم، ومتابعة الشبكات والتأكد من جودتها خصوصاً في المناطق النائية أو شبه النائية.
إذ سرّعت الجائحة من تبنّي الحلول التكنولوجية وفهم دورها في دعم العملية التعليمية وتعزيز المعرفة التقنية لدى الأسر السعودية، وأسهم امتلاك القدرة على استخدام التقنية في تقليل الفاقد التعليمي وتجاوز الأزمة بأقل الخسائر.
مواكبة التحول الرقمي والتبني السريع للتقنية
مع ظهور أي تقنية جديدة، تكون هناك حالة من المقاومة والرفض، ثم تجربة محدودة وصولاً إلى التبني المتأخر لهذه التقنية، لكن ما حصل في السعودية هو التبني السريع للتقنية، فهناك 35.33 مليون مستخدم نشط لوسائل التواصل الاجتماعي، بما يغطي 94.30% من إجمالي عدد السكان، وباتت الاحتياجات اليومية للمواطن السعودي مرتبطة بالتكنولوجيا من التسوق الإلكتروني والخدمات الحكومية الرقمية، وغير ذلك الكثير.
وأدى ارتفاع نسبة الفئة الشابة في المجتمع السعودي دوراً كبيراً في تبني التقنية، وحتى الفئات المجتمعية التي تجاوزت سن الثلاثين عاماً أثبتت حضورها على المنصات الرقمية التي تلبي احتياجاتها، ما يعني أن الحاجة عامل مهم في تقبّل التقنية.
وفيما يخص التعليم، فإن الحفاظ على الأسلوب التقليدي ودمجه في الأسلوب الرقمي تدريجياً خطوة ضرورية قبل الانتقال إلى نظام تعليمي رقمي متكامل، لكن يجب أن يكون الانتقال التدريجي سريعاً يواكب تغيّر نمط حياة الطلاب الذي بات يعتمد اعتماداً أساسياً على الأدوات الرقمية والذكية، لذلك كان لا بد من الاستعجال في إدخال عناصر التعليم الإلكتروني، مثل الوسائط المتعددة وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز وكذلك الذكاء الاصطناعي. ومن هنا أخذت سيمانور زمام المبادرة في مشروع المدرسة الافتراضية.
إنشاء تجارب تعليمية مخصصة
ستنطلق المدرسة الافتراضية بالتعاون مع مؤسسات تعليمية محلية، وستستهدف الطلاب من 4 نطاقات جغرافية، هي السعودية، والمنطقة العربية، وآسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية، وأميركا الشمالية وأوروبا، وستعتمد بالكامل على التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والميتافيرس ومحركات الواجهات التطبيقية (No code engines) وغيرها.
وستقدم المدرسة الافتراضية حلاً تعليمياً بتكلفة أقل وجودة أعلى، ما سيسهم في تعزيز التعلم الذاتي لدى الطالب، ومواجهة مشكلة نقص المعلمين أو الكفاءات، وتوفير التعليم المستمر والمتعدد اللغات، فضلاً عن تكييف محتوى المناهج بحسب مستوى كل طالب بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث يتم إنشاء ملف خاص بكل طالب لإعادة تصميم المناهج والمحتوى بما يتناسب مع قدراته، على سبيل المثال قد لا يكون الطالب قادراً على استيعاب المعلومات الخاصة بمادة الرياضيات في الفترة الصباحية، فيعمل النظام على تعديل التوقيت للفترة التي تناسب مدى تقبّله للتعلم.
وسيساعد نموذج المدرسة الافتراضية الكثير من الطلاب الأجانب في المملكة ممن ليس لديهم قدرة مالية أو إمكانية الوصول إلى المدرسة، أو حتى الطلاب الذي تدفعهم ظروفهم العائلية إلى التنقل والسفر باستمرار.
تكمُن نقاط القوة هنا في كيفية توظيف التكنولوجيا واستخدامها بفعالية في المجالات المختلفة، حيث استفادت المدرسة الافتراضية من هذه الأدوات وعملت مع كفاءات من داخل السعودية وخارجها للخروج بأساليب وحلول تعليمية مبتكرة، ومنها "مشروع الكتاب الذكي"، الذي يشمل مجموعة من التقنيات منها وسائط متعددة والذكاء الاصطناعي ومحركات التطبيقات البرمجية، لتقديم كتاب حيّ وتفاعلي يتجاوب مع احتياجات الطالب.
وكان التعرف على النص من أبرز التحديات التي تمكنت سيمانور من مواجهتها عند تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي في التعليم، فاعتماد هذه الأنظمة على الرموز يؤدي إلى ظهور الحروف بطريقة غير واضحة أو مفهومة تماماً، لهذا طورت سيمانور واجهة برمجية تُظهر النص العربي بشكل واضح ودقيق.
كما واءمت سيمانور برنامجاً للتعليق الصوتي كي يسهل على الطلاب المكفوفين استخدامه على هواتفهم والحصول على الخدمات التعليمية بكل يسر، ويمكن البناء على مثل هذه التقنيات لاحقاً كي يستفيد منها الطلاب أصحاب الهمم.
وأذكر هنا أيضاً قصة الراحل عبد الله بانعمة، الذي أُصيب بشلل رباعي وهو في المرحلة الثانوية، فتحدى مرضه وأصبح داعية يقدم الدروس والمحاضرات الدينية بالمساجد والمواقع المختلفة، فطورت سيمانور برنامجاً قائماً على الأوامر الصوتية يساعده على تصفح القرآن الكريم بسهولة.
كما استفادت سيمانور من درس تعليمي أعدّه طالب مكفوف من الجزائر يدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهذا يدل على أن إلغاء الحواجز مع التقنية يساعد أي شخص على استخدامها بسهولة.
وكانت سيمانور الجسر الذي يصل بين المبرمجين الذين يقدمون حلولاً تقنية لكنها مكلفة، والتربويين الذين يقدمون حلولاً تعليمية لكنها صعبة الاستخدام، لتقديم خدمات متكاملة وفعّالة.
على مدى العقود الماضية، كانت هناك مقولة سائدة هي: "النقد هو القوة" (Cash is king)، اليوم أرى أن "البيانات هي القوة" (DATA is King)، فمن يمتلك البيانات هو الأقدر على تولي زمام المبادرة في مختلف المجالات. وتتطلب سوق العمل اليوم فهماً كاملاً لصناعة المحتوى الرقمي وإنشائه وتخزينه واستعادته ومشاركته وتسليعه.
وبالتالي، دفعت هذه التغيرات العديد من الحكومات وصناع السياسات إلى إعادة النظر في المنظومة التعليمية وجعلها أكثر جدوى اقتصادياً، إذ يستحوذ الإنفاق على التعليم 4% من الناتج المحلي لمعظم الدول، وفي السعودية تصل هذه النسبة إلى نحو 6%.
وبات هناك توجه نحو التوظيف القائم على الكفاءات لتصبح مخرجات التعليم متوافقة مع سوق العمل، وكذلك النظر في إمكانية التركيز على الدورين الثقافي والمجتمعي للمدارس أكثر من الدور التعليمي، والتحول نحو ثقافة التعليم الهجين كما هي الحال في العمل عن بُعد.
وعليه، حققت المملكة العربية السعودية قفزات نوعية من ناحية التكنولوجيا خلال السنوات الأربعة الماضية، حيث قدمت الرؤية مواهب وفرصاً جديدة وعززت البنية التحتية الرقمية، إلى جانب تحفيز التعاون بين القطاعين الخاص والحكومي، إذ تستهدف الرؤية تخصيص 50% على الأقل من المدارس الحكومية.
ومن المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب إلى ظهور "مدارس عابرة للقارات"، تقدم خدماتها لملايين الطلاب من دول مختلفة، وينتقلون خلالها من مرحلة تعليمية إلى أخرى بفعالية وسلاسة مع تقديم محتوى عالي الجودة وبتكلفة متدنية.
الاستثمار في العنصر البشري
عندما تنظر الدولة إلى العنصر البشري على أنه أحد أصولها القيّمة، ستسخّر له كل الموارد، أما عندما تنظر إليه على أنه عبء ستحجب عنه كل الموارد. لذا ركزت رؤية 2030 على بناء العنصر البشري المواكب لمتطلبات المستقبل. واستهدفت مشاريع سيمانور بناء الثقافة الرقمية في مراحل تعليمية مبكرة وتزويد الطالب بالمهارات والأدوات التي تساعده على الدخول في عالم ريادة الأعمال.
تتطلب صناعة المستقبل رفع مستوى المرونة والتكيف، لذا فإن المبادرة والجرأة مطلوبتان وسرعة التطور التكنولوجي لا تتيح وقتاً للتجربة، لهذا "بادر ونفّذ ثم عدّل".
أخيراً، تذكّر دائماً أن مهارة التعامل مع البيانات للجيل الجديد هي ثقافة ومنهج قبل أن تكون تقنية، وهي مهمة كصناعة في الوقت الحاضر والمستقبل، ويجب تبنيها والتكيف معها مبكراً. ويؤكد ذلك قول العالم البريطاني كلايف همبي: "البيانات هي النفط الجديد. نحن بحاجة إلى العثور عليها، واستخراجها، وتنقيتها، وتوزيعها، وتحقيق الأرباح منها"، أو كما قال العالم جيمس بريدل: "البيانات هي الطاقة النووية الجديدة، البيانات غير محدودة الكمية ولها قدرة كبيرة على الفائدة والضرر".