ملخص: تعلمنا بالفعل أنه يجب علينا السماح للآخرين بالتحدث دون أن نقاطعهم؛ لكن التناوب في الكلام لا يعني حقاً الإصغاء. كما أن نوايانا الحسنة في مقاطعة أحاديث الآخرين دون قصد بهدف تقديم المشورة أو قول دعابة بسيطة أو إبداء التعاطف أو منح الأولوية لتحقيق الكفاءة في المحادثة أو إقحام أنفسنا في قصة المتحدث تزعزع التواصل البشري الذي نحاول خلقه. من جهة أخرى، عندما نعي تماماً الوقت الذي يجب علينا التخلي فيه عن أنماطنا المعتادة في الاستماع ونطبّق أنماطاً بديلة ونستجيب بوعي سنخلق تفاعلات هادفة وأكثر فعالية.
يعرف المدير الجيد أن الإصغاء إلى الآخرين هو أمر مهم حقاً، لكن قلة هم الناس الذين يعرفون كيفية الإصغاء بعناية. وقد تأتي الأساليب الشائعة، مثل "الاستماع النشط" بنتائج عكسية حتى. وقد لا يكون مجرد تخصيص وقت للإصغاء إلى المتحدث، أو إعادة ترديد ما قاله مفيداً في فهم مشكلته تماماً.
تأمّل هذه المحادثات الثلاث الشائعة:
الموظف: "ينتابني القلق حيال العرض التقديمي الذي سألقيه خلال اجتماع مجلس الإدارة".
المشرف: "لا تقلق، أنا واثق من قدرتك على تحقيق النجاح. قضيت سنوات في التدرب على التخفيف من حدة توتري عند إلقاء العروض التقديمية".
الزميل س: "أحتاج بشدة إلى إجازة".
الزميل ص: "أنصحك بالذهاب إلى المنتجع الريفي في الجبال. لقد عدت للتو من هناك وكانت أفضل عطلة قضيتها منذ سنوات. سأرسل لك التفاصيل".
المريض: "أنا خائف من العملية الجراحية".
الطبيب المعالج: "لقد أجرى الطبيب الجرّاح المئات من هذه العملية، ومعدل المضاعفات بعدها منخفض جداً".
لا يمكننا وصف الردود الحسنة النية المذكورة أعلاه بالسيئة، لكنها لا تلبّي احتياجات المتحدثين أو تعالج مخاوفهم. فقد يرغب الموظف الذي يشعر بالقلق بشأن اجتماع مجلس الإدارة في الحصول على تعليقات نقدية بدلاً من تطمينات سابقة لأوانها؛ وقد يُخفي بيان الزميل س غير الجدي حول الحاجة إلى إجازة مشكلات أعمق غير معلنة لا يمكن لمخطط رحلة أن يعالجها؛ وقد يكون لدى المريض مخاوف ذات صلة يُخفيها من خلال مشاعره ويتجاهلها الطبيب من خلال محاولة طمأنته.
توضح هذه الأمثلة جانباً مهماً من جوانب القيادة: فمعظمنا نفوّت فرصاً حقيقية في التفاعلات نتيجة الطرق الافتراضية التي نمارس فيها الإصغاء. يعتمد الإصغاء الجيد على الوعي بالأهداف والعادات واختيار كيفية الاستجابة، تماماً مثل مهارات التواصل المهمة الأخرى. والخبر السار هو أن الممارسة تساعدنا على أن نصبح مستمعين أكثر فعالية.
أنماط الاستماع
يبدأ تعلم الاستماع الجيد بفهم النمط الذي تتبعه في الاستماع. ولاحظنا من خلال عملنا كأطباء معالجين في قطاع الرعاية الصحية في قسم الرعاية الحرجة وخبراء في عمليات استخلاص المعلومات الهادفة إلى تحسين محادثات التعلم 4 أنماط متميزة للاستماع:
- المستمع التحليلي الذي يهدف إلى تحليل مشكلة من نقطة انطلاق محايدة.
- المستمع العلائقي الذي يسعى إلى بناء روابط وفهم المشاعر الكامنة وراء الرسالة.
- المستمع الناقد الذي يهدف إلى الحكم على كل من محتوى المحادثة وموثوقية المتحدث نفسه.
- المستمع الموجّه بالمهمة الذي يوجه مسار المحادثة للتركيز على النقل الفعال للمعلومات المهمة.
قد يؤدي تطوير القدرة على المناوبة بين هذه الأنماط إلى محادثات مؤثرة من خلال مطابقة احتياجات المتحدث مع تقنية الاستماع الأنسب. وتلك هي الخطوة الأولى لتحسين مهارات الاستماع لديك.
5 طرق لتحسين مهارات الاستماع
لا تنطوي مهمتك على تحديد نوعك كمستمع كي تصبح مستمعاً أفضل، بل لا بدّ لك من اتخاذ إجراءات معينة أيضاً. ونحدد هنا أهم 5 خطوات يمكن للمستمعين ممارستها لتحسين مهاراتهم.
1. حدد هدفك من الاستماع
ثمة عدد لا يحصى من الأسباب التي تجعلنا نتبنى أسلوباً معيناً في الإصغاء: أن نكون أشخاصاً فاعلين، أو لنتجنب النزاع، أو لجذب الانتباه، أو لتقديم الدعم، أو للترفيه ببساطة. وعندما نواصل منح الأولوية لتلك الأسباب (وربما دون وعي)، فإننا نتجاهل بذلك أهداف الاستماع الأخرى.
ضع في اعتبارك عند بدء محادثة ما التفكير في الهدف منها وأفضل أسلوب استماع يمكنك تبنيه في أثنائها. هل يبحث المتحدث عن نقد صادق، أو تفكير تحليلي، أو ارتباط عاطفي؟ قد لا تكون شخصاً يتمتع بالقدرة على الإصغاء بعمق؛ أي إنك تستمع إلى المعلومات المهمة فقط، وعليك حينها أن تشارك تلك الحقيقة مع الشخص الآخر الذي قد يكون بحاجة إلى شخص يُصغي إلى تفاصيل قصته.
2. حدد نمط الاستماع الذي تتبناه
قد يقوّض أسلوب الاستماع "المعتاد" أهدافنا. ربما تلقيت تقييمات إيجابية تصفك بأنك شخص فاعل أو مرح أو صريح أو داعم باستمرار، لكن قد يمنعك أسلوب الاستماع الذي تتبناه من تطبيق أساليب الاستماع المختلفة لتحقيق أهداف أخرى. على سبيل المثال، غالباً ما تتطلب بيئات العمل المحكومة بضغوط الوقت أساليب استماع انتقادية أو موجّهة بالمهام من أجل اتخاذ قرارات سريعة. وعلى الرغم من فعالية ذلك النهج في العمل، فقد يأتي بنتائج عكسية عند تطبيقه بشكل متكرر في المنزل مع العائلة والأصدقاء الذين قد يحتاجون إلى أكثر من مجرد دعم لقراراتهم السريعة.
الطفل: "لن أذهب إلى المدرسة اليوم، ليس لدي أصدقاء".
الأم: "لديك أصدقاء بالطبع؛ وقد دعتك سالي إلى حفلة عيد ميلادها بالفعل. أريد منك في فترة الاستراحة اليوم أن تتعرف على 3 أطفال جدد".
عندما تُقابَل تعبيرات المشاعر بأساليب الاستماع الموجّهة بالمهام أو الانتقادية، كما في المثال أعلاه، سنفقد حينها فرصاً ثمينة للتوصل إلى فهم كامل للقيم والمخاوف الأساسية أو حتى الحصول على معلومات عملية من خلال الاستكشاف أو إبداء التعاطف بعد التحقق من صحة المعلومات. وقد يؤدي تقديم التوجيه أو الطمأنينة الزائفة، مثل "ستنجح بالتأكيد"، في تلك المواقف إلى إحساس الآخرين بأن مخاوفهم غير مسموعة، وهو ما يثنيهم عن مشاركتها لاحقاً.
3. كن واعياً بهوية الشخص الذي يجب أن يكون محور التركيز
عندما نقحم أنفسنا في قصة المتحدث، يتغير تركيز المحادثة، بغض النظر عن أسلوب الاستماع الذي نمارسه. نحن غالباً ما نفترض أن التدخل في قصصنا الشخصية يمثّل خطوة تعاطفية ووسيلة لبناء العلاقة، لكن ذلك النهج يحول دون سماع رسالة الطرف الآخر بأكملها. وعلى الرغم من أن التدخل قد يكون أمراً ممتعاً ومفيداً أحياناً في تعزيز الروابط، تكمن مخاطره في أنه يغيّر مسار المحادثة دون وعي ودون أن يُعاد توجيهها إلى المتحدث. على سبيل المثال، عندما يُدلي الأطباء بتعليقات شخصية في محاولة لإبداء التواصل التعاطفي، نادراً ما تتاح للمريض فرصة مواصلة التحدث عن قلقه، وذلك ما أكدته البحوث بالفعل.
لكن عندما يدرك المستمع تأثير مداخلته ويُبدي فضوله بشأن فهم رسالة المتحدث، فيمكنه حينها مشاركة قصته دون أن يتجاهل رسالة المتحدث من خلال إعادة توجيه مسار الحديث إليه مرة أخرى. ويمكن القيام بذلك من خلال مشاركة فكرة شخصية ثم إعادة توجيه التركيز على المتحدث:
الزميل س: "أحتاج بشدة إلى إجازة".
الزميل ص: "لقد عدت لتوي من رحلة إلى منتجع ريفي في الجبال جددت فيها طاقتي. لكن ينتابني الفضول بشأنك؛ هل ترغب في الحديث عما يزعجك؟
4. استخدم أسلوب الاستماع الأنسب لتحقق أهداف المحادثة
يؤدي تزايد الضغوط إلى تقويض أدائنا التنفيذي ومرونتنا المعرفية، ما يصعّب علينا التكيف مع أسلوب الاستماع المعتاد. ولا بأس في ذلك. وقد تساعدك مواصلة التركيز على المتحدث والأهداف على تلبية احتياجات الموقف. بالنسبة للمريض الذي يعبّر عن مخاوفه، يمكن للطبيب المعالج الذي يُبدي قبوله لمخاوف المريض وفضوله لمعرفة أسبابها استخلاص معلومات قيمة والتعامل مع احتياجاته بفعالية:
المريض: "أنا خائف من العملية الجراحية".
الطبيب المعالج: "من الطبيعي أن تشعر بالخوف، على الرغم من أن معدل المضاعفات منخفض جداً. إنها عملية جراحية معقدة. [وقفة.] ما الذي يُثير تلك المخاوف داخلك؟".
يجب أن ينطوي الهدف الأول للطبيب على طمأنة المريض، وذلك من خلال تقديم بيانات عن النتائج؛ ومن غير الطبيعي تجاهل تلك الخطوة في الواقع. وعندما يُقر الطبيب المعالج بأهمية المشاعر المُعلنة ويحاول استكشاف أسبابها، سيستشعر المريض وجود من يُصغي إليه بحق ويتقبّل مشاعره. قد يكتشف الطبيب المعالج أن المريضة عانت من تغيّرات خطِرة في نبضات القلب بعد أن أجرت آخر عملية جراحية، أو أن شقيقها قد خضع لعملية جراحية أدت إلى إصابته بسكتة دماغية. وبالإضافة إلى إدراك المريض وجود مَن يُصغي إلى مخاوفه، ستؤدي مشاركة الطبيب ماهية المضاعفات معه إلى تغيير نظرته حول الطريقة التي يتعامل بها الطبيب المعالج مع المرضى قبل العملية الجراحية وفي أثنائها.
5. سل نفسك: هل فاتني معرفة معلومة ما؟
قد يكون من الصعب معرفة أهداف المحادثة إذا كان المتحدث لا يعرف هدفه من إجرائها. وقد يكون الغموض حول الأهداف وعدم اليقين بشأن إمكانية مشاركة نقاط الضعف وإظهار العواطف دون وعي والتعرض للضغوط اللوجستية جزءاً من عملية الاكتشاف. وبما أننا نوجّه مسار المحادثة من خلال الأسلوب الذي نتبعه في الإصغاء، فيجب أن نفكر فيما إذا كانت المحادثة الحالية مثمرة وفي المعلومات التي فاتنا سماعها.
وقد يفيد تخصيص بضع ثوانٍ للتفكير قبل الرد بشكل تلقائي في الكشف عن فرص أكثر دقة وأهمية. إذا كان لدى الأم التي تعمل على حل المشكلات والمشغولة هدفاً طويل المدى يتمثل في التواصل مع طفلها وفهم مشاعره، فقد تحقق نجاحاً أفضل باستخدام أسلوب الاستماع العلائقي:
الطفل: "لن أذهب إلى المدرسة اليوم، ليس لدي أصدقاء".
الأم: "هذا شعور صعب. [وقفة] هل ترغب في التحدث عن ذلك؟".
تُعتبر مقاومة الرغبة في الطمأنة أو تقديم الحلول وطلب مزيد من التفاصيل للتوصل إلى فهم أفضل للمعلومات أسلوب استماع تحليلي مفيد يمكن استخدامه في المحادثات لتوجيه أسلوب الاستماع عندما لا يكون اتخاذ القرار العاجل ضرورياً.
تأثير الاستماع الفعّال
لنعد مرة أخرى إلى مثال الموظف المتوتر الذي يستعد لإلقاء عرض تقديمي. ماذا سيحدث لو أجاب المشرف على هذا النحو:
الموظف: "ينتابني القلق حيال العرض التقديمي الذي سألقيه خلال اجتماع مجلس الإدارة".
المشرف: "كنت أشعر بالتوتر عندما بدأت إلقاء العروض التقديمية أيضاً. ما الذي يجعلك تشعر بالقلق؟".
إن هذا الرد مختلف تماماً عن التعليق الأصلي ("أنا واثق من قدرتك على تحقيق النجاح؛ قضيت سنوات في التدرب على التخفيف من حدة توتري عند إلقاء العروض التقديمية")، وهو يُظهر للموظف أن المدير يدرك تماماً المخاوف التي تكمن وراء مشاعر القلق التي يُبديها.
يؤدي تحديد أسلوب الاستماع الذي نستخدمه إلى تعزيز دورنا في المحادثات. كما أنه يتيح للآخرين فرصة الكشف عن مخاوفهم؛ ويتيح لنا جعل المحادثات أكثر فعالية عندما نتعمّد فهم جذر المشكلة. ويساعدنا تطبيق طرق جديدة عن عمد للاستماع على بناء علاقات أفضل وعلى فهم الآخرين بشكل أمثل وفي التعاون وحل المشكلات بفعالية.