كيف حشد مركز “مايو كلينك” الدعم لتطبيق خطة تخفيض فترات إقامة المرضى في المستشفى؟

6 دقائق

تقلل الإقامة القصيرة في المستشفى بعد الجراحة من المضاعفات وتسفر عن نتائج أفضل، فالمستشفيات معدّة لعلاج المرضى، في حين تتيح لهم منازلهم التعافي وتلقّي الرعاية ووسائل الراحة من أحبتهم والعودة إلى ممارسة أنشطة حياتهم اليومية في أسرع وقت ممكن.

ويتطلب تخريج المرضى إلى منازلهم بشكل أسرع من كل عضو من أعضاء فريق الرعاية الصحية العمل معاً وفق بروتوكولات أكثر كفاءة واتباع أساليب جديدة للرعاية. وتحقيقاً لهذه الغاية، ابتكرت عيادة جراحة القولون والمستقيم في مركز "مايو كلينك" (Mayo Clinic) قبل عقد من الزمن "مسار التعافي المعزّز" الذي ساهم في تحقيق هذا الهدف وزاد من رضا المرضى وخفض التكاليف. ونالت هذه التحسينات على العمليات القبول في العديد من الأقسام الجراحية الأخرى في مركز "مايو كلينك" الطبي، حيث تبنّت في الآونة الأخيرة سبعة مراكز طبية مستقلة تمتلك عضوية في شبكة "مايو كلينك" للرعاية الطبية مسار التعافي المعزّز.

وسأورد في هذه المقالة كيفية حصولنا على دعم الأطباء السريريين في كل من مركز "مايو كلينك" والمراكز الطبية المستقلة.

يتضمن مسار التعافي المعزّز مجموعة أساليب محسّنة لإدارة التعامل مع الآلام وقيوداً على إجراء عمليات القسطرة وتأمين العلاج المبكّر للمرضى وتطوير أنظمتهم الغذائية وتوعيتهم وغير ذلك. وتمكّن المرضى من خلال ترشيد تطبيق هذه العملية ونشر ممارسات تحمل المسؤولية من العودة إلى منازلهم بشكل أسرع وأبدوا نتائج أفضل. على سبيل المثال، أسفر استخدام مسار التعافي المعزز في حالة جراحة القولون والمستقيم عن تقليل الوقت الذي يقضيه المرضى في المستشفى إلى النصف، إضافة إلى تخفيض فترة إقامة المرضى الذين يعانون من حالات طبية معقدة.

وتنطبق النتائج ذاتها على المجالات الجراحية الأخرى التي طُبق استخدام مسار التعافي المعزّز عليها في مركز "مايو كلينك" وفي المراكز الطبية التابعة إلى شبكة مايو كلينك للرعاية الصحية.

تغيير الثقافة القائمة على وحدات العمل المنفصلة

بصفتي رئيساً لقسم جراحة القولون والمستقيم في مركز "مايو كلينك"، أدركت عن كثب حاجتنا إلى رفع كفاءة عمليات ما بعد الجراحة، إذ تعتبر الخدمات التي يقدّمها المركز استثنائية في امتلاكه 10 جراحين للقولون والمستقيم، وهو عدد يفوق ما لدى معظم المراكز الطبية الأميركية الأخرى، إضافة إلى ما يصل إلى 12 فرداً يشاركون في تقديم الرعاية لكل مريض في المستشفى. ويتمتع كل شخص من مقدمي الرعاية الصحية هؤلاء برؤيته الخاصة لما هو جيد ومناسب لكل مريض. وفي حال لم يعرف أحدهم تفاصيل كامل خطة الرعاية لمريض ما ولم يكن يحفظها عن ظهر قلب، لن يحصل المريض على الرعاية الأكثر فاعلية لتسريع عملية تعافيه.

بدأنا التخطيط إلى ترشيد تطبيق عملية التعافي تحقيقاً لغاية معينة دون تحديد الوجهة. وأطلقنا في عام 2009، بعد أشهر من البحث والإعداد مسار التعافي المعزّز في عملياتي الجراحية وعمليات زميل آخر لي في قسم جراحة القولون والمستقيم. يدعو مسار التعافي المعزّز إلى اتباع عدة ممارسات قبل الجراحة وأثناء العملية الجراحية وبعدها ويركز على تزويد المرضى بالسوائل والاهتمام بالنظام الغذائي والتعامل مع الألم.

وكنا نعلم أننا بحاجة إلى بعض الأشخاص ذوي القدرة على تحمل المجازفة المتمثلة بتبني التغييرات المطلوبة، إذ يميل قطاع الرعاية الصحية إلى اتباع ثقافة الانعزال، وخاصة الثقافة الجراحية في العديد من المؤسسات، إلا أننا بحاجة إلى هدم هذه الثقافة القائمة على وحدات العمل المنفصلة. لذلك، ركزنا في بادئ الأمر على العمليات الجراحية طفيفة التوغل وعلى عناصر ذات طابع شخصي لمسار التعافي المعزّز، وذلك بناء على ملاحظات الجراحَين والعاملين في مجالات التخدير وشركات الأدوية والتمريض. لدينا مثلاً في قسم جراحة القولون والمستقيم طابقان من أسرّة المستشفيات يتسع كل طابق منهما إلى 25 مريضاً ويعمل فيه حوالي 50 فرداً من طاقم التمريض. كما حددنا الأفراد المؤثرين والمؤمنين بالتغيير لقيادة المبادرة، والذين ضموا حوالي خمسة إلى عشرة أفراد من طاقم التمريض. وتبنّت حوالي عشر شركات من شركات الأدوية تأمين الأدوية لهذين الطابقين، كما عملنا مع اثنين إلى ثلاث منها لدعم إدخال التغييرات على عملية إدارة الدواء.

وراقبنا عن كثب النتائج المتعلقة بمدة الإقامة في المستشفى، فضلاً عن المضاعفات التي قد تحدث، مثل التهابات الموضع الجراحي والنزيف والخُراجات الجراحية وإعادة الإيداع في المستشفى على سبيل المثال لا الحصر. وبتنا واثقين من أننا نسير على المسار الصحيح بفضل النتائج وامتثال الموظفين لبروتوكولات مسار التعافي المعزّز. وبدأنا بعد ستة أشهر تنفيذ المسار مع الجراحين العشرة جميعهم، وراقبنا النتائج والعمليات المحسنة لضمان تبنيها ونجاح هذه الممارسة بأكملها.

وأصبح مسار التعافي المعزز معياراً للرعاية لجميع عمليات القولون والمستقيم في عام 2011. وارتفع عدد المرضى الذين طبق عليهم الجراحون نهج العلاج إلى ما يصل إلى 2,800 حالة من المرضى المقيمين الاختياريين سنوياً، والذين تعاني ما نسبته 40% منهم من السرطان، وبالتالي، تركت الخطة أثرها على آلاف المرضى في السنوات الثماني الماضية، وهو ما أدى إلى تحسين نتائج المرضى ورضاهم مع تقليل التكاليف.

ومنذ ذلك الوقت، دُمج نهج مسار التعافي المعزز في كل جانب من جوانب الجراحة والرعاية الطبية قبل العمليات الجراحية وبعدها في مركز "مايو كلينك". وقد حدث ذلك بصورة طبيعية عن طريق الملاحظة والتناقل الشفهي وبفضل الأفراد الذين أبدوا دعمهم لهذه الممارسة، وكذلك عن طريق الترويج الذي يجريه أفراد الطاقم الجراحي في قسمنا، ومجموعات الأوامر العلاجية في السجلات الصحية الإلكترونية وعن طريق لجنة فرعية أرأسها تدعم إعادة تصميم العمليات في جميع أقسام مركز "مايو كلينك".

التعاون عبر الحدود المؤسسية

طبقنا الدروس المستقاة في تنفيذ هذا التغيير في العمليات في عامي 2015 و 2016، حيث وسعنا استخدام مسار التعافي المعزّز ليشمل الأعضاء المهتمين في شبكة مايو كلينك للرعاية الصحية، وهم مجموعة من أنظمة الرعاية الصحية المستقلة التي تدفع رسوماً سنوية لقاء الحصول على خبرات وموارد مركز "مايو كلينك".

إلا أن تغيير العمليات الراسخة في المؤسسات الأخرى كان أمراً مختلفاً تماماً عن تنفيذ المسار داخل قسم عمليات القولون والمستقيم في مركز "مايو كلينك"، حيث تطلّب الأمر نوعاً مختلفاً من مساعي بناء الروابط والتعاون وتأييداً كبيراً وثقة من قبل المؤسسات السبع التي شاركت. وقد كانت هذه المؤسسات من مختلف الأحجام ومن جميع أنحاء البلاد، من مدينة بينساكولا في ولاية فلوريدا وحتى مدينة كور دي ألين في ولاية أيداهو. واستخدمنا إطار العمل "المبتكر" الذي طوره معهد تحسين الرعاية الصحية في تسعينيات القرن الماضي واستُخدم في العديد من مجالات الممارسة الطبية.

كان العمل الجماعي عبر فرق الرعاية متعددة التخصصات أمراً بالغ الأهمية، إذ كان من السهل إلى حد ما الاتفاق على مقاييس تقييم التقدم، إلا أنّ تحليل البيانات والمعلومات شكّل تحدّياً نظراً لعدم امتلاك المؤسسات أنظمة سجلات طبيّة إلكترونية مشتركة. كما تعيّن تجاوز بعض العوائق المؤسسية الأخرى وعوائق داخل فرق الرعاية شملت تطبيق مجموعات الأوامر العلاجية الإلكترونية الجديدة وبروتوكولات التخدير ورصد فرق التمريض الجديدة والبروتوكولات الإجرائية والتدريب الصارم للموظفين.

كما تضمنت الخطوات الأساسية في العملية التي استمرت تسعة أشهر اجتماعاً عُقد مدة يومين في مركز "مايو كلينك" في روتشستر للفرق المؤسسية التي شاركت في إجراء هذه التغييرات، ألا وهي فرق الجراحة والتخدير والتمريض والإدارة. وانطوى الهدف من الاجتماع في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2015 على تبادل المعرفة السريرية والممارسات المثلى، كما سعى إلى بناء علاقة قائمة على الثقة لتمكين ورش العمل المستقبلية وأساليب التواصل من قيادة المجموعات نحو تحقيق هدفها بنجاح.

كما أجرينا من الفترة الممتدة بين شهر سبتمبر/ أيلول عام 2015 إلى مارس/ آذار عام 2016 مكالمات شهرية استغرقت 30 دقيقة مع كل مؤسسة عضو للحديث عن الشواغل الراهنة المحددة التي تتعلق بقضايا العمليات والقيادة والجودة.

وقد تباينت قدرة كل مؤسسة على تنفيذ مسار التعافي المعزّز وفق النهج المحدد، إلا أننا لم نضع أي شرط لتنفيذه على أكمل وجه، إذ تبين لنا أنّ تطبيق معيار واضح المعالم كان أكثر أهمية من تطبيق المعيار ذاته. وتمكنت جميع الفرق من تقليل مدة الإقامة في المستشفيات على الرغم من الاختلافات، وحققت بذلك الهدف السريري الرئيس عندما اكتملت عملية التحول في شهر مارس/ آذار عام 2016، حيث انخفضت معدلات الإقامة في المستشفيات بنسبة 33.9% في جميع مواقع شبكة مايو كلينك للرعاية الصحية. وانخفضت مدة الإقامة في أحد المراكز بنسبة 48.7% حتى، وحظيت المؤسسة نفسها بأدنى معدل إعادة الإيداع في المستشفى في الولاية بعد تنفيذ المسار.

التعلم متعدد الاتجاهات

كما هو الحال في معظم عمليات التحسين المستمر، استخلصنا عدة فوائد ودروس لم نكن نتوقعها، وقد شملت هذه التحسينات تغييراً في الثقافة والقضايا المتعلقة بالعمليات واحتياجات تقنية المعلومات والتحديات المتعلقة بقياس الإدارة فضلاً عن فرص الابتكار وتكييف مسار التعافي المعزّز مع الظروف المحلية. على سبيل المثال، أجرت عيادات "بيلينجس كلينك" (Billings Clinic) في مدينة بيلينجس في مونتانا تجربة توفير فرق تمريض متخصصة خلال هذا البرنامج لتزويد المرضى بالمعلومات والدعم المستمر قبل العملية وبعدها. وجرى تشجيع الفرق على مشاركة هذه الابتكارات المحلية أثناء سير العملية لنتمكن من التعلم من بعضنا البعض والاحتفاء بالنجاح.

وكان التعلّم من الأقران أمراً بالغ الأهمية، حيث تشاركت مراكز شبكة مايو كلينك للرعاية الصحية مع بعضها البعض أموراً فاقت ما تتشارك به مع مركز "مايو كلينك" نفسه. على سبيل المثال، يمكن لإحدى الممرضات في مدينة بينساكولا في فلوريدا أن تتبادل الخبرات مع أعضاء الفريق الطبي في مدينة كور دي ألين أكثر من تبادل أعضاء فريق ما خبراتهم في مستشفى أكبر بكثير مثل مستشفى "مايو كلينك" في روتشستر. وطبّقت العديد من الفرق الدروس المستقاة من مسار التعافي المعزّز في تخصصات أخرى في مراكزها الطبية، مثل الحد من استخدام المواد الأفيونية.

وبحلول نهاية العملية كان من الواضح أن التعلم كان متعدد الاتجاهات. وعلى الرغم من أن الفرق في مراكز شبكة مايو كلينك للرعاية الصحية اكتسبت خبراتها من مركز "مايو كلينك" نفسه، إلا أنها اكتسبت رؤى ثاقبة من بعضها البعض على حد سواء، وهذا ينطبق على موظفي مركز "مايو كلينك" أيضاً.

ويمكننا أن نصف النتائج أنها كانت حقيقية وقابلة للقياس والتكرار في مجالات جراحية ومؤسسات أخرى. وقد توفر الأساليب التي حققنا بها هذا النجاح مساراً يمكن للآخرين الاقتداء به.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي