دروس من شركة هاير، في أوائل شهر فبراير/شباط عام 2020، وفي الوقت الذي كانت تتصدى فيه الصين للموجة الأولى من جائحة كوفيد-19، واجهت شركة هاير غروب (Haier Group)، إحدى أكبر الشركات المصنعة للأجهزة المنزلية في العالم، تحدياً وفرصة على حد سواء. فقد طلبت شركة هيجي هوم (Heji Home)، وهي شركة صينية مصنّعة للأثاث المنزلي، مساعدة شركة هاير في إنتاج أجنحة عزل متنقلة ترغب في التبرع بها لصالح مستشفى في ووهان، موقع أول انتشار لفيروس كورونا المستجد. تطلبت تلك الوحدات تصميم أنظمة للهواء النقي والتعقيم وأنظمة أخرى لمعالجة مياه الصرف الصحي تستوفي المعايير الطبية الصارمة. لم تنتج أي من الشركتين مثل تلك المعدات من قبل، ولا تملك أي منهما موارد التصميم وقدرات سلسلة التوريد اللازمة للعمل بمفردها، وهو ما دفعهما إلى التعاون معاً؛ وعلى الرغم من عمليات الإغلاق الواسعة النطاق بسبب الجائحة وإغلاق الشركات الأخرى أبوابها حتى العام الصيني الجديد، تمكنت الشركتان من تطوير نموذج أولي للوحدة وتسليمه إلى المستشفى في غضون أسبوعين. وتبع ذلك إنتاج وحدات إضافية بسرعة وتسليمها إلى المستشفيات المحلية في الأسابيع اللاحقة. وواصلت شركتا هيجي وهاير تعاونهما، وطورتا في الأشهر التالية نماذج أخرى من الوحدة، مثل محطة اختبار الحمض النووي المتنقلة ومحطة التطعيم المتنقلة، لتلبية الطلبات الجديدة. وتطلبت تلك المرونة أن تسارع الشركتان إلى تحديد هوية الشركاء المناسبين في العديد من القطاعات، بما فيها قطاعات الأجهزة الصناعية والرعاية الصحية والإنشاءات، وأن يثق جميع الأطراف المعنيين ببعضهم البعض وأن يكونوا على استعداد للتعاون في التصميم. وتمكنت كل من شركتي هيجي هوم وهاير من وضع نموذج أولي واختباره، وتهيئة سلسلة التوريد، ومواءمة القدرة التصنيعية في غضون أسابيع، وذلك بفضل منصة هاير الرقمية.
تختلف منصة كوزموبلات (COSMOPlat) (التي ترمز إلى المنصة السحابية لعمليات التصنيع الذكية) اختلافاً جوهرياً عن منصات سلاسل التوريد الرقمية التقليدية والمنصات الرقمية الأخرى. فهي تتيح نطاقاً أوسع من التعاون، بدءاً من الابتكار والتصميم إلى توفير المواد والمكونات وحتى حل المشكلات التقنية وتقديم خدمات جديدة، ويمكن استخدامها من قبل أي من أعضائها لتنظيم الاستجابة للفرص الجديدة أو التعامل مع صور الزعزعة. ولا تقتصر عضوية المنصة على موردي شركة هاير فقط، بل تشمل الشركات التي قدّم الموردون لها دعوات انضمام وشركات أخرى سمع موظفوها عن المنصة من الزملاء في المؤتمرات والاجتماعات المهنية ومن القصص المنشورة في وسائل الإعلام. وتخطط شركة هاير لجعل منصة كوزموبلات شركة قائمة بذاتها تقدم خدمات للشركات في القطاعات الأخرى.
وفي الواقع، قد تستفيد العديد من الشركات من وجود منصة رقمية تتمتع بقدرات هائلة كقدرات شركة هاير. ونقدم في هذه المقالة نظرة عامة على كيفية تطوير شركة هاير لمنصة كوزموبلات، ونبيّن كيفية اختلافها عن المنصات الرقمية التي تستخدمها الشركات متعددة الجنسيات الأخرى، ونصف كيفية قيام شركة هاير ومورديها بالاستفادة من المعلومات والعلاقات التي طورتها المنصة لحل المشكلات بسرعة، ونقدم التوجيه إلى الشركات التي تطمح إلى إنشاء منصة مماثلة.
فكرة المقالة باختصار
الواقع الحالي
تمتلك معظم الشركات منصات رقمية تدعم مجالات وظيفية معينة، مثل إدارة سلاسل التوريد أو تصميم المنتجات أو العمليات، وهي تتحكم بهوية الشركات التي يمكنها الانضمام إلى المنصة.
نهج شركة هاير
وسعت الشركة الصينية المصنعة للأجهزة منصتها لتسهيل التعاون في مجالات الابتكار والتصميم بالإضافة إلى توريد المواد والمكونات وحتى حل المشكلات التقنية وتقديم خدمات جديدة.
المنافع
تتيح المنصة لشركة هاير الاستفادة من خبرة بيئة عملها ومواردها، واستغلال فرص الأعمال الجديدة بسرعة، والاستجابة السريعة لصور الزعزعة، وتحقيق الكفاءة في مجموعة واسعة من الأنشطة.
تطوير الثلاجة الذكية في شركة هاير
استخدمت شركة هاير منصة كوزموبلات لتنظيم عملية تطوير ثلاجتها الذكية وإنتاجها وتوزيعها. وإليكم الطريقة:
مساهمات المستخدمين. ساعدت المنصة شركة هاير في تحديد خيارات التصميم في غضون أسابيع قليلة فقط، ثم الحصول على تقييمات من مجتمع المستهلكين الحاليين والمرتقبين عبر الإنترنت بشأن الحجم المفضّل لحجرات التخزين، وما إذا كانوا يرغبون في مراقبة محتويات ثلاجاتهم من خلال هواتفهم، وما إلى ذلك. وهو ما مكّن شركة هاير من الكشف عن احتياجات الزبائن التي لم تفكر فيها من قبل. على سبيل المثال، علمت أن الناس يحتفظون بمجموعة متنوعة من الأصناف في الثلاجة، ومن بينها أصناف تتطلب درجات حرارة ومستويات رطوبة وتدفقات هواء مختلفة، مثل منتجات العناية بالبشرة وخلاصات الأعشاب وحليب الأطفال. وتم تحويل تلك الرؤى الثاقبة إلى إحصائيات وصفية لدعم فريق التصميم.
الخبرة الفنية. أتاحت المنصة لشركة هاير جذب الموردين المؤهلين بالقدرات اللازمة على اختلاف مستوياتهم. على سبيل المثال، نشرت شركة هاير على المنصة أنها تبحث عن طرق لتقليل تسرب الهواء بين باب الثلاجة الزجاجي وإطار الباب، فعرضت شركة سيكا (Sika) المساعدة، وهي شركة عالمية رائدة في مجال المواد اللاصقة ومانعات التسرب والمعالجات السطحية كانت قد انضمت إلى المنصة للمساعدة في مشروع مختلف. وحللت شركتا هاير وسيكا طبيعة القوى المؤثرة في الباب وقوة الترابط المطلوبة من المادة اللاصقة للتوصل إلى حل. وساعدت شركة سيكا أيضاً شركة هاير في أتمتة تطبيق المادة اللاصقة باستخدام روبوت مصمم خصيصاً. وتم إنجاز العملية في غضون شهرين بعد أن كانت تستغرق عادة ستة أشهر.
العمليات اللوجستية والخدمية. أتاحت منصة كوزموبلات الوصول إلى العديد من مزودي الطرف الثالث فيما يتعلق بحركة الثلاجات من مركز النقل إلى آخر محطة للتسليم وتخزينها وصيانتها وإصلاحها. كما جمعت بيانات حول عمليات الإصلاح وردود فعل الزبائن على الثلاجة. وكانت هذه البيانات متاحة لجميع أعضاء المنصة المشاركين في الثلاجة، ما أتاح لهم معالجة المشكلات بشكل أسرع، مثل تحديد موقع قطع الغيار وترتيب تسليمها الفوري لموظفي خدمة الإصلاح.
إدارة دورة حياة المنتج. استخدمت شركة هاير قدرات "التوأم الرقمي" في منصة كوزموبلات لإنشاء نماذج افتراضية للثلاجة. ففي مرحلة التصميم، ساعدت عمليات المحاكاة المرتبطة بكيفية تفاعل مواصفات المنتج وتكنولوجيا المعالجة فريق المشروع على تحسين كليهما. وفي مرحلة الإنتاج، تم استخدام التوأم الرقمي لمراقبة بيئات التصنيع المادية لاكتشاف العمليات الخارجة عن السيطرة والتحسين المستمر لإعدادات الجهاز. ويراقب التوأم الرقمي أداء الثلاجة في منازل الزبائن ويرسل تنبيهات للزبائن لتغيير الإعدادات بهدف تحسين استخدام الطاقة وتقليل هدر الطعام والحفاظ على منتجاتهم. وهذه المعلومات متاحة لمصممي شركة هاير لاستخدامها في تعزيز الأداء وتحسين الإعدادات تلقائياً.
أوجه الاختلاف في منصة هاير
تم إنشاء المنصة الرقمية لشركة هاير عام 2012 بهدف تحسين القدرة الوظيفية لإدارة المشتريات الداخلية الأساسية في الشركة. وصُممت النماذج المبكرة لوضع الطلبات وتنسيق خطط الإنتاج وإدارة الموجودات وخدمات الدفع الإلكتروني والمعاملات الروتينية الأخرى. ومع ذلك، سرعان ما قرر مؤسس شركة هاير ورئيسها التنفيذي، جان رومين، ألا تقتصر مهمة المنصة على تسهيل الوظائف الروتينية لسلسلة التوريد، بل أن تكون قادرة على حشد الموارد المهمة داخل الشركة وخارجها. وكان يطمح إلى زيادة مرونة سلسلة التوريد من خلال المساعدة في حل المشكلات، مثل صور زعزعة العرض، والتحولات غير المتوقعة في الطلب، ومشكلات الجودة، إضافة إلى رغبته في اغتنام الفرص الجديدة بسرعة وفاعلية. وبدأت الشركة وفقاً لذلك بإضافة قدرات جديدة إلى المنصة وغيّرت اسمها إلى كوزموبلات عام 2016.
وأتاحت شركة هاير إمكانية الوصول إلى منصة كوزموبلات في حوالي 20 دولة، وعلى الرغم من صعوبة تحديد فوائدها المباشرة، تعتقد الإدارة العليا أنها أدت دوراً فعالاً في تحقيق مكاسب كبيرة، كتسليم الطلبات خلال وقت قصير، وزيادة الفاعلية الإنتاجية، وانخفاض معدلات نفاد المخزون، واستلام المدفوعات بشكل أسرع، وزيادة القدرة على تخصيص المنتجات. وأفادت الشركات الأعضاء الأخرى أن شركة كوزموبلات قدمت لها مساعدة هائلة، حيث خفّضت شركة كومباكس آر في (Compaks RV)، الشركة المصنعة للمنازل المتنقلة ومقطورات التخييم ومركبات المبيت الترفيهية ومقرها في رونغتشينغ في الصين، دورة إنتاجها من 35 إلى 20 يوماً، وخفضت تكاليف الشراء بنسبة 7.3%، وازدادت طلبات زبائنها بنسبة 62%. ويقول أعضاء آخرون، بما فيهم شركات هيجي هوم وتونجي سيراميكس ساينس آند تكنولوجي (Tongyi Ceramics Science and Technology)، وهي شركة مصنعة لمنتجات السيراميك، إن المنصة أتاحت لها فرصة تحسين أدائها في مجالات عدة، كتطوير المنتجات، وتكاليف المشتريات الداخلية، وزمن دورة الإنتاج، والمبيعات، وصافي الأرباح.
وتفحصنا على مدى السنوات الخمس الماضية أكثر من 10 منصات طورتها شركات أخرى، ووجدنا أن منصة شركة هاير تختلف عنها في نواح عديدة. توفر منصة كوزموبلات نطاقاً أوسع بكثير من القدرات الوظيفية المتكاملة لتسهيل تعاون العديد من الشركات على طول سلسلة القيمة. في الواقع، تمتلك العديد من الشركات الكبرى منصات رقمية مخصصة لإدارة سلاسل التوريد. وتساعد بعض تلك المنصات المتطورة، مثل منصة بريدكس (Predix) التابعة لشركة جنرال إلكتريك (GE) ومنصة مايند سفير (MindSphere) التابعة لشركة سيمنز، الأعضاء على استخدام التقنيات المتطورة، مثل القدرات الرقمية للثورة الصناعية الرابعة (اتصالات بإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، والتحليلات المحوسبة، والذكاء الاصطناعي)، لتحسين الكفاءة التشغيلية للمصانع والمنتجات في القطاع. وتركز منصات أخرى، مثل منصة الابتكار المفتوح التابعة لشركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية على تطوير المنتجات، كتصميم رقائق إلكترونية جديدة. من جهة أخرى، تُمثّل منصة كوزموبلات نظاماً لإدارة الموردين ومحركاً للابتكار.
وهناك اختلاف آخر بين منصة شركة هاير ومنصات الشركات الأخرى يتمثّل في مدى تحكمها في شبكة الموردين. حيث تقرر العديد من الشركات هوية الموردين الذين يمكنهم الانضمام إلى المنصة وتحدد ماهية المهام التي سيتولون أداءها. وعلى النقيض من ذلك، لم تجعل شركة هاير عضويتها مقتصرة على مورديها؛ ولم تحدد طبيعة المسؤوليات أو هوية الأشخاص الذين سيتولون أداءها، بل كانت تنشر وصفاً لمشكلة ما تواجهها على منصة كوزموبلات وتتيح لأي مورد حالي أو مرتقب تقديم حلول أو الانخراط في جهود تعاونية للعثور على حل، حتى لو كان المورد يعمل في قطاع مختلف. وتُحكم العديد من الشركات الكبيرة سيطرتها أيضاً على العملية التعاونية، في حين تجنّبت شركة هاير ممارسة أي سيطرة. بل تعمل الأطراف المعنية معاً على إيجاد حل دون أي مشاركة من شركة هاير. ويُعتبر مثل هذا النهج العضوي للاستفادة من قدرات المؤسسات الأخرى وحشد الموارد اللازمة مفيداً عندما يكون الإطار الزمني لفرصة تقديم منتج ما أو خدمة جديدة قصيراً وعندما لا تمتلك الشركة قدرات التصميم المطلوبة أو الموردين، أو عندما تواجه زعزعة كبيرة أو مفاجئة.
توسيع دور سلاسل التوريد والمنصات
يتطلب تطوير منصة كمنصة كوزموبلات، التي تُمثّل نظاماً لإدارة سلسلة التوريد ومحركاً للابتكار على حد سواء أن يوسّع قادة الشركة منظورهم. ويجب أن يعتبروا المنصة أداة لما يلي:
- توسيع شبكة الموردين بسرعة. يركز العديد من الشركات على تحسين فاعلية سلاسل التوريد الحالية ومرونتها، كأن تحدد إحدى الشركات المصنعة للمعدات الأصلية شبكات التوريد متعددة المستويات الخاصة بها، وتطور روابط معلومات مع أعضاء الشبكة، وتُعدّ نظام تتبع لمراقبة تدفق المنتجات والمعلومات بين الموردين وتنسيقها. لكن نظراً لعودة ظهور حوادث الزعزعة المرتبطة بالمناخ والجائحة خلال السنوات الخمس الماضية، فقد تحتاج أي شركة إلى تغيير سلسلة توريدها الحالية بشكل كبير أو تشكيل سلسلة جديدة عند حدوث أزمة ما أو ظهور فرصة جديدة. ويمكن لمنصة رقمية مثل منصة كوزموبلات تسريع عملية جلب شركاء جدد، ومن أماكن غير متوقعة أحياناً.
- التطلع إلى ما وراء المشتريات الداخلية. يتمثل الهدف الأساسي لرقمنة سلسلة التوريد عادة في إدارة تدفقات المواد والسلع (مثل الطلبيات وعمليات التوصيل والمخازن وتوقعات المبيعات) والخدمات المرتبطة بها بشكل مباشر (مثل خدمات الدفع الإلكتروني والخدمات اللوجستية) بين أعضاء شبكة التوريد. لكن عندما تبرز الفرص التي تتطلب تطوير منتجات وخدمات جديدة جذرياً، فقد تحتاج الشركة إلى جهات فاعلة جديدة: من يمتلكون قدرات لتصميم المنتجات واختبارها، ولديهم ملكية فكرية مناسبة، ويمكنهم المساعدة في زيادة الإنتاج بسرعة، وتسليم المنتجات، وتقديم خدمات ما بعد البيع. وقد تساعد المنصة الرقمية في تحديد مواقع تلك الجهات الفاعلة بسرعة وتسهيل عملها مع بعضها البعض. وقد تكون مفيدة أيضاً في تحديد الخبرات وحشدها، لاسيّما تلك التي تساعد في تطوير المنتجات والخدمات المرتقبة وإنتاجها. وتؤدي المنصة الرقمية أيضاً دوراً مهماً في تعزيز القدرات الضرورية، مثل أخذ عينات ثلاثية الأبعاد لتقييم الاختلافات في التصميمات الجديدة رقمياً، وتعزيز قدرات الواقع الافتراضي لتقييم مدى نجاح التصميم الجديد في ظل مجموعة من الظروف أو إجراء تجربة عليه، وتطوير أدوات النماذج الأولية الافتراضية للتحقق من دقة الخصائص الفيزيائية والهندسية ومدى ملاءمة التصميم الجديد.
- خلق فرص وحلول جديدة. قد تتولد الأفكار المرتبطة بالفرص الجديدة أو الحلول للمشكلات من مختلف أقسام بيئة العمل. لكن مجرد توفير منصة رقمية لا يكفي لإقناع الأعضاء بتقديم الحلول أو المشاركة في الجهود المبذولة لتطبيقها، بل لا بدّ أن يكونوا على ثقة بأن التعاون سيفيدهم، ما يستلزم تحديد قواعد المشاركة وطرق تقاسم التكاليف والفوائد.
أتاحت المنصة الرقمية لشركة هاير تسليم الطلبات خلال وقت أقصر، وزيادة الكفاءة الإنتاجية، وزيادة تخصيص المنتجات.
نظرة أعمق
لنتأمل الآن بنية نظام منصة كوزموبلات؛ تتكون المنصة من 3 وحدات عمل.
الابتكار والتصميم التعاوني. تساعد هذه الوحدة الشركات المختلفة على التعاون في تصميم المنتجات والمكونات لضمان إمكانية تصنيعها بكفاءة ونقلها وتسليمها بشكل آمن واقتصادي. كما أنها تسهّل التواصل وتبادل المعارف. على سبيل المثال، قد يتطلب أحد التصميمات الجديدة لجهاز منزلي أن تتعاون إحدى شركات السيراميك مع مورّد لوحدات التحكم الإلكترونية. وتوفر هذه الوحدة بروتوكولات لتبادل المعلومات بين فرق التصميم عندما يتوصلون إلى حلول للمشكلات الفنية. كما أنها توفر نماذج لإدارة المشاريع، وتراقب التواريخ المستهدفة للمراحل الرئيسية المهمة، وتدير تراخيص استغلال حقوق الملكية الفكرية. وتساعد في الانتقال من نموذج أولي إلى إنتاج واسع النطاق من خلال تحديد المصانع ذات السعة والموقع المناسبين وتطبيق الأتمتة ومراقبة الجودة ومعايير اختبار المنتج. ويمكن استخدام الوحدة أيضاً لاستقصاء آراء المستخدمين النهائيين المرتقبين للحصول على ملاحظات حول التصميم، والاستماع إلى أي مشكلات، والتعرف على الميزات الأخرى التي يجب أن يتضمنها المنتج. ويمكن لأي عضو في منصة كوزموبلات تطبيق هذه الإجراءات، وليس فقط موردي شركة هاير.
تكامل موارد الإنتاج. تسهل هذه الوحدة عمليات إدارة المشتريات الداخلية وإدارة الطلبيات وتنسيق تدفق المواد في تجهيز المنتج النهائي. كما أنها تهيئ سلسلة التوريد وتتيح للموردين على اختلاف مستوياتهم استكشاف الإمكانات وتنسيق قدراتهم الإنتاجية. وتُعد هذه الوحدة مخططاً تفصيلياً لعملية التصنيع ونظام معالجة المواد ومتطلبات العمالة. كما أنها تتيح إمكانية اختبار جدوى المنتج، والنماذج الأولية، وإجراء عملية تخطيط مكثفة. من جهة أخرى، تفتقر معظم أنظمة إدارة سلاسل التوريد الأخرى إلى القدرة على دمج العديد من مستويات التوريد وتغيير شبكة التوريد بشكل ديناميكي.
التوزيع والخدمة. تمكّن هذه الوحدة أعضاء المنصة من تنسيق قدراتهم الفردية أو دمجها في عمليات التوزيع والخدمات اللوجستية وخدمات ما بعد البيع لدعم احتياجات المنتجات الجديدة. على سبيل المثال، تتيح لهم الوحدة العمل معاً لتحديد ماهية قنوات التسويق التي يجب استخدامها وكيفية تطوير شركاء القنوات؛ كما تساعدهم في تحديد مكان حفظ مخزون منتج جديد (مصنع التجميع النهائي، أو مراكز التوزيع المحددة، أو مستودعات تجار التجزئة)؛ وابتكار عمليات لتنفيذ الطلبيات وتسليمها. كما أنها توفر خدمتي الدعم والإصلاح (سواء كان ينبغي تنفيذ المهام داخلياً أو تعهيدها، وتوضح كيفية تخزين قطع الغيار ومكان تخزينها، وما إلى ذلك) وتدير المرتجعات.
ويجوز لأي شركة التقدم بطلب للانضمام إلى أي من تلك الوحدات التفاعلية دون أي دعوة رسمية من شركة هاير أو أي شخص آخر. بل كل ما عليها فعله هو استكمال استبيان وتقديم أدلة موثقة على مؤهلاتها وقدراتها. وبمجرد تسجيل الشركة، تُجري شركة هاير مراجعة سريعة تستغرق غالباً يوماً واحداً فقط. وهو ما يتيح للشركة الوصول إلى المعلومات غير السرية على منصة كوزموبلات، مثل الأوصاف العامة للقضايا التي تحتاج إلى حلول والأعضاء العاملين عليها. وبدلاً من إخضاع الشركات إلى عملية اعتماد رسمية تستغرق عدة أسابيع في البداية، كما تفعل العديد من الشركات الكبرى، تتيح شركة هاير للشركات المهتمة استكشاف المنصة دون أي عناء نسبياً. وإذا ما رغبت شركة ما الانضمام إلى أحد المشاريع، تُجري شركة هاير تقييماً صارماً للتحقق من قدراتها الإنتاجية أو التقنية، إضافة إلى تقييم سجل إنجازاتها فيما يتعلق بقضايا الجودة والتسعير والاستدامة. ولا تستغرق عملية الاستقصاء والتحري هذه التي تشمل زيارات ميدانية أكثر من بضعة أيام. وإذا كشف التحري عن مشكلات خطيرة، ستتخلى شركة هاير عن المورّد وتحظره من المنصة.
وتعتزم شركة هاير الاستمرار في توسيع قدرات منصة كوزموبلات. وستشمل القدرات الوظيفية الجديدة إدارة الطاقة وخفض انبعاثات الكربون، والتمويل الرقمي، وخدمات التجارة عبر الحدود. كما ستعمل على توسيع قدرات "التوأم الرقمي"، أي استخدام النماذج الافتراضية للعناصر المادية أو الأنظمة لتحسين أسلوب تصميمها وتصنيعها وتشغيلها وصيانتها.
تطوير منصة مماثلة
يتطلب تطوير منصة مثل كوزموبلات أن تكون الشركة معروفة على نطاق واسع وذات سمعة طيبة، وان تمتلك خبرة في إدارة مستويات متعددة من الموردين، ومستوى معقولاً من الخبرة في التكنولوجيا الرقمية، وهي متطلبات أساسية تجعل مثل هذه المبادرة بعيدة المنال بالنسبة للعديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. والخبر السار هو إمكانية تطوير منصة بسيطة تنمو تدريجياً دون التزام كبير بالموارد في البداية. وكما فعلت شركة هاير، يمكن لشركة ما بناء وحدات عمل ذات قدرات وظيفية محدودة، وإضافة مزيد من الميزات تدريجياً، ثم ربط الوحدات لتحسين التواصل فيما بينها. ويمكنها أن تتعلم بالممارسة وأن تستغل المكاسب المبكرة، ولو كانت بسيطة، لبناء الثقة بين أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين على حد سواء وتنمية مدخرات يمكن استخدامها للمساعدة في تمويل الخطوات اللاحقة. ويمكن لمنصة رقمية مثل كوزموبلات أن تحقق فوائد في الأوقات العادية وفي أثناء الأزمات. ويمكنها أن تخفف من متطلبات البدائل المكلفة مثل حفظ مخزونات كبيرة من المواد والمكونات والمنتجات النهائية لحالات الطوارئ أو بناء قدرات إنتاجية ولوجستية واسعة النطاق، وذلك من خلال تمكين أعضائها من تنظيم العمل وتنفيذه بشكل أسرع وأكثر كفاءة. وما يحظى بالقدر نفسه من الأهمية هو قدرة المنصة على المساعدة في تطوير سلسلة القيمة بشكل عضوي يتيح لها تلبية احتياجات اليوم والمستقبل بشكل أفضل.