ملخص: يتناول المؤلفون في هذه المقالة النتائج التي توصلوا إليها من خلال إجراء بحوث حول مدى فاعلية تطبيق أساليب اتخاذ القرارات العلمية في نجاح المشاريع الجديدة في سياق الشركات الناشئة الرشيقة. ووجدوا أن مؤسسي الأعمال الرشيقين المدربين على المنهج العلمي حققوا معدل نجاح أعلى من أولئك الذين لم يتلقوا مثل ذلك التدريب. وعرضوا دراسة حالة لاثنين من رواد الأعمال الرشيقين الذين نجحوا في تطبيق المنهج العلمي على مشروع تأجير السكوترات للركاب.
اسأل أي مؤسس لشركة ناشئة في السنوات الأخيرة عن النهج الذي استرشد به في الأيام الأولى من رحلة ريادة الأعمال وسيبرز نهج الشركات الناشئة الرشيقة إلى مقدمة الحوار. أصبح الكتاب الذي ألفه رائد الأعمال لسلسلة من المشاريع ومهندس البرمجيات إريك ريس، والذي نُشر في عام 2011، المرجع الأساسي لرجال الأعمال المبتدئين؛ وقد بيع منه أكثر من مليون نسخة ويجري تدريسه في كليات إدارة الأعمال ومسرعات الأعمال.
ويمكن في الواقع تحسين نهج الشركات الناشئة الرشيقة من خلال تبني أسلوب التكرار الذي يدعو إليه. وأعتقد أنني وجدت وزملائي طريقة ما لتحسين ذلك النهج.
يستدعي نهج الإدارة الرشيقة من الشركات الناشئة تحديد طبيعة مشكلات الزبائن واحتياجاتهم، والحصول على تقييمات، وطرح منتجات بالحد الأدنى من المواصفات لتقييم الطلب. ومن الضروري أن تعاود الشركات تكرار تلك العملية مرة تلو الأخرى إلى حين يوم إطلاق المنتج، وحتى بعد ذلك اليوم. إذ ينطوي نهج الإدارة الرشيقة على التعلم السريع القائم على التكرار من خلال التجريب والحصول على الملاحظات، والاستسلام أو تغيير المسار عندما يتعذر تحديد مدى فاعلية الفكرة الأصلية.
ووجدت وزملائي أن تدريب مؤسسي الشركات الناشئة على التفكير مثل العلماء قد يساعدهم في تقليل مخاطر التمسك بأفكار مآلها الفشل. وفي تجربة عشوائية منضبطة أُجريت على 116 شركة ناشئة في مراحلها الأولى، تبيّن لنا أن رواد الأعمال الذين تعلموا وضع فروض من النظريات واختبارها بدقة على عينات مختارة من العملاء المحتملين كانوا أكثر ميلاً للإقرار بمدى سوء أفكارهم، والتخلي عن الأفكار غير المجدية والابتعاد عن المزالق، وهو ما مكّنهم من توليد إيرادات أكثر من مجموعة الضبط.
إعادة تطبيق نهج الشركات الناشئة الرشيقة
دخلنا في شراكة مع مدرستين ناشئتين لتطوير برنامج تدريبي يعتمد على النهج الذي تتبعه الشركات الناشئة الرشيقة. ثم عرضنا على الشركات الناشئة التسجيل في برنامجنا التدريبي بشكل مجاني، وخاصة تلك الشركات التي تركز على نماذج الأعمال، أو تلك التي بدأت العمل على الفكرة مؤخراً. ونظراً للقيود المفروضة على الموارد، اخترنا 116 شركة فقط من بين 164 شركة تقدمت بطلب للاشتراك. وُزعت الشركات بشكل عشوائي ضمن مجموعتين، مجموعة العلاج ومجموعة الضبط.
وحضرت المجموعتان البرنامج التدريبي نفسه على مدى الأشهر الأربعة التالية ولكن بشكل منفصل؛ واشتمل البرنامج على 5 محاضرات و5 جلسات تدريب مع موجه. تعلّم جميع المشاركين كيفية وضع "مخطط نموذج الأعمال"، وإجراء مقابلات شخصية سلوكية مع الزبائن، وطرح منتجات أو خدمات بالحد الأدنى، وتقييم ردود الزبائن على تلك المنتجات أو الخدمات من خلال إجراء التجارب أو تحليل البيانات شبه التجريبية.
وانطوى الاختلاف بين المجموعتين على أننا درّبنا مجموعة العلاج على كيفية استخدام المنهج العلمي طوال العملية؛ فتعلم أعضاء المجموعة أولاً استخدام مبادئ التفكير الأولى التي أتاحت لهم تحديد الفروض والاستنتاجات التي توصلوا إليها بينما كانوا يعيدون النظر في جدوى أفكارهم التجارية. وأجروا بعد ذلك دارسة على العلاقات بين عناصر "مخطط نموذج الأعمال" الذي وضعوه، مثل "عروض القيمة" و"هيكل التكلفة" وما إلى ذلك، وطوروا عادة إجراء تقييم كامل على النموذج بأكمله. وجرى تدريبهم أيضاً على جمع الأدلة من خلال تنفيذ تجارب مصممة بطريقة فاعلة وإجراء تحليل دقيق للبيانات. وشجعناهم في النهاية على توضيح قواعد اتخاذ القرارات قبل تنفيذ تجاربهم أو إجراء المقابلات الشخصية، وذلك حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الاستمرار في تطبيق النهج أو اتباع نهج آخر.
باختصار، جرى تدريب رواد الأعمال في مجموعة العلاج على التفكير والتصرف مثل العلماء. وساعدهم ذلك النهج المنظم في التخفيف من تحيزاتهم عندما أجروا دراسة على مؤشرات السوق وحللوها. كما قلل النهج من احتمالية تطوير نتائج إيجابية غير صحيحة (بمعنى قبول الأفكار السيئة عن طريق الخطأ)، ونتائج سلبية غير صحيحة (بمعنى رفض الأفكار الجيدة). في النهاية، تجنب المؤسسون أصحاب العقلية العلمية في دراستنا نهج التبعية للمسار، الذي قد تُسفر الخطوة المبكرة الخاطئة فيه عن تأثير دائم على القرارات النهائية.
وأجرينا خلال فترة التدريب ولمدة 10 أشهر بعد ذلك ما مجموعه 16 مقابلة هاتفية مع كل شركة ناشئة هدفها الرصد والمتابعة. بالنسبة للشركات التي انسحبت من التجربة والبالغ عددها 44 شركة، واصلنا عقد مقابلات شخصية معها إلى حين اليوم الذي قررت فيه الانسحاب. وبالمقارنة مع مجموعة الضبط، كان عدد الشركات التي انسحبت من مجموعة العلاج أكبر (24 شركة مقابل 20 شركة)، وكان عدد الشركات التي اتخذت قراراً بتغيير مسار أعمالها أكبر أيضاً (19 شركة مقابل 11 شركة). بالإضافة إلى ذلك، حققت مجموعة العلاج مزيداً من الإيرادات، فقد سجلنا 85 ملاحظة إيجابية فيما يتعلق بالإيرادات في مجموعة العلاج مقارنة بحوالي 22 ملاحظة لمجموعة الضبط على مدار عام واحد. وبلغ متوسط الإيرادات 7,800 يورو لدى مجموعة العلاج مع وسيط إيرادات وصل إلى 1,300 يورو؛ في حين بلغ متوسط الإيرادات 900 يورو لدى مجموعة الضبط مع وسيط إيرادات بلغ 500 يورو.
التنقل في مدينة ميلانو
توضح شركة "مي موتو" (MiMoto) التي تقدم خدمات السكوتر التشاركي أهمية المنهج العلمي في تحسين عملية صناعة القرار الريادي، إذ كان مؤسسوها الثلاثة ضمن مجموعة العلاج في دراستنا.
وضع المؤسسون بداية خطة لعرض سكوترات كهربائية متينة وآمنة للإيجار لطلاب الجامعات في مدينة ميلانو، وذلك بناءً على تجربتهم الخاصة في التنقل من المدرسة وإليها؛ وكانت مدينة ميلانو بالفعل موطن شركة "إنجوي" (Enjoy) التي تقدم خدمات السكوتر التشاركي الرائدة والتي تلبي بالفعل احتياجات الركاب العاملين الذين يبلغون 21 من العمر وما فوق. سافر مؤسسو شركة "مي موتو" إلى مدن سان فرانسيسكو ومكسيكو سيتي وبرشلونة لإجراء دراسة على الشركات الناشئة التي تقدم خدمات مماثلة. واقتنعوا بعد بذل جهود مكثفة أن فكرتهم التي تنطوي على تقديم خدمات السكوتر التشاركي دون الالتزام بمواقع ثابتة لركن السكوتر والتي تستهدف طلاب الجامعات كانت قابلة للتطبيق.
وفي أواخر عام 2015، انضم المؤسسون إلى برنامجنا التدريبي المخصص للشركات الناشئة وكانوا ضمن المجموعة التي سيجري تدريبها على النهج العلمي. وبعد تطبيق ما تعلموه حول تحليل الافتراضات واختبار نموذج عملهم من خلال طرح فروض قابلة للخطأ، أجرى مؤسسو شركة "مي موتو" تجربة مع 600 طالب جامعي. جرى توزيع المشاركين بشكل عشوائي لتجربة أحد موديلات السكوتر العشرة وأُجريت مقابلات شخصية معهم بعد ذلك هدفها التقصي عن مدى استعدادهم لاستخدام خدمة السكوتر التشاركي، بالإضافة إلى معرفة موديل السكوتر المفضل لديهم.
لكن النتائج قلبت فكرة العمل الأصلية لشركة "مي موتو" رأساً على عقب، إذ لم يُبد معظم طلاب الجامعات حماسهم بشأن فكرة استخدام السكوتر. كانت جداول مواعيدهم ثابتة إلى حد ما، ومحددة وفق مواعيد المحاضرات الجامعية، وبالتالي، كان خيار وسائل النقل العام مريحاً وأرخص أيضاً بشكل عام. ولم تنجذب إلا قلة منهم فقط لفكرة استئجار السكوترات.
وقد أظهر الاستطلاع أيضاً أن اختيار شركة "مي موتو" طرح السكوترات المتينة كان من الممكن أن يجعل الشركة الناشئة تتكبد خسائر مالية كبيرة قبل أن تطرح منتجاتها حتى؛ فقد قال المشاركون، وخاصة النساء، أنهم لا يحبون السكوترات المتينة وغير العملية ذات العجلات الثلاث. وتوصّل مؤسسو "مي موتو" من خلال تلك النتائج إلى السبب الرئيس الذي أسفر عن فشل سلسلة منتجات "إنجوي" ذات العجلات الثلاث في اكتساب شعبية في السوق، إضافة إلى أسعارها المرتفعة نسبياً. (وتوقفت شركة "إنجوي" بالفعل عن طرح منتجات السكوترات في شهر يوليو/تموز عام 2017).
ومع ذلك، أشارت تجربة "مي موتو" إلى أن تلك السكوترات الذكية ستجذب المسافرين الذين يحتاجون إلى التنقل في طرق ميلانو المزدحمة خلال فترة قصيرة. لذلك، حوّل المؤسسون تركيزهم على تلك الشريحة من الزبائن، وقاموا بتوليد فروض جديدة واختبارها. وواصلوا تضييق نطاق التركيبة السكانية المختلفة للعملاء المحتملين وتعديل موديلات السكوترات إلى حين توصلوا إلى مقدار الحد الأدنى للمنتج وحددوا شريحة الزبائن الواعدة، والتي تمثّلت في المهنيين الشباب الذين رغبوا في العثور على طريقة مرنة وسريعة للتنقل حول مدينة ميلانو وكانوا على استعداد لدفع ثمن تلك الخدمة.
استغرقت عملية التحقق من صلاحية السوق وقتاً أطول مما توقعه المؤسسون، وهو ما أدى إلى تأخير إطلاق خدمتهم مدة عامين كاملين حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2017. لكن جهودهم المنهجية والعلمية آتت أُكلها، حيث حققت شركة "مي موتو" أرباحاً بلغت أكثر من مليون يورو وطرحت موديلات جديدة كموديل "تورين" (Turin) و"جنوة" (Genoa)، ومن المقرر أن يُطرح موديل "فلورنس" (Florence) عبر الإنترنت هذا العام. وقد اشترك أكثر من 70 ألف مستخدم في الخدمة؛ وطرحت الشركة 600 سكوتر جرى استئجارها بمعدل 3 مرات في اليوم. كما مثّل تأسيس 4 شركات منافسة أخرى مقياساً إضافياً لنجاح شركة "مي موتو". بالإضافة إلى ذلك، أدرجت السلطات الإيطالية العام الماضي خدمة السكوتر التشاركي ضمن "سلة السلع" التي تهدف إلى تقييم أسعار السلع الاستهلاكية.
ووافق مؤسسو شركة "مي موتو" مؤخراً على بيع الشركة لشركة "هيلبيز" (Helbiz) التي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لها، وهي شركة زميلة ناشئة في مجال النقل الصديق للبيئة، وتوقف إتمام تلك الصفقة على النجاح في إدراج شركة "هيلبيز" في بورصة "ناسداك". وبدأت الشركتان في دمج أساطيلهما من الدراجات النارية ذات العجلتين والدراجات الهوائية والسكوترات الإلكترونية، وهو ما أتاح للكيان المشترك الوصول إلى مكانة رائدة في السوق في إيطاليا، مع وجود خطط للتوسع في مدن في أوروبا والولايات المتحدة.
***
يوجد كثير من القواسم المشتركة بين المنهج العلمي في الشركات الناشئة ونهج الشركات الناشئة الرشيقة، فكلاهما يقدران عمليات التجريب والاكتشاف والتعلم المستمر. وفي حال وصفنا نهج الشركات الناشئة الرشيقة بأنه نهج نظري، فإن المنهج العلمي هو نهج عملي. ومن المرجح أن يُسفر استخدام تقنيات التحري الدقيقة عن نتائج أفضل بالفعل.