ملخص: تعتمد تقنيات المكافحة الحيوية على استخدام كائنات حية دقيقة أو مفترسات طبيعية لمكافحة الآفات الزراعية، ما يقلل الحاجة إلى المبيدات الكيميائية ويعزز استدامة التربة والنظام البيئي. في بيئات تعاني من الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة مثل السعودية، تؤدي هذه التقنيات دوراً أساسياً في تقوية مناعة المحاصيل ضد الإجهاد المناخي. وفي هذا الإطار دعمت المملكة الزراعة العضوية بخطة متكاملة تضمنت:
- توفير الدعم المالي والإطار التشريعي لتبني التقنيات الناشئة في مجال المكافحة الحيوية.
- التركيز على البحث والتطوير والابتكار المحلي، ما ساعد على الاكتشاف المبكر للآفات والحد من الأمراض.
- التدريب وبناء القدرات من خلال توفير برامج تعليمية للمزارعين لتعزيز معرفتهم التقنية وربطها بالممارسة العملية.
تتجه الزراعة العالمية نحو ممارسات مستدامة وذلك لمواجهة تحديات التغير المناخي وتدهور الموارد الطبيعية، مع التركيز على تقنيات تقلل الاعتماد على الكيماويات وتعزز التوازن البيئي، مثل الزراعة العضوية والمكافحة الحيوية. وفي المملكة العربية السعودية، فرضت الظروف المناخية القاسية الحاجة إلى حلول مبتكرة، فتبنت المملكة من خلال رؤية 2030 وكذلك الاستراتيجية الوطنية للزراعة نهجاً متكاملاً يدعم الزراعة المستدامة عبر تطوير الأطر التشريعية، وتعزيز البحث والتطوير، وتدريب المزارعين. وأسهم هذا التوجه في نمو قطاع الزراعة العضوية وفتح آفاق واسعة لتطبيق تقنيات المكافحة الحيوية كأداة رئيسية لتحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على البيئة.
تعتمد هذه الأساليب على استخدام الكائنات الحية المفيدة لمكافحة الآفات والأمراض، ما يقلل من الاعتماد على المبيدات الكيميائية ويدعم صحة التربة والتنوع البيولوجي، وهما عنصران أساسيان لزيادة القدرة على الصمود في ظل الضغوط المناخية.
وتشير دراسات حديثة إلى أن عوامل المكافحة الحيوية يمكن أن تعزز مقاومة النباتات للجفاف من خلال تحفيز النمو وتنشيط آليات الاستجابة للإجهاد، مثل زيادة نشاط إنزيم البيروكسيداز ومحتوى البرولين في المحاصيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن دمج المكافحة الحيوية في الأنظمة العضوية يساعد في الحفاظ على التوازن البيئي ودعم تعافي المجتمعات الميكروبية في التربة بعد الاضطرابات المناخية، ما يقلل من تفشي الأمراض في المحاصيل خلال الأحداث المناخية القاسية وبعدها.
وفي المملكة العربية السعودية حيث يؤثر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة على حماية المحاصيل من الآفات والأمراض، تبنت نهج البحث والتطوير والابتكار في التحول بعيداً عن الزراعة التقليدية المعتمدة على الكيماويات نحو ممارسات زراعية مستدامة تحافظ على البيئة، وفي صلب هذا التحول تؤدي تقنيات المكافحة الحيوية دوراً حاسماً في تعزيز قطاع الزراعة العضوية في المملكة.
واقع الزراعة العضوية في السعودية
شهد قطاع الزراعة العضوية نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. إذ ارتفع عدد المزارع العضوية من 244 مزرعة عام 2019 إلى 312 مزرعة عام 2020، أي بنسبة زيادة 27.7%. كما توسعت المساحة المزروعة بطريقة عضوية من 24.517 هكتاراً في 2019 إلى 26.632 ألف هكتار في 2020، وقفز حجم الإنتاج من 61.441 طن إلى 98.558 طن بنسبة نمو 60%.
ووصل حجم سوق التقنيات الزراعية الحيوية في السعودية، والذي يضم تقنيات المكافحة الحيوية، إلى 149.42 مليون دولار عام 2024، ومن المتوقع أن يسجل نمو سنوي مركب بنسبة 12.67% ليبلغ 437.2 مليون دولار بحلول 2033.
وفي إطار أهداف رؤية 2030 لتعزيز الأمن الغذائي وممارسات الزراعة المستدامة، اتخذت المملكة إجراءات فعالة لدمج تقنيات المكافحة الحيوية في منظومة الزراعة العضوية، أبرزها:
الإطار التشريعي والدعم الحكومي
يساعد توفير إطار تشريعي للتقنيات الناشئة على تطبيق الحوكمة الفعالة، والامتثال التنظيمي، وحماية الحقوق الرقمية. لذا طورت المملكة الأنظمة التشريعية لتسريع تسجيل المنتجات الحيوية مع الاسترشاد بالمعايير الدولية وإنشاء اللجنة الوطنية للسلامة الأحيائية، بالتنسيق مع هيئة التقييس لدول الخليج لضمان سلامة المنتجات وفعاليتها.
كما خصصت المملكة 750 مليون ريال لدعم قطاع الزراعة العضوية، بهدف زيادة الإنتاج العضوي بنسبة 300%، وفي هذا الإطار وتسهم وزارة البيئة والمياه والزراعة في تعزيز تقنيات المكافحة الحيوية من خلال مبادرات مختلفة، منها برامج للتدريب، ودعم البحث والتطوير بالتعاون مع المؤسسات البحثية والجامعات لتطوير تقنيات المكافحة الحيوية، بما في ذلك تطوير عوامل جديدة للمكافحة الحيوية.
على سبيل المثال تعاونت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) مع جامعة الملك فيصل لتطوير تقنيات مبتكرة لمكافحة سوسة النخيل وضمان نقل المعرفة وتوطينها، وأثبتت التجارب فعالية تطوير بروتوكول الحجر الصحي عن طريق تعقيم فسائل النخيل بغمسها في محلول مبيد الحشرات.
ومن جهة أخرى، يساعد دمج عوامل المكافحة الحيوية في تقنيات الزراعة الدقيقة إلى تعزيز فعالية برامج المكافحة الحيوية، إذ تتيح أنظمة التطبيق الآلي ومنصات المراقبة الذكية النشر الدقيق للكائنات الحية الدقيقة المفيدة، وفي هذا الإطار، أطلق المركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة "استدامة" برامج المكافحة المتكاملة للآفات، التي ساعدت على توفير الظروف المثلى لنشر العوامل الحيوية لإنتاج الخضراوات في البيوت المحمية.
البحث والتطوير
يرتبط نجاح الابتكار في توفير بيئة ممكنة تساعد على تجاوز تحديات توفير الموارد والخبرة الفنية اللازمة، ومن هنا شكل البحث والتطوير قاعدة أساسية لتبني تقنيات المكافحة الحيوية وتطويرها، على سبيل المثال، تشكل زراعة النخيل ركيزة اقتصادية في السعودية التي تعد موطناً 33 مليون نخلة، ونجحت برامج المكافحة المتكاملة للآفات في خفض معدل الإصابة بسوسة النخيل من 0.98% عام 2016 إلى 0.26% عام 2023 في المزارع الصغيرة.
ويتجلى الابتكار في مجال المكافحة الحيوية لنخيل التمر من خلال تطوير أنظمة متطورة للكشف والرصد، فقد فاز جهاز الاستشعار الصوتي الموزع بالألياف البصرية الذي طورته جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بجائزة التميز الدولي للتقنية المبتكرة في مجال نخيل التمر لعام 2022 لقدرته على اكتشاف الإصابة بسوسة النخيل في مراحلها المبكرة.
وتعد المكافحة الميكروبية من أكثر المجالات الواعدة في الزراعة العضوية بالسعودية، وقد عزلت المؤسسات البحثية المحلية عدة أنواع من الفطريات المفيدة من فصيلة الترايكوديرما، وأظهرت قدرة عالية على مكافحة مسببات الأمراض.
ومن التطبيقات العملية استخدام مستخلصات زراعية من الترايكوديرما لمكافحة مرض البياض البقعي في الطماطم، حيث خفضت شدة المرض إلى 13.74% في البيوت المحمية مقارنة بالمزارع غير المعالجة.
كما أحرز الباحثون السعوديون تقدماً في تحديد بكتيريا الجذور المعززة لنمو النبات واستخدامها في تطبيقات المكافحة الحيوية. وقد أثبتت الدراسات فعالية عازلات البكتيريا الزائفة الفلورية من التربة السعودية كعوامل مكافحة حيوية ضد مرض سرطان الحمضيات.
كما استخدمت مصائد الفيرومون بفعالية لمراقبة ومكافحة سوسة النخيل الحمراء حيث توصي الدراسات بكثافة 4 –7 مصائد لكل هكتار، وترتفع إلى 10 مصائد في حالات الإصابة الشديدة. وأظهرت إضافة مواد جاذبة وسكرية إلى الفيرومونات زيادة ملحوظة في كفاءة المصائد.
التدريب وبناء القدرات
يشكل نقص خبرة المزارعين وعدم إلمامهم الكافي بتقنيات المكافحة الحيوية حاجزاً أمام تبني تقنيات المكافحة الحيوية وتطبيقها بفعالية، ما يستدعي تنظيم برامج تعليمية وتدريبية موسعة لبناء القدرات وتعزيزها، وهو ما عملت عليه السعودية، إذ تظهر التحليلات انخفاضاً في تكاليف الري بنسبة 30% عند تبني الممارسات العضوية المدعمة بالمكافحة الحيوية، إلى جانب تحقيق أسعار أعلى للمنتجات العضوية. وساهمت سلاسل التوريد المحلية والتوزيع في توفير العوامل الحيوية للمزارعين في مختلف مناطق المملكة.
وفي هذا الإطار قامت وزارة البيئة والمياه والزراعة بتطوير برامج تعنى بتطوير الكوادر البشرية في هذا القطاع، منها برنامج غراس لتطوير الكفاءات الوطنية الشابة في مجالات التقنية الحيوية النباتية والهندسة الزراعية وغيرها، وبرامج تمهير وسنبلة لتأهيل الخريجين وتنمية ريادة الأعمال الزراعية. هذه البرامج تهدف إلى تعزيز المهارات العملية، والابتكار، وقيادة التحول الزراعي المستدام في المملكة تماشياً مع رؤية 2030.
نحو آفاق مستقبلية واعدة
تحمل تقنيات المكافحة الحيوية مستقبلاً واعداً، إذ تمثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي فرصة لتحديد التوقيت الأمثل لنشر عوامل المكافحة، في حين توفر الطائرات من دون طيار دقة في الرش ورصد الآفات، وتعد تقنيات النانو في تطوير صيغ العوامل الحيوية واعدة لتحسين ثباتها وفعاليتها.
وعليه ينبغي مواصلة استثمار الأبحاث في الكائنات المفيدة المحلية لتقليل الاعتماد على الاستيراد وضمان التكيف مع البيئة السعودية، ويتطلب ذلك تعزيز الشراكات بين الجهات البحثية والحكومية والقطاع الخاص لتسريع نقل التقنية وطرحها في السوق، وإقامة برامج تدريبية تجمع بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي لبناء قدرات المزارعين والفنيين.
إن بناء نظم زراعية أكثر مرونة وإنتاجية في المناطق التي تعاني ظروف مناخية قاسية مثل السعودية، يتطلب نهجاً فعالاً قائم على البحث والتطوير والدعم والتدريب والتعاون الدولي وتكامل التقنيات الناشئة لتعزيز قطاع الزراعة العضوية.
 
                 
                             
                            