اتبع نهجاً مرناً لتحديد الميزانية في الأوقات العصيبة

5 دقائق
نهج مرن لتحديد الميزانية في الأوقات العصيبة

نعلم ما يحدث في شهر أغسطس/آب من كل عام؛ حيث تطلق فِرق القيادة عمليات سنوية للتخطيط للأعمال وتحديد الميزانية، مع إدراكها أن خطط العام الحالي أصبحت غير صالحة في وقت ما في شهر مارس/آذار بسبب الجائحة.

كان عام 2020 فوضوياً بصفة خاصة، ولكن لنواجه الأمر، حتى في الأوقات العادية معظم عمليات التخطيط وتحديد الميزانية باعثة على الإحباط، حيث إنها تبدأ قبل 5 أو 6 أشهر بوعود بإجراء تحولات حالمة سرعان ما تفضي إلى إعداد نماذج مملة ووضع توقعات مالية لا نهاية لها والمساومة على الأهداف والتصارع للحصول على الموارد.

لدى الشركات فرصة لالتقاط أنفاسها نظراً إلى أن الجائحة تتطلب اتباع نهج أكثر مرونة. وقد رأينا أن هناك ثلاثة أشياء تنجح، وهي:

1. تغيير هدف عمليات التخطيط ووضع الميزانية.

معظم نُظم التخطيط ووضع الميزانية تُصمَّم لمساعدة كبار المسؤولين التنفيذيين على التوقع والقيادة والتحكم. توقُّع ما يجب على الشركة فعله بدقة لتقديم توجهات سلسة ومستقرة تتعلق بربحية السهم. وقيادة كل وحدة عمل ووظيفة منعزلة لتنفيذ خطط مفصلة ستفضي إلى تحقيق النتيجة الكلية المنشودة. ثم التحكم بصرامة في الأنشطة داخل كل وحدة منعزلة لضمان تقيُّد الموظفين بالخطط وتحقيق النتائج المطلوبة.

ولكن كما قال لوك سكاي ووكر (شخصية خيالية في سلسلة أفلام حرب النجوم) ذات مرة: "كل كلمة مما ذكرته للتو خاطئة".

أولاً، وجد تحليل أجرته شركة "بين آند كومباني" (Bain & Company) وآخرون أن التوجهات المتوقعة لربحية السهم تفسر 1% فقط من إجمالي عائدات المساهمين. ومن ناحية أخرى، تحسين الأداء (العائد على رأس المال المستثمر ونمو الأرباح) له تأثير أكبر بثلاثين مرة. لذا، من الجيد التخطيط لرفع مستوى الأداء وليس لتحقيق الأرباح المتوقعة.

ثانياً، يُعد نموذج "التوقع والقيادة والتحكم" غير فعال بوجه خاص في فترات الأزمات المستمرة والأحداث المفاجئة غير المتوقعة (أحداث البجعة السوداء) مثل الأمراض الوبائية والاضطرابات الاجتماعية وعمليات الزعزعة الرقمية والصراعات العسكرية والهجمات الإرهابية والصدمات المالية والأزمات البيئية. فعلى مر التاريخ، كان على ثلثي الشركات الجديدة الناجحة التخلص من خططها الاستراتيجية الأصلية للتكيف مع ظروف السوق غير المتوقعة. وفي عالم يتصف بحدوث تغييرات متسارعة وغير متوقعة، ستصبح التوقعات طويلة الأجل لا يُعتمد عليها على نحو متزايد، وستصبح قيادة الموظفين للالتزام بتنفيذ خطط معيبة أكثر خطورة.

عمليات التخطيط ووضع الميزانية الفعالة تُعرّف النجاح بأنه تحسين النتائج للعملاء والموظفين والمستثمرين والمجتمعات وليس الالتزام بالميزانية. فهي تركز على التعلم والتكيف والنمو وليس على محاولة توقُّع ما لا يمكن توقعه. وتتوخى الوضوح بشأن التوقعات، ما يجعل من الجدير بالإشادة الكشف عن حالات عدم اليقين الصريحة والنقاط المحورية المحتملة بدلاً من التظاهر بأنها غير متوقعة أو غير واردة.

2. تحويل التركيز من الدقة المالية إلى النجاح الاستراتيجي.

عادة في هذا الوقت، مع انطلاق موسم التخطيط ووضع الميزانية، يعلن الرئيس التنفيذي للشؤون المالية عن الأهداف المالية والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالإنفاق. وعندما تبدأ عروض الميزانية في الظهور أخيراً، ليس من غير المألوف أن يكون الإجمالي مرتفعاً بنسبة 20%. وفي هذه المرحلة يجري الرئيس التنفيذي للشؤون المالية بعض التحليلات المالية لإعطاء الأولوية للاستثمارات وإجراء تخفيضات مؤلمة. نظرياً، يؤدي ذلك إلى تحقيق عائدات مذهلة. ولكن في واقع الأمر، نادراً ما تسير الأمور بهذه الطريقة.

هناك نهج أفضل يتمثل في تحويل النتائج المستهدفة التