يميل الناس دوماً إلى كل شخص يقول لهم ما يؤمنون به بالفعل. فعندما تُعرض على كثير من الناس البيانات والأدلة التي تُثبت معتقداتهم، يحصل إفراز في هرمون الدوبامين لديهم، مثلما يحصل عند تناول الشكولاتة أو الوقوع في الحب. وفي عالم الفيسبوك، يلجأ الناس إلى إلغاء صداقاتهم مع الأشخاص الذين لا يشاطرونهم آراءهم السياسية، بينما على تويتر يلجؤون إلى متابعة الأشخاص الذين يشبهونهم.
ومع ذلك، ثمة دراسات كثيرة الآن تحدثت عن تحدي الموظف للقائد، وأشارت إلى أهمية أخذ الآراء المتنوعة والمخالفة بعين الاعتبار، ليس فقط لأن ذلك يجعل الشخص أكثر إلماماً بما حوله، وإنما من أجل مساعدته ليصبح صانع قرار أذكى.
المعارضة إذن، لا تخلو من قيمة كبيرة.
تشجيع فريق العمل للتعبير عن آرائهم المخالفة
إنّ تشجيع أعضاء المجموعة على التعبير عن آرائهم المخالفة لا يجعلهم يقدّمون المزيد من المعلومات فحسب، وإنما يدفعهم أيضاً إلى التطوع بتقديم تلك المعلومات بأسلوب أكثر منهجية وأقل انحيازاً. وعندما يتفاعل الناس مع الأشخاص الذين يمتلكون آراء تختلف عن آرائهم، يصبحون أكثر قدرة بكثير على وضع الافتراضات الأساسية موضع المساءلة، وتحديد البدائل الخلاقة. فالدراسات التي قارنت بين قدرات حل المشكلات لدى نوعين من المجموعات، يسمح النوع الأول لأعضائه بالتعبير عن آراء مخالفة، في حين يمنع النوع الثاني أفراده من التعبير عن الاختلاف، توصلت إلى أنّ الاختلاف في الآراء يساعد أكثر من التوافق على التوصل إلى الحل الصائب.
ومع ذلك يبقى السؤال المطروح هو: كم من قائد يبحث عن الآراء المختلفة عن آرائه أو المخالفة لها، أو يشجع الآخرين على الإفصاح عنها؟
ليس هناك الكثير من هؤلاء القادة بكل تأكيد.
عُرف عن الرئيس الأميركي السابق ليندون جونسون كرهه الشديد للآراء المغايرة لقناعاته، ويعتقد الكثير من المؤرخين اليوم أنّ هذا الأمر أسهم بقدر كبير في قراره بتصعيد العمليات العسكرية الأميركية في فيتنام. بينما هناك اعتراف اليوم يقول بأنّ التوافق الجماعي المفرط في الآراء كان وراء التفويض الكارثي الذي أعطاه الرئيس السابق جون كيندي للإنزال المدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في خليج الخنازير في كوبا. في حين أنّ الموظفين السابقين في بنك ليمان براذرز، الذي أعلن إفلاسه قبل سنوات، قالوا أنّ التعبير عن أي آراء مخالفة كان مدعاة لتدمير الحياة المهنية لأي موظف. وشرح أستاذ الاقتصاد الشهير في جامعة ييل روبرت شيلر، أنه عندما يتعلق الأمر بالتحذير من الفقاعات التي كان يعتقد أنها آخذة بالتطور في أسواق الأسهم والعقارات قبيل الأزمة المالية، كانت تلك التحذيرات "صامتة" لأن "الذهاب بعيداً عما يُجمع عليه الآخرون يجعل المرء يشعر بأنه منبوذ وسط الجماعة، مع خطر تعرّض هذا الشخص إلى الطرد".
تحدي الموظف للقائد
فهل هذا هو التفكير الذي تعمل البيئة القائمة على "الشللية" ضمن مجلس إدارتك على ترسيخه في غفلة من أمرها؟ أمّ أنك دائماً ترسل إشارات إلى الآخرين بأنك راغب في سماع الآراء المخالفة؟ نحن بحاجة إلى أن تكون لدينا الثقة الكافية كي نسمح لأفكارنا ومواقفنا بأن تخضع للتحدي والمساءلة.
تحدث إريك شميت، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، حول أنه كيف يسعى دائماً في الاجتماعات إلى تحفيز الآخرين على التعبير عن الآراء المغايرة والمخالفة. كما كان "فريق الغرماء" الذي اشتهر به الرئيس الأميركي السابق أبراهام لينكون مؤلفاً من أشخاص يحترم أبراهام عقولهم ويتمتعون بما يكفي من الثقة كي يواجهوه حينما كانوا يختلفون معه في الرأي. بينما أخبرني ستوارت رودين، أحد المدراء المشاركين في إدارة واحد من أكبر صناديق التحوط في العالم بأنه يرى أنّ واحداً من أهم أدواره الرئيسة يتمثل في كونه الشخص الذي يتحدى موظفيه كي ينظروا كيف يمكن أن يكونوا على خطأ ومن ثمّ يقيّموا كيف يمكن لذلك أن يؤثر على اتخاذهم للقرارات.
من هو الشخص الذي يُعتبر المسؤول الرئيسي عن تحدي أفكاركم وآرائكم في مؤسستكم؟ ومن الذي يوجه إليكم الأسئلة عندما تتدارسون مجموعة من الخيارات ويتعين عليكم الانتقاء من بينها؟ من الذي يشجعكم على دراسة أفكار لم تخطر على بالكم قط، وتعتبر مناقضة أو معارضة لموقفكم؟ من يتحداكم ببساطة؟
ليس الناس هم أولئك الشخصيات الآلية التي تتخذ القرارات دون أدنى مشاعر أو عواطف كما تظهرهم الكتب الجامعية في كلية الاقتصاد، وليسوا بالمحكومين باتخاذ أكثر القرارات عقلانية في كل ساعة وفي كل حين. بل هم عرضة إلى مجموعة واسعة من الأخطاء والفخاخ الفكرية.
هل تعلم أنه عندما تُقدم إلى الناس معلومات أفضل مما كانوا يتوقعون (كأن يقال لهم على سبيل المثال أنّ فرص استهدافهم بالسطو هي 10% فقط، بينما كانوا يعتقدون أنّ الرقم هو 20%) فإنهم يراجعون معتقداتهم بناء على ذلك؟ بينما إذا كانت المعلومات الجديدة أسوأ من المتوقع (كأن يقال لهم أنّ فرص إصابتهم الفعلية بالسرطان هي 30% وليس 10%) فإنهم يميلون إلى تجاهلها؟
يمكن للعواطف وتغيّر المزاج أن يؤثر تأثيراً جدياً في قدرة الناس على اتخاذ القرارات الذكية. ولربما تعلم أصلاً أنّ الشدة والتوتر يقودان إلى رؤية تشبه النفق، لكن هل تعلم أنّ الدراسات التي تناولت القضاة والأطباء تكشف أنهم عندما يتعرضون إلى التوتر والضغوط يلجأون إلى الصور النمطية العنصرية الموجودة في اللاوعي لديهم؟ وأنه إذا قضى شخص 24 ساعة دون نوم أو قضى اسبوعاً ينام خلاله ما بين أربع أو خمس ساعات يومياً، يصبح تفكيره مشابهاً لتفكير شخص ثمل؟ تبين الدراسات أنه عندما تعرض على الناس اختيارات مالية، فإنهم يتخذون قرارات أسوأ عندما يكون سكر الدم لديهم منخفضاً أو عندما يكونون في حالة غضب. أما الطلاب الذكور الذين طُلب منهم اتخاذ قرار مالي بعد أن عرضت عليهم إما صورة "حيادية" كصخرة مثلاً، أو صورة "ساخنة" لعارضة أزياء فائقة الجمال، فقد اتخذوا قراراً أسوأ بكثير بعد نظرهم إلى الصورة "الساخنة"؟
وماذا عن النزعة الموجودة لدى البشر والمتمثلة بالتعلق الزائد بالماضي؟
كانت نوكيا واحدة من الشركات الكبرى. وانطلاقاً من تسعينيات القرن الماضي فصاعداً، هيمنت هذه الشركة على صناعة الهواتف الخليوية في العالم. وفي ذروة هذه الشركة، بلغت قيمتها السوقية 303 مليارات دولار، وبحلول العام 2007، كان أربعة من كل عشرة أجهزة هاتف خليوي يتم شرائها في العالم من صنع نوكيا.
لكن عندما طرحت شركة آبل عام 2007 جهاز آيفون الذي غيّر قواعد اللعبة، اكتشفنا أنّ نوكيا كانت نائمة في العسل كما يقول المثل الشعبي، إذ تبيّن أنها قد طوّرت في السابق جهازاً مشابهاً لآيفون يعمل بشاشة لمس ملونة، ويتضمن خرائط وإمكانية للتسوق عبر الإنترنت، لكنها لم تطلق ذلك المنتج أبداً. وعوضاً عن ذلك، قرر قادة نوكيا المحافظة على النموذج الذي كان ناجحاً وقتها (أي الهواتف الخليوية المتينة والموثوقة). وأفضل تعبير عن الحالة جاء على لسان موظف سابق عمل في فريق التطوير لدى نوكيا والذي قال: "الإدارة فعلت الأمر المعتاد. لقد قتلت الجهاز".
كان مدراء نوكيا يؤمنون بأنّ الماضي الناجح للشركة سيظل دليلاً موثوقاً يقود الشركة نحو المستقبل، لكن كما نعلم اليوم، لقد كانوا على خطأ. فبعد إطلاق جهاز آيفون بست سنوات، خسرت نوكيا ما يُقارب 90% من قيمتها السوقية. وعندما اشترت شركة مايكروسوفت قسم الهواتف الخليوية في نوكيا، فإنّ السعر الزهيد الذي دفعته مقابل ذلك، والذي لا يشكل سوى نصف ما دفعته جوجل مقابل شراء موتورولا، عكس بقوة الدرك الأسفل الذي كان عملاق الهواتف الخليوية قد وصل إليه.
مرؤوسك المسؤول عن تحدي آرائك يجب أن يحذرك من الأخطاء ونقاط الضعف هذه، ولابدّ لك من الإصغاء إليه في سبيل نجاح عملية تحدي الموظف للقائد.
اقرأ أيضاً: