لماذا لا يتشارك الموظفون المعرفة فيما بينهم؟

4 دقائق

تود الشركات لو تشارك موظفوها ما يعرفونه مع بعضهم البعض، فقد أثبتت البحوث أن هذا يؤدي إلى مزيد من الإبداع والابتكار وتحسين مستوى الأداء لكل من لأفراد والفرق والمؤسسات. لكن، ورغم المحاولات المبذولة من جانب الشركات لتشجيع مشاركة المعرفة (انظر مثلاً المساحات المكتبية المفتوحة)، فإن العديد من الموظفين يكتمون ما يعرفونه في ظاهرة تعرف باسم الاكتناز القهري للمعرفة، أو حجب المعرفة. ربما يتظاهر الموظفون بالغباء، أو يدّعون عدم المعرفة، أو يعدون بمشاركة شيء ولا يفون بوعودهم مطلقاً، أو يقولون للآخرين إنهم لا يستطيعون المشاركة، في حين أنهم قادرون على ذلك في الحقيقة.

ما الذي يؤدي إلى هذا السلوك الذي ينم عن الشح والبخل؟ كشفت بحوثنا التي نُشرت في دورية السلوك التنظيمي (Journal of Organizational Behavior) أن طريقة تصميم الوظائف تؤثر على ما إذا كان الموظفون سيشاركون المعرفة مع زملائهم في العمل أم سيخفونها عنهم. واكتشفنا على وجه التحديد أن الوظائف التي تتسم بدرجة كبيرة من التعقيد المعرفي، ويحتاج فيها الموظفون إلى معالجة كميات كبيرة من المعلومات وحل مشكلات معقدة، تميل إلى تشجيع مشاركة المعرفة، شأنها شأن الوظائف التي توفر درجة أكبر من الاستقلالية. وبالتركيز على هذه الجوانب في العمل، يستطيع المدراء تشجيع الموظفين على زيادة مشاركة المعلومات والحد من ظاهرة حجب المعرفة.

حصلنا على هذه النتائج من دراستين، وجمعنا البيانات من عينات ضمت 394 موظفاً معرفة في عدد من المؤسسات المتنوعة في أستراليا، إضافة إلى 195 موظفاً معرفة في إحدى دور النشر بالصين. استطلعنا آراء المشاركين حول درجة الاحتياج المعرفي في أعمالهم، ودرجة الاستقلالية التي يتمتعون بها، ومدى اعتماد زملائهم عليهم في أداء مهامهم. وسألنا أيضاً عن مدى استعدادهم لمشاركة المعرفة مع الآخرين. وبعد بضعة أشهر، طلبنا منهم إبلاغنا بعدد مرات مشاركة المعرفة مع زملائهم في العمل، وبمدى فائدة تلك المعرفة في اعتقادهم. وسألناهم أيضاً عن عدد المرات التي حجبوا فيها المعرفة عن زملائهم في العمل.

أسفرت تحليلاتنا عن ثلاث نتائج رئيسية: أولاً، يُقدم الموظفون على مشاركة المعرفة أو حجبها لأسباب مختلفة. ثانياً، كما ذكرنا من قبل، يصير الموظفون أكثر إقبالاً على المشاركة عندما يعملون في وظائف تتسم بدرجة كبيرة من الاحتياج المعرفي وتمنحهم الكثير من الاستقلالية. ثالثاً، غالباً ما يُخفي الموظفون معارفهم إذا اعتقدوا أن زملاءهم في العمل يفرِطون في الاعتماد عليهم.

لنتناول كل واحدة من هذه النتائج على حدة.

ما الذي يحفز الموظفين على مشاركة المعرفة أو إخفائها؟ عندما حللنا البيانات ذات الصلة بالعوامل التي تُحفز المشاركين على مشاركة المعرفة أو إخفائها، صنفنا الإجابات على أنها إما "تحفيز ذاتي" (والذي يعني فعل شيء ما لأنه هادف أو ممتع)، أو "تحفيز موجَّه" (والذي يعني فعل شيء ما من أجل الحصول على مكافأة أو تجنب العقاب). وأثبتت نتائجنا ازدياد احتمالات مشاركة المعرفة في حال تمتع الموظفين بالتحفيز الذاتي، (فقد وُجد أنهم يوافقون مثلاً على العبارات التي تقول "من المهم أن أشارك ما أعرفه مع زملائي في العمل" أو "من الممتع أن أتحدث عن الأشياء التي أعرفها"). على الجانب الآخر، غالباً ما يعمد الموظفون إلى إخفاء معرفتهم عندما تُمارَس عليهم ضغوط خارجية لمشاركة المعرفة ("لا أريد التعرض للانتقادات" أو "قد أخسر وظيفتي").

هذا يعني أن الضغط على الموظفين من أجل مشاركة المعرفة، بدلاً من تشجيعهم على إدراك أهمية ذلك السلوك، لن يفلح في تحقيق الغاية المرجوة. فإن لم يفهم الموظفون أهمية مشاركة المعرفة للوصول إلى أهداف القسم أو المؤسسة، فسوف تقل احتمالات مشاركتهم لتلك المعرفة. وإذا تعرض الموظفون للضغوط من أجل مشاركة ما يعرفونه، فقد يأتي هذا بنتائج عكسية، فإذا خشي الموظفون خسارة ميزة تنافسية، فقد يغدون أكثر إحجاماً عن كشف المعلومات. ومن المثير للاهتمام في العينة الصينية، وجود علاقة كانت تربط بين التحفيز الموجَّه وزيادة وتيرة مشاركة المعرفة، وليس فائدة ما يتم مشاركته.

ما الوظائف التي تشجع على مشاركة المعرفة أو إخفائها؟ نظراً لأن العمل الذي يتسم بدرجة كبيرة من الاحتياج المعرفي قد يكون أكثر تشويقاً وتحفيزاً، كما أنه أكثر صعوبة وتحدياً، فقد توقعنا استمتاع الموظفين بمشاركة المعلومات أكثر من غيرهم وإدراكهم لضرورة المشاركة. وبالمثل، فنظراً لأن حصول الموظف على المزيد من الاستقلالية يجعله يدرك أهداف عمله، فإننا نتوقع أن نرى الميل نفسه إلى المشاركة. وجاءت نتائجنا داعمة لهذه الأفكار، فعندما ينطوي العمل على درجة عالية من الاستقلالية والاحتياج المعرفي، يُقدم الموظفون على مشاركة المعرفة المفيدة بشكل أكثر تكراراً. وهذا ما حدث في العينة الأسترالية والصينية لموظفي المعرفة.

ما الذي يحدث عندما يعتمد عليك الآخرون؟ يعتمد العمل المعرفي بدرجة كبيرة على كلٍّ من المعرفة المادية وغير المادية (كالبيانات والخبرات، مثلاً) التي يملكها مختلف الموظفين في المؤسسة الواحدة، مما يخلق حالة من الاعتماد المتبادل بينهم. لذلك قد يحتاج أحد الموظفين إلى معلومات من أطراف مختلفة لكي يتمكن من إتمام عمله بفاعلية وكفاءة. فإذا كنت تعتمد على معرفة زميلك لإنجاز عملك، فقد يجعلك هذا أكثر ميلاً لرد المعاملة بالمثل عن طريق مشاركة معرفتك معه.

وإضافة إلى سؤال أفراد العينة البحثية عن كيفية مشاركتهم المعرفة مع زملائهم وإخفائها عنهم، فقد سألناهم عما إذا كان زملاؤهم يعتمدون عليهم في إنجاز عملهم. كنا نتوقع أنه لو أدرك أفراد العينة البحثية أن زملاءهم يعتمدون عليهم، فسيغدون أكثر استعداداً لمشاركة المعرفة وأقل ميلاً لإخفائها.

لكننا أصبنا بالدهشة البالغة عندما اكتشفنا العكس تماماً. فعندما أدرك الموظفون أن الآخرين يعتمدون عليهم، شعروا بأنهم مرغمون على مشاركة المعرفة (النوع الموجَّه للتحفيز)، وهو ما شجعهم في المقابل على إخفاء المعرفة. قد يرجع هذا إلى أن الطلبات المتكررة من زملائهم تضيّع الكثير من وقتهم الذي يُعتبر سلعة نادرة هذه الأيام. وغالباً ما يختار الموظفون إعطاء الأولوية لمهامهم الخاصة على مشاركة المعرفة، بل إنهم قد يتظاهرون بعدم امتلاك المعلومات التي تُطلب منهم.

وكما هو الحال مع جميع البحوث، كانت هناك بعض أوجه القصور في دراستنا. أولاً، لم نضع في الاعتبار طبيعة المعرفة التي يتشاركها أفراد العينة البحثية. قد يقول المرء إنه إذا كان الموظفون يستمتعون بمشاركة معرفتهم (التحفيز الذاتي) فربما يؤدي هذا إلى مشاركتهم المزيد من المعرفة الضمنية (التي يعرف العالمون ببواطن الأمور أنه من الصعب تسجيلها ونقلها) أكثر من المعرفة الصريحة (المعلومات الواضحة التي ترد في الكتيبات الإرشادية). ثانياً، اقتصرت بياناتنا على إفادات الموظفين أنفسهم. ويُستحسن لو تمكنت البحوث المستقبلية من جمع المزيد من البيانات، مثل المعلومات المستقاة من زملاء العمل حول ما يتم مشاركته معهم، وإلى أي مدى كان مفيداً، ومتى كانوا يرفضون مشاركته، ولماذا.

إن المشاركة الفاعلة للمعرفة أمر لا غنى عنه للمؤسسات بمختلف أنواعها وأحجامها، ورغم ذلك تجد الكثير منها صعوبة في تشجيع الموظفين على عليها. وتشير نتائج دراستنا إلى أنه يتعين على المدراء تصميم العمل بطريقة تحفز الموظفين على مناقشة ما يعرفونه، إذا كانوا يريدون تشجيع المزيد من المشاركة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي