من المتوقع أن يتقاعد خلال العقد القادم قرابة 10,000 شخص يومياً، وهم حصراً من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي أطلق عليهم (Baby Boomers)، وسيكون لدى القادة الشباب فرصة كبيرة لتسلّق السلم الوظيفي. وبحلول العام 2030، سيشكل جيل الألفية وحدهم ثلاثة من أصل أربعة أفراد من القوة العاملة في أميركا؛ وسوف تواجه الشركات شيئاً فشيئاً تحديات متعلقة بكيفية تسريع عملية تطوير هؤلاء الأفراد ليكونوا قادرين على شغل المناصب القيادية.
لقد تطرقت العديد من الشركات التي شملها بحثنا حول آفاق القيادة للمدراء التنفيذيين وقادة الألفية إلى هذه المشكلة القيادية، وقد شارك في البحث المؤسسات الثلاث لدينا: وهي مؤسسة مجلس المؤتمر (The Conference Board)، و"آر دبليو 2" (RW2) ودي دي آي (DDI)، وقد تم تناول خيارات الإدارة والتطور لدى القادة الشباب في الشركات الأميركية.
وعندما أظهر البحث الاهتمام الذي توليه الشركات للتنمية السريعة، قررنا المتابعة مع بعض المشاركين في الدراسة لمعرفة المزيد. وجذبت برامج التنمية السريعة في شركتي أميركان إكسبرس وجونسون آند جونسون انتباهنا بشكل خاص. (ملاحظة: يشغل رون، أحد الباحثين معنا، منصباً في مجلس إدارة هاتين الشركتين، واللتين هما أعضاء في مجلس المؤتمر). ونطرح هذه الأمثلة هنا لنوضح كيف أنّ هاتين الشركتين اللتين تفكران بالمستقبل تعملان الآن لملاقاة احتياجات المواهب المستقبلية لديها.
شركة أميركان إكسبرس
في العام 2016، كلّف الرئيس التنفيذي السابق لشركة أميركان إكسبرس كين تشينولت المدير التنفيذي للموارد البشرية كيفين كوكس بمهمة البحث عن فرص جديدة من شأنها أن تقود الابتكار وتحقق النمو بالعوائد. وأخبرنا كوكس وفريقه عندما تحدثنا إليهم بأنهم توجهوا نحو شريحة معينة في الشركة: وهم الشباب الذين يشغلون منصب نائب الرئيس، والذين تخرجوا حديثاً من برنامج تطوير التعلم السريع (ALD) الخاص بالشركة والذي مدته 6 أشهر.
وعقدوا اجتماعاً مع 75 شخصاً من ذوي الأداء المرتفع في البرنامج (العديد منهم كانوا حديثي التخرج من كلية إدارة الأعمال) لمدة ثلاثة أيام، عملوا خلالها على خلق الأفكار وحل المشاكل. وفي خريف العام 2016 انعقد أول مؤتمر لتحدي نمو العائدات التابع لبرنامج تطوير التعلم السريع، في البداية، تم إعلام المشاركين أنّ الرئيس التنفيذي قد دعاهم للعمل على معالجة المشاكل الملحة للشركة، وقُسموا إلى فرق مكونة من أربعة إلى خمسة أشخاص، وعقدوا جلسات حول البيانات المتاحة والاستراتيجية الحالية، وانخرطوا مع العملاء، والموظفين، وأصحاب المصلحة الآخرين.
في اليوم الثالث، شاركت الفرق الثلاثة عشر بترشيح الرئيس وقادة الإدارات العليا الذين تأثرت أعمالهم بالمشاكل التي يتم معالجتها. وكان من الضروري تقديم عروض توضيحية لإقناع القادة بأنّ الفكرة الجديدة تستحق الاستثمار وتسخير الجهد المطلوب لها من أجل تطبيقها على أسلوب أعمال الشركة. لقد تعلّم المشاركون خلال البرنامج كيف من شأن أفكارهم أن تدفع بعجلة النمو وكيف يعملون على تطويرها لتشمل كامل المؤسسة، وكذلك كيف تكون أعمالهم مستدامة اقتصادياً. وفي المؤتمر الأول لشركة أميكس (أميركان إكسبرس)، قام القادة بتبني خمس أفكار على الفور وحددوا أربع أفكار أخرى لإعادة النظر فيها.
