كانت مشاهدة تدهور مسيرة سارة المهنية مؤلمة للغاية، وعلى الرغم من ذلك، تقدم تجربتها تحليلاً مهماً لمتطلبات القيادة التنفيذية في المؤسسات في الوقت الحاضر. (سارة هي مسؤولة تنفيذية غُيّر اسمها حفاظاً على الخصوصية).
كانت سارة مهيأة لتحقيق النجاح في مجال إدارة الأعمال منذ نشأتها؛ إذ إنها ابنة أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في إحدى الشركات، وكانت تمتلك المؤهلات اللازمة للنجاح، ويشمل ذلك حصولها على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من إحدى الجامعات المرموقة وامتلاكها عدة سنوات من الخبرة من خلال العمل في شركة استشارات إدارية بارزة. كانت ذكية للغاية وتتمتع بمهارات تحليلية مذهلة وحماس كبير لتحقيق النجاح والنتائج الإيجابية. على الرغم من ذلك، لم تكن سارة تتقبل الأفراد غير الأكفاء، من منظورها، بصدر رحب. أعرب نظراؤها عن استيائهم الشديد من نهجها القائم على فرض آرائها ورفض آراء الآخرين، وكانوا يشعرون بالإحباط عندما يعلمون أنها قدمت خطة عمل مقترحة إلى الإدارة العليا دون استطلاع آرائهم. عندما أعربوا عن مخاوفهم بشأن تأثير توصياتها على العمل والجوانب التنظيمية، تجاهلت آراءهم ووصفتهم بأنهم متحجّرون ويقاومون التغيير والتطوير.
نقل مدير سارة مخاوف نظرائها إليها، لكنها ردّت بأنها لا تملك وقتاً للانخراط بالصراعات الداخلية للشركة وغير مستعدة لمساعدة أولئك الذين لا يستطيعون مواكبة حماسها واندفاعها. بعد فترة وجيزة، بدأت وتيرة تقدم مسارها المهني تتباطأ. بغض النظر عن نتائجها الممتازة، أصبحت الانتقادات المستمرة من نظرائها وزملائها مصدر إزعاج وتشتيت غير مقبول داخل الشركة.
في محاولة لتصحيح المسار، عرضت الشركة على سارة عدة مهام تصحيحية في إطار منصبها الحالي، لكن، بسبب رغبتها في الحصول على ترقية إلى المستوى التنفيذي، قررت قبول وظيفة لدى إحدى الشركات المنافسة الرئيسية. لسوء الحظ، غادرت شركتها الجديدة بعد عام أو عامين بعد أن واجهت المشكلات نفسها مع زملائها.
لا شك في أن المؤسسات المختلفة تتقبّل، وتشجع في بعض الأحيان، وجود مستويات مختلفة من المنافسة والصراع داخل صفوفها الإدارية. على الرغم من ذلك، فإن المسؤولين التنفيذيين مثل سارة يغفلون نقطة حاسمة، وهي أن الهياكل التنظيمية للعديد من الشركات شهدت تحولات جذرية على مدى 15 إلى 20 عاماً، وهذه التحولات تجعل الإدارة الأفقية، وهي القدرة على العمل مع النظراء وزملاء العمل لإنجاز المهام وتحقيق الأهداف عبر الأقسام المختلفة، شرطاً أساسياً لتحقيق النجاح على المستوى التنفيذي.
فكر قليلاً، إلى أي مدى تستخدم شركتك هيكل المصفوفة أو تعتمد على مؤسسة خدمات مشتركة؟ هل تُعد المشاريع المشتركة أو التحالفات الاستراتيجية ضرورية لنجاح الشركة؟ تشير دراسة بحثية رئيسية أجريتُها بالتعاون مع مؤسسة ذا كونفرنس بورد (The Conference Board)، إلى أن مثل هذه الهياكل التنظيمية تتطلب وجود قادة يجمعون بين الخبرة في مجال الأعمال والحافز لتحقيق النتائج مع القدرة على العمل مع الأفراد الذين يكونون خارج نطاق سلطتهم المباشرة.
يتجاوز هذا المطلب القيادي مجرد التعاون والتعامل بلطف مع النظراء. تتطلب قيادة الابتكار داخل المؤسسات في الوقت الحاضر جمع فرق العمل وحشدها؛ لأن التغييرات الجوهرية يمكن أن تؤثر على عدة أقسام داخل المؤسسة. أما بالنسبة للقيادة التنفيذية، فإن ذلك يتطلب فهماً حقيقياً لطريقة عمل المؤسسة وكيفية اتخاذ القرارات. ينطوي هذا الأمر أيضاً على تأثيرات مهمة على كيفية إدارة المسؤولين التنفيذيين الطموحين لمساراتهم المهنية من أجل تحقيق النجاح في المناصب العليا.
عندما يتلقى المسؤولون التنفيذيون مثل سارة ملاحظات تفيد بأن نظراءهم ينظرون إليهم على أنهم ذوو أفق محدود وغير متعاونين، فإن رد فعلهم الأول يتمثل غالباً في تنظيم سلسلة من اللقاءات الاجتماعية، مثل الغداء أو العشاء لمحاولة إعادة بناء العلاقات الشخصية مع الآخرين وتغيير هذه الصورة. لا تُعد هذه الطريقة سيئة بالضرورة، لكنّ نهجهم سطحي؛ إذ إنهم يخلطون بين العلاقات الشخصية وعلاقات العمل القوية القائمة على الثقة. تشكّل مثل هذه العلاقات أساس قدرة المسؤول التنفيذي على التأثير في الآخرين وإقناعهم والتعامل بطريقة بنّاءة مع ما ينشأ من صراعات واختلاف في الآراء بالضرورة في المؤسسات ذات الوتيرة السريعة.
يحدد عالم النفس، روبرت تشالديني، في مقاله الشهير الذي نُشر في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "الاستفادة من علم الإقناع"، عدداً من المتغيرات المرتبطة بقدرة الفرد على التأثير في الآخرين. تنطلق عملية التأثير بإنشاء بعض نقاط التقارب الشخصي، لكنها سرعان ما تمتد لتشمل تطوير فهم شامل لأهداف الطرف الآخر وتطلعاته، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، بالإضافة إلى كسب دعم أولئك الذين يعتمد المسؤول التنفيذي على آرائهم ويثق بهم. يُعد هذا الفهم ضرورياً لكشف حقيقة كيفية اتخاذ القرارات داخل الشركة، التي لا تتعلق غالباً بمن يتخذ القرار النهائي بقدر ما تتعلق بالأفراد ذوي المصداقية العالية الذين يؤثرون على صنّاع القرار، بحيث يمكن للمدير أن يحقق النجاح في تطوير المبادرات التي يقترحها.
في كثير من الأحيان، يقع الأشخاص ذوو النوايا الحسنة في فخ عدم توقع تأثير مبادراتهم المقترحة على أقسام أخرى في المؤسسة. على سبيل المثال، قد يؤدي اقتراح المدير المالي بتقليص عدد الموظفين في مركز اتصال العملاء إلى خفض النفقات، لكنّه ربما يعوق قدرة المؤسسة على تلبية احتياجات العملاء ويشكّل عقبة أمام إتمام صفقات كبيرة ومهمة مع عملاء جدد. لمواجهة مثل هذه السذاجة التنظيمية، يجب على المدراء الذين يطمحون للتقدم إلى المناصب التنفيذية أن يسعوا إلى توسيع نطاق تطورهم الوظيفي وإلى تولي المهام التي تُكسبهم رؤية أوسع حول القطاع وكيفية عمل المؤسسة.
على الرغم من اختلاف المؤسسات إلى حد كبير فيما يتعلق بمستوى الصراع الذي يمكنها قبوله، فإنه من الضروري أن يكتسب المسؤول التنفيذي في مرحلة ما مهارة إدارة اختلافات الرأي الحادة. يتجنب الكثير من المدراء الخوض في الصراعات، ما يؤدي في النهاية إلى تفاقم الوضع، في حين يلجأ آخرون إلى حلها بأسرع وقت ممكن على حساب العواطف وتدهور العلاقات الشخصية بين الزملاء، ما يؤدي إلى نشوء جو من التوتر. يتنازل مدراء آخرون في مواجهة الصراعات ويسرعون إلى قبول قرارات غير مثالية من أجل التوصل إلى حل وسط وتحقيق التوافق. يُنصح المسؤولون التنفيذيون الحاذقون بالاستفادة من الكتاب الذي ألّفه كل من روجر فيشر وويليام يوري وبروس باتون، "الوصول إلى نعم" (Getting to Yes)، والتركيز على استكشاف أهداف الطرف الآخر الرئيسية من أجل الوصول إلى فهم عميق لها؛ إذ يُعد ذلك نقطة انطلاق لتوليد حلول جديدة وإبداعية تحقق المنفعة للأطراف كافة.
لا تُعد الخطوات التي ذكرتها سهلة أو مضمونة النجاح. على الرغم من ذلك، فإنها تُبرز واقع الحياة في المؤسسات المعقدة ذات النمط المصفوفي في الوقت الحاضر، وهو أن العمل مع النظراء والتأثير عليهم وتحفيز التغيير عبر أقسام المؤسسة المختلفة ليست مجرد تصرفات تستغرق وقتاً إضافياً يبعدهم عن أداء مهامهم الأساسية، بل إنها مسؤولية أساسية للمسؤولين التنفيذيين في الوقت الحاضر.