إليك هذا المقال الذي يرد على سؤال كيف نواجه ضغوط العمل تحديداً. تمر حياتنا العملية بفترات من المد والجزر، متأرجحة بين فترات تتسم بالهدوء، نشعر فيها بالتحكم بوتيرة العمل وكميته، وفترات الذروة، حيث نواجه فيها ضغط العمل. قد تسهم الإخفاقات غير المتوقعة، وتسارع وتيرة المشاريع، وحتى الإجازات والعطلات في خلق الفوضى والتوتر. وفي هذه الحالات، يصبح من الضروري الحفاظ على التركيز وعلى مستويات الطاقة، خصوصاً عندما تبدأ المهام بالتراكم. عندما تواجهك فترة ضغط عمل في المرة المقبلة، هناك عدد من الأمور التي يمكنك فعلها للحفاظ على التركيز، وإدارة مستوى الطاقة لديك بإنتاجية عالية.
تقبّل الواقع الحالي. عندما تواجهنا فترة صعبة، نميل إلى مقاومة الاعتراف بحقيقة ما يجري. لذلك نبدأ بالتمني أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في الشهر الماضي، مثلاً، أو أن نعيش وتيرة العمل التي عشناها خلال الإجازة. فنحن عندما نفصل أنفسنا عن اللحظة والمكان الحاليين، نستنفد ما لدينا من طاقة من خلال اجترار الماضي والتمنّي الذي لا طائل منه. في الحقيقة، يعرّف علماء الفيزياء المقاومة على أنها "الدرجة التي تقاوم بها المادة أو الجهاز مسار التيار الكهربائي ما يؤدي إلى تبديد الطاقة"، وفي حالة ضغط العمل، كلما قاومت ما يحدث، خسرت من طاقتك. فالتقبل لا يعني الاستسلام، بل على العكس من ذلك، فهو يعني الاعتراف بواقع الحال مع وجود الوعي، حتى تتمكن من اتخاذ خطوات واضحة.
راقب مشاعرك الكامنة وامنحها الاسم الصحيح. يعدّ التقبل أمراً صعباً بسبب المشاعر الكامنة التي قد ترافق ضغط العمل؛ فقد تسيطر على الأشخاص أفكار سلبية، مثل "لن أقوم بالعمل على نحو جيد، لا أعلم إن كنت سأتمكن من إنهاء العمل المطلوب، أشعر أنني سأقصر في عملي وفي المنزل أيضاً". يقترح ديفيد روك، وهو مدير "معهد القيادة العصبية" (NeuroLeadership Institute) في كتابه "دماغك في العمل" (Your Brain at Work)، أسلوباً بديلاً عن كبح المشاعر أو إنكارها، فهناك طريقة إدراكية فعالة وهي تسمية المشاعر باسمها الصحيح. أي أنك تصف أو تسمّي المشاعر التي تنتابك في موقف معين. يقول روك: "طوّر المسؤولون التنفيذيون الأكثر نجاحاً قدرتهم على الحفاظ على الهدوء حتى في حالة تيقظ الجهاز الحوفيّ تماماً". ويضيف: "يرجع هذا جزئياً إلى قدرتهم على التعرف على مشاعرهم وتسميتها في تلك اللحظة".
كيف نواجه ضغوط العمل
في المرة المقبلة التي تواجه فيها ضغط عمل، أو تمر بإخفاق معين في عملك، خذ بنصيحة روك، تمهّل قليلاً، وراقب طريقة تفكيرك ومشاعرك في تلك اللحظة، وأطلق مسمّى على ما يحدث معك، مثل "ضغط"، أو "شعور بالذنب"، أو "قلق". فعندما تستخدم كلمة أو كلمتين لوصف مشاعرك، فإنك، وفقاً لأبحاث روك، تقلل من تيقّظ الجهاز الحوفي المسؤول عن الكرّ والفرّ، وتفعّل القشرة الجبهية الأمامية في الدماغ، وهي الجزء المسؤول عن مهارات الوظائف التنفيذية.
حافظ على حقّك في اتخاذ الخيار والسيطرة. يساعد كل من التقبل وتسمية المشاعر بأسمائها في التخفيف من القلق الذي يرافق ضغط العمل. وهذا أمر في غاية الأهمية، لأن القلق، وبحسب بحث أجرته جامعة "بيتسبرغ"، يؤثر في الوظائف الإدراكية، وخصوصاً، تلك المرتبطة باتخاذ قرارات سليمة. تجنب عقلية الضحية، والتفكير بانعدام الخيارات، أو فقدانك للسيطرة والتحكم. بدلاً من ذلك، حاول توخّي الحذر عند تقييم أولوياتك، والقيام بمقايضات صعبة، ورعايتك لذاتك ما أمكن. على سبيل المثال، اسأل نفسك الأسئلة التالية:
- ما هو الأمر أو الأمران الأكثر أهمية لتنفيذ مهمة اليوم؟
- ما هو الأمر الذي يمكنني فعله لإعادة شحن بطاريتي (الذهاب إلى الفراش مبكراً لليلة واحدة في الأسبوع، الاستماع للموسيقى المفضلة لدي في أثناء العمل، أو أخذ قيلولة على متن الطائرة)؟
- ما هو الأمر أو الشخص الذي سأقول له "لا" خلال هذه الفترة؟
تواصل مع زملائك وأحبائك. خلال فترات ضغط العمل، قد يستنزف الآخرون من حولك طاقتك – أو يمنحونك إياها. تمهل وفكر كيف يمكنك التفاوض على مواعيد التسليم، ووضع حدود أكثر صرامة مع الآخرين، أو طلب المزيد من المساعدة خلال هذه الفترة.
التفاوض على مواعيد التسليم. تواصل مع زملائك للتأكد من الموعد الذي يحتاج فيه الشخص الآخر حقاً منك إنهاء العمل لمراجعته. إذا توقعت عدم إنهائك للعمل في الوقت المتفق عليه، فتأكد من إعلام زملائك بالتوقيت الجديد، أو تفاوض معهم حوله. كما ينبغي الحفاظ على المصداقية عن طريق تنفيذ ما تعد بعمله، والتحدث بصراحة حول حاجتك لتعديل وتيرة العمل.
وضع حدود أكثر صرامة. ينبغي أن تختلف الحدود والحواجز خلال فترات ضغط العمل وأوقات الشدة. أحط من حولك علماً بأوقات حضورك أو عدمه، حتى يكونوا مدركين لوقتك الضيق خلال هذه الفترة.
اطلب المساعدة والدعم من الآخرين. يشعر أغلبنا بالفخر بنفسه لعدم إثقال الآخرين بمساعدتنا أو لأننا نعتمد على أنفسنا، وهي صفات رائعة، ولكن هناك أوقات تستدعي طلب المساعدة. بإمكانك طلب المساعدة من العائلة والأصدقاء عندما يتعلق الأمر بالأمور المنزلية. أما في العمل، فيمكنك مشاركة مسؤولية المشاريع مع زملائك عن طريق تفويض المهام للآخرين، أو تشكيل فريق معهم، في مقابل الاضطلاع منفرداً بالعمل كله.
تعاطف مع نفسك. ربما من أصعب الأمور التي تواجهك خلال فترات ضغط العمل، انزلاقك نحو جلد الذات، خصوصاً عندما لا تحقق معاييرك العالية في العمل، أو في خلال مساحة وقتك داخل المنزل. تقول آني ماكي، وهي مؤلفة الكتاب القادم "كيف تكون سعيداً في العمل" (How to Be Happy at Work)، والمؤلفة المشاركة لعدد من الكتب حول الذكاء العاطفي، تقول حول موضوع التعاطف مع الذات: "إذا أردت حقاً أن تحسن التعامل مع التوتر، فعليك أن تتوقف عن محاولة لعب دور البطل، وعليك أن تهتم بنفسك وترعاها".
لكي تكون متعاطفاً مع ذاتك، خصوصاً خلال الأوقات العصيبة المرتبطة بتوتر العمل، يجب عليك أن تتقبل الواقع الحالي من خلال الاعتراف به بوعي وتعاطف، وعليك أيضاً مراقبة مشاعرك وتسميتها باسمها (لا تكبح مشاعرك أو تنكرها)، والحفاظ على حقك في اتخاذ الخيار والسيطرة، والتواصل مع زملائك وأحبائك، بالإضافة إلى طلب المساعدة عند الحاجة إليها. من خلال اتخاذ هذه الخطوات، ستعبر فترة ضغط العمل التالية بسهولة وسلام وتجد إجابتك على سؤال كيف نواجه ضغوط العمل وكيف يمكن أن تتغلب عليها أيضاً.
اقرأ أيضاً:
- كيف بالإمكان الابتعاد عن نقل ضغوط العمل إلى المنزل؟
- لا تدع ضغوط العمل التي يعانيها شريك حياتك تنعكس عليك
- أسئلة القراء: هل عليّ الاستقالة إذا كانت ضغوطات العمل تؤثر على عائلتي في أثناء الجائحة؟
- كيف تتجنب نقل ضغوط العمل إلى المنزل