عندما أصبح مفهوم الفِرق توجّهاً سائداً في الشركات الكبرى بداية تسعينات القرن الماضي، تحوّل الكثير من العمل إلى العمل الجماعي. بدأت الشركات بإسناد المزيد من المسؤوليات إلى فرق العمل بدلاً من الموظفين أو الأقسام على انفراد، وبات التعاون يُعتبر أمراً أساسياً لإنجاز العمل على نحو جيد. ومع ذلك، بقيت معظم أنظمة إدارة الأداء تعتمد على مجموعة من برامج التقدير والمكافآت التي تهدف إلى تحفيز الموظفين وتوجيههم نحو تحقيق أهدافهم الفردية في المقام الأول. يتعارض هذا مع أحد أبرز الفرضيات في مجالات علم النفس والإدارة والاقتصاد حول تحسين العمل الجماعي بالمكافأة، والتي تقول إنّ البشر يميلون إلى إنجاز الأمور التي يُقدَّرون ويُكافؤون على أساسها. أما مكافأة الموظفين بناءً على أدائهم الفردي، رغم استهداف العمل الجماعي، فهو يُعتبر مثالاً تقليدياً عن "مكافأة ’أ‘ في حين نأمل تحقيق ’ب‘". لماذا إذاً لا يزداد عدد الشركات التي تستخدم التقدير والمكافأة بناءً على أداء الفريق؟
الجواب سهل: لقد جرّبت هذه الشركات الأمر ولكن لم ينجح فيه إلا القليل منها. قبل نحو 3 عقود، جرّب الكثير من الشركات أنظمة كانت تُحتسب جزءاً من رواتب الموظفين الصافية - أو حتى تعويضاتهم الكاملة - بحسب أداء الفريق. جرّبت ذلك شركة "ليفي شتراوس" (Levi-Strauss) للجينز في مصانعها، عام 1992، واستخدمت نظام الدفع مقابل القطعة، فكانت تدفع رواتب الموظفين بحسب عدد السراويل التي صنعوها في فترة زمنية معينة. ولكن بسبب خوفها من فشل نظام الدفع مقابل القطعة في تشجيع العمل الجماعي (وهذا كان صحيحاً ربما لأنّك إذا كنتَ تساعد زملاءك فإنّ راتبك سوف ينقص)، جمعت "ليفايس" عمالها ضمن فرق تضمّ بين 10 و35 عضواً، واستخدمت نظام مكافآت قائم على الفريق، فتدفع للعمال حسب عدد السراويل التي ينتجها الفريق في فترة زمنية معينة.
ربط طريقة إنجاز العمل بنظام المكافآت
هل كانتْ مطابقة طريقة إنجاز العمل (أي الفرق) مع نظام المكافآت (أي الأجور القائمة على الفريق) هي الخطوة الصحيحة؟ بالكاد! اضطرّ الأمر شركة "ليفايس" إلى نشر حرّاس أمن عند مدخل المصنع في ولاية تينسي لمنع العمال من إيذاء بعضهم البعض، واتّضح لها أنّ بناء نظام الدفع بالكامل على أداء الفريق قد أوجد بيئة أصبح فيها التراخي قاعدة للكثير من أعضاء الفريق، فقد وجد البعض أنّ بإمكانهم التساهل في العمل، وبذل جهود أقل مع الاستمرار في الحصول على راتب جيد. أمّا الموظفون الذي خسروا أكثر من غيرهم من ناحية الأجور الصافية، وكانوا أكثر ميلاً لترك العمل، فهم أصحاب الأداء الأفضل، وهم مجموعة من الموظفين الذين لا يمكن لشركة "ليفي شتراوس" تحمّل خسارتهم.
توضح تجربة "ليفايس" حقيقة مرّة بشأن استخدام برامج تقييم ومكافأة قائمة على الفريق، خصوصاً في البلدان الغربية مثل الولايات المتحدة الأميركية، حيث يفضل الموظفون أن يُقدَّروا ويُكافَؤوا وفق أدائهم الشخصي. باختصار، غالباً ما يعجز التقدير والدفع بناءً على أداء الفريق عن تحفيز العمل الجماعي الفعلي، ولذا، اختار الكثير من الشركات - بسبب هذه الحقيقة المؤلمة - التمسّك بأنظمتها الخاصة لتقييم الأداء ودفع الأجور. ولكن، قد يعني هذا على الأرجح أنّ هذه الشركات لا تحصل على أقصى ما يمكن من موظفيها، لأنّ الأنظمة القائمة على الفريق أو الأنظمة القائمة على الفرد لا يبدو أنّها تحفّز العمل الجماعي عالي الأداء بالطريقة الأمثل. من باب الإنصاف للشركات ومستشاري التعويضات، يجدر ذِكر أنّ الأكاديميين واجهوا المعضلة نفسها لفكّ شيفرة أنظمة التقييم والمكافأة القائمة على الفريق أو على الفرد. وحتى الدراسات المخبرية الخالية من الفروق الدقيقة التي تتسم بها الحياة المؤسساتية الحقيقية، قد توصّلت إلى نتائج مختلطة عند البحث عن أفضل مقاربة لهذا الموضوع.
اقرأ أيضاً: فوائد المنافسة بين الموظفين
بالنظر إلى هذه التعقيدات كلها، أردنا معرفة ما إذا كانت إحدى التقنيات التي تبدو بسيطة ظاهرياً وفعالة جداً من حيث التكلفة، يمكن أن تدفع المؤسّسات نحو الأفضل في الناحيتين. تساءلنا على وجه التحديد عما إذا كان تقدير عضو واحد في الفريق بشكل رسمي يُساعد على تحسين أداء زملائه الآخرين أو يضرّ به (وأداء الفريق ككلّ). وافترضنا، رغم الحدس الذي قد يخبرنا أنّ مكافأة عضو واحد في الفريق يمكن أن تعزّز المنافسة الضارة داخل الفريق، أنّ الحقيقة القائلة إنّ التقدير لا يتضمن في العادة مكافآت مادية قد تعزز ردود أفعال خيّرة ومفيدة من قبل زملاء الفريق.
اقرأ أيضاً: ثلاث طرق لتشجيع الفريق على العمل الجماعي بطريقة أذكى
في مقالة نشرناها في "مجلة علم النفس التطبيقي" (Journal of Applied Psychology)، وصفنا كيفية إعداد سلسلة من التجارب للتحقّق من هذا السؤال: تجربتان في المختبر، وتجربة ميدانية. استخدمنا في التجربتين المخبريتين عملية صنع الأوريغامي (أشكال مصنوعة من ورق يُطوى بطريقة معينة) مع طلاب جامعيين يدرسون علم النفس في جامعة كبيرة في شمال الصين. في الجولة الأولى من التجربة، كان على الطلاب أن يصنعوا أكبر عدد ممكن من مكعبات الأوريغامي في غضون 20 دقيقة، ثم قسمناهم إلى فرق من أربعة أشخاص، وطلبنا منهم استخدام المكعبات التي صنعوها لبناء هيكل بأقصى طول ممكن.
ومن ثمّ جال أحد الأشخاص المسؤولين عن إجراء الاختبار على نصف عدد الفرق، وأثنى علناً على عمل الأعضاء ذوي الأداء الأفضل في كل فريق أمام أقرانه، بينما بقي نصف عدد الفرق الآخر من دون أي ثناء. وفي الجولة الثانية من التجربة، أجرينا تمريناً يشبه ما أجريناه في الجولة الأولى باستخدام نشاط فردي، ومن ثمّ جماعي، قبل أن نقيس أداء كل عضو من أعضاء الفريق على انفراد والأداء الكلي للفريق. تبيّن أنّ الفرق التي أُثني على عمل أحد أعضائها تميّزت بحسن الأداء الفردي للزملاء كما بحسن أداء الفريق ككل. في المقابل، لم تحدث مثل هذه التحسينات في حالة المراقبة، ولم يكن من المستغرب أنّ أداء عضو الفريق الذي أُشيد به قد تحسّن أيضاً بعدما حصد الثناء على عمله.
للتأكد من قابلية تطبيق النتائج التي توصّلنا إليها في الواقع، أجرينا تجربة ميدانية في شركة في شمال الصين لتصميم معدات نقل الكهرباء وتصنيعها وتوزيعها. كانت الشركة تستخدم جوائز "موظف الشهر" منذ أيار/مايو 2012 مع مجموعة فرعية من الفرق، فوجدنا أنّ الأداءين الفردي والجماعي تحسّنا لدى هذه الفرق بعد الإعلان عن الجائزة، بينما لم نجد مثل هذا التحسّن لدى الفرق الأخرى. ووجدنا أيضاً أنّ تأثير هذه الجوائز على الأداء الفردي (ولكن ليس الأداء الجماعي للفريق) يكون أقوى في حال كان العضو الذي يحصل على الجائزة مهماً للفريق أكثر من سواه، أي أنّه شخص يلجأ إليه الزملاء أو يعتمدون عليه في إنجاز العمل.
تحسين الأداء الجماعي لفريق العمل
تدعم النتائج التي توصلنا إليها في هذه الدراسات الفكرة القائلة إنه يمكن التعرف على ذوي الأداء الأفضل وتعزيز أداء الفريق في الوقت نفسه. فبرامج التقدير هذه تصيب "عصفورين بحجر واحد" لأنّها تُحسّن الأداء الفردي لأعضاء الفريق (وليس فقط أداء الشخص الذي أُشيد به) إضافة إلى الأداء الإجمالي للفريق. وهذا ما نطلق عليه تسمية الآثار غير المباشرة للتقدير، لأنّ تقدير عضو واحد في الفريق يؤثر إيجابياً على أعضاء الفريق الآخرين جميعاً. وهذا يتعارض مع المقولة السائدة بأنّه ينبغي للقادة تجنّب اختيار أفراد من الفريق من أجل تقديرهم والإشادة بهم، لأنّه يمكن لمثل هذه الممارسات أن تؤسّس لمنافسة أو استياء بين أعضاء الفريق الواحد. (قد يكون ذلك مُرجحاً أكثر إذا كان التقدير ذا طبيعة مالية).
بالتالي، ماهي بعض أفضل الممارسات لتطبيق أنظمة التقدير هذه؟ أولاً، ينبغي لقادة الفرق ألّا ينتظروا أول الشهر ليقدّروا الأداء المثالي، فالتقدير المتكرّر يُرجّح له أن يترك آثاراً مستمرة ومُعدية وإيجابية أكثر من غيره. ثانياً، ننصح المدراء أن يبقوا متيقظين للعواقب السلبية المحتملة لبرامج التقدير، فقد وجدنا - على عكس المتوقَّع - أنّ الموظفين الذين كانوا في فرق لم يحصل أحد أعضائها على تقدير رسمي أظهروا تراجعاً في الأداء خلال الدراسة الميدانية التي أجريناها. وبالتالي، رغم أنّ التقدير الفردي يُمكن أن يساعد في تعزيز ردود فعل إيجابية داخل الفريق نفسه، إلا أنّه قد يثير ردود فعل سلبية أكثر في فرق أخرى. لذا، يُفضّل لإدارة الشركة التي تريد تطبيق نظام التقدير هذا أن تطبّقه على الفرق كلها في وقت واحد، لأنّ تقدير أداء شخص واحد جيد الأداء في كل فريق سيجنّبك تلك النتائج السلبية.
وأخيراً، نُشجّع قادة الفرق على التأكد من استخدام معايير عادلة لاتخاذ القرارات عند تحديد مَن يجب أن يحصل على التقدير، لأنّ أعضاء الفرق يحتاجون أن يثقوا في أنّك تقدّر الذين يقدمون مساهمات قيّمة. أمّا التقدير الرسمي بناءً على عوامل تعسفية أو مكافأة "الموظفين المدللين"، فقد يؤدّيان إلى إفساد التغييرات الإيجابية (ومفاقمة التغييرات السلبية) المذكورة في بحثنا.
بالمختصر المفيد، ينبغي أن تتعرفَ على ذوي الأداء الأفضل في الفرق التي لديك كلها، لكي يستفيد الجميع من أساليب تحسين العمل الجماعي بالمكافأة.
اقرأ أيضاً: