كيف تصنع إرثك القيادي؟ دروس من الحياة اليومية

3 دقيقة
ماتياس كلامر/غيتي إميدجيز

كان والدي رجلاً قليل الكلام هادئاً ولطيفاً، ولم يتحدث عن نفسه، عانى طويلاً مرض باركنسون، لكنه لم يسمح للمرض بأن يحدد هويته. قبل وفاته بفترة وجيزة، سألته عن الإرث الذي يريد أن يخلفه، فقال: "أريد أن يتذكر الناس عني ما هو حقيقي فقط".

ظل جوابه عالقاً في ذهني، ليس فقط لأنه ينم عن التواضع، بل بسبب ما علمني إياه عن الإرث. لا يتعلق الإرث بالألقاب والتقدير، بل يتعلق بما هو حقيقي: سلوكياتنا اليومية؛ أي طريقة تعاملنا مع الناس والقيم التي نبني عليها تصرفاتنا ولو كنا بعيدين عن الأنظار.

هذه مسألة مهمة بالنسبة لكبار القادة، لأنه على الرغم من أن التركيز على تحقيق الأهداف والنتائج الكبيرة أمر طبيعي، أعتقد أن الخيارات البسيطة هي التي تحدث الأثر الأعمق.

كيف يمكن أن تصنع هذا الإرث؟

فعالية التأمل الذاتي

في عملي بصفتي مدربة قيادية، أساعد القادة غالباً على توضيح الخيارات اليومية التي تسهم في صنع إرثهم وتعزيز وعيهم الذاتي بها وتحديد النوايا وراءها. فيما يلي سؤالان يمكنك أن تطرحهما على نفسك لتحفز التأمل الذاتي:

بماذا أريد أن أكون معروفاً؟

تجاهل الروتين اليومي قليلاً واسأل نفسك هذا السؤال المعقد الذي يبدو بسيطاً. وسيؤدي تخصيص بعض الوقت لكتابة ما تريد أن تكون معروفاً به، بدلاً من مجرد التفكير فيه، إلى تعزيز الوضوح لأنه يساعد على تجسيد الأفكار المجردة.

وصفت إحدى القائدات التي عملت معها طموحها على النحو الآتي: "أريد أن أكون معروفة بأنني امرأة بذلت جهداً كبيراً في توثيق العلاقات وقدمت ملاحظات صادقة وساعدت الناس على النمو في أدوار لم يكونوا واثقين من استعدادهم لها".

خذ في الاعتبار التأمل فيما يلي:

  • ماذا أريد أن يقول زملائي والمرؤوسون المباشرون عني في غيابي؟
  • ما هو انطباع الآخرين عن أسلوبي (الذي قد أبديه عن عمد أو عن غير عمد) في الاجتماعات ورسائل البريد الإلكتروني وطرق التواصل الأخرى؟
  • ما هي الصفات أو القيم التي أريد أن أظهرها دوماً في التفاعلات اليومية؟
  • ما هو الانطباع العاطفي الذي أريد أن يأخذه الآخرون عني بعد العمل معي؟

كيف ينظر الآخرون إلي؟

إذا شغلت منصباً رفيع المستوى منذ زمن، فمن المرجح أنك تعرف نظرة الآخرين إليك. لكن تصورك عن نفسك قد لا يعكس الواقع بدقة.

اطلب آراء زملاء تثق بهم ممن يشهدون تصرفاتك في سياقات مختلفة، سواء شخصياً أو باستخدام البريد الإلكتروني، يمكنك أن تقول: "أنا أفكر في الأثر الذي أحدثه، هل لديك استعداد للتحدث عن تجربتك في العمل معي؟".

يمكنك أيضاً طرح الأسئلة الآتية:

  • هل يمكنك أن تصف شخصيتي في عملي بكلمتين أو ثلاث كلمات؟
  • ما هي الجوانب التي قد لا أكون مدركاً لها فيما يتعلق بالانطباع الذي أتركه لدى الآخرين؟
  • ما هي المجالات التي أحدث فيها الأثر الأكبر؟

احرص على تقبل الملاحظات بصدر رحب. قد تفاجئك بعض هذه الملاحظات، بينما قد يؤكد بعضها الآخر تصورك لنفسك، لكن الملاحظات جميعها مهمة لتعزيز وعيك بذاتك.

تغيير السلوك

هذه هي الخطوة التي تتطلب الجهد الحقيقي؛ إذ تنطوي على تحويل الرؤى إلى إجراءات هادفة. يتعلق هذا بالتوفيق بين تصورك للسمات القيادية التي تسعى للتمتع بها ونظرة الآخرين إليك الآن.

على سبيل المثال، إذا أردت أن تكون معروفاً بأنك تحرص على تمكين الآخرين وتلقيت ملاحظات تشير إلى أنك غالباً ما تكون منشغلاً لدرجة تمنعك من ذلك أو إلى أنك تتولى عدداً من المهام أكبر من الذي يجب أن تتولاه، فعدم التوافق هذا هو مسألة مناسبة يمكنك البدء بمعالجتها.

بدلاً من التركيز على المبادرات الكبيرة، حاول إجراء تغييرات بسيطة ومتسقة، مثل ما يلي:

  • اتخاذ المزيد من القرارات الهادفة إلى تفويض العمل.
  • تخصيص وقت للتواصل غير الرسمي.
  • مشاركة طرق التفكير التي تتبعها على نحو أكثر انفتاحاً.

لنفترض أنك تريد أن يتذكرك زملاؤك على أنك قائد يدافع عن الآخرين ويساعدهم على النمو في أدوار لم يكونوا واثقين من استعدادهم لها، ولكن الآخرين يرون أنك تركز على النتائج أكثر من الأشخاص الذين يحققونها. حتى لو كنت تقدر إسهامات فريقك بصدق، فمن المحتمل ألا تعكس طريقتك في التواصل هذا التقدير. تشمل بعض التغييرات التي قد تجريها لتعزيز تركيزك على الأشخاص لا على النتائج ما يلي:

  • الإشادة بإسهامات الآخرين في الاجتماعات.
  • تقدير جهود محددة، لا النتائج فقط.
  • التحقق من مهام الآخرين على نحو غير رسمي لإظهار اهتمامك بنموهم.
  • تخصيص الوقت لخوض محادثات مع موظفيك حول التطوير الوظيفي.

ربما تريد أن ينظر الآخرون إليك على أنك هادئ ومستقر عندما تتعرض للضغط، لكن الملاحظات تشير إلى أنك تبدو فظاً أو متسرعاً في اللحظات العصيبة. في هذه الحالة، قد تشمل التغييرات البسيطة ما يلي:

  • التمهل قبل اتخاذ الإجراءات تحت الضغط.
  • التحدث عن التحديات بصراحة دون زيادة التوتر.
  • التحلي بنبرة أكثر استقراراً، حتى عند التوتر.

دع أفعالك تتكلم عنك

في النهاية، أراد والدي أن يتذكر الناس عنه "ما هو حقيقي فقط"؛ أي كيف عاش حياته فعلاً. لم أقدر الأثر الهادف الذي خلفه والدي إلا بعد وفاته، عندما سرد معارفه المصابون بمرض باركنسون قصصاً عنه.

على الرغم من أن والدي يمثل حالة خاصة، فإن الدرس المستمد من حالته ينطبق على الجميع: يتكون الأثر الدائم من السلوكيات الدائمة، لا التصرفات البارزة. وفقاً لتجربتي، الأفعال اليومية البسيطة هي التي تبني الثقة وتعزز القيم وترسم صورتك التي سيتذكرها الآخرون عنك.

ما هي الصورة التي تعكسها هذه الأفعال عنك؟ وكيف ستبدأ بتشكيلها الآن؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي