تتأصل المبادئ غير المكتوبة وأساليب الأداء، سواء الجيدة منها أو السيئة، في عالم الشركات، وغالباً ما تصبح هذه المبادئ متغلغلة بعمق في ثقافة الشركة إلى حد انعدام التفكير فيها من قبل القادة. لكن إذا لم تتم مراجعة تلك المبادئ بانتظام لضمان تماشيها مع أهداف المؤسسة، وإذا لم يحرص القادة على كيفية مساهمة سلوكياتهم في بنائها، فيمكن أن تتحول هذه المبادئ من قوة إيجابية إلى قوة تخريبية.
خذ إيلون ماسك مثالاً على ذلك، بسبب الكاريزما والرؤية الجريئة التي لديه، كان الموظفون والمساهمون مستعدين لفعل المستحيل من أجل مساعدته على تحقيق أهدافه الخاصة بشركتيه "تيسلا" و"سبيس إكس"، وذلك على مدى سنوات طويلة. لكن في بعض الأحيان، أدت أفعال الرئيس التنفيذي إلى النظر إلى شركتيه بطريقة غير مرغوب فيها، فقد غرّد ماسك في العام الماضي على سبيل المثال حول عملية تحويل محتملة لشركة "تيسلا" إلى ملكية خاصة، التي لم تتجسد أبداً على أرض الواقع، ولكنها رفعت سعر السهم واسترعت انتباه "هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية" على الفور. وتعتبر بعض تصريحاته حول قدرة الشركة على إنتاج سيارات ذاتية القيادة "بالكامل" ضمن أطر زمنية ضيقة متفائلة جداً، إن لم تكن محض خيال. في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2018، انخفض سعر سهم شركة "تيسلا" بنسبة 10%، واستقال الرئيس التنفيذي لشؤون المحاسبة ورئيس قسم الموارد البشرية في الشركة بعد ساعات من تدخين ماسك لمادة مخدرة وشرب الخمر خلال استضافته في بودكاست (مدونة صوتية) جو روغان الصاخب. وبعد بضعة أشهر، طلبت وكالة "ناسا"، التي تتعاون مع شركة "سبيس إكس"، التحقق من ثقافة مكان العمل في تلك الشركة وسلامة الموظفين فيها.
تؤدي مثل هذه الأفعال، سواء كانت مقصودة أم لا، إلى دفع الموظفين للتفكير في نوع القيادة التي يتبعونها ونوع الشركة التي يعملون فيها، فإذا كان بإمكان الرئيس التنفيذي التصرف على ذلك النحو علانية، فما الذي يشير إليه ذلك حول كيفية تصرف الموظفين أنفسهم؟ وإذا كان بإمكان الرئيس التنفيذي المغالاة في إطلاق الوعود أمام المساهمين والعملاء، ومن ثم الإخلال بوعوده، فكيف يمكن للموظفين العاديين أداء أعمالهم؟.
خذ مثالاً آخر على ذلك، وهو الفريق التنفيذي في شركة "فيسبوك"، الذي لم يطلب من الموظفين تجاهل مسائل الأمن والخصوصية على الإطلاق، لكنه خلق بيئة عمل تولي اهتماماً لنمو الشركة على حساب كل شيء، ذلك بشهادة الكثيرين. ساعد هذا المبدأ شركة "فيسبوك" على تحقيق نجاحات تقدر بمليارات الدولارات، لكنه أسهم أيضاً في خلق المشكلات الأخيرة التي تعرضت لها الشركة حول كيفية حماية بيانات المستخدم.
لا شك أن الإشارة إلى الطريقة التي ينبغي على الموظفين التصرف على أساسها، بدلاً من ذكرها مباشرة، تعد وسيلة فاعلة للتواصل في بعض الأحيان. وإن الصراحة طوال الوقت ليست مرهقة فحسب، لكنها تبدو أيضاً أسلوباً متعالياً وتنطوي على شيء من الإهانة للآخر.
لكن حتى ضمن ثقافات الشركات المبنية على مبادئ متينة، من الأفضل للقادة تقييم المبادئ والسلوكيات والتوقعات غير المذكورة من وقت لآخر. وإليك طريقة تحقيق ذلك:
دوّن المبادئ غير المكتوبة. بحكم طبيعتها، لا توجد المبادئ غير المكتوبة في أي مكان إلا في أذهان الناس، اسأل نفسك عن المبادئ التي يحتفظ الموظفون بها في عقولهم، ثم أفرغها على الورق. هل يعتقد الموظفون لديك أن أفضل طريقة للمضي قدماً هي فعل ما يقوله كبار القادة أياً كان، أو إظهار أنهم يستطيعون التفكير بأفعالهم بأنفسهم؟ هل يعتقدون أن الترقيات تصدر بطريقة عادلة، أم من خلال التقرب إلى الأشخاص الذين يثرثرون أكثر مع المدير؟ ما لم يكن هنالك اتفاق على المفاهيم الموجودة، فمن المستحيل معالجتها أو تغييرها. كما يتعين عليك سؤال موظفيك العاديين حول آرائهم فيما يخص مبادئ شركتك، فقد تفاجأ بما ستتعلمه.
تحدّ المبادئ التي تجدها عادة مقبولة. ينبغي على القادة تقييم ما إذا كانت المبادئ غير المذكورة تعكس التوقعات التي يعتقدون أنهم حددوها، ذلك مرة واحدة كل عام على أقل تقدير. وتأمل فيما إذا كان كل مبدأ يساعد الشركة على تحقيق أهدافها، فإذا كان هنالك مبدأ معين لا يتوافق مع الطريقة التي يريد القادة من الموظفين التصرف من خلالها، اسأل نفسك حول السبب الكامن وراء التصور الخاطئ الذي يحمله الكثير من الموظفين، ثم طبق خطة تواصل داخلية لتغيير ذلك. ويحتمل أن تركز هذه الخطة على التوعية وينبغي أن تشمل القادة من أعلى هرم المؤسسة، ذلك من أجل التأكيد على مدى جدية الإدارة في معالجة هذه المفاهيم المغلوطة.
ارفع مستوى التواصل عندما تتطور أهداف شركتك. ستتغير استراتيجيتك مع تطور عملك، الأمر الذي سيتطلب سلوكيات مختلفة من الموظفين، لكن لا يمكن للموظفين لديك تغيير سلوكهم إذا لم يخبرهم أحد بذلك. على سبيل المثال، مع دخول شركة ناشئة طموحة إلى مرحلة النضج، قد لا تُقدر قيمة ساعات العمل الطويلة وثقافة الجد واللعب، كما هو متعارف عليها، بقدر أهمية الكفاءة والقيادة الهادئة والمستقرة. أو ربما كان الهدف الرئيسي للشركة هو حيازة العملاء، أما اليوم فأصبح الاحتفاظ بهم أكثر أهمية في هذه المرحلة.
لا يكفي عادة مجرد الإعلان عن التحول في الأهداف التي تريد التركيز عليها، والأمل في أن تجري الأمور كما تشتهي، فإذا أصبح الاحتفاظ بالعملاء هدفاً رئيساً، ينبغي على الموظفين المكلفين بتحقيق ذلك، توثيق جهودهم وإبلاغ المشرفين والزملاء عنها. بالنسبة إلى الإدارة، لا بد من وجود بعض التكرار، بمعنى أن رسالة الشركة الجديدة أو الأخلاقيات التي تسعى إلى صقلها لا تشيع عبر المؤسسة عند ذكرها لأول مرة. يجب أن يكون التحول جزءاً من كل مذكرة موجهة إلى جميع العاملين، ومن كل خطاب على مستوى الشركة، ومن كل اجتماع للإدارة العليا، بحيث يمكن للمدراء نقل الرسالة إلى فرقهم. ويعد هذا الأمر حيوياً في وقت مبكر بوجه خاص، لأن استجابة الكثير من الناس للتغيير تكون من خلال انتظارهم الهادئ بأن يجري التراجع عنه.
تموت الافتراضات القديمة بسهولة إذا لم يتم فحصها ومعالجتها، حاول عدم تجاهل المبادئ غير المكتوبة، إذ إنه لأمر فظيع إعادة النظر فيها بعد تجاوز أحد الموظفين للحدود لأنه اعتقد أن هذا ما تريده.