ملخص: حتى في الوقت الذي سترحب فيه الشركات بعودة الموظفين إلى أماكن العمل، ستظل الاجتماعات الافتراضية موجودة، فكيف يمكن أن نحوّلها من ضرورة مزعجة إلى أداة مثمرة؟ وكيف بالإمكان تحسين الاجتماعات الافتراضية؟ يقترح المؤلفون، بالاستفادة من المؤلفات التي تتناول التغيرات السلوكية، استخدام عوامل التمكين السلوكي والأدوات الملموسة ووسائل الترغيب لجعل السلوكيات المنشودة معتادة ومألوفة وتغيير الوضع الراهن للأفضل. إذ إن عوامل التمكين السلوكي تساعد الأشخاص بشكل مباشر في اتباع السلوكيات المنشودة (مثل قوائم المراجعة). وتُعد الأدوات الملموسة ووسائل الترغيب مدعّمات قوية وغير مباشرة للسلوكيات المنشودة (مثل الرسائل التذكيرية البصرية أو التلعيب).
منذ أن بدأت جائحة فيروس كورونا، أصبحنا بالكاد نفارق أجهزتنا محاولين الاستفادة من أفضل ما في التواصل الافتراضي. فقد أجبرنا الانتقال إلى التواصل عبر برنامج "زووم"، على سبيل المثال، إلى محاولة التوصل بشكل سريع إلى حلول جديدة لجعل هذه التجربة شائقة ومميزة، بداية من إتقان الأساسيات وحتى استخدام أساليب غريبة مثل حضور حيوان "اللامة" من ملجأ للحيوانات أحد الاجتماعات! ولكن بقدر ما هو رائع أن تحضر "لامة" الاجتماع، كيف يمكننا حقاً أن نجعل الاجتماعات الافتراضية أكثر تعاونية وجاذبية؟
أدت المحاكاة الافتراضية لمكان العمل إلى زيادة عدد الساعات التي يقضيها الأشخاص في العمل بشكل عام، كما أنها جعلت الحدود بين العمل والحياة الشخصية غير واضحة. هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بـ "إجهاد الاجتماعات الافتراضية" ومنها صعوبة التواصل البصري مع المشاركين في الاجتماعات، ما يُعرف بـ "معرفة اتجاه تحديق الأعين" (gaze awareness). وتُظهر بحوث أجرتها شركة "مايكروسوفت" أن التركيز يضعف بعد حوالي 30 إلى 40 دقيقة من بداية الاجتماع، وأن الشعور بالتوتر يبدأ في الازدياد بعد حوالي ساعتين من حضور اجتماعات عبر الفيديو. تؤدي مثل هذه الأمور إلى زيادة التحديات الاستراتيجية التي يواجهها العديد من المسؤولين التنفيذيين، مثل المشاركة في حل المشكلات بطريقة مبتكرة أو مناقشة القضايا الخلافية، نظراً إلى قيود الاجتماعات الافتراضية.
حتى في الوقت الذي سترحب فيه الشركات بعودة الموظفين إلى أماكن العمل، ستظل الاجتماعات الافتراضية موجودة، فكيف يمكن أن نحوّلها من ضرورة مزعجة إلى أداة مثمرة؟
على مدار حياتنا المهنية (حيث يعمل ثلاثة منا في شركة "إنوسايت" (Innosight) المتخصصة في الاستشارات الإدارية، ويعمل أحدنا في بنك "دي بي إس" (DBS))، عملنا مع مختلف الفِرق لإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات المتعلقة بالعمل عن بُعد، وأجرينا مؤخراً نقاشاً عبر موقع "لينكد إن" في مجموعة المناقشة الخاصة بهارفارد بزنس ريفيو للتعرف على أفكار جديدة من مصادر متنوعة.
كان هدفنا هو مساعدة الآخرين على إيجاد طرق لتحسين الاجتماعات الافتراضية باستخدام التقنيات التي استخدمناها مع شركات في مختلف أنحاء العالم لبناء قدراتها الابتكارية، وقد تحدثنا عنها في مقال سابق نُشر في إحدى المجلات وتطرقنا إليها بمزيد من التفصيل في كتابنا الجديد "كُل ونَم وابتكر" (Eat, Sleep, Innovate).
تتمثل الفكرة الأساسية في الاستفادة من المؤلفات التي تتناول التغيرات السلوكية وتطبيق تدابير تدخلية وهي عوامل التمكين السلوكي (behavior enablers) والأدوات الملموسة (artifacts) ووسائل الترغيب (nudges) (ونطلق عليها اختصاراً "بينز" (BEANs)) لجعل السلوكيات المنشودة معتادة ومألوفة. إذ إن عوامل التمكين السلوكي تساعد الأشخاص بشكل مباشر في اتباع السلوكيات المنشودة (مثل قوائم المراجعة). وتُعد الأدوات الملموسة ووسائل الترغيب مدعّمات قوية وغير مباشرة للسلوكيات المنشودة (مثل الرسائل التذكيرية البصرية أو التلعيب).
عملية تطبيق التدابير التدخلية لتحسين الاجتماعات الافتراضية بسيطة وتنطوي على 3 خطوات.
الخطوة الأولى
كن واضحاً بشأن السلوك المحدد الذي تحاول أن تشجِّع على اتباعه من خلال إكمال عبارة "سيكون من الرائع..."، على سبيل المثال تمنى فريق في شركة ما قدمنا لها المشورة أن يكون أعضاء الفريق في كامل تركيزهم خلال الاجتماعات الافتراضية، ما يتيح إجراء نقاشات مفعمة بالحيوية وحل المشكلات بطريقة مبتكرة.
الخطوة الثانية
حدد "العوائق السلوكية" أو الأشياء التي تقوم بها بدلاً من اتباع السلوك المنشود. والعبارة المستخدمة هنا هي "ولكن بدلاً من ذلك...". على سبيل المثال، تحدث أعضاء الفريق السابق ذكره عن شرود أذهانهم مع إطالة الحديث بشكل ممل في أثناء الاجتماعات، ما يجعلهم ينشغلون برسائل البريد الإلكتروني أو بأنشطة أخرى أو يفقدون تركيزهم ببساطة.
تحديد العوائق التي يمكن إزالتها يحتاج إلى بعض الدهاء. من السهل القول إنك والآخرين لا تظهرون سلوكاً مرغوباً فيه لأنه من الصعب عليكم ذلك، أو لأنه لا توجد حوافز مناسبة، أو لأنكم تخافون من فعل ذلك، ولكنك بحاجة إلى البحث بشكل أعمق عن تلك العوائق.
- كن محدداً قدر الإمكان ("تشرد أذهاننا فنبدأ في العمل على مهام متعددة في أثناء الاجتماع" مقابل "نشعر بالملل").
- صِف الأفعال وليس المشاعر ("نؤجل القرارات إلى الاجتماع المقبل" مقابل "نحن خائفون من اتخاذ القرارات").
- تجاوز ما هو واضح ("نملأ جداول الاجتماعات بمهام منخفضة القيمة يمكن تفويضها" مقابل "ليس لدينا وقت لإجراء مناقشات متعمقة").
- اطرح أسئلة مثل "ما هو السلوك الذي يعبر عن هذا الشعور؟" أو "لماذا نفعل ما نفعله؟".
الخطوة الثالثة
تطبيق التدابير التدخلية يساعد على تشجيع السلوكيات المنشودة والتغلب على العوائق المحددة. اقترح الفريق تعيين "مهرج للاجتماعات الافتراضية". من الواضح أنه كان للمهرجين دور في تسلية ضيوف الملوك، ولكن كان لهم أيضاً دور آخر مهم وأقل وضوحاً. فبوصفه الشخص "المهرج" في الغرفة، يمكنه مواجهة ذوي السلطة بقول أشياء قاسية يصعب على الآخرين التعبير عنها بسبب خوفهم من التعرض للانتقام. وبالمثل، فإن "مهرج الاجتماعات الافتراضية" لديه صلاحية بإخبار الأشخاص أنهم يحتكرون المحادثات أو يتحدثون بلا هدف. قد يكون تعيين مهرج بشكل رسمي وتحديد قائمة بمتطلبات دوره بالتفصيل بمثابة عامل تمكين سلوكي؛ أما امتلاك خلفية في إضفاء روح المرح في الاجتماعات الافتراضية وقائمة من "الحيل" التي جُمعت من مصادر خارجية فستكون بمثابة أدوات ملموسة ووسائل ترغيب داعمة.
السلوك المنشود (سيكون من الرائع...) | العائق السلوكي (ولكن بدلاً من ذلك...) | التدبير التدخلي (لذا ينبغي لنا...) |
---|---|---|
... التوصل إلى التوافق الذي يؤدي إلى اتخاذ إجراءات من خلال المناقشة والحوار الصريح. | نلوذ بالصمت ونحيل الأمر إلى الخبراء في هذا المجال ونفوض المسؤولية إلى أصحاب المناصب الأعلى. | ... تعيين شخص يقوم بدور المُجادل في كل اجتماع، ويُعرف من خلال وضع رمز المذراة على خلفيته الافتراضية. |
... إتاحة الفرصة للاستكشاف بطريقة غير منظمة في الاجتماعات. | ... ينقضي الوقت بسبب القصص المملة حول الماضي. | ... إلزام كل شخص بتقديم آخر المستجدات بشأن الموضوعات الرئيسية في دقيقة واحدة. |
... اتخاذ القرارات والتصرف بشجاعة والتركيز على العمل. | ... نميل إلى الكسل الاجتماعي ونطلب المزيد من البيانات ونفوض المسؤولية إلى أصحاب المناصب الأعلى. | ... إعداد تطبيق لتقييم القرارات يسمح للحضور بتقييم جودة القرار الذي تم اتخاذه في الاجتماع. |
... عرض المشكلات ومناقشتها بشفافية. | ... نقلق في صمت لأن تبادل الأخبار السيئة من المحظورات. | ... استخدام تطبيق بسيط لفحص الحالة العامة للفريق في بداية كل اجتماع. |
… أن نظل مركزين ومتفاعلين في أثناء الاجتماع. | ... تشرد أذهاننا فنبدأ في العمل على مهام متعددة في أثناء الاجتماع. | ... تعيين "مهرج للاجتماعات الافتراضية" يمكنه تقديم التسلية وتحدي الأشخاص الذين يحتكرون الحديث في الاجتماعات والذين يتحدثون بلا هدف. |
... الاستفادة من مواهبنا الإبداعية وتوليد الأفكار بطريقة مثمرة في أثناء الاجتماعات الافتراضية. | ... ندخل الاجتماع مشتتين وننتقل مباشرة إلى مناقشة الأعمال منخفضة القيمة. | ... استخدام افتتاحية شائقة بحيث تكون استراحة واضحة من الاجتماعات السابقة وتحفز الإبداع باستخدام أشياء مثل "وعاء الغناء" (singing bowl) الذي يساعد على الاسترخاء أو ناقوس. |
يمكن أن تكون الاجتماعات الافتراضية تعاونية وجذابة، بل وحتى، صدق أو لا تصدق، ممتعة ومرحة. كوِّن فريقاً مهمته إجراء عصف ذهني حول التدابير التدخلية، مع الاستلهام من التدابير التدخلية التي ذكرناها، لوضع تدابير مناسبة للسلوكيات التي تنشدها والعوائق السلوكية التي تحاول إزالتها. وقد يتطلب ذلك القليل من التجربة والخطأ قبل تطبيقه بطريقة صحيحة، كأي شيء جديد، ولكن المردود يستحق كل هذا العناء.