تعزيز التعاون بين صفوف الموظفين

3 دقائق
تشجيع التعاون بين الموظفين

تخيّل لو أنك عدت يوماً ما من العمل إلى منزلك، وطلبت من أفراد عائلتك أن يجتمعوا في غرفة الجلوس كي تحثهم على المزيد من التعاون. يبدو الأمر غريباً أليس كذلك؟ فهل سبق لك أن تساءلت يوماً ما الذي يجعل التعاون أمراً سهلاً في المنزل؟ وما الذي يجعل تشجيع التعاون بين الموظفين في العمل أمراً يتطلب جهداً؟

الإجابة تكمن في "الغاية". فالغاية هي العنصر الأساسي غير المدرك والذي يحدد ما إذا كان التعاون سيقود إلى النجاح أو الفشل. وعلى الرغم من اعتراف العديد من العائلات بوجود غاية مشتركة، فإن معظم المؤسسات لا تسلّم بذلك. يقول دو سانت إكزوبيري، الكاتب والطيار الفرنسي، مؤلف رواية "الأمير الصغير": "إذا أردت بناء سفينة، فلا ترسل الناس لجمع الحطب ولا تكلفهم بمهام أو تطلب منهم العمل، ولكن علّمهم كيف يتوقون إلى الإبحار في اتساع البحر اللامتناهي".

ومع ذلك، فإن الشركات والمدراء التنفيذيين يهدرون وقتاً ومالاً لا حصر له في محاولة تشجيع التعاون بين الموظفين من خلال تطوير التكنولوجيا المستخدمة وتدريب موظفيهم وإصدار المذكرات بدلاً من تحديد المشكلة وصياغة التحديات وإلهام الأشخاص للعمل سوياً.

اقرأ أيضاً: 6 طرق لإقناع الأشخاص بالتعاون معك.

لنأخذ الأمثلة الثلاثة المميزة التالية عن التعاون:

في 14 أبريل/نيسان عام 1970، عندما انفجر خزان أكسجين على متن المركبة الفضائية "أبولو 13" خلال الرحلة الثالثة المأهولة إلى القمر، بدا الأمر وكأن رواد الفضاء الثلاثة على متنها سوف يموتون. وعندما سمعت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" الكلمات التالية: "هيوستن، كان لدينا مشكلة"، علمت بأنه يتعين عليها وقف المهمة والبحث عن طريقة لإعادة الرواد الثلاثة من الفضاء إلى الأرض في أسرع وقت. وقد اجتمع الأفراد والفرق والمجموعات معاً؛ وناقشوا أدق التفاصيل وراحوا يستنبطون الأفكار على السبورة وفي الحمامات وحول برادات المياه؛ وتوصّلوا إلى الحلول؛ وحاولوا تطبيقها؛ وأخفقوا – وظلوا يحاولون حتى حالفهم النجاح. وخلال يومين اثنين، أصبح هدف إنقاذ حياة رواد الفضاء الثلاثة هو الغاية التي يسعى الجميع إلى تحقيقها.

في 11 سبتمبر/أيلول من العام 2001، بعد سلسلة من الهجمات على برجي "مركز التجارة العالمي" في مدينة نيويورك، تعيّن على "الوكالة الفيدرالية للطيران" أن تطلب من 5 آلاف طائرة وأكثر في الولايات المتحدة الهبوط في أسرع وقت ممكن – وهي مهمّة لم يسبق أن حاول أحد القيام بها على هذا النطاق الواسع. وقد تطلّب الأمر جعل طائرات كبيرة تهبط في مطارات صغيرة لم تكن مزودة سوى بعدد قليل من مصابيح الإنارة الخاصة بهبوط الطائرات والمراقبين الجويين وسيارات الإطفاء. ونظراً لغياب أي كتاب للقواعد يهيئ موظفي "الوكالة الفيدرالية للطيران" للتعامل مع هذه الظروف، فقد تعيّن على هؤلاء الموظفين إما أن يتجاهلوا الإجراءات أو يخترعوا إجراءات جديدة. وطلب منهم العمل بصورة مخالفة للقواعد، وقد نجحوا في إنجاز المهمة.

وكذلك في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2002، اكتشفت الحكومة الصينية أن عدداً كبيراً من الناس قد أصيبوا بنمط غير شائع من مرض ذات الرئة في مقاطعة غواندونغ. وفي غضون 7 أشهر، كان فيروس مجهول يتسبب بما يُسمّى متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (السارس) قد أصاب أكثر من 8 آلاف شخص في 26 بلداً وقتل 774 واحداً منهم. وبعد أن بات الفيروس المسبب للسارس يشكل تهديداً بأن يتحوّل إلى وباء عالمي بحلول شهر مارس/آذار من العام 2003، قررت شبكة افتراضية مؤلفة من 11 مختبراً في 9 بلدان، تقودها مراكز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة، العمل بصورة مشتركة بغية تحديد أسباب الفيروس والخطوات المطلوبة لمكافحته. وخلال أقل من شهر، تمكّن الفريق من اكتشاف فيروس كورونا الذي يتسبب بمتلازمة السارس ومن إتمام رسم خريطته الجينية. إن تحديد الأسباب قاد إلى فهم أفضل لطرق انتقال الفيروس، ومكّن من تطوير المبادئ الإرشادية الخاصة لإدارة هذا الوباء.

اقرأ أيضاً: كيف تجعل التعاون لأول مرة مع زميل في العمل فعالاً؟

لماذا نجحت هذه الفرق الثلاثة في مواجهة الظروف الطاغية المعاكسة لها؟ في هذه الحالات، تطورت ثقافة من الثقة عندما تواصل الناس مع بعضهم البعض. هذا الأمر حصل بين الفرق في حالة وكالة "ناسا"، وفي أرجاء البلاد في حالة "الوكالة الفيدرالية للطيران"، وبين الدول في حالة السارس. فأعضاء الفريق كان لديهم الدافع وتحرّكوا بسرعة وكانت روح الجماعة الحقيقية سائدة بين صفوفهم. وسُمح لهم بكتابة قواعد جديدة، وإعادة تدوين القواعد القديمة، وقد سيطروا على الحالات التي كانت بين أيديهم عوضاً عن ترك الحالات تلك تسيطر عليهم.

علاوة على ذلك، كان الناس مدفوعين بأهداف محددة بوضوح ووإحساس بوجود هدف مشترك وجماعي؛ وقد كانوا قادرين على رؤية كيف كان تعاونهم مفيداً لقضية هي أكبر من أي قضية تخص أي شخص. فالتعاون لا يكون فعالاً إذا كانت الأهداف غير واضحة: ما هي المشكلة التي نحاول حلها معاً؟ وكيف يمكننا حل هذه المشكلة بصورة جماعية؟ كما أن الفريق وبطبيعة الحال يجب أن يكون لديه إطار زمني: ما هي المهلة النهائية؟ وماذا ستكون التبعات فيما لو أخفقنا في الانتهاء ضمن الوقت المحدد؟

لذلك في المرة القادمة التي ترغب فيها في أن يتعاون الناس، اطرح على نفسك السؤال التالي: ما هو التوق العميق الذي يشعر به الفريق والذي يمكن أن يشكل الحافز؟ ما الذي سيجعل أعضاء الفريق يستيقظون كل يوم ويدفعهم إلى الذهاب إلى حيث يحلمون بأن يذهبوا؟ عندما تكون، بوصفك قائداً، قادراً على التعبير عن هذا التوق وغرس الغاية المشتركة، فإنك ستكون قد قطعت شوطاً في طريقك نحو تشجيع التعاون بين الموظفين في مؤسستك.

اقرأ أيضاً: كيف تتعاون مع أشخاص لا تحبهم؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي