فكر في أول يوم لك في العمل. إذا كنت مثل معظم الأفراد، فلعلك شعرت بأنك تمتلئ بالحماس والحافز وحتى بالإلهام. وربما كنت قلقاً بشأن انضمامك إلى مجموعة جديدة من الزملاء، ولكنك كنت مستعداً للتحدي. ومع ذلك، من المرجح في غضون بضعة أشهر فقط أن تنتهي فترة شهر العسل تلك.
في كثير من الأحيان، يكون العمل مصدر إحباط وليس مصدراً لتحقيق الذات. هذا النقص في المشاركة يمكن أن يعيق الإنتاجية والابتكار.
كيف يمكن للشركات تحسين مشاركة الموظفين؟ أجريت مؤخراً، بالتعاون مع مجلة "هارفارد بزنس ريفيو"، في جزء من مادة "المواهب المتمردة" الموسعة، استطلاعاً للرأي لمدة 6 أسابيع لاختبار فعالية بعض التغييرات الصغيرة.
أولاً، وظّفت مشتركي المجلة للمشاركة في استطلاع رأي عبر الإنترنت حول تجاربهم المهنية الحالية. أجاب المشاركون عن أسئلة حول مستوى مشاركتهم في العمل، وعدد المرات التي يتحملون فيها المسؤولية ويبتكرون في وظائفهم، وإلى أي مدى يشعرون بالفضول. وطرحت عليهم أيضاً أسئلة حول أدائهم الوظيفي. كما عبروا عن موافقتهم على تعبيرات مختلفة (على سبيل المثال، "أشعر في العمل بتدفق الطاقة" و"إنني منهمك في العمل") على مقياس من 7 نقاط، يتراوح من عدم موافق بشدة إلى موافق بشدة.
تلقى المشاركون واحدة من 4 رسائل بريد إلكتروني مرة واحدة في الأسبوع على مدار الأسابيع الأربعة التالية، تطلب منهم الانخراط في سلوكيات معينة في العمل. ووفقاً لعشر سنوات قضيتها في الأبحاث، فإن هذه السلوكيات هي مكونات أساسية لتعزيز مشاركة الموظفين.
وجاءت الرسائل الأربعة كما يلي:
• "في الأسبوع المقبل، أود منكم التركيز على ما يلي. أصبح العمل روتينياً للكثيرين. ومن المهم الحفاظ على إيجاد طرق لتحسين العمليات الحالية. لذا، لا تتعاملوا مع الأنظمة والإجراءات الراسخة كمسلّمات: واسألوا أنفسكم كثيراً لماذا تنفذون العمل بالطريقة المعتادة وما إذا كانت هناك طرق أفضل لأداء هذه الأمور".
• "في الأسبوع التالي، أود منكم التركيز على ما يلي. ابحثوا عن سُبل تسمح لذواتكم الحقيقية بالتألق في العمل. قد تكون المسألة في بساطة الطريقة التي تفضلها في ارتداء ملابسك، أو الديكور الذي تختاره لبيئة عملك ليعكس شخصيتك ويجعلك تشعر بالراحة، أو التواصل مع زملائك وعملائك بطرق تتلاءم مع شخصيتك. باختصار، حاول تشكيل وظيفتك بطريقة تسمح لك بالشعور بأنك تعبر عن شخصيتك وبإبراز مواهبك ومهاراتك بشكل متواتر".
• "في الأسبوع التالي، أود منكم التركيز على ما يلي. إذا كنت تجد نفسك توافق الزملاء أو غيرهم في المؤسسة لتجنب المواجهة أو تسريع عملية صنع القرار، فيجب عليك محاربة هذا التوجه والتعبير عن رأيك. إذا كنت تشعر بقوة أن هناك من يعمل بطريقة غير صحيحة أو أن هناك طريقة أفضل لأداء شيء ما أو التفكير فيه، فأفصح عن ذلك وقدّم وجهة نظرك المختلفة".
• "في الأسبوع التالي، أود منكم التركيز على ما يلي. اسألوا أنفسكم ما هي مواهبكم وأخرجوها بتواتر. فكروا فيما يجعلكم متفرّدين، واعملوا على إظهار بصمات تفردكم في عملكم. وحاولوا أيضاً التعرف على فرص التعلّم وتوسيع مجموعة المهارات والاهتمامات التي تمتلكونها حالياً".
في الأسبوع السادس، أجاب المشاركون عن الاستطلاع الأخير، الذي سألتهم فيه عن تجاربهم في العمل، ودعوتهم لتقديم بعض الملاحظات حول السلوكيات التي اشتركوا فيها. أكمل ألف شخص تقريباً الاستطلاع الأول، واستمر 725 منهم في المشاركة حتى نهاية الدراسة.
كان هدفي من الدراسة هو معرفة ما إذا كان تشجيع الأفراد على التصرف بطرق معينة يمكن أن يقودهم إلى مباشرة أعمالهم بطريقة مختلفة والتأثير في مشاركتهم وأدائهم. وللتمكن من استخلاص النتائج، أضفت 500 موظف بالغ من مجموعة واسعة من الصناعات ليكونوا بمثابة مجموعة المقارنة الخاصة بالدراسة. وقد ضممتهم من خلال خدمة "كلير فويس" (Clear Voice)، التي تقدم مجموعات النقاش للمؤسسات الأكاديمية. لقد أجابوا عن استطلاعات الإنترنت في الأسبوع الأول والسادس ولكنهم لم يتلقوا مني أي رسائل تطلب منهم تبني سلوكيات جديدة في العمل.
كما توقعت، في الاستطلاع الأول، لم أجد أي اختلاف في مستويات المشاركة والابتكار والأداء الذاتي بين المشاركين في مجموعة الدراسة ومجموعة المقارنة.
ولكن بعد ذلك حصلت على نتائج مثيرة للاهتمام. عند مقارنة النقاط بين الأسبوعين الأول والسادس، وجدت أنها لم تتغير عند المشاركين في مجموعة المقارنة. كانت النتائج مختلفة لأولئك الذين طلبت منهم تغيير سلوكياتهم. من خلال التشكيك في الممارسات المعتادة والتعبير عن فرديتهم، على سبيل المثال. بناءً على إجاباتهم على الاستطلاع، بعد 6 أسابيع، حققوا تحسناً في المشاركة الوظيفية بنسبة 21%، وتحسناً في المساءلة والابتكار بنسبة 18%، وتحسناً في الأداء بنسبة 14%، وتحسناً بنسبة 12% في الفضول. بعبارة أخرى، فإن حثهم على التصرف بطرق تكافح الخضوع والاستسلام بشكل بنّاء قد حصد جميع أنواع الفوائد.
طلبت من المشاركين في مجموعة الدراسة تبادل بعض القصص عن الطرق التي التمسوها لتطبيق رسائلي عملياً. وبصفة عامة، يبدو أن القصص تؤكد أن المشاركين قد جربوا السلوكيات الجديدة ووجدوها مفيدة. فيما يلي بعض الردود:
"جلبت بعض الصور والبطاقات البريدية من البيت ووضعتها في مكتبي. لاحظها بعض زملاء العمل وكان رد فعلهم إيجابياً".
"رتبتت أولويات العمل والسلوكيات على أساس نقاط قوتي، وفكرت في أهداف التعلم في كل مشروع كنت أعمل عليه في الوقت الحالي، وسألت نفسي إذا كان العمل الذي أمارسه اليوم سيساعدني على الوصول إلى حيث أريد".
"بعد التفكير مليَّاً، قررت أن أفعل ما يلي. وضعت قائمة بجميع مهام وأعمال القسم الذي أديره (بما في ذلك الأعمال التي نفذتها وحدي تماماً) ووزعتها على جميع أعضاء فريقي، مع مراعاة المهارات التي يجب تطويرها لدى كل منهم. بهذه الطريقة، وفرت على نفسي الكثير من وقت الفراغ وتمكنت من المشاركة في مسائل لم أعمل عليها حتى الآن نظراً لضيق الوقت. وأحس الأفراد بوضع أفضل، لأنهم شعروا بثقتي فيهم بإعطائهم الواجبات التي كان مديرهم يؤديها، وبدأت الإدارة العليا تنظر إلي نظرة مختلفة، حيث بدأتُ بالمشاركة في عمليات أكثر تعقيداً لصنع القرار".
تعكس هذه السلوكيات طرقاً مختلفة للرد على رسائلي، لكنها تشير إلى موضوع أوسع نحتاجه لمحاربة الرغبة في الرضوخ لتوقعات الآخرين، والوضع الراهن، وحتى نظرتنا الشخصية من أجل الاستمرار في المشاركة. ومن خلال التوصل إلى طرق لمساعدتنا على أن نكون أكثر واقعية في العمل، وإبراز التحدي لطرق العمل الشائعة، والتأكد من ظهور مواهبنا في وظائفنا، وانتهاز الفرصة لإسماع أصواتنا وآرائنا، من الممكن أن نصبح أكثر انخراطاً ومشاركةً في العمل الذي نمارسه - ولا يقتصر الأمر على منفعتنا الشخصية. فهذه المشاركة الأوسع في العمل ستؤدي إلى أنواع من السلوك الإبداعي ومستويات عالية من الأداء الذي تتطلع إليه جميع المؤسسات.