حظيت فضيحة الحسابات المزيفة في بنك ويلز فارغو (Wells Fargo) باهتمام كبير في وسائل الإعلام، خصوصاً فيما يتعلق بممارسة الضغط الشديد على الموظفين لتحقيق أهداف المبيعات. ومع ذلك لم يسلط الضوء على الطريقة التي واصل بها البنك ثني موظفيه عن الإبلاغ عن المخالفات، حيث زعم العديد من موظفي بنك ويلز فارغو أنهم أبدوا مخاوفهم بشأن الضغط تجاه تحقيق أهداف مستحيلة على صعيد المبيعات في مكاتب الفروع. وقد وصل الأمر إلى درجة ادعاء بعض الموظفين أنهم تعرضوا للإقالة بسبب اتصالهم بالخط الهاتفي المباشر لمكتب الأخلاقيات الداخلي.
أثارت هذه الادعاءات أسئلة مهمة يجب أن تسألها جميع الشركات الكبيرة: هل الموظفون على علم بمعايير الشركة الأخلاقية والقواعد التي تحدد إطار العمل؟ هل أنشأنا بيئة آمنة ومتجاوبة تسمح لأي موظف بالشكاية على سلوك غير أخلاقي؟ هل سيقوم الموظفون من أصحاب الضمير الحي في شركتنا بالتصريح بموقفهم تجاه ما يلاحظونه؟ وهل ستدير الإدارة ظهرها عندما يحاول الموظفون الإبلاغ عن المخالفة، كما حدث في ويلز فارغو؟ والأسوأ من ذلك، هل ستنتقم الإدارة من المبلغين عن المخالفات؟
إنّ إقناع الموظفين بالتعبير عن مخاوفهم لأمر صعب بما فيه الكفاية. إذ لا نريد أن نوصف بأننا "وشاة" أو "مفتعلو مشاكل". ولا يرغب معظم الموظفين العاديين أن يتم ملاحظتهم لأسباب خاطئة. لذا يجب أن يؤخذ الموظفون الذين لا يرفعون ملاحظاتهم عن السلوكيات غير الأخلاقية إلى الإدارة على محمل الجد. ويعد التزام الصمت هو الوسيلة الأسهل للإشارة إلى أن الإدارة غير معنية بإصلاح المشاكل.
لا نعلم كثيراً عن الآلية التي تتبعها الشركات في التجاوب على المستوى الداخلي مع الإبلاغ عن المخالفات. فالشركات لا تصرح إلا بالحد الأدنى عن العملية التي تتبعها للتحقيق في مضمون المكالمات التي تصل إلى خطوط مكتب الأخلاقيات الداخلي.
وأنا أشجع المدراء على سؤال أنفسهم بعض الأسئلة الصعبة حول مناخ الإبلاغ عن المخالفات في شركاتهم. هل يوجد إطار زمني محدد للتحقيق في الشكاوى الأخلاقية المقدمة من الموظفين؟ هل تقومون بالتحقيق في الشكاوى الفردية أم تحاولون ربطها ببلاغات أخرى؟ إذا وصل إنذار عن مشكلة تلوح في الأفق، هل تبحثون عن مشاكل مشابهة في مكان آخر؟
هل تبحثون عن السبب الجذري لمشكلة ما؟ هل تتعلمون من أخطاء نظرائكم، حتى إذا قام أحد البنوك الأخرى بالإبلاغ عن مشاكل، فستحققون فيما إذا قدم الموظفون لديكم دعاوى مشابهة؟ هل تعقدون نقاشاً لربط حالة تزوير أو إهمال مكتشفة بشكوى لأحد المبلغين؟ والأهم من ذلك، هل تحاولون فهم الدوافع وراء تجاهل الشكوى الأولى؟
يستطيع كبار المدراء إبداء التزام أكبر تجاه عمليات الإبلاغ عن المخالفات داخل المؤسسة من خلال وضع تدابير للإجابة عن هذه الأسئلة، وهو ما يشجع المدراء المتوسطين على الاهتمام أكثر بالبلاغات التي تصلهم من الموظفين الأدنى درجة بشأن السلوكيات غير الأخلاقية.
لقد استمعت إلى مدراء يشتكون من تفاهة الأغلبية الساحقة من الشكاوى الخاصة بالإبلاغ عن المخالفات. ولكن صرف النظر عن هذه المخاوف هو أمر خاطئ. فمن المهم أن نضع في عين الاعتبار إمكانية أن تقتصر ملاحظات الموظفين على جوانب محدودة من مشكلة تلوح في الأفق، بدلاً من التطرق إلى أدق تفاصيل المخالفة الأخلاقية. في نهاية المطاف، لا يستطيع الموظفون جمع الأدلة بشكل منتظم وتقديمها كدعوى حاسمة، حيث تقع المسؤولية عن ذلك على عاتق إحدى مجموعات التدقيق الداخلي أو فريق امتثال آخر داخل الشركة. ويؤدي ميل الإدارة إلى تجاهل ما يمكن وصفه بأنه "غيض من فيض" إلى تعزيز ثقافة الصمت، إذ يشعر الموظفون أنهم بحاجة إلى تقديم دعاوى أكثر اكتمالاً حول التجاوزات، ما يعني في النهاية أنهم سيحجمون عن تقديم الكثير من البلاغات.
يجب أن تهدف الإدارة إلى التأكيد للموظفين العاديين أنه عند إبلاغهم عن مسائل معينة، سيأخذ شخص أعلى رتبة منهم الموضوع على محمل الجد ويبدأ بالتحقيق في الادعاءات. كما يجب أن يتحمل المدراء مسؤولية بناء قضية محكمة قائمة على أساس الأدلة والبراهين بخصوص التجاوزات المزعومة.
في نهاية المطاف، يبقى مجلس الإدارة هو من يمتلك القدرة على الحفاظ على ثقافة تدعم الإبلاغ عن المخالفات. هل يجتمع مجلس الإدارة مع الموظفين الذين يبلغون عن القضايا بالغة الأهمية؟ كيف يضمن مجلس الإدارة عدم قيام الإدارة العليا والمتوسطة بتجاهل بلاغات الموظفين أو التغطية عليها؟ هل تقوم لجنة التدقيق بمراجعة دعاوى الموظفين الداخلية؟ هل يطلب أعضاء مجلس الإدارة تقريراً ربع سنوي عن دعاوى الإبلاغ عن المخالفات أو تحقيقات مفصلة عن البلاغات الأكثر أهمية؟
إذا لم يقم مجلس الإدارة والإدارة العليا بتكريس موارد للتحقيق في كل دعوى بعناية، فسيؤدي ذلك إلى ثني مبلغين محتملين عن بيان التهديد الوجودي التالي للشركة. تهيئة مناخ وعمليات تعمل على زيادة سهولة طرح المشاكل الداخلية من شأنه أن يساعد الشركات على ملاحظة أمور مثل فضيحة التلاعب بسعر الفائدة المعروض بين المصارف في لندن (LIBOR) أو فضيحة عوادم السيارات المعيبة أو مشكلة حوافز المبيعات، قبل فوات الأوان.