تعرّف إلى قواعد إبداء التعاطف الأربعة

4 دقائق
إبداء التعاطف
بيبينو دو مار ستديو/ستوكسي

ملخص: صاغ عالم الاجتماع إميل دوركهايم مصطلح "اللامعيارية" (anomie) لوصف الحالة المزعزَعة والحالة المزعزِعة للاستقرار الناجمة عن فقدان القواعد أو الناتجة عن فقدان واضعي القواعد شرعيتهم. وهذه الحالة هي ما نشعر بها بالضبط عندما نواجه فيروساً مُعدٍ بطبيعته، وعندما نُكمل مسارنا المهني الذي يستمر رغم كل تلك الظروف، وعندما نواجه كل ذلك خلال فترة عزلة اجتماعية. لكن قد يساعدنا إبداء التعاطف في اجتياز تلك الفترة اللامعيارية. حددت كاتبة المقال 4 ممارسات أطلقت عليها اسم "قواعد التعاطف" التي يمكن أن تساعدنا في تجاوز الانقسامات في حياتنا وخلق شعور بالانتماء للمجتمع.

 

أعلن "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (إم آي تي)، حيث أعمل، في شهر أغسطس/آب عام 2021 إلزامية عقد كل المحاضرات وجهاً لوجه دون استثناء، مع ضرورة الحصول على اللقاح وإجراء اختبارات "كوفيد" بانتظام، ووجدت أن تلك القوانين مثيرة للقلق عموماً. وبمجرد أن أجريت اختبار "كوفيد"، حصلت على تصريح للتدريس، على الرغم من أنني لم أحصل على نتيجة الاختبار حتى اليوم التالي. لم يُصمم البروتوكول لحماية الأفراد وإنما لمنع انتشار العدوى في المجتمع. كان الطلاب يرتدون كمامات مختلفة للوجه؛ فمنهم من وضع الكمامات الجراحية ومنهم من وضع مناديل بسيطة. كما طُلب إلى أعضاء الهيئة التدريسية التدريس دون كمامات، وهو توجيه بدا أن الجميع يتجاهله.

لكن تلك القواعد كانت تخص "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" فقط. وبعد أسبوع من إلقاء المحاضرات في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، ألقيت خطاباً أمام الطلاب المستجدين في "كلية بوسطن"، حيث لا يُسمح للطلاب في الحرم الجامعي في تلك الكلية بارتداء الكمامات، كما علمت. وقدّمت المحاضرة عبر منصة "زووم"، وهو ما اعتُبر بمثابة إهانة.

لقد فُرضت مجموعات مختلفة من بروتوكولات الصحة والعمل في مختلف المكاتب والقطاعات والشركات الكبرى والولايات القضائية، حيث أعلنت كل منشأة عن قوانينها الخاصة.

وقد يُطلق إميل دوركهايم، الذي درست أعماله عندما كنت طالبة جامعية أحاول فهم التغييرات الاجتماعية في الستينيات من القرن العشرين، على هذه الحالة بـ "الوضع الطبيعي الجديد الشاذ"، وهي حالة مُزعزَعة ومزعزِعة للاستقرار تنجم عن فقدان القواعد وواضعي القواعد شرعيتهم. إنه وقت يتسم بالارتباك والاكتئاب والقلق. واستخدم دوركهايم فكرة اللامعيارية لتفسير الأسباب التي قد تدفع الأفراد إلى الانتحار، أولئك الأفراد الذين ينفصلون عن مجتمعاتهم ويرفضون الأعراف الاجتماعية. وذلك ما نشعر به عندما نواجه فيروساً مُعدٍ بطبيعته، ونرضخ للسياسيين وخططهم، ونُكمل مسارنا المهني الذي يستمر رغم كل تلك الظروف وخلال عزلة اجتماعية.

لكن قد يساعدنا إبداء التعاطف في اجتياز تلك الفترة من اللامعيارية. فالتعاطف يعني أن تضع نفسك مكان شخص آخر على أمل أن تتفهّم مشكلته وتردم الفجوة بينك وبينه. وهو يساعدنا في الشعور بالانتماء للمجتمع بدلاً من الاستسلام للعزلة الشخصية. كما أنه ينمّي فينا الشعور بأننا مرئيين ومعروفين بما نحن عليه.

وما نعرفه عن التعاطف في مكان العمل هو أنه علاقة فوضوية، فالإصغاء إلى الآخرين دون تصور مسبق يُعد أمراً مجزياً ويستغرق وقتاً طويلاً على حد سواء. ويقترح استشاريو الأعمال أحياناً اتباع نهج يشابه الصراحة التامة إلى حد ما؛ وهي عبارة عن جولات مستمرة من النقد والمدح التي تهدف إلى إزالة الحدود بين الزملاء. لكن ممارسة قول الحقيقة تلك تنبع من شعور "أنني أعرفك". في حين يبدأ التعاطف الحقيقي من فرضية مختلفة، وهي التواضع التام: "أنا لا أعرف ما تشعر به، لكني بجانبك دائماً وعلى استعداد لأن أصغي إليك".

وفي الواقع، يمثّل التواضع التام الممارسة الأولى من بين الممارسات الأربعة للتعاطف التي قد تساعدنا في الابتعاد عن اللامعيارية وتشكيل "الوضع الطبيعي الجديد". وتُعتبر تلك الممارسات ضرورية للرفاهة العاطفية والاجتماعية، وهي أكثر أهمية من المبادئ التوجيهية.

تبني عدم المعرفة

تتمثّل الممارسة الأولى في تبني عدم المعرفة، إذ لا يمكنك وضع نفسك مكان شخص آخر إذا كانت لديك تصورات مسبقة عن وضعه. وليست تلك بالمهمة السهلة في الواقع، فقد تدربنا على التواصل مع الآخرين من خلال التعبير عما نعتقد أننا نتشاركه معهم بالفعل: "سمعت أنك فقدت وظيفتك، وأعرف مدى صعوبة ذلك الوضع، فقد خسرت وظيفتي أنا أيضاً!" لكن استراتيجية تبنّي عدم المعرفة تمثّل العكس تماماً، فهي تجعلك منفتحاً على حقيقة الأمور.

لذلك، ارجع خطوة للوراء واعترف بأنك لا تعرف بالضرورة ما يفكر فيه الآخرون أو يشعرون به؛ بل قف معهم وانظر إليهم واستمع وأصغ بفضول إلى أحاديثهم. ولا تنتظر أن تسمع ما تعرفه، بل كن متشوقاً لتعرف ما يوفر لك الفرصة لإبداء التعاطف.

احرص على تبني الاختلاف التام

ثانياً، احرص على تبني الاختلاف التام. لا يبدأ التعاطف بعبارة "أنا مثلك"، وإنما يبدأ بالاحتكاك. وقد يكون بين الزملاء خلافات عميقة، تماماً مثلما هو الحال مع أفراد الأسرة والجيران والأصدقاء. ولا يعني التعاطف أن تكون شخصاً يكره النزاع، وبعض الناس يتصرفون كذلك بالفعل، بل يعني أن تكون مستعداً لتقديم المساعدة وفهم المشكلة بأكملها وابتكار حلول منصفة. فالتعاطف يعني التواصل التام، حتى عندما يكون مزعجاً.

احرص على تبني الالتزام

ثالثاً، احرص على تبني الالتزام. يشير التعاطف إلى أنك ستتخذ أي إجراء ضروري لتفهم موقف الفرد ومشكلته بالكامل، وهو مجال للاحترام الشخصي والمدني على حد سواء. على سبيل المثال، عندما يكون لديك مصلحة في مساعدة جارك على تحسين الأمور، فلا يمكنك أن تشعر بالملل أو أن ترفض مساعدته.

احرص على تبني نهج المشاركة الجماعية

أخيراً، احرص على تبني نهج المشاركة الجماعية. فالتعاطف لا يعني الإيثار، بل إنه يعزز حب الغير لدى أولئك الذين يقدمونه ويربطهم بالآخرين. كما أنه يحارب اللامعيارية ، فإذا وجدت من يصغي إليك ويراعي مشكلتك، فستشعر أنك جزء من شيء أكبر منك.

وأنا أدعو كل تلك الممارسات الأربعة بـ "قواعد التعاطف"، مستحضرة في ذهني المعنى المزدوج للعبارة. فعندما تحدث دوركهايم عن اللامعيارية والافتقار إلى القواعد، ركز على الضغوط الناجمة عن الفوضى. بمعنى آخر، يمكننا من خلال قواعد التعاطف تلك مواجهة مشاعر الاضطراب والقلق التي يشعر بها الأفراد عندما يواجهون أزمات بمفردهم. والتعاطف ليس علاجاً للتفكك الاجتماعي، لكن عندما نحتاج إلى مواجهة التغيير والواقع المتحول، سيكون التعاطف عاملاً مساعداً على التغيير البنّاء.

والتعاطف يُلغي اللامعيارية لأنه حالة متعدية على الواقع، كما أنه يُلغي الانقسامات في حياتنا.

وأولئك الذين يعتقدون أن العمل ليس "مكاناً" للتعاطف مخطئون جداً، فالتعاطف الذي تتلقاه في العمل يجعلك صديقاً أو شريكاً أو والداً أفضل. والتعاطف الذي تتلقاه في المنزل يجعلك أكثر قدرة على الإصغاء إلى الآخرين في العمل. من جهة أخرى، يفتح نهج القيادة المتعاطفة مجالاً للألفة والصدق، وهو ما يعزز الابتكار والارتباط. وإذا ملأت قلبك تعاطفاً، فأنت تسمح بذلك لنفسك بالاستماع وتعزيز الاختلاف. فالتعاطف يمنعنا من إهمال الآخرين أو رفضهم أو حتى تجنبهم.

وقد تزرع هذه الممارسات الأربعة التالية: تبني عدم المعرفة والاختلاف التام والالتزام والمشاركة الجماعية حب احترام الآخرين في قلبك. وإذا احترمت الآخرين، فلن تكون زميلاً أفضل فحسب، بل ستكون مواطناً أفضل أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي