ما هي السمات التي تميّز القائد الحقيقي عن القائد المصطنع؟

5 دقيقة
القيادة الحقيقية
unsplash.com/Markus Spiske

نحن بحاجة إلى جيل جديد من القادة، نحن بحاجة إليه الآن.

نعيش في حالة من الإهمال الكبير، حالة من الإخفاق غير المسبوق في القيادة في وقت نحن في أمسِّ الحاجة إليها، فعندما تنظر حولك من الصعب أن تجد قائداً حقيقياً، نحن محاطون بخبراء في تحقيق المكاسب، مثل الانتخابات والصفقات والألقاب والمكافآت وعمليات الإنقاذ المالي والأرباح. ويقال لنا غالباً: إنهم هم من يجب أن نقتدي بهم، لأن الغنائم والأموال المنهوبة هي التي تهمنا حقاً.

ولكنك تعلم وأنا أعلم أن من تهمهم المكاسب فقط ليسوا قادة حقيقيين، ليس لأن التلاعب بالأنظمة الفاسدة مجرد تمثيلية تافهة؛ بل لأن الحياة ليست لعبة. لا يهم ما لديك ومدى ثروتك، بل المهم ما تفعله ولماذا إذا كنت تريد أن تعيش حياة ذات قيمة.

القيادة، وأعني القيادة الحقيقية، فن مفقود. فالقادة لا يقودوننا إلى أماكن، بل إلى نوع آخر من الغايات، يقودوننا إلى تجسيد ذواتنا الأفضل والأصدق، تدفعهم إلى ذلك المحبة في وجه عالم لا يعرف الاستقرار.

ربما، هذا هو السبب في وجود قلة من القادة، لأننا نخاف حتى من أن ننطق بكلمة المحبة، عدا عن أن نشعر بها، ونزنها، ونقيسها، ونسمح بها، ونعترف بها، ونؤمن بها، ونتغير بها.

إن متصنعي القيادة، الذين سأقارنهم بالقادة الحقيقيين في هذه المقالة، هم حرفياً مجرد متصنعين. إنهم يريدون أن يكونوا قادة، ولكنهم لا يستطيعون، يريدون مزايا القيادة دون أن يدفعوا ثمنها؛ يريدون الاحترام والكرامة والألقاب التي يتسم بها القادة دون أن يقودوا الناس إلى حياة ذات أهمية؛ يريدون الحب الذي يكسبه القادة وهم يتصرفون بقساوة دون أن يكون لديهم الشجاعة والتواضع والحكمة لكي يقدموا المحبة.

عندما نفكر في الزعماء والقادة بهذه الطريقة، أعتقد أن معظمهم متصنعون، يريدون أن يُنظر إليهم باعتبارهم قادة دون أن يقودونا إلى أي شيء سوى الركود والانحدار والتمزق والخوف واللامبالاة والملذات المريحة والرخيصة التي تخدرنا جميعاً. القادة، القادة الحقيقيون، الذين يستحقون هذه الكلمة، يفعلون العكس تماماً، إنهم يقودوننا إلى الحقيقة والقيمة والنبل والروعة والخيال والفرح والتحدي والتمرد وحياة ذات معنى. بالحبّ يقودوننا إلى حياة ذات قيمة. المتصنعون يفقروننا، والقادة يثروننا.

لذا إليك طرائقي الست لتصبح قائداً (حقيقياً) ولا تكون مجرد متصنع آخر.

الطاعة - أم الرفض؟

هل تستجيب للحوافز أم تعيد تشكيلها؟ إليك أبسط فرق بين القادة والمتصنعين. يستجيب المتصنعون دون تفكير وبطريقة متوقعة، وبكل دقة لـ "الحوافز"، مثلما تستجيب الروبوتات المنطقية الصغيرة الجيدة. إنهم يستجيبون من أجل المال وينتهي بهم الأمر إلى تضييق خناق الحياة التي اختاروها. يؤدي القادة دوراً مختلفاً تماماً. إنهم لا "يستجيبون" بصورة آلية ودون تفكير لـ "الحوافز" فمهمتهم ثورية بعض الشيء، لذا يجدون أن عليهم إعادة تشكيل الحوافز، وليس مجرد الاستجابة لها. فمبادئهم أغلى لديهم من علاوات العام المقبل، لذا يفكرون بطريقة أوسع وأصدق من مجرد التفكير فيما "يحفزهم" على العمل. إذا كان من السهل شراء ما تعتز به بعلاوة كبيرة قليلاً، فإليك الحقيقة الواضحة، أنت لست قائداً بحق.

الامتثال - أم التمرد؟

هل تخرق القواعد أم تتبعها؟ القواعد موجودة لأسباب وجيهة، مثل كبح جماح الانحراف، والحفاظ على الوضع الراهن، وإعادة القيم المتطرفة إلى الوسط. وهي رائعة في حال كنت تدير مصنعاً لإنتاج المعدات، ولكن اتباعها فكرة سيئة للغاية في حال كنت تحاول فعل أي شيء آخر. لذا يجب على القادة أن يزعزعوا الوضع الراهن من خلال خرق القواعد، وأن يكونوا قدوة يحتذى بها، حتى يعلم مَن تحت قيادتهم أن القواعد يمكن خرقها، بل يجب خرقها. في حال كنت تتبع القواعد بدقة، فأنت لست قائداً حقيقياً.

القيمة أم القيم؟

لماذا يسير الناس وراء القادة الحقيقيين؟ لأن القادة يعدونهم بمسيرة تستحق العناء. المتصنعون يخلقون "قيمة" للمساهمين والعملاء و"المستهلكين"، لكن القائد يخلق ما هو أكثر صدقاً وديمومة وتأثيراً، حياة ذات قيمة إنسانية حقيقية. وعليهم أن يفعلوا ذلك من خلال إثارة القيم المهمة لدى الناس، وليس مجرد "القيمة" التي لا تعني شيئاً. أي منهما تختار؟ يختار معظم الناس الخيار الأخير، لأن القيمة دون قيم مثل برامج تلفزيون الواقع مقارنة بكتاب عظيم، فارغة المضمون وخاوية المعنى وضيقة الأفق وغير مثمرة. إذا كنت تخلق القيمة دون إرساء القيم، فأنت لست قائداً، أنت مجرد متصنع.

الرؤية أم الحقيقة؟

المتصنعون يضعون الرؤى، وتتلألأ الرؤى بإيماءات مهيبة واستعراضات بانورامية رائعة. أما القائد فلديه مهمة أصعب، وهي قول الحقيقة، واضحة كالنهار، جلية كالفجر، يقينية كشروق الشمس، لا مفر منها كهبوط الليل. الرؤية جميلة، ويعتقد الكثير أن الرؤى العظيمة تلهم الناس. لكن ذلك غير صحيح، إذا أردت أن تلهم الناس حقاً، فأخبرهم بالحقيقة: لا يوجد شيء يحرر الناس مثل الحقيقة. فالقائد يقول الحقيقة لأن مهمته الأساسية هي الارتقاء بالناس، أن يُخرج من الناس أفضل ما فيهم. يمكننا أن نرتقي نحو رؤية كبرى، ولكن الارتقاء الدائم قد يسجننا في حياة لا نريدها حقاً، وهذا ما يحدث في المراكز التجارية والمالية والتكنولوجية المهيمنة مثل شارع ماديسون ووول ستريت ووادي السيليكون. الحقيقة ترقى بنا؛ وتفتح لنا الاحتمالات؛ وتولد فينا إحساساً بأننا يجب أن نصبح ما يجب أن نكون عليه إذا أردنا أن نعيش حياة تستحق أن نعيشها، وأحد الاختبارات المؤكدة لمعرفة إذا ما كنت قائداً حقيقياً هو معرفة إذا ما كنت مجرد شخص يتصرف تصرفات سطحية وبلا مضمون حقيقي يروج ببراعة رؤية كبيرة، أم شخصاً يساعد الناس على لمس الحقيقة. وإذا تساءلت عن "الحقيقة"، فلتعلم أن التغير المناخي حقيقي، والاقتصاد العالمي ما يزال معطلاً، والجشع ضار، والمصرفيين ينبغي ألا يكسبوا مليار ضعف ما يكسبه المعلمون، والرؤساء التنفيذيين ينبغي ألا يمتلكوا طائرات خاصة مدى الحياة مقابل إدارة الشركات على الأرض، وكلها حقائق واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، أليس كذلك؟ وفي حال لم تكن تعلم ذلك فأنت بالتأكيد لست قائداً.

الرماية أم التصميم؟

المتصنعون مثل آلات مبرمجة لتحقيق أفضل النتائج وتحسين المقاييس. فإن أُعطيت لهم مجموعة من النتائج التي يجب عليهم "تحقيقها"، فإنهم يجتهدون في ذلك. أما القادة فيعرفون أن وظيفتهم مختلفة تماماً، فهي ليست مجرد تحسين المقاييس الحالية التي تكون غالباً جزءاً من المشكلة مثل الناتج المحلي الإجمالي، والقيمة السهمية، بل إعادة تصورها. إن مهمة القائد الأساسية ليست مجرد "إصابة الهدف"، بل إعادة تصميم الملعب. إنها هندسة تصميمية وليست مجرد رماية لإصابة الأهداف. إذا كنت تصيب الأهداف، فأنت لست قائداً. أنت مجرد مؤدٍ آخر، في لعبة لا معنى لها.

الحب المزيف أم الحب الحقيقي؟

صحيح أن الكثير منا يفضل الوظائف التي "يحبها" على تلك التي لا يحبها، ويضحي بقليل من المال من أجلها. ولكن ذلك ليس حباً بل البحث عن المتعة بالعمل. الحب الكبير الحقيقي مؤلم بقدر ما هو ممتع. فهو يُغيّرنا جذرياً، وهذه هي السمة الأبرز للقائد الحقيقي. فهو لديه تعطش للحب؛ تعطش لا يمكن أن ترويه الإنجازات أو الجوائز أو التكريمات فحسب. لا يرويه سوى التغيير الجذري، ولهذا السبب يجب على القادة الحقيقيين أن يقودوا مهما كان الثمن والألم لمواجهة التحديات الصعبة.

ولكن، نحن نخاف، أنا وأنت نخاف من هذه الكلمة "الحب". نخاف من الحب لأن الحب هو أخطر قوة عرفها العالم على الإطلاق، ولن يعرف أخطر منها أبداً. الحب يحرر المستعبدين ويستعبد الأحرار. لأن الحب كل شيء في النهاية، كل ما لدينا، عندما نوشك على الرحيل، نُدرك في تلك اللحظات أن الحب هو الذي أعطى حياتنا معناها الحقيقي العظيم.

يقول العجائز: يا أطفال، يجب ألا تؤمنوا بالحب مطلقاً، الحب كلام فارغ، ثقوا بالآلات، ثقوا بالعمليات والحسابات، ضعوا ثقتكم فيها وكونوا أدواتها، ستحقق لكم آلاتنا المثالية الكمال.

أعتقد أن حياة باردة كالفولاذ لن تنتج سوى عالم قاسٍ كالجليد. أعتقد أن العقلانية الباردة والحسابات المثالية لن تقربنا كثيراً من جوهر الخير والحقيقة والنبل في الحياة. فلا حسابات في الحب، لا توجد معادلة تحقق لك العظمة، لا توجد خوارزمية تعطيك الخيال والفضيلة والهدف.

حتى الآلات المثالية ما هي إلا مجرد آلات.

إذا أردنا أن نقود، فسنحتاج إلى هرطقة المحبة. علينا أن نعالج مشكلات الماضي بالحب إذا أردنا أن نقود الناس. تتجاوز القيادة الحقيقية مجرد التطلع إلى الأمام، لتساعد الناس على رؤية القيمة والجمال الكامن فيما يجمعنا معاً.

كثيراً ما يقال إن القادة "ملهمون". لكن ذلك نصف الحقيقة. يلهمنا القادة لأنهم يُخرجون أفضل ما فينا. يثيرون فينا سماتنا الأكمل والأفضل والأصدق والأنبل. لذلك نحبهم، ليس لمجرد أنهم يرسمون صوراً لحياة أفضل، بل لأنهم يدفعوننا إلى أن نصنع حياتنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي