إليك هذا المقال الذي يتحدث عن التعامل مع الخسائر المالية تحديداً. يَعِدُ الضغط المتزايد من برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" (Medicare)، الذي يستنزف مبلغاً قدره 719 مليون دولار من الموارد المالية للمستشفيات الأميركية، بالتفاقم في السنوات المقبلة. ولمنع تفاقم موقف سيئ بالفعل، أو حتى تهديد بقاء هذه المؤسسات، يجب على قادة المستشفيات اتخاذ إجراءات في خمسة مجالات تتمثّل في استخدام التحليلات المحوسبة لتحديد طرق تحسين الربحية، وتخفيض تكاليف خدمات الشركات، وتشديد الرقابة على عمليات الشراء واستخدام التكنولوجيا الطبية، وتطوير البروتوكولات السريرية القياسية لعلاج الحالات المرضية، وحث الأطباء على الالتزام بها.
التعامل مع الخسائر المالية
تصاعدت خسائر المستشفيات الأميركية من علاج مرضى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" بشكل حاد عام 2012، عندما أدرج الكونغرس برنامج الرعاية الطبية في جدول ميزانيته، وبقيت نسبة هذه الخسائر مرتفعة منذ ذلك الحين. فخسرت حوالي ثلاثة أرباع مستشفيات الرعاية الحرجة قصيرة الأجل أموالها في علاج مرضى برنامج الرعاية الطبية في عام 2016، بحسب "اللجنة الاستشارية لمدفوعات برنامج الرعاية الطبية" (MedPAC)، وهي وكالة مستقلة تأسست بهدف تقديم المشورة إلى الكونغرس الأميركي بشأن القضايا التي تؤثر على برنامج الرعاية الطبية.
وكما يتبيّن من الشكل التوضيحي الذي يحمل عنوان "خسائر برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" مقارنة بخسائر برنامج المساعدة الطبية "ميديكيد" في المستشفيات الأميركية"، بلغت نسبة خسائر المستشفيات من رعاية مرضى برنامج الرعاية الطبية ما يقرب من ثلاثة أضعاف خسائر رعاية مرضى برنامج المساعدة الطبية، الذي يُعتبر البرنامج الأسوأ من جانب تغطية تكاليف المرضى المشمولين بالتأمين. وفي حين كان هامش ربح المستشفى العاديمن مرضى برنامج الرعاية الطبية ثابتاً نسبياً عند نسبة سالبة بلغت 10%، كان هامش الربح بالنسبة إلى ثلاثة أرباع المستشفيات التي خسرت أموالها في علاج مرضى البرنامج نفسه أقرب إلى نسبة سالبة بلغت 18%.
ومع استمرار مواليد جيل الطفرة في الانضمام إلى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير"، سيرتفع معدل الانتساب إلى البرنامج بنسبة 3% سنوياً حتى نهاية العقد، عام 2029، وبنسبة 2.4% سنوياً في العقد التالي. وبحلول عام 2030، سيوجد 81.5 مليون مستفيد من برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" مقابل 55 مليون مستفيد اليوم. وبما أن برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" يُعتبر أكبر برنامج محلي فدرالي، فإن إجراء مزيد من التخفيضات في مدفوعات البرنامج هو أمر شبه مؤكد عندما يزيد الركود من عجز الموازنة الفدرالية. وما يعنيه هذا بالنسبة إلى للمستشفيات واضح تماماً: فإن لم يجر احتواء خسائر المستشفيات من علاج مرضى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير"، سيكون مستقبلها المالي في خطر!
لماذا يحدث ذلك؟
ينتسب ما يقرب من ثلث مرضى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" في برنامج مزايا الرعاية الطبية "ميديكير أدفانتيج" (Medicare Advantage)، حيث تدفع الخطط الصحية الخاصة للمستشفيات لقاء خدماتها. (لم يجر تضمين أرباح هذا البرنامج أو خسائره في الشكل التوضيحي). وبالنسبة إلى البقية المنتظمة من مرضى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" البالغ عددهم حوالي 37 مليون شخص، يجري دفع مبلغ ثابت من المال للمستشفيات مقابل كل دخول إلى المستشفى بموجب نظام تصنيف المرضى (DRG) الذي وُضع منذ 32 عاماً، ومقابل كل زيارة للعيادات الخارجية للمستشفى بموجب نظام تصنيف مرضى الحالات الإسعافية (APC) الذي وُضع في عام 2000.
وفي حال لم تقم المستشفيات بإدارة تكاليف رعاية مرضى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" بشكل جاد مقابل هذه المدفوعات الثابتة، ستتكبد خسائر هائلة. يعلّق نظام السداد القديم الخاص ببرنامج الرعاية الطبية "ميديكير" أهمية كبيرة على التحكم في نفقات العمالة والإمداد والحد من إجراءات التصوير أو الفحوصات المخبرية المبددة للموارد أو غير الضرورية، إضافة إلى التقليل من فترة العمليات الجراحية والإقامات في وحدات العناية المركزة ومجموعة كبيرة من الخدمات باهظة الثمن.
ويجري معاقبة المستشفيات أيضاً من قِبل نظام برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" إذا أسفرتْ المشكلات المرتبطة بالجودة عن زيادة فترة بقاء المريض في المستشفى أو ضرورة تلقيه علاجاً إضافياً نتيجة التفاعلات الدوائية الضارة. كما أن التغييرات الأخيرة في البرنامج تعرض المستشفيات إلى مخاطر مالية، خصوصاً إذا ما إذا واجه المرضى عمليات إعادة إيداع في المستشفيات، والالتهابات المكتسبة من المستشفيات، ومشاكل الجودة الأخرى. ولا يزال نظام برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" يستكشف كيفية توسيع نطاق "نظام تصنيف المرضى" ليشمل رسوم الطبيب المتكبدة في علاج المرضى، إضافةً إلى بعض التكاليف عقب التعرض لإصابة حادة بعد الاستشفاء، وهو ما يجعل التحكم في تكاليف الحالات المرضية أكثر أهمية.
أخيراً، تستمر المستشفيات في استيعاب التقنيات الحديثة التي تجعل من الممكن إجراء العمليات الجراحية للمرضى الداخليين في عيادات خارجية، وهو ما يُسفر عن انخفاض مستمر في نسبة الحالات الجراحية الداخلية لمرضى برنامج الرعاية الطبية وزيادة في نسبة مرضى الحالات غير الجراحية أو الطبية الداخلية في البرنامج. وتُعتبر النسبة الأخيرة بالفعل من أكبر المساهمين في الربحية السلبية للمستشفيات، وبالتالي، قد تُسفر أي زيادة في نسبة عدد المرضى الداخليين عن جعل الوضع السيئ أسوأ.
ما الذي يجب القيام به؟
استخدام تحليلات البيانات لتوليد طرق لزيادة الربحية. تضم المستشفيات كماً هائلاً من البيانات من أجل التعامل مع الخسائر المالية الضخمة، وتنطوي المشكلة التي تواجهها على التركيز، بمعنى كيفية تطوير التحليلات المحوسبة، بهدف تحديد فرص خفض التكاليف المحتملة التي تنطبق على المرضى جميعاً، وليس فقط مرضى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير". ويطور بعض المسؤولين التنفيذيين للنظام الصحي مسارات ممكنة لتحسين العمليات، وهذا بهدف تحقيق تخفيضات في النفقات بنسبة تتراوح من 5% إلى 15%، استناداً إلى توقعات عناصر التكلفة في كل من عملية الرعاية والإدارة. ويجب عليهم توضيح كيفية تحقيق الأهداف المالية المستهدفة في إطار مجموعة من السيناريوهات التنظيمية والديموغرافية والتنافسية المحتملة.
الحد من الإنفاق على خدمات الشركات. تتمثّل أحد المبررات الرئيسة للموجات الأخيرة من دمج المستشفيات في تحقيق "وفورات الحجم". ومن المفارقات، أن النفقات العامة لشركات المستشفيات والأنظمة الصحية قد نَمت بالفعل في كثير من الأحيان إلى 15% أو أكثر من إجمالي نفقات النظام الصحي عند دمجها. ومع تزايد الاستثمارات في أمن تكنولوجيا المعلومات وأنظمة البيانات، والتكنولوجيا الرقمية والموارد البشرية والامتثال، تلاحظ العديد من الأنظمة الصحية أن تكاليف خدمات الشركات تزيد بمعدل أسرع من 10% سنوياً، وهي نسبة أعلى بكثير من معدل نمو الإيرادات.
ويجب على قادة النظام الصحي السيطرة على هذه التكاليف العامة وبناء نموذج خدمات للشركات يتسم بالكفاءة والاستجابة على حد سواء، وهو ما يتطلب تحديد المستوى المناسب للمؤسسة المسؤولة عن الوظائف الرئيسة وتوضيح حقوق اتخاذ القرار، أو اتخاذ قرار بالاستعانة بمصادر خارجية لإنجاز هذه الوظائف بدلاً من توفيرها داخل الشركة.
التشديد على شراء التقنيات الطبية واستخدامها. عادة ما تُنفق المستشفيات ما بين 13% و 20% من ميزانياتها على اللوازم والتقنيات الطبية. وقد فشلت مجموعة من المستشفيات في تطوير استراتيجية اختيار التقنيات وشرائها. وغالباً ما كان الأطباء الفرديون الذين تربطهم صلات مالية بموردي المعدات يفرضون التعامل مع عدة موردين، وهو ما يجعل من المستحيل بالنسبة إلى المستشفيات إجراء مشترياتها بكفاءة.
لذا، يجب على المستشفيات إشراك أطبائها في المراجعات القائمة على الأدلة لمشتريات التقنيات الطبية، والتوصل إلى إجماع بين مختلف أعضاء الطاقم الطبي، ومن ثم استخدام نفوذها الاقتصادي الكبير لخفض أسعار الشراء. كما يجب عليها أيضاً التشديد على أسعار المستحضرات الدوائية في شركات الأدوية الخاصة بها، واستخدام أفضل الأدلة العلمية المتاحة والإجماع السريري عبر طواقمها الطبية لتخفيض أسعار الأدوية بشكل جاد. وقد كان مستشفى "كايزر برماننت" (Kaiser Permanente) رائداً في عملية مراجعة التقنيات القائمة على الأدلة لأكثر من عقدين.
مخطط عمل رعاية الحالات الطبية. يبقى في معظم المستشفيات تباين غير مبرر حول كيفية علاج الأطباء للأمراض الشائعة. ومن المعتاد أن يوجد تباين بمقدار ضعفين إلى ثلاثة أضعاف من طبيب إلى آخر من ناحية مدى كفاءة علاجهم لحالة طبية معينة، وهو ما يُسفر عن خسائر في برنامج الرعاية الطبية "ميديكير".
إلا أنّ الرعاية الارتجالية بدأتْ تفسح المجال للرعاية المخططة مسبقاً من خلال البروتوكولات المستمدة من الأدبيات العلمية. ويُعرف إنشاء بروتوكولات الرعاية هذه باسم مخططات العمل. ويُعتبر إعداد مخططات العمل النهج الأكثر تقدماً في مجال رعاية مرضى السرطان، إذ يجري تنظيم الرعاية بشكل متزايد وفقاً للمبادئ التوجيهية التي جُمعت من قبل الشبكة الوطنية الشاملة للسرطان (NCCN)، وتعمل المستشفيات وفرقها السريرية على تطوير بروتوكولات مفصلة لعلاج الحالات الأخرى بطريقة تحدد الأسلوب الأمثل لإدارة مشكلات المرضى. وتحدد هذه البروتوكولات المسار الذي يتبعه المريض طوال فترة التعافي، بما في ذلك فترة ما بعد التدخل الطبي وإعادة التأهيل.
وبمجرد التوصل إلى إجماع حول أفضل أساليب العلاج، يجري تضمين المسارات الناتجة في نظام السجلات الطبية الإلكترونية لتوجيه الأطباء في قراراتهم المتعلقة بإدارة الرعاية. وكانت شركات "جايزنجر" (Geisinger) و "إنترماونتين هيلث كير" (Intermountain Healthcare) و "فيرجينيا ميسون" (Virginia Mason) رائدة في هذه المجال.
تحقيق الانضباط السريري. ومع ذلك، لا تُعتبر مخططات عمل الرعاية كافية، بل لا بدّ من إسناد المسؤولية إلى الأطباء الذين يُديرون رحلة علاج المريض ويضمنون الالتزام بمخطط العمل.
وتدار معظم الرعاية للمرضى الداخليين اليوم من قبل أطباء المستشفى وأطباء العناية المركزة الذين يعملون في المستشفى أو يجري التعاقد معهم من قبل مجموعات محلية أو وطنية. ولا يخضع "مدراء العمليات" السريرية للإشراف على نحو فاعل في كثير من الأحيان، وهو ما يُسفر عن إهدار وقت الطبيب ونفقاته التي تتجاوز تكاليف علاج حالات برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" الثابتة. ويؤدي ممرضو الممارسة المتقدمة ومساعدو الأطباء ومنسقو الرعاية أيضاً دوراً مهماً في إدارة نفقات العلاج، وخصوصاً في مرحلتي الرعاية والتعافي.
وتُعتبر هذه الخطوات كلها ضرورية للتحكم بتكاليف علاج الحالات السريرية، كما أنها تمثّل الحل الرئيس لتقليل الخسائر الناجمة عن علاج مرضى برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" ومن أهم التعامل مع الخسائر المالية أيضاً. وقد تُسفر العمليات نفسها عن نتائج سريرية أفضل للمرضى المؤمن عليهم تجارياً ومرضى برنامج المساعدة الطبية "ميديكيد"، وهو ما يضمن أن تحسن المستشفيات هوامش أرباحها في مواجهة قيود السداد الأكثر طلباً. وستصبح هذه الخطوات ضرورية في حالة ارتفاع العجز الفدرالي وتكاليف فوائد الشركات، وهو ما يفرض مزيداً من التغييرات في كيفية سداد تكاليف الرعاية الصحية.