لم يسبق أن شهدنا مثل هذا الفيض من الاكتشافات البحثية المذهلة ذات التطبيقات العملية الواضحة في عالم الأعمال. نسمع كل يوم تقريباً عن دراسة جديدة ومفاجئة من علم الاقتصاد السلوكي أو علم النفس الاجتماعي. لنأخذ على سبيل المثال تجربة توضح أن مجرد رفع مستوى الفرد جسدياً (استعارة تدل على ارتفاع مكانته الأخلاقية أو فضائله) على سلم متحرك يؤدي إلى زيادة إسهاماته في الأعمال الخيرية. أو خذ على سبيل المثال أحد الاكتشافات الذي يشير إلى أن المشاهدين الذين يتابعون تقريراً في وسائل الإعلام يتناول موضوعاً عن الموت، مثل حادث سيارة، يفضّلون العلامات التجارية المحلية على العلامات التجارية الأجنبية.
لا تقتصر قيمة مثل هذه الأبحاث على تقديم قصص مشوقة ومقنعة فحسب، بل تسهم أيضاً في صياغة أخبار تنتشر بسرعة وتجذب انتباه الجمهور. الأهم من ذلك، أن العديد من المدراء قد يستخدمون مثل هذه الأبحاث للتفكير بطريقة إبداعية واتخاذ قرارات عمل جريئة. بعد قراءة النتائج، التي تشير إلى أن الارتفاع الجسدي يشجع السلوك الاجتماعي الإيجابي، قد تقرر مؤسسة غير ربحية وضع المتبرعين المحتملين على منصة مرتفعة (لتحفيزهم على التبرع)، وبناءً على الأبحاث التي أجريت حول العلاقة بين تصوير الموت وتفضيل العلامات التجارية المحلية، قد تتجه الشركات المحلية إلى الإعلان خلال نشرة الأخبار المسائية (التي تغطي أخبار الوفيات والحوادث). لسوء الحظ، إن المدراء الذين يطبّقون نتائج هذه الأبحاث سوف يهدرون أموالهم؛ إذ أُلغيت نتائج كلتا الدراستين، وذلك بعد اعتراف الباحثين المسؤولين عن إعدادهما بارتكابهم جريمة الاحتيال الأكاديمي الصريح.
تسلّط هذه الأمثلة الضوء على حقيقة مؤلمة يجب على المدراء إدراكها. يواجه مجال علم النفس التجريبي أزمة في الوقت الحالي، في غضون السنوات القليلة الماضية فقط، اعترف عدد من الباحثين البارزين والمنتجين في مجال علم النفس بتزوير البيانات، ما أدى إلى سحب عشرات الأوراق البحثية وظهور علامات استفهام حول مجالات بحثية كاملة. تشير الدراسات إلى انتشار الممارسات المثيرة للجدل لجمع البيانات وتحليلها بهدف زيادة فرص العثور على نتائج مثيرة للدهشة، على نطاق واسع في هذا المجال، ما يثير الشكوك حول مدى موثوقية النتائج المقدمة وقابليتها للنقل والتطبيق في سياقات أخرى. في الأسبوع الماضي فقط، أسفرت محاولة واسعة النطاق نفذها مئات الباحثين لتكرار الدراسات المنشورة في مجلات علم النفس البارزة عن استنتاجات مثيرة للقلق، فمن أصل 100 دراسة خضعت للاختبار، استطاع الباحثون تكرار 39 دراسة فقط بنجاح. (على الرغم من ذلك، فإنه من المهم الإشارة إلى أن هذا لا يعني بالضرورة تورّط فرق البحث الأخرى في عمليات احتيال).
ما تداعيات هذه الخلافات المحتدمة في مجال علم النفس على المدراء؟ تؤكد هذه الخلافات ضرورة انتباه المدراء وحذرهم بشأن النتائج التي يقدمها الباحثون، وتشير إلى أهمية تحسين معرفتهم بالإحصائيات الأساسية لتقييم صحة النتائج المقدمة بطريقة أعمق وأدق وأفضل. يمكن تلخيص الآثار المترتبة على ذلك في 4 نقاط:
- كن متشككاً في النتائج المثيرة والروايات المعقدة. يشهد علم النفس التجريبي منذ عقود اتجاهاً نحو تطوير تفسيرات أكثر تعقيداً حول ظروف حدوث تأثيرات ونتائج معينة وأسبابها. في الواقع، يُعد التعقيد المعيار الذي يعتمده العديد من محرري المجلات والمراجعين لتحديد مدى إمكانية نشر الأبحاث. لكنّ التركيز على إنشاء قصص وتفسيرات معقدة قد يكون له بعض النتائج السلبية. يلجأ الباحثون غالباً إلى أساليب إبداعية ومثيرة للجدل، مثل إجراء اختبارات متكررة وحيل إحصائية للحصول على نتائج مقبولة، وهذا هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى فشل تكرار العديد من الدراسات. تعتمد التفسيرات المعقدة، بحسب تعريفها، على الظروف المحددة التي تُنفذ فيها الدراسة، وبالتالي، لا يمكن تطبيقها خارج سياق هذه الدراسة، وينطبق الأمر نفسه على النتائج المثيرة وغير المتوقعة. تُظهر حالات الاحتيال الأكاديمي أنه إذا كانت النتائج تبدو مذهلة للغاية، فمن المحتمل أنها تستحق نظرة فاحصة للتحقق منها.
- انتبه إلى التأثيرات والنتائج الفعالة التي تثبت قوتها وقابليتها للتطبيق عبر سياقات مختلفة. تُعد التأثيرات البسيطة والفعالة أكثر قيمة بالنسبة للمدراء مقارنة بالروايات المعقّدة. في معظم الحالات، لا يحتاج المدراء حتى إلى معرفة سبب حدوث تأثير نفسي معين من أجل استخدامه. على سبيل المثال، على مدار أكثر من 15 عاماً من دراسة تأثيرات الدراسات الاستقصائية التسويقية، كنت أجد دائماً (بالتعاون مع المؤلفين المشاركين) أنه عندما يشارك العملاء في الدراسات الاستقصائية، فإن هذه المشاركة تزيد من ولائهم على المدى الطويل. حتى يومنا هذا، لا أستطيع تحديد سبب حدوث هذا التأثير بالضبط، لكن ثمة 3 تفسيرات محتملة على الأقل. لكن هل يُعد هذا الأمر مهماً حقاً؟ في مجموعة من الدراسات التي أجريناها نحن وباحثون آخرون، تبيّن حدوث هذا التأثير في العديد من القطاعات، بغض النظر عن طريقة استطلاع آراء العملاء سواء عبر الإنترنت أو عبر الهاتف.
- تنشيط المفاهيم الإحصائية ذات الصلة وتحسينها. عند تقييم تقرير بحثي أو دراسة، ولا سيما عند التفكير في تطبيقهما، فإن التفاصيل تكون ضرورية ومهمة للغاية. تكمن إحدى النتائج الإيجابية للأزمة التي يواجهها مجال علم النفس في أن علماء النفس يشككون في أهمية تركيزهم المفرط على البحث عن اختلافات كبيرة في الدراسات. يشهد مجال علم النفس حالياً تحولاً نحو دراسة أدق للبيانات وعرض النتائج بناءً على فواصل الثقة ومعدلات التأثير. يمثّل الوقت الحالي فرصة جيدة للمدراء لمراجعة معلوماتهم حول هذه المفاهيم وتحسينها وفهم أساسيات تصميم تجارب الأعمال. يستحق هذا الجهد العناء بالفعل؛ إذ سيؤدي ذلك إلى تحسين قدرة المستهلك على تمييز الأبحاث النفسية المقدّمة وزيادة فعالية استخدامها.
- ادعم جهود تكرار الدراسات والتجارب وشارك نتائج الأبحاث بأي طريقة ممكنة. بالنسبة للباحثين الأكاديميين، لا تتوافر الحوافز التي تشجع على تكرار التجارب والدراسات التي أظهرت تأثيرات معروفة من قبل، في نهاية المطاف، إذا نُشرت نتيجة معينة مسبّقاً، فقد لا ترغب المجلات في إهدار المساحة الثمينة المتاحة للنشر لإعادة تقديم النتيجة نفسها مرة أخرى. لكن تختلف المعادلة عندما يتعلق الأمر بتطبيقات الأعمال. يعتمد نجاح تأثير معين على السياق الذي يحدث فيه. على سبيل المثال، إذا أدت المشاركة في الاستطلاع إلى زيادة ولاء العملاء، فقد تحقق استطلاعات الرأي عبر الهاتف المحمول نتائج مماثلة أو لا تحققها، من الضروري التحقق من ذلك. اختبر التأثير في ظل ظروف مختلفة، وأطلع الجمهور على النتائج عندما يكون ذلك مناسباً.
على الرغم من الأزمة الحالية، فإن معظم الباحثين في مجال علم النفس يتميزون بالاجتهاد والنزاهة والمثابرة. يتحمل محررو المجلات والمُراجعون ووسائل الإعلام والمستهلكون جزءاً كبيراً من المسؤولية عن المأزق الذي يواجه علم النفس؛ إذ يرغب هؤلاء الأشخاص في نشر مواضيع مثيرة وغير متوقعة ومشاهدتها ومناقشتها. بالإضافة إلى ذلك، تدعم هذا الأمر لجان التثبيت الوظيفي في الجامعات البحثية، التي تركز على عدد الأبحاث المنشورة عند تقييم الأداء. تسهم هذه العوامل بدورها في ظهور ممارسات بحثية مثيرة للجدل وتؤدي إلى نتائج ضعيفة.
يؤدي المدراء دوراً مهماً في كسر هذه الحلقة؛ إذ يجب عليهم دعم الأبحاث النفسية، التي قد لا تكون مدهشة ومثيرة، لكنها توفر نتائج مفيدة وصحيحة وقابلة للنقل والتطبيق في سياق صناعة القرارات التجارية. يجب أن يكون المدراء متلقين ناقدين يتعاملون مع الأبحاث بحذر قبل الوثوق بنتائجها، وفي الوقت نفسه يجب أن يكونوا رعاة وشركاء داعمين للنموذج الجديد الذي سيحدد كيف سيكون البحث النفسي في السنوات المقبلة.