شركة جونسون آند جونسون
تظهر بيانات شركة جونسون آند جونسون أنّ تعددية المهام، وتنوع الأقسام، والمهام الموكلة على المستوى العالمي ترفع من احتمالية تطور الموظفين في المؤسسة. ولكن القادة الصاعدين غالباً ما ينقصهم الوقت لجني ثمار مثل هذه التجارب، وبهدف مواجهة هذا التحدي، قامت شركة جونسون آند جونسون بإطلاق برنامج مسرّعات تطوير المواهب (TAP) الخاصة بها في العام 2012، والذي يضع الأفراد على المسار السريع للتطور من مراحلهم الوظيفية الأولى والمتوسطة نحو مناصب القيادة العليا. والجدير بالذكر، أنّ معدل احتفاظ الشركة بالمشاركين هو حوالي 80%، كما ويحصل المشاركون على الترقيات بمعدل 30% أعلى من غيرهم.
وضّحت نائب رئيس إدارة المواهب في شركة جونسون آند جونسون ماريا لوريا؛ أنّ برنامج تسريع تطوير المواهب والذي مدته من أربعة إلى خمسة أشهر يهدف إلى تزويد القادة الجدد بطائفة واسعة من الخبرات بحيث يتعلمون من الأفراد، أو المؤسسات، سواء داخل المؤسسة أو خارجها، ويختبرون تقنيات جديدة تعزز قدرتهم على التعلم والتفكير بشكل مختلف. وما تريده شركة جونسون آند جونسون من القادة هو أن يدركوا: ما هي الأمور التي من شأنها أن تخلق المشاكل؟ وماذا يعني أن يكون الشخص رائد أعمال؟ وماذا يترتب عليه من مسؤوليات؟ وما هي نماذج الأعمال المستقبلية؟ باعتقادهم؛ سوف تستخدم الشركات الناجحة شيئاً فشيئاً نماذج مبتكرة بعد خمسة أعوام من الآن، والتي لا يظن أحد في الوقت الحالي أنها مجدية.
يخضع المشاركون خلال البرنامج لثلاث جلسات مكثفة ويعملون على "مشروع تعلم عملي" كجزء من فريق صغير. ويتكون أعضاء الفريق من أفراد ينتمون لمواقع جغرافية ومسارات مهنية وخطوط أعمال ومناطق زمنية مختلفة، ويتوجب على الفرق العمل معاً بأسلوب التوجيه الذاتي، وفي حين أنّ المتدربين يخضعون لتدريب وتوجيه ممتاز؛ إلا أنّه يتوجب عليها تكوين أسلوبهم الخاص، كما أنهم يتعلمون بسرعة أنّ نجاح المجموعة والتعاون سيؤدي إلى النجاح على المستوى الفردي، ويغوصون عميقاً في "الجلسات الداخلية"، حيث يختبر المشاركون تجربة غامرة (ثلاث جلسات مدة كل منها أسبوع واحد) في مواقع جغرافية مختلفة ونقاط مكتظة بالإبداع؛ إذ يجتمعون مع عملاء، وموظفي شركة جونسون آند جونسون، وقادة مؤسسات أخرى متنوعة، ويتعلمون كيف تعالج الشركات الصعوبات التي تواجهها وكيف تستخدم نهجاً مبتكراً للدفع بعجلة النجاح.
ووصف المشاركون كيف أنهم اجتمعوا حول طاولة المؤتمر، وتم طرح مشكلة معقدة عليهم، وقيل لهم إنهم يمثلون أعضاء مجلس الإدارة في شركة ما، ويتوجب عليهم عدم مغادرة مواقعهم إلى أن يتخذوا قراراً بشأن أسلوب العمل وذلك خلال مدة زمنية ضيقة جداً. وكان يراقب الجلسة مدربين وموجهين يقومون بتدوين الملاحظات التي سيشاركونها بشكل فردي مع المشاركين. وعلى الرغم من الارتباك الذي حصل في البداية، إلا أنّ هذا النوع من الملاحظات لفت انتباه المشاركين حول طرق التفكير والتصرف الصحيح، وأساليب الإدارة الأفضل.
لماذا تنجح مثل هذه البرامج؟
برز أسلوب التعلم التناظري (أو التعلم من تجارب تبدو غير ذات صلة) في برنامج شركة جونسون آند جونسون. فخلال المقابلات، قالت إحدى المشاركات في برنامج مسرعات تطوير المواهب أنّ هذا النهج مهم جداً بالنسبة لأهدافها المهنية وترقيتها الأخيرة، وكجزء من مشاركتها، تم تكليفها بوضع برنامج للكشف عن السرطان. وتطلّبت إحدى مهام التعلم التناظري عقد اجتماع مع الرئيس التنفيذي لشركة ناشئة وناجحة جداً؛ تعمل في مجال بيع السلع المنزلية في المملكة المتحدة. لقد تعلمت خلال تجربتها قيمة الفهم العميق لاحتياجات الأشخاص الذين تحل لهم مشاكلهم، وقد أدت هذه التجربة التي تركز على العملاء إلى قيامها بالتعاون مع فريقها بإنشاء برنامج كشف جديد ومبتكر ومجدي تجارياً لمشروعهم الخاص. إنّ المنظور الجديد الذي أصبحت ترى من خلاله الأمور؛ مع التدريب الفردي والملاحظات التي تلقتها من برنامج تسريع تطوير المواهب، كل ذلك، منحها الثقة للتقدم لشغل منصب قيادي أكبر؛ والذي تلقته لاحقاً.
ومن ضمن الأمور التي جذبت الانتباه في برنامج أميركان إكسبرس هي أنّ هذه الأنواع من برامج التعلم لا تستغرق وقتاً طويلاً. إذ كان لدى المشاركين في برنامج أميركان إكسبرس ثلاثة أيام فقط قبل ترشيح الفريق الأول، وقامت القيادة بتبني خمس من الأفكار على الفور وحددت أربع أفكار أخرى؛ إذ تطلبت المزيد من المعلومات وتم تجاوز أربع. يبرهن ذلك أنّ التعرض لضغط عمل كبير يمكن أن يثير أفكاراً جديدة ومبتكرة في كثير من الأحيان. أما بالنسبة إلى المشاركين في البرنامج، فإنّهم قطعوا شوطاً كبيراً في مسيرتهم المهنية مع أميركان إكسبرس. وبشكل عام، فقد رأت شركة أميكس أنّ المشاركين في برنامج تطوير التعلم السريع هم أكثر احتمالاً للترقية بمرتين أو ثلاث مرات خلال خمسة أعوام مقارنة بأقرانهم أصحاب الكفاءات العالية.
ابتكرت كل من هاتين الشركتين مجموعة برامج مفيدة للطرفين، وسرّعت كل منهما سيناريوهات التطوير، مع توفير تجارب واقعية للمشاركين لتعزيز قدراتهم الشخصية، وإعدادهم ليصبحوا قادة. في الوقت نفسه، تعدى الأمر مجرد مساعدة هذه الشركات موظفيها على تطوير مهاراتهم؛ فمن خلال التركيز على المشاكل الواقعية في برامج التنمية؛ وضّحت الشركة كيف يمكن تغيير النتيجة النهائية من خلال تزويد المواهب الشابة بتجارب جديدة لحل المشاكل.
كما وجد بحثنا أيضاً أنّ القادة الشباب في مختلف الشركات على استعداد لترك عملهم في حال لم يتطورا، ولكنهم يفضلون البقاء طالما أنهم يجدون العكس، (كان ما يقارب الـ44% من المشاركين في الدراسة على استعداد للبقاء لمدة 15 سنة أو أكثر)، وعندما تم سؤالهم عن الأمر الذي يدفعهم إلى ترك عملهم، أشار الكثير منهم إلى عدم وجود فرص للتطور.
في حين تتضمن برامج شركتي جونسون آند جونسون وأميركان إكسبرس على عناصر تتماشى مع ما سمعناه في المقابلات ومجموعات التركيز. إذ قال القادة الشباب أنهم يقدرون مهمات التطوير والتوجيه وملاحظات المدراء، وصنّفوها على أنها أفضل ثلاثة أمور من شأنها أن تعزز تطوير مهاراتهم القيادية. بالإضافة إلى ذلك، وجدنا أنّ أسلوب التعلم الذاتي بشكل كامل لم يحظ بتصنيف عال بين القادة الأصغر سناً لأنهم يفضلون التعلم المباشر والملاحظات المباشرة؛ في حين أنه حصل على المرتبة الثانية بين الرؤساء التنفيذيين للموارد البشرية في استبياننا. لقد تم تطوير برامج هاتين الشركتين بأسلوب يجعل المشاركين يختبرون التجارب بعمق، إذ تم طرح المشاكل المتزامنة عليهم، وزُودوا بأدوات التدريب والتعلم.
في السنوات القادمة، ومع استمرار ارتفاع عدد المتقاعدين عن عدد الداخلين الجدد؛ فإنّ سوق العمل في أميركا سوف يكون بوضع حرج، وسيكون لدى العمال تأثيراً أقوى فيما يتعلق بالمكان الذي يعملون فيه، وسوف يستفيدون من التعويضات ومرونة العمل، وسيتوجب على أصحاب العمل التركيز أكثر على تنمية القادة الواعدين من خلال فرص التطوير المستمر الذي يعزز دور كل من الفرد والمؤسسة.