يوجد في الولايات المتحدة الآلاف من برامج التدريب والتطوير التي تجريها القطاعات العامة والاجتماعية والخاصة. وتعتبر بعضها برامج ممتازة، بينما لا يضاهيها البعض الآخر في الجودة. والمشكلة هي أننا لا نعرف كيف نفرق بينها.
قلة المعرفة مكلفة. فحسب مركز التعليم والقوة العاملة (Center on Education and the Workforce) بجامعة جورجتاون، يبلغ حجم الإنفاق على البرامج في الولايات المتحدة لمن لا يلتحقون بكليات لأربعة أعوام أكثر من 300 مليار دولار سنوياً، ويشمل ذلك كل شيء من مبادرات الوظائف على مستوى الاتحاد الفيدرالي للولايات المتحدة وعلى مستوى الولايات ذاتها والتدريب أثناء العمل والشهادات وكليات المجتمع وتدريب أصحاب العمل. ولكن وفقاً لبيانات البنك الدولي، تعتبر 30% فقط من برامج توظيف الشباب ناجحة، وتقدم العديد من هذه البرامج فائدة هامشية فحسب. ولا يوجد أي أثر إيجابي لأغلب البرامج.
ولكن التدريب في مكان العمل ضروري أكثر من أي وقت مضى، حيث تستمر التكنولوجيا والعولمة في تغيير أنواع الوظائف المتاحة. ويُتوقع من العاملين في ظل الاقتصاد النشط أن يتأقلموا ليس فقط على تغيير وظائفهم، بل أيضاً على تغيير مساراتهم المهنية وتعلم مهارات جديدة عند الحاجة. ويتطلب ذلك برامج تدريبية ناجحة، ما يعني أننا بحاجة إلى معرفة أي هذه البرامج فعّالة.
تحاول معظم البرامج التدريبية الحالية تقييم فعاليتها. فيقيس أكثرها التكلفة لكل طالب، وبعضها يقيس معدلات التنسيب الوظيفي. كما يوجد القليل من البرامج التي تتابع استبقاء الموظفين على رأس عملهم. وتعتبر معايير القياس هذه مفيدة إلا أنها تغفل شيئاً من الحقيقة، ويعزى ذلك جزئياً إلى فهم تكلفة البرنامج على أنها قيمته.
فكّر بذلك. إذا كان برنامج ما قليل التكلفة لكل طالب لكنه يفشل في مساعدة الأشخاص بالفعل على بناء مسار مهني جيد لهم، فإنّ حقيقة أن هذا الفشل رخيص لا يغير من كونه فشلاً. وفي المقابل، قد تتعهد بعض البرامج بمعدلات استبقاء وظيفي أعلى، لكن تكلفتها تكون عالية لكل طالب بحيث يثبت البرنامج أنه غير عملي أو يتعذر تطبيقه على نحو واسع. أو إذا كانت الوظائف نفسها منخفضة الأجور، ولا توفر للطلاب مساراً مهنياً قابلاً للنمو، فإنها لن تكون مجدية بغض النظر عن معدلات الاستبقاء العالية. من الجيد معرفة التكلفة لكل طالب، ولكن ذلك لا يعني الكثير إذا لم ينجح الطلاب في مكان العمل. والتنسيب الوظيفي مهم، لكن معدل التنسيب المرتفع لا معنى له إذا غادر المشارك بعد أسبوع أو إذا كانت الوظيفة نفسها مؤقتة أو لا تعطي أجوراً جيدة.
يتطلب إجراء تحليل دقيق للتكلفة والفائدة نهجاً شمولياً، يدمج التكلفة والتنسيب الوظيفي ويراعي طريقة أداء المشاركين بعد مغادرة البرنامج. ويجب علينا الاعتماد على شيء مشابه لتحليل "التكلفة الكلية للملكية" (TCO) الذي يكثر استخدامه حالياً في القطاع ويأخذ بعين الاعتبار التكاليف المباشرة وغير المباشرة على مدار الزمن. ويعتبر تطبيق تحليل التكلفة الكلية للملكية أمراً معقولاً لأنه يؤكد على النتائج (في شكل نتائج بعيدة الأمد) بدلاً من التركيز على المدخلات (في شكل الإنفاق).
لقد توصلنا إلى هذا الاستنتاج بعد جهد طويل، من خلال التجربة. فعلى مدار العامين السابقين، كنا نقوم بتنفيذ برنامج توظيف الشباب "أجيال" الذي يشكل جزءاً من مبادرة ماكنزي الاجتماعية. لقد خدم برنامج أجيال نحو 10,000 شاب وشابة حتى الآن في خمس دول، وهي الهند وكينيا والمكسيك وإسبانيا والولايات المتحدة. وعند محاولتنا قياس نتائج هذا البرنامج بدأنا بفهم عوائق الممارسة الحالية.
قمنا بتطوير معيار جديد للقياس، وهو التكلفة لكل يوم توظيف (CPED) على مدار الأشهر الستة الأولى، ونعتقد أنه يحدد بشكل أفضل مدى فعالية برامج التوظيف.
يجمع هذا المعيار عناصر من معايير القياس الحالية في معيار واحد قوي وسهل الفهم. وهو يقوم بقياس الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لبرامج التوظيف بدقة عالية.
وهذا مثال على ذلك. يخدم البرنامج الأول 1,000 طالب بتكلفة 1,000 دولار لكل منهم أو بإجمالي مليون دولار. ينتسب 500 منهم في العمل (معدل "تنسيب وظيفي" 50%)، ويبقى هؤلاء على رأس عملهم بمعدل 60 يوماً خلال الأشهر الستة الأولى. يضيف ذلك حوالي 30,000 يوم عمل، بتكلفة 33 دولاراً عن كل يوم توظيف. أما البرنامج الثاني فله تكلفة مسبقة تبلغ 2,000 دولار، مع معدل تنسيب 80%، ويبقى الخريجون على رأس عملهم بمعدل 120 يوماً. ينتج عن ذلك 96,000 يوم عمل أو 21 دولار عن كل يوم توظيف. من الواضح أن البرنامج الثاني الذي يبدو للوهلة الأولى أغلى ضعفين من البرنامج الأول يقدم قيمة أكبر من حيث مساعدة المشاركين على إيجاد وظائف مربحة مع الاحتفاظ بها. وفي برنامج أجيال، يختلف الرقم الخاص بالتكلفة لكل يوم توظيف حسب السوق، ويتراوح بين نحو 5 دولار في الهند إلى 26 دولاراً في الولايات المتحدة.
قد يبدو الحديث حول فائدة معيار قياس معين أمراً بسيطاً. ولكن الاعتماد على قياسات أكثر دقة للنجاح يزيد من المسؤولية، التي تقود إلى تحقيق النتائج.
على سبيل المثال، استخدم مدراء برنامج أجيال معيار التكلفة لكل يوم توظيف بمجرد أن أدركوا قوته من أجل إدخال تحسينات تشغيلية. وبناء على ما تعلمناه من هذا المعيار، بدأنا العمل على نحو وثيق مع أصحاب العمل لمراقبة معدلات الاستبقاء، وقمنا بزيادة التأكيد على التدريب في الأيام الأولى للوظيفة. ويقوم برنامج أجيال بتطوير أدوات لتحسين عملية جمع المعلومات وإدارتها. وبينما لا تتوفر حالياً البيانات المطلوبة لإجراء مقارنات مع برامج التدريب الوظيفي الأخرى، إلا أننا نشعر أن استخدام معيار التكلفة لكل يوم توظيف سيكشف عن عشرات مليارات الدولارات من الإنفاق غير الفعال، في شكل برامج بأداء تحت المعدل حسب هذا المعيار.
لربما كان تشتت برامج تطوير القوى العاملة هو أكبر تحد أمام الاستخدام الواسع لمعيار التكلفة لكل يوم توظيف، حيث يتوفر آلاف المزودين لهذه البرامج والكثير من الطرق للقيام بالأشياء. وهذا ما يجعل الحصول على المعلومات الأساسية شبه مستحيل. ويستغرق الممارسون قدراً هائلاً من الوقت للإيفاء بالتزامات الامتثال التي قد تكون غير مجدية لأن متطلبات تقديم التقارير تختلف من مكان إلى آخر.
وفي المقابل، يوفر معيار التكلفة لكل يوم توظيف طريقة بسيطة وفعالة لقياس الأداء. ويجب أن تقوم جميع البرامج بجمع بيانات حول التكلفة لكل طالب والتنسيب الوظيفي والاستبقاء ليتم اعتمادها على نحو واسع أو لكي تصبح برامج معيارية. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون ثمة قاعدة بيانات مركزية يمكن جمع هذه المعلومات بها وتسهيل الوصول إليها لتمكين الجميع من تعلّم الطرق المجدية. كما يمكن أن يساعد الممولون من خلال اعتماد معيار التكلفة لكل يوم توظيف وإلزام البرامج بجمع البيانات المهمة.
وعلى الرغم من النتائج الواعدة التي يظهرها معيار التكلفة لكل يوم توظيف إلا أن أمامنا الكثير من العمل المهم لتحسين هذا المعيار الجديد وجعله قياسياً ليتم تطبيقه في جميع برامج التدريب. ففي يومنا هذا، على سبيل المثال، تكافح الكثير من البرامج لقياس التكلفة لكل يوم توظيف على مدى الأشهر الثلاثة، ناهيك عن مدى الأشهر الستة. ونأمل بأن نتمكن في برنامج أجيال والبرامج الأخرى من توسيع النطاق الزمني لمعيار التكلفة لكل يوم توظيف عندما نقوم بهذه الخطوة التالية، إضافة إلى دمج الأجور أيضاً، وهو ما سيجعل المعيار أكثر فائدة وأكثر دقة. وبينما يمكن أن يستمر هذا المعيار في التحسن، إلا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح ويمكن أن تساعدنا على قياس فعالية برامج تدريب العاملين بشكل أفضل.
لقد أصبحت مقولة "ما يمكن قياسه، يمكن إدارته" مقولة رائجة. وكغيرها من المقولات، استحقت مكانتها لأنها تحتوي على قدر كبير من الحقيقة. ففي عالم يضم 73 مليون شاب وشابة بلا عمل وأكثر من 200 مليون شخص يعانون في وظائف غير مستقرة أو منتهية الصلاحية، يمكن بكل تأكيد القيام بشيء أفضل. البيانات ومعايير القياس هي جزء من الحل.