يمكن بسهولة تحويل الخوارزميات نفسها التي يستخدمها المسوّقون الجادون عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد المستهلكين والتأثير عليهم، إلى الداخل.
وسواء أكنت تعمل على مشروعات مجهدة، أو لديك مدير وغد، أو تتعامل مع زميل غير متجاوب، فإن بوسع "تحليل المشاعر" ليس تحديد مواضع الشكوى في مكان العمل فحسب، بل توقعها أيضاً. فيؤدي استخدام الموظفين لأدوات مثل تطبيق "سلاك" (Slack) ونظام "شير بوينت" (Sharepoint) والشبكة الاجتماعية "يامر" (Yammer) والبريد الإلكتروني والمدونات أو موقع "لينكد إن" باستمرار لمشاركة الأفكار وتنسيق الأعمال إلى وجود كنز دفين من البيانات يستحق التنقيب عنه.
ويمكن أن يكون استخدام الخوارزميات في دراسة اللغة التي يستخدمها (أو لا يستخدمها) الأشخاص عندما يتواصلون (أو لا يتواصلون) مع بعضهم البعض بشأن العمل الذي يؤدونه (أو لا يؤدونه) ذا دلالات موحية للغاية. وفي بعض الحالات، تثبت تحليلات المشاعر جدواها في التنبؤ، لأنها تشير إلى الأشخاص والبرامج والمشروعات التي تتطلب تدخلاً وإشرافاً فوريين.
وعندما يكون تحليل المشاعر مصحوباً بتحليلات وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يصبح أكثر تأثيراً وقدرة على التنبؤ. ويصبح بإمكان المؤسسات تحسين توقعاتها بشأن مصادر المشكلات الخطيرة وظروفها.
ويُعتبر أكثر تطبيقات التنبؤ التي تستند إلى المشاعر انتشاراً حتى الآن هو تحديد أي الموظفين من المرجح أن يغادروا الشركة. إذ تتلقى المؤسسات "إنذاراً مبكراً" بشأن الأشخاص، وفي بعض الأحيان، بشأن المجموعات من الأشخاص، الذين ربما يتطلعون فعلياً إلى المغادرة. ومن ثمَّ، سيكون لدى الشركة متسع من الوقت لتقرر بشأن ما ستفعله لاستبقائهم، إن كان ثمة ما يمكن أن تفعله.
فقد كشف تحليل المشاعر في إحدى الشركات المدرجة في قائمة مجلة فورتشن لأكبر ألف شركة (Fortune 1000)، على سبيل المثال، عن فريق صغير من مندوبي المبيعات في خضم مفاوضات انضمامه إلى أحد المنافسين. فقد كشف البرنامج الحاسوبي لتحليلات المشاعر عن وتيرة ومفردات غير اعتياديتين على حد سواء بين مندوبي المبيعات، وعن حوارات مختلفة جذرياً بين مندوبي المبيعات وكبار العملاء بصورة أكثر استفزازاً، ولم تكن نهاية هذه القصة سعيدة بالنسبة إلى الشركة.
وأحد التطبيقات الأخرى لتحليل المشاعر، التي لعلها تُنذر أكثر بالسوء، تتعلق باستخدام المراجعين الداخليين وشركات المحاسبة الخارجية لتحليلات المشاعر بصفتها جزءاً من مساعيهم المستمرة للتنبؤ بالاحتيال والسرقة وإساءة التصرف في أموال المؤسسة. وقد أضحى هذا هو الوضع الجديد للمنع والردع. ومن شأن تعليقات من قبيل "الإجحاف" و"الإهدار" وحتى "لنتحدث بشأن هذا الأمر" أن تسفر عن رقابة أكثر تطفلية أو اقتحامية. فيمكن أن يكفي، لدى بعض المراجعين، وجود الشخص ضمن خريطة اجتماعية مشبوهة لإثارة الشك فيه.
وإذا كان فريقك يبدو أقل مشاركة، قياساً إلى الفِرق الأخرى ذات الأداء الرفيع، فإن البرنامج الحاسوبي لتحليلات المشاعر سيخبرك عن ذلك. وإذا كان القسم الذي تعمل فيه يبالغ أو يتحفظ، عاطفياً، في رد فعله على الأخبار السيئة فإن تحليلات المشاعر المستندة إلى البيانات يمكن أن تؤدي إلى إجراء مراجعة.
ومن ناحية، يُمثل تحليل المشاعر، بلا جدال، نوعاً جديداً من توخي الشفافية في المؤسسات، لأنه يمكن للمؤسسة والأفراد العاملين فيها أن يتجاوزا بكثير الاستطلاعات الاستقصائية إلى اكتساب مفهوم بشأن حقيقة شعور الأشخاص حيال المكان الذي يعملون به. ومن الناحية الأخرى، تكاد الحوسبة الآنية للمشاعر أن تماثل، بدرجة خطيرة، فكرة سجن "بانوبتيكون" (Panopticon) الذي اخترعه الفيلسوف الإنجليزي جيريمي بنثام، باستثناء أن المناقشات الخاصة التي يجريها الأشخاص - وليست أشكال تعبيراتهم العلنية فحسب - تصبح خاضعة لتقييم الأداء.
ومن المفارقات أن تحليل المشاعر للمؤسسات وخوارزمياتها يكمنان في إعادة إنشاء أشكال أكثر تطوراً من النظرة التقليدية لشبكتَي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"، التي يحذر أولياء الأمور أبناءهما المراهقين منها بالقول "توخى الحرص فيما تنشره لأنه يمكن أن يرتد عليك".
وبلا مواربة، إذا كنتَ تشعر بالانزعاج في العادة عندما تتعاون مع زبائن وزملاء محددين، فإن مديرَ مديرك المباشر سوف يعلم بالأمر.
لكن لمَ لا تُفكر أكثر باستخدام نهج التحفيز بدلاً من التهديد؟ ويُمكن أن تشير تحليلات المشاعر أيضاً إلى الأنشطة الرامية إلى رفع المعنويات وتحسين المزاج، فعندما تُشير البيانات إلى أن أحد الفِرق يعاني من انخفاض معنويات أعضائه، فإن الكلمات المناسبة ستوقِف دوامة التدهور. كما يُمكن تغيير الجدول الزمني المقرر للتسليم النهائي، ويمكن أيضاً أن يُضاف إلى الفريق فرد جديد يتوافق معه من الناحية النفسية، أو أن يُنقل منه الأشخاص المثيرون للمتاعب.
فمن شأن التدابير الإيجابية الحيلولة دون النتائج السلبية، وبمرور الوقت، بطبيعة الحال، سيتوقع الموظفون، بصورة منطقية، أن تراقب المؤسسة حالاتهم المزاجية، ويصبح قياس المعنويات هو القاعدة.
ويؤدي ذلك إلى مفارقة لاحقة جديدة تتمثل في أن المؤسسات التي تأخذ تحليل المشاعر على محمل الجد يجب أن تُبدي استعدادها لقياس الأثر الذي تُحدثه على معنويات أفرادها. وسوف يتعامل القادة الحاذقون مع المشاعر بصفتها فرصة سانحة لتعزيز المشاركة، وليس للحيلولة دون ضعف الأداء فحسب.