تصميم مستقبل متعدد الثقافات: العقار في الإمارات بين التنوع والابتكار

2 دقيقة
shutterstock.com/eskystudio

في لحظة مفصلية تعيشها الإمارات، إذ تُعاد صياغة مفاهيم النمو والعيش والعمل، يشكّل القطاع العقاري رافعة استراتيجية لصناعة "نمط حياة جديد" يتماشى مع طموحات الدولة في بناء مستقبل شامل ومرن ومستدام.

فنحن لا نبني مباني فقط، بل نشارك، بصمت وإن كان ملموساً، في كتابة فصول من مشروع حضاري أوسع. يرى هذا المشروع أن المستقبل ليس مجرد حدث ننتظره، بل بيئة يجب تصميمها، حجراً حجراً، وفق فهم عميق للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

من العقار إلى نمط الحياة

لطالما كانت الإمارات بيئة ديناميكية تجذب المواهب والاستثمارات من مختلف أنحاء العالم. ومع هذا التنوع، أصبح من غير الممكن التفكير في تصميم المشاريع بمعزل عن التعدد الثقافي والاجتماعي.

في كل مشروع نعمل عليه، لم يعد السؤال "لمن سنبيع؟" بل "لمن سنصمم؟"، وما هو نوع الحياة الذي يحتاج إليه هذا المجتمع المتعدد؟ فهناك من يبحث عن الخصوصية، وهناك من يفضّل المساحات المشتركة. والبعض يفضل المطابخ المفتوحة المستوحاة من الغرب، وآخرون يحتاجون إلى تفاصيل تعكس ثقافتهم الشرق أوسطية أو الآسيوية. هذا لا يعني مراعاة الذوق العام فحسب، بل يشير أيضاً إلى نقلة في فلسفة التصميم نفسها: من التصميم الثابت إلى التصميم القابل للتكيّف، من المنتج المعماري إلى التجربة المعاشة.

جيل جديد من العملاء

جيل ”زد” -أي الجيل الذي وُلد في عصر الإنترنت ويعيش وسط ثورة الذكاء الاصطناعي- لا يرى السكن ضرورة فقط، بل امتداداً لهويته الرقمية، وذوقه الشخصي، وخياراته في الحياة. هذا الجيل لا يتحدث فقط عن عدد الغرف، بل عن المساحات الخضراء، والبنية التحتية الرقمية، وإمكانية العمل عن بُعد، ووجود مناطق للعب والترفيه، ومرافق تعزز الرفاه النفسي. إنه جيل ينظر إلى العقار باعتباره خدمة أكثر مما هو أصل، وجزءاً من نمط الحياة أكثر من أنه مجرد ملكية.

الاستدامة قيمة لا ميزة فقط

في ظل التوجه العالمي والمحلي نحو الاستدامة، لم يعد تركيب الألواح الشمسية أو تحسين عزل الجدران كافياً. فقد أصبحت الاستدامة فلسفة متكاملة ترتبط بكل ما هو إنساني واجتماعي واقتصادي.

نحن نرى أن الاستدامة تبدأ من مرحلة التخطيط: كيف نقلل من الهدر؟ كيف نصمم وحدات سكنية تحقق الراحة وتستهلك طاقة أقل؟ كيف نحفز السكان على أن يكونوا جزءاً من هذا الوعي البيئي؟ والأهم من ذلك، كيف نخلق بيئة عمرانية تعزز الترابط الاجتماعي؟ تتعدى الاستدامة من هذا المنظور الجانب البيئي لتصبح سلوكاً عمرانياً يعكس حكمة التصميم في زمن التغير المستمر.

المطور شريك في حكومة المستقبل

ينعكس التحوّل الرقمي والهيكلي الذي تنجزه حكومة الإمارات مباشرة على طبيعة المسؤوليات التي يتحملها القطاع العقاري. نحن نعيش اليوم في مدن لم تعد تُدار من البلديات فقط، بل من أنظمة ذكية تتنبأ بالحاجات وتعيد توزيع الموارد بكفاءة. هذا يعني أن المطور العقاري أصبح شريكاً في بناء بنية تحتية اجتماعية ونفسية واقتصادية تمتد لعقود، ولم يعد فقط مجرد بائع وحدات. نحتاج إلى أن نرى مدننا كمنصات رقمية، تتفاعل فيها أنظمة الإضاءة والنفايات والأمن والترفيه، تماماً كما تتفاعل تطبيقات الهواتف الذكية.

بالفعل، تزخر السوق الإماراتية بالمشاريع والمطورين، لكن التميز في هذا السياق لا يُقاس بالكمّ، بل بعمق الرؤية وجرأة التنفيذ. نحن نؤمن بأن العقار ليس منتجاً لحظياً، بل وعداً طويل الأمد.

والسؤال هنا لم يعد: "هل يمكننا البيع؟" بل: "هل يمكننا الإسهام في بناء مدينة تُمثل المستقبل؟".

في النهاية، تبقى المصداقية هي معيار النجاح. لا قيمة لأي رؤية لا تتحقق على أرض الواقع. لذلك، نؤمن بأن نجاح أي مشروع لا يُقاس بعدد الطوابق، بل بمدى قدرته على التعبير عن الإنسان الذي يعيش فيه.

في الإمارات، لا نبني أبراجاً فقط، بل نبني نموذجاً للعيش في عالم متعدد، سريع، متصل، ومتغير. وهذا يتطلب عقلية تتجاوز التصميم إلى الفهم والفعل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي