أدى التحول في التوجهات الاستهلاكية العصرية إلى إحداث تغيير جذري في كيفية عمل الشركات اليوم، حيث يساهم تسارع التحول الرقمي وتطور التقنيات المبتكرة، وتكيف القطاعات مع التغيرات العالمية، في دفع المستهلكين لتوقع المزيد من المزايا التي تحقق لهم تجربة سلسة وميسرة عند الحصول على الخدمات والمنتجات المختلفة، ويأتي ذلك تزامناً مع التحديات التي تواجهها المؤسسات لضمان تلبيتها احتياجات المستهلكين وتخطي توقعاتهم في عالم يتجه لتبني التحول الرقمي على نحو غير مسبوق، وينطبق هذا الواقع بشكل خاص على القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية، حيث تجد المؤسسات المالية نفسها في مواجهة تحديات جديدة خلال عملها على تحسين الخبرات والارتقاء بمستوى قيمة الخدمات التي يحصل عليها المستخدم النهائي.
دور العملاء في صياغة مستقبل البنوك
أدى تسارع التحول الرقمي والتطور التقني الكبير حتى قبل انتشار جائحة "كوفيد-19"، إلى تعزيز قدرات البنوك على نحو مكّنها من توفير مجموعة هائلة من الفرص والإمكانات لعملائها، وبالتالي تقديم المزيد من الخدمات المصرفية الرقمية التي ساهمت بتسهيل عملياتهم بطرق ميسرة وسلسة، إلا أن التغييرات الجذرية التي فرضها تفشي الجائحة، أدى إلى ظهور تحديات كبيرة ساهمت في إطلاق إصلاحات غير مسبوقة؛ ما زاد من حدة المنافسة إلى مستوى لم يسبق له مثيلاً، وكانت بوسطن كونسلتينغ جروب (Boston Consulting Group) قد أطلقت مؤخراً، دراسة بحثية جديدة، تسلط الضوء على المشهد التنافسي في القطاع المصرفي للمملكة العربية السعودية وتأثيره في توجهات عملاء الخدمات المصرفية للأفراد وتطويرها، ووفقاً للدراسة الجديدة فإن توقعات المستخدمين في السعودية ومتطلباتهم فيما يتعلق بالقطاع المصرفي تشهد تطورات متسارعة تحدد التوجه الذي يتعين على البنوك المحلية التركيز عليه والاستمرار فيه.
ومن المقرر أن يتغير المشهد الحالي على نحو مستمر وغير متوقع، حيث أظهر 88% من العملاء السعوديين اهتمامهم بفتح حسابات رقمية حصراً، بينما أظهر 79% موافقتهم على نشر بياناتهم إن كان ذلك يعزز تجاربهم المصرفية، ومن جهة أخرى هناك 63% من العملاء يبحثون للحصول على خدمات ومنتجات جديدة، بينما يتعامل 51% فقط منهم مع بنكهم الحالي لمدة تزيد على 5 سنوات، كما أظهر أكثر من نصفهم (52%) احتمالية تغييرهم البنك الذي يتعاملون معه والتوجه إلى بنك جديد؛ بهدف الحصول على الخدمات والتجارب التي يرغبون بها.
ويبدو أن التوجه السائد سيشكل القاعدة الأساسية لدى غالبية العملاء، ويمكن القول، إن مطالب وتوقعات العملاء الواسعة قد أرست بالفعل أسس المنافسة الشديدة في القطاع المصرفي، وستتعرض البنوك التي تفشل في تلبية احتياجات عملائها، لمخاطر متعددة تشمل انخفاض عدد العملاء، وعدم النجاح في المنافسة، وبالتالي مواجهة المزيد من التحديات التي قد تحد من ضمان استمرارية واستدامة الأعمال، ومن المؤكد ارتباط هذه النتائج بمنظومة من العوامل التي تساهم في تشكيل الوضع الحالي، فعلى البنوك التي تأخرت في مسيرتها الرقمية، أن تعمل وبشكل متزايد لتسريع عملية تحولها وتجنب هذه السيناريوهات المحتملة.
العوامل المالية المؤثرة في سلوكيات وتوجهات العملاء
تجذب التجارب المصرفية المطورة اهتمام العملاء السعوديين على نحو متزايد، ما يحتم على الجهات الرائدة في القطاع أخذ ذلك بالحسبان باستكشاف الدوافع العاملة على تعزيز هذا التوجه، وقد شكلت معدلات الفائدة المرتفعة ومحدودية خيارات الخدمات والمنتجات المقدمة وعدم تلبيتها لاحتياجات العملاء من بين العوامل الرئيسية التي دفعت العملاء لتغيير البنوك التي يتعاملون معها، بينما تعتبر خدمة العملاء الممتازة، وسمعة العلامة التجارية، والتجارب الرقمية عالية المستوى هي الأسباب الرئيسة التي تدفع العملاء إلى اختيار البنوك الجديدة وتوصية من حولهم بالتعامل معها في الآونة الأخيرة، ما يعزز أهمية وضرورة إعادة تصميم وإعادة تشكيل الخدمات والمنتجات المقدمة إذا لزم الأمر.
ويظهر العملاء في الوقت الحاضر اهتمامهم بإنجاز معاملاتهم باستخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو غيرها من الأجهزة المماثلة، ويفرض هذا التوقع، بالإضافة إلى توفير المزيد من القنوات الرقمية ضغوطاً إضافية على البنوك التقليدية، حيث إنه من أهم المميزات الجاذبة لاهتمام العملاء، والتي تساهم في توجيههم للتعامل مع المؤسسات المصرفية الافتراضية، هو القدرة على فتح حساب فوري، ودفع الفواتير بسهولة، والاستفادة من العروض الشخصية والحصول على القروض المميزة.
وأكد 44% من المشاركين في دراسة "ثقة المستهلك بالقطاع المصرفي لعام 2021" التابعة لبوسطن كونسلتينغ جروب، أنهم قد استثمروا بالفعل - أو على الأقل كانوا يخططون للاستثمار في العملات المشفرة، في حين أظهر 79% من المشاركين السعوديين في الاستبيان استعدادهم لمشاركة بياناتهم مقابل الحصول على تجارب مصرفية مطورة في وقت أظهر 66% من المتعاملين الأوروبيين قبولهم لنشر بياناتهم، وذلك تزامناً مع التوقع القريب لانتشار مفهوم الخدمات المصرفية المفتوحة، ما يحتم على البنوك السعودية ضرورة العمل على تسريع أعمالها للمحافظة على تنافسيتها وتلبية احتياجات المستخدمين، وذلك عبر التركيز على 5 مجالات رئيسية:
- الاستمرار في تسريع عملية التحول الرقمي وإعادة تصور تجارب العملاء لتلبية احتياجاتهم المتزايدة.
- إطلاق خدمات رقمية مبتكرة لبرامج الادخار والقروض للاستفادة من الطلب المتزايد وتعزيز الوصول إلى السوق.
- تخصيص البرامج التسويقية وتطويرها لتتمحور حول أسلوب الحياة المالي للعميل مثل عادات الإنفاق والعلامات التجارية المفضلة باستخدام التحليلات والدراسات.
- إدراج فئات أصول جديدة لتلبية تزايد احتياجات العملاء.
- إنشاء واجهات برمجة التطبيقات الخارجية وتكامل الحسابات لتقديم حالات استخدام مبتكرة جديدة تتيحها الخدمات المصرفية المفتوحة.
وتحتاج البنوك السعودية إلى مواكبة المعايير الجديدة لخدمة العملاء، عبر إجراءات تسارع التحول الرقمي واتخاذ خطوات استباقية في الوقت الحاضر، لتعزيز السلاسة التي تقدمها الخدمات الرقمية وتخصيص تجارب العملاء المستقبلية وفقاً لاحتياجاتهم، وستشهد السنوات القليلة المقبلة توجهاً منقطع النظير لاعتماد الخدمات المصرفية الرقمية، ومن المؤكد أن يؤدي الفشل في تلبية هذا التوجه، إلى توجه العملاء إلى الخيارات البديلة؛ ما يزيد من أهمية العمل على تسريع التحول الرقمي وإعادة رسم تجارب العملاء.