خلال السنوات القليلة الماضية، أدركت معظم الشركات أن القدرة على جمع وتحليل البيانات التي توفرها أصبحت مصدراً رئيساً للميزة التنافسية. ولهذا إليكم تحليل البيانات لشركة "زد إف".
لم تكن شركة "زد إف" (ZF) الألمانية، وهي مورّد سيارات عالمي، استثناء من ذلك. إذ بدأت الشركات الناشئة الرقمية في إنتاج منتجات افتراضية لم تكن شركة "زد إف" تعرف كيفية منافستها، وكان مهندسو الخدمات اللوجستية والعمليات والوظائف الأخرى يرون أن أساليبهم التقليدية لا يمكنها التعامل مع المشكلات المعقدة التي يواجهونها. وبدأ بعض المدراء التنفيذيين للشركة يخشون من مرورهم بما يسمى "لحظة كوداك"، وهي مرحلة الزعزعة القاتلة التي واجهتها شركة كوداك والتي تسببت في تراجعها، ويتم القضاء بين عشية وضحاها على المزايا التي تراكمت على مدار عقود. ومع توقع محللي السيارات حدوث تغييرات كبيرة في إمكانيات التنقل، بدأ المدراء في التفكير في أن الشركة تحتاج إلى مختبر مخصص يركز بالكامل على تحديات البيانات.
نهج تحليل البيانات لشركة "زد إف"
في الوقت الذي كان فيه أحدنا - وهو نيكلاس؛ عالم البيانات الذي يعمل لحساب شركة "زد إف" بدوام جزئي - يدرس للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة فرايبورغ، حينها اتخذ الخطوة الأولى واستعان بمستشاريه في الجامعة؛ ديرك نيومان وتوبياس برانت، من أجل مساعدته في إنشاء مختبر للشركة؛ وهو ما منح الشركة خبرة ممتازة في تحليلات البيانات وإدارة نظم المعلومات.
كان أصعب جزء هو معرفة كيفية عمل المختبر. بعد كل شيء، تُعد مختبرات البيانات الصناعية ظاهرة جديدة تماماً، ولا يمكنك تنزيل مخطط لها من الإنترنت. ومع ذلك، بعد عدد من التعثرات، نجحنا في كسب القبول للمختبر وحددنا عدداً من أفضل الممارسات التي نعتقد أنها قابلة للتطبيق على نطاق واسع في أي مختبر بيانات تقريباً.
التركيز على العمل داخل الشركة
كان لدى شركة "زد إف" عشرات الأقسام المكدسة بالمشروعات المتعلقة بالبيانات ذات التأثير العالي. وعلى الرغم من أننا كنا منجذبين للشروع في العديد من المشروعات في الشركة بأكملها، فقد أدركنا أنه لخلق رؤية داخل شركة يبلغ عدد موظفيها 146 ألف موظف، كان علينا التركيز على أكثر الأقسام والمشروعات الواعدة أولاً.
ولكن كيف يمكننا تحديد أكثر الأقسام الواعدة؟ نظراً إلى أن هدف مختبر البيانات هو خلق قيمة من خلال تحليل البيانات؛ فإننا ركزنا في البداية على الأقسام التي توفر معظم البيانات. لسوء الحظ، لم يضيق ذلك نطاق الخيارات كثيراً. إذ إن أقسام التمويل والخدمات اللوجستية والتسويق والمبيعات، بالإضافة إلى الإنتاج والجودة، أنتجت كميات كبيرة من البيانات التي يمكن أن تكون مثيرة للاهتمام بالنسبة للمشروعات التجريبية في علم البيانات.
ومع ذلك، كنا نعرف من واقع خبرتنا أن أسهل المهمات التي يمكن تنفيذها للمشروعات عالية التأثير في شركة تصنيع مثل "زد إف" سيكون في أقسام الإنتاج والجودة. وعلى مدى سنوات، جرى ربط خطوط إنتاج "زد إف" والتحكم فيها من خلال أنظمة تنفيذ التصنيع وتخطيط موارد المؤسسة، لكن لم تجر الاستفادة من البيانات التي أنتجتها. ولذلك قررنا أن نبدأ التركيز على مشكلات الإنتاج، مثل الانقطاعات ومعدلات إعادة العمل وسرعة الإنتاجية، حيث يمكننا الحصول على تأثير فوري.
تحديد المشكلات عالية التأثير
بعد ذلك، اخترنا تلك المشروعات التي وعدت بتحقيق نتائج أعلى قيمة في الإنتاج والجودة. وكانت خبرتنا مع المشروعات القليلة الأولى قد وفرت الأساس لنموذج تقييم المشروعات الذي واصلنا تحسينه. كما احتوى النموذج على مجموعة من المعايير مع ثلاثة أبعاد ساعدتنا على تصنيف المشروعات.
كان يجب أن تكون المشكلة التي يجب حلها محددة بوضوح؛ لأننا لا يمكننا أن نتبع هدفاً مجرداً مثل "تحسين الإنتاج". كنا بحاجة إلى فكرة واضحة عن الكيفية التي سيحقق بها التحليل قيمة للشركة.
وكان على البيانات الصعبة أن تلعب دوراً رئيساً في إيجاد الحل، وكان يجب أن تكون هذه البيانات متاحة وسهل الوصول إليها وذات جودة جيدة. كنا بحاجة إلى حماية الفريق من إغراقه من جانب مشاريع تقارير ذكاء الأعمال.
كان يجب تحفيز الفريق؛ ولذلك منحنا فرق المشروعات حرية اختيار الكيفية التي يحلون بها المشكلات التي كُلفوا بها. وفي حين أننا جعلنا الميزانية محدودة بما يكفي لفرض التركيز، تأكدنا أنها ليست محدودة جداً بحيث لا يمكن للفريق اتخاذ قرارات التخصيص الأساسية بنفسه. وللحفاظ على تحفيز وحماس الفريق؛ منحنا الأولوية للمشروعات التي يمكن تقسيمها إلى أهداف أصغر لكن أسهل في التحقيق.
وفي حين أننا وجدنا في نهاية المطاف أنه من المفيد تعيين شخص محدد لإدارة العلاقات مع بقية الشركة، حافظنا على مشاركة المختبر بأكمله في اختيار المشروع، مع زيادة عدد الأشخاص العاملين بالمختبر؛ وهو ما جعل الجميع على اطلاع، ومنحهم إحساساً أكبر بالمسؤولية الشخصية، وكشف عن تقدير الإدارة لآرائهم المهنية.
التنفيذ
كان الخطر الأساسي هو أن يضل الفريق طريقه في تحسين الفروق الطفيفة للنماذج والأساليب بدلاً من حل المشكلة الرئيسة. ولتجنب هذا، كنا عادة ما نقصر مرحلة التنفيذ على ثلاثة أشهر ونمنح الفريق الحق في إلغاء مشاركته.
تحولت هذه القوة لتصبح عاملاً حاسماً جعل الفريق أكثر تركيزاً وتوجهاً نحو الهدف. وبمجرد أن طبقنا هذه القاعدة بشكل صحيح، انخفض عدد طلبات التغيير من العميل الداخلي، وكانت المعلومات المقدمة في البداية تميل إلى أن تكون أكثر دقة واكتمالاً من ذي قبل.
بالطبع لا يمكن للفريق إلغاء المشروع لأسباب تعسفية. ذلك أنه كان بحاجة إلى تبرير قراره وتحديد الظروف التي يمكن إعادة فتح المشروع تحتها. وفي حين أن الإلغاءات مثيرة للخلاف، فإنها تكون ضرورية في بعض الأحيان لتحرير الموارد وفرض التقدم نحو هدف ذي معنى. في الواقع، أدى منح الفريق القدرة على إلغاء المشروعات إلى زيادة عدد المشروعات المكتملة بنجاح.
وعلى الرغم من أنه يمكن للفريق الواحد أن يعمل في مشروعات متعددة في آنٍ واحد، لا سيما أن انتظار الردود من قسم العملاء قد يؤدي إلى تأخيرات، فإننا وجدنا أنه من الأفضل بشكل عام أن يعمل الفريق في مشروع واحد كل مرة. واكتشفنا أن فترات التوقف كانت تُستغل بشكل أفضل من جانب أعضاء الفريق لتعلم أساليب وتقنيات تحليلية جديدة، تلك التي استمرت في التقدم بوتيرة سريعة.
وقد أبقينا عملاءنا الداخليين على اطلاع بالتقدم الذي نحرزه من خلال التقارير الدورية وضم خبير المجال الخاص بهم - كلما أمكن - إلى فريق المشروع. إذا لم نتمكن من ذلك، كنا نبحث عن إجراء - مثل اجتماع أسبوعي - يسمح لنا بالاتصال بخبير المجال مباشرة دون الحاجة إلى العبور من خلال الخطوط الأمامية.
العوامل الرئيسة للنجاح
بالإضافة إلى اكتساب فهم عام لعمل مختبر البيانات كعملية من ثلاث مراحل، فقد تعلمنا دروساً أخرى أيضاً. على وجه الخصوص، اكتشفنا ثلاثة مكونات أخرى ضرورية لنجاح مختبر البيانات:
الدعم التنفيذي:
كانت الثقة التي منحها لنا الفريق التنفيذي التكنولوجي ضرورية لنجاحنا. ولحسن الحظ، لا يبدو أنهم نادمون على ذلك؛ إذ قال الدكتور يورغن شتورم؛ رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في الشركة: "إن منح مختبر البيانات حرية كبيرة للتصرف بشكل مستقل وتجربة الأفكار، وكذلك تقبل الفشل كجزء من عملية التعلم، كان يتطلب الثقة. لكننا لم نرد تفويت الانطلاق والنشاط اللذين خلقهما المختبر".
منظور السلطة الخارجية:
في هذه الحالة، أسهم علماء البيانات من جامعة فرايبورغ إسهاماً كبيراً في نجاح المختبر. ومثلما قال أندرياس رومر؛ نائب رئيس شركة "زد إف" للابتكار في تقنية المعلومات: "لم نعد نعتبر الابتكار عملية داخلية في شركة "زد إف". فللحفاظ على نجاحنا في المستقبل؛ يجب علينا النظر خارج حدود الشركة وبناء الشراكات للتعلم، وكذلك تبادل المعرفة والخبرات".
خبراء المجال:
في حين أن علماء البيانات جلبوا معرفة بالأساليب والمقاربات التحليلية للمشروع، كان وصولهم إلى خبراء المجال ضرورياً. كان هؤلاء الخبراء بحاجة إلى المشاركة من كثب في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالمجال التي تظهر بمجرد أن يتعامل الفريق بعمق مع المشكلة. ومن خلال خبرتنا، تُعد قدرة خبراء المجال وتوافرهم من أشهر المآزق التي تعيق تقدم أي مشروع لتحليلات البيانات.
حل المشكلات
بعد ثلاث سنوات، يمكننا القول بثقة إن مختبر التحليلات في شركة "زد إف" يعد إضافة مهمة إلى الشركة. بفضل هذا المورد المخصص، تمكنت شركة "زد إف" من حل المشكلات التي أعاقت مهندسي الشركة طيلة سنوات. وفيما يلي مثالان على ذلك:
حلقات الطحن المكسورة:
مصدر رئيس للتوقفات في آلات خطوط الإنتاج، ويمكن أن يحدث عطل يسبب فوضى قد تستغرق ساعات للتخلص منها. وقد أراد أحد العملاء الداخليين تطوير نظام إنذار مبكر يمكنه الإشارة إلى احتمال حدوث عطل مستقبلي في إحدى حلقات الطحن، ولكن كانت لديهم بيانات فوضوية، وإشارة ضعيفة (بيانات غير واضحة)، وحقيقة مضطربة إلى حد كبير (لأن الأعطال تحدث فقط من حين لآخر). وعلى الرغم من هذه القيود، فقد تمكنا من إنشاء خوارزمية يمكنها الكشف عن الأعطال وشيكة الحدوث بنسبة 72% من الوقت - وهذه التقنية لا تحقق الكمال، لكنها لا تزال كافية لتوفير آلاف الدولارات للشركة.
ارتفاع رسوم الطلب على الطاقة:
تُعد إدارة أقسام الطاقة لتنظيم الطلب عليها في أوقات ذروة الاستخدام طريقة فعالة لتقليل النفقات. كان هدفنا هو تطوير أداة آلية قائمة على البيانات لصنع القرار وتقدم توصيات بهدف خفض أعباء التحميل. ومن خلال العمل من قرب مع قسم الطاقة، تمكنا من تطوير نموذج تنبؤ لتجنب الرسوم الإضافية على الطلب العالي. ومن شأن اتباع توصيات النموذج أن يقلل أعباء التحمل بمقدار 1-2 ميغاوات، أي ما يقدر بنحو 100-200 ألف دولار سنوياً.
وفي نهاية الحديث عن تحليل البيانات لشركة زد إف، بعد ثلاث سنوات من النمو، أصبح مختبر البيانات في شركة "زد إف" نوعاً من أقسام البحث والتطوير داخل الشركة. إنه بوتقة تنصهر فيها الأفكار والتقنيات والإنتاج وتقييم أدلة المفاهيم، وتتجاهل الأساليب التي لا تعمل جيداً. وفي التحليل الأخير، لم يكن مختبر البيانات حاضراً لحل المشكلات فحسب، بل للمساعدة في الإجابة عن أهم أسئلة البيانات الضخمة على الإطلاق: كيف ستنافس شركتنا في هذا العالم الرقمي المتزايد؟
اقرأ أيضاً: