تعبير الموظفين عن شخصياتهم الحقيقية في أماكن العمل قد يستغرق بعض الوقت

5 دقائق
تعبير الموظفين عن شخصياتهم

يهتم معظمنا بالصورة التي يظهر عليها في مكان العمل، ولذلك نتحكم بصورة قوية في سلوكياتنا وعواطفنا والشكل الذي يرانا عليه زملاؤنا ومدراؤنا. وفي الحقيقة نحن نقوم بذلك لعدة أسباب: يشعر البعض أنهم لا يستطيعون التعبير بحرية عن مشاعرهم في العمل، ويعتقد آخرون أنهم لا يستطيعون مشاركة روح الدعابة، في حين يشعر غيرهم أن عليهم الظهور بوضعية "المستعد والمنظم والواثق من نفسه" وإلا سيعرّض سمعته ومصداقيته للخطر، فماذا عن تعبير الموظفين عن شخصياتهم؟

مؤخراً، بدأ الباحثون بدراسة الآثار المترتبة على تعبير الموظفين عن شخصياتهم الحقيقية في مكان العمل أو ما يطلق عليه "الأصالة". وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أنه كلما ازداد تعبير الموظفين عن شخصياتهم الحقيقية في أماكن العمل، ازداد شعورهم بالرضا الوظيفي، وبالارتباط بالعمل، وتحسّنَ أداؤهم الذاتي. لذلك، فإن النقطة الأساسية هنا هي إيجاد حالة من التوازن بحيث نكون صادقين مع ذواتنا وفي الوقت نفسه نحقق نجاحاً وازدهاراً في العمل ضمن شركاتنا.

تعبير الموظفين عن شخصياتهم

للتوسع في هذا العمل، تشاركت شركة "بلاستيسيتي لابز" (Plasticity Labs) مع الدكتورة آن ويلسون، عالمة علم النفس الاجتماعي في جامعة "ويلفريد لوريير" (Wilfrid Laurier University). فاستخدمنا مجموعة من الطرائق الكمية والنوعية لتفحُّص فوائد التحلي بالأصالة، وكيف تسهم بيئة العمل وبعض المعايير في تعزيز الأصالة، وما الآليات الأساسية التي تربط بين الأصالة ورفاهة مكان العمل. أتمّ 213 موظفاً استبياناً على الإنترنت حول الأصالة في مكان العمل، وخواص مكان العمل (قواعد الملبس مثلاً)، والشعور السائد في مكان العمل (الرضا الوظيفي، الارتباط، الحس المجتمعي.. إلخ). طُلب إلى الموظفين في الاستبيان الإجابة عن عبارات من قبيل "بيئة عملي تشجع كل الموظفين على التعبير عن شخصيتهم الحقيقية"، و"عندما أكون في العمل، لا أظهر على حقيقتي" ، و"أرغب أن يُظهرَ زملائي حقيقة أنفسهم أكثر في العمل".

بشكل عام، قال 72% من الأشخاص أنهم يتصرفون بأصالة في العمل، ويستغرق ذلك وسطياً حوالي شهرين إلى ثلاثة أشهر من التحاقهم بالعمل حتى يظهروا حقيقة أنفسهم. ومن هذه المجموعة، كان هناك 60% ممن أبدوا أصالتهم بعد ثلاثة أشهر، في حين استغرق الأمر تسعة أشهر بالنسبة إلى 22% منهم. واحتاج 9% من المجيبين عن الاستبيان لمدة تتراوح بين 10-12 شهراً ليشعروا بالارتياح ويكونوا على طبيعتهم. في حين أفادت نسبة 9% أخرى، أن الأمر استغرق أكثر من عام ليظهروا بشخصياتهم الحقيقية في العمل. وبالطبع، يختلف الموظفون في مدى إظهارهم لحقيقة أنفسهم، فهؤلاء الذين قالوا إنهم احتاجوا وقتاً أطول ليكشفوا عن حقيقة شخصياتهم لا يزالون يخبرون أنهم لا يظهرون حقيقة أنفسهم بالكامل حتى بعد مرور وقت أطول.

بعد ذلك، قمنا بالتحقق مما إذا كانت القواعد في مكان العمل، مثل قواعد الملبس، لها تأثير على الأصالة. لقد أجرينا مقارنة بين موظفين كان عليهم اتباع قواعد ملبس معينة في العمل مع موظفين لم يكن مفروضاً عليهم اتباع ذلك. فوجدنا أن الموظفين الذين ليس عليهم التقيد بقواعد ملبس محددة كانوا يشعرون بالأصالة أكثر، ويشعرون بحرية أكبر للتعبير عن حقيقة أنفسهم، وكانوا يعتقدون على نحو أوثق أن المصداقية مسألة مهمة في العمل.

وكذلك استكشفنا الفرضية القائلة بأن الموظفين الذين أفادوا بأنهم يتمتعون بالأصالة، كانت لديهم تجربة أكثر إيجابية في مكان العمل. وبشكل عام، أشارت النتائج إلى أن الموظفين الذين كانوا يتمتعون بالأصالة كانوا أفضل حالاً من غيرهم، وأبلغوا على نحو مهم عن مستوىً أعلى من الرضا الوظيفي والارتباط بالعمل، وعن تمتعهم بسعادة أكبر في العمل، وإحساس أعمق بالمجتمع، وبمزيد من الإلهام، وقدر أقل من ضغط العمل. إن مشاركة الموظف لحقيقة ذاته في العمل يؤثر على تجربته في هذا المكان. فكلما زادت مشاركة الأشخاص لحقيقة أنفسهم ضمن العمل، كانت تجربتهم في مكان العمل أفضل.

وعلى الرغم من أن الدراسات تشير إلى وجود ارتباط واضح بين إظهار الأصالة والشعور بالارتياح، فإنها لم تخبرنا بما يفكر فيه الموظفون فعلاً عن قيمة الأصالة. للإجابة عن هذا السؤال، قمنا بسؤال الموظفين عن اعتقادهم في تأثير الأصالة على ثقافة مكان العمل. بالنسبة للموظفين الذين أفادوا بأنهم يتمتعون بالأصالة، كانت غالبيتهم العظمى (80%) تعتقد بأن التصرف بأصالة يحسّن من مكان العمل. وكانت التعليقات التي جمعناها منهم تتركز حول بعض المفاهيم الرئيسية: التحلي بالأصالة يدفع إلى تحسن الإنتاجية وارتفاع مستوى الأداء والنجاح، ويتيح للموظفين بذل طاقة أقل واستهلاك وقت أقل لمراقبة أنفسهم أو لمحاولة إخفاء طبيعتهم. وفي الحقيقة، يربط الموظفون غالباً بين المفاهيم التالية: قضاء وقت وطاقة أقل في مراقبة الذات يتيح وقتاً وطاقة أعلى للتركيز على المهمة التي بين أيدينا.

فوائد التمتع بالأصالة من قبل الموظفين

يعتقد الموظفون أيضاً أن التمتع بالأصالة يخلق علاقات أمتن وأفضل مع العملاء والزملاء لما يحققه من تفاهم أكبر بين الشخص والآخرين ونتيجة لترسيخ مستويات أعلى من الثقة. أخيراً، قالوا بأن الأصالة تسهل وجود بيئة عمل إيجابية أكثر.

وعلى الرغم من اعتقاد معظم الناس أن الأصالة تعزز الإنتاجية وتخلق بيئة عمل إيجابية، تعتقد قلة من الموظفين (10%) أن إظهار حقيقة أنفسهم له آثار ضارة. وقد أفاد الأفراد أن ذلك يرجع في المقام الأول إلى الصدامات الشخصية أو الصفات الشخصية (مثل التهكم أو الحزم) التي لم تكن تُقدّر أو كان يُساء فهمها من الآخرين.

ومن بين الموظفين الذين قالوا إنهم لم يكونوا على طبيعتهم في العمل، بدا أن العديد منهم كان قد حسب ما يكلفه الظهور بأصالة في مكان عمله وما الفوائد التي تعود عليه من جرائها. وعلى الرغم من أن 30% شعروا بأن الأصالة ستحسن من مكان عملهم، شعر حوالي الثلثين (64%) أن ظهورهم على طبيعتهم سوف يرجع بالسوء على بيئة مكان العمل. وأشار الأفراد الذين شعروا أنه من الأفضل إخفاء حقيقة أنفسهم إلى بيئات عمل لا تقدر الاختلافات، وتصر على الامتثال لما هو سائد، وتستهجن التعبير عن التوتر والانفعال. وللتأكيد على ذلك، كان الموظفون يشيرون من حين إلى آخر كيف أن إظهار الأصالة يمكن أن يتجاوز الحد المقبول إذا سمح للأشخاص بالتعبير عن ميول غير ملائمة اجتماعياً. ومع ذلك، فمعظم الحالات التي لم يقدر فيها الشخص أن يكون على طبيعته حصلت عندما شعر الموظفون أن الأصالة لم تكن ذات قيمة في مكان العمل، مشيرين إلى أهمية تهيئة بيئة عمل ترحيبية ومنفتحة.

إن فوائد الأصالة واضحة، وهي تسلط الضوء على أهمية خلق مكان عمل يرحب بالأصالة. وبالإضافة إلى النتائج التي توصلنا إليها أعلاه، فقد وجدنا أيضاً أن نسبة 75% من الموظفين عبروا عن رغبتهم في أن يشارك زملاؤهم بإظهار المزيد من حقيقة أنفسهم.

فما هي الخطوات التي على أصحاب العمل اتباعها لخلق مساحة يمكن للموظفين فيها الشعور بالأمان لإظهار أصالتهم؟ أحد المناهج هو التشجيع على الأصالة بين القادة. القادة الينكد يتمتعون بالأصالة هم أشخاص حقيقيون وصادقون، ويعترفون بالخطأ، ويتمسكون بما يؤمنون به. عندما يكون القادة صادقين مع أنفسهم ويعترفون بأخطائهم أو فشلهم، فإن هذا يمنح الآخرين فرصة لفعل الشيء ذاته، مغيرين بذلك قواعد مكان العمل.

والأمر الذي لا يقل أهمية عن ذلك، هو أن يرحب القادة بإظهار موظفيهم لأصالتهم. فخلق بيئة منفتحة على الآخرين ومتقبلة لهم، والتشجع على وجود الاختلافات في الآراء ووجهات النظر سيضع الأساس لبناء مكان عمل يتمتع بالأصالة. يجب تشجيع الموظفين على التعبير عن أنفسهم وعدم اتباع الجموع الأخرى، لأن الاختلاف في وجهات النظر غالباً ما يقود إلى إيجاد حلول جديدة ومبتكرة.

كما وجد بحثنا أنه عندما يكون الشخص صادقاً مع نفسه فذلك يمكّن الأفراد في مكان العمل، ويسهل لهم الشعور بالسيطرة والتحكم، وهذا بدوره يؤدي إلى الإحساس بوافر من الرضا الوظيفي والسعادة. وهذه نقطة حاسمة لأن الإحساس بالتمكين هو أمر أساسي من أجل الشعور بالرضا الوظيفي والارتباط بالعمل. فإذا شجع القادةُ الأصالةَ في مكان العمل، يمكن أن يتعزز الشعور بالتمكين بين الموظفين من كافة المستويات.

تُنصح الشركات غالباً بالبحث عن الشخص "المناسب" عند تعيين موظفين جدد، لكن يمكن أن يجد الناس صعوبة بالغة في إظهار طبيعتهم الحقيقية عندما يشعرون أنهم لا "يتوافقون" مع زملائهم بسبب الاختلاف في الشخصية أو المعتقدات أو السلوك أو الآراء. وفي حين أن الاختلافات بين الأشخاص يمكنها أن تحفز على التقدم والابتكار، فالتناقضات الكبيرة يمكنها أن تدفع بعض الموظفين إلى ارتداء قناع شخصية خاصة بالعمل. وفيما يلي نقطة تحتاج إلى أن تُدرس على نحو منفصل من خلال أبحاث إضافية: متى يعتبر الاختلاف بين الناس أمراً مفرطاً؟

وفي نهاية الحديث عن موضوع تعبير الموظفين عن شخصياتهم، بالتأكيد، لا يعني التشجيع على الأصالة التقيد الصارم بـ "الذات الحقيقية" المفردة. فالناس بطبعهم متعددو الجوانب: فقد يكون هناك تنوع في الطريقة التي يعبر بها الأشخاص عن أنفسهم في المنزل وفي العمل، ومع ذلك لا تزال كلا الطريقتين متوافقتين مع حقيقة أنفسهم. بصفتنا موظفين، علينا ألا نسأل أنفسنا إن كنا نعبر عن حقيقتنا بالطريقة ذاتها تماماً في المنزل والعمل، بل يجب أن يكون السؤال ما إذا كان تعبيرنا الذاتي سواء في المنزل أو العمل يعكس حقيقتنا بالفعل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي