هل يمكن لشركات التأمين تحفيز عملائها ليكونوا أوفر صحة؟

4 دقائق

يدرك خبراء الاقتصاد السلوكي جيداً أن الحاجة إلى الإشباع الفوري للرغبات والمبالغة في التفاؤل يؤديان في الكثير من الأحيان إلى اتخاذ قرارات سيئة، مثل تناول كعكة إضافية أو تأجيل الرياضة الصباحية المزعجة. ويمكن إظهار أثر التحيزات السلوكية من خلال هذا التناقض البسيط: يستفيد الناس كثيراً من خدمات الرعاية الصحية لكنهم لا يهتمون بالوقاية كما يجب، في حين يقع على عاتق شركات التأمين أو دافعي الضرائب تسديد التكاليف الناجمة عن ذلك. وينطبق الأمر نفسه على العديد من خدمات التأمين، إذ غالباً ما تفوق الفوائد المباشرة للخيارات السيئة تلك التكلفة الناجمة عن التعامل مع نتائج هذه الخيارات، مثل القيادة المتهورة أو عدم وجود بنية تحتية مضادة للفيضانات في المجتمعات المعرضة لها كثيراً.

من بين جميع القطاعات، يتمتع قطاع التأمينات بفرصة فريدة لمواءمة أهدافه التجارية مع السلوكيات الوقائية. يمكن لكل من شركات التأمين ومؤسسات الخدمات العامة أن تحول أفضل السلوكيات الفردية إلى أرباح مالية، وذلك باعتبارها ممارسات أكثر صحة وأمناً، وأن تخفض تكاليف المطالبة بالتعويضات، وأن تحسّن "مجموعات المخاطر" (أحد أشكال إدارة المخاطر التي تمارسها شركات التأمين)، وهو ما يمكن أن يُترجم إلى أقساط ذات قيمة منخفضة أي ميزة تنافسية في السوق. لذلك، فإن قطاع التأمينات يمثل في طبيعته قطاعاً منتجاً للقيمة المشتركة، أي أن الفكرة التي اقترحها كل من مايكل بورتر، أستاذ كلية "هارفارد للأعمال"، ومارك كرامير، المؤسس المشارك لشركة "إف إس جي" (FSG) في عام 2011، قابلة للتطبيق في هذا القطاع. يسلط هذا البحث الجديد الضوء على كيفية تطبيق شركات التأمين لهذا النموذج.

ما يجعل إجراءات الوقاية اليوم مختلفة عن إجراءاتها السابقة (مثل الوقاية من الحرائق التي يعود تاريخها إلى قرون مضت) هو كيفية فعل ذلك. أولاً، تتيح مجموعة كبيرة من الأساليب الجديدة ووسائل تحليل البيانات تتبُّع طبيعة ومكان التغيرات الحادثة، وهو ما يتيح وضع أهداف وحلول وحوافز خاصة بكل فئة مستهدفة. ثانياً، تقدم مقاربة النظم المساعدة للشركات لتجاوز مجرد التعاملات الفردية وإشراك منظومة القيم الخاصة بالتأمين بأكملها، بما في ذلك الشركات المحلية، والمؤسسات الحكومية، وذلك في سبيل السعي لتحقيق هذه المكاسب الوقائية. ثالثاً، من خلال القياس الذي يربط معالم الحد من المخاطر بنتائج الأعمال المحسّنة، يمكن مكافأة العملاء بشكل ديناميكي، وذلك من خلال التسعير المبني على السلوك الذي يشجع الممارسات الإيجابية ويؤدي إلى خلق دورة فاعلة للقيمة المشتركة تضم تخفيض المخاطر وتحقيق الربح.

ومع الأخذ في الحسبان برنامج خدمة "فيتاليتي" (Vitality) الذي طورته شركة التأمين الجنوب إفريقية "ديسكفري" (Discovery) منذ أكثر من 25 عاماً، ذلك الذي يحفز العملاء على تحسين صحتهم من خلال توفير عضويات في صالات الرياضة، وتقديم خصومات على الأطعمة الصحية، وغيرها من المكافآت بناءً على تحقيق أهداف الصحة الشخصية، كما يمثل نظام مكافآت فعال من خلال تخفيض قيمة الأقساط السنوية، وتقديم رحلات مجانية، ومنح امتيازات أخرى.

والنتيجة هي تحول هيكلي في قطاع التأمينات، ذلك أن قيمة اقتصادية إضافية قد تحققت، ما يخلق فوائد جديدة للأعضاء (حياة صحية أطول)، ولشركة التأمين (تخفيض طلبات التعويض بمرور الوقت)، وللمجتمع (مواطنون أكثر صحة وإنتاجية). يحصل المشتركون في برنامج "فيتاليتي" على تخفيضات تصل إلى 30% من تكاليف العلاج في المستشفى، ويعيشون حياة أطول من بقية السكان المؤمّن عليهم بمعدل 13 إلى 21 سنة (يصل هذا الفارق إلى 41 سنة مقارنة مع السكّان غير المؤمّن عليهم).

بالإضافة إلى استخدام شركة "ديسكفري" لهذه المقاربة المبنية على القيمة المشتركة في كل أعمالها بجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة، أنشأت الشركة شبكة عالمية من شركاء التأمين الذين يستخدمون هذه المقاربة، بما في ذلك "جون هانكوك فاينانشيال" (John Hancock Financial) في الولايات المتحدة الأميركية، و"مانولايف" (Manulife) في كندا، و"جينرالي" (Generali) في أوروبا و"أيه آي أيه" (AIA) في آسيا والمحيط الهادئ، و"بينغ آن" (Ping An) في الصين. إجمالاً، يتم استخدام هذا النموذج على مستوى 15 سوقاً، ما يعني التأثير في أكثر من 5.5 ملايين شخص.

هناك شركات أخرى تطبق نماذج مماثلة على أنواع مختلفة من التأمين. أحد الأمثلة على ذلك هو البرنامج الشامل لشركة "آيه أي جي" (IAG) للوقاية من حوادث المرور في أستراليا، حيث تعمل الشركة مع شركات تصنيع السيارات من أجل تحسين معايير أمن وسلامة المركبات وتقدم للعملاء أقساطاً مخفضة لتشجيعهم على اختيار المركبات المجهزة بميزات السلامة مثل مكابح الطوارئ التي تعمل تلقائياً. تستخدم شركة "آيه أي جي" أيضاً كمية كبيرة من البيانات الصادرة عن محركات المركبات المزودة بنظام التموضع الجغرافي، لتحديد مناطق الحوادث الخطرة وتنبيه العملاء عندما يقتربون منها. كما تحرص "آيه أي جي" على إعلام السلطات المحلية بضرورة إصلاح البنية التحتية لهذه المناطق الخطرة. وتُظهر المشاريع الرائدة أن إصلاح منحدر واحد في طريق سريع يمكن أن ينقذ الأرواح ويوفر لشركة "آيه أي جي" ما يقرب من 600 ألف دولار أسترالي سنوياً.

وهناك مثال آخر وهو برنامج مؤسسة "ريدوودز غروب" (Redwoods Group) في الولايات المتحدة الأميركية، ذلك أنه يضم 400 من العملاء الذين يخدمون الشباب، ويساعدهم هذا البرنامج في حماية الأطفال. تستثمر هذه المؤسسة 3 ملايين دولار سنوياً في الخدمات الاستشارية التي مكنت من تخفيض حالات الوفيات الناجمة عن الغرق، وأسهمت في الإبلاغ عن حالات إساءة معاملة الأطفال بنسبة 85% و65% على التوالي في أقل من 10 سنوات. يوفر تخفيض الوفيات الناجمة عن الغرق وحده للشركة 6 ملايين دولار في السنة جرّاء عدم المطالبة بتعويضات التأمين. تقدم "ريدوودز" أقساطاً بقيمة 43 مليون دولار أميركي سنوياً في سوق كانت تعتبر سابقاً غير قابلة للتأمين، وتتمتع بمعدل للاحتفاظ بالعملاء بنسبة 95%.

وقد ذُكرت هذه الأمثلة في البحث الجديد الذي أجرته شركة الاستشارات "إف إس جي" حول القيمة المشتركة في قطاع التأمينات، وذلك إلى جانب الجهود التي يبذلها قادة القطاع للوصول إلى المزيد من العملاء غير المؤمّن عليهم، وكذلك إدارة أكثر فاعلية لأصول شركات التأمين بهدف خلق الظروف الملائمة للوقاية. وإذا أخذت شركات التأمين في الاعتبار احتياجات المجتمع عند إعداد استراتيجياتها القائمة على القدرات الحالية والجديدة، فسوف تكون بصدد تحقيق ميزة تنافسية مستدامة. كما أن خلق القيمة المشتركة، سواء في الحاضر أو في المستقبل، يُعدّ خطوة ضرورية لشركات التأمين التي تسعى لزيادة أرباحها وترغب حقاً في توفير الوقاية للعملاء وحمايتهم من المخاطر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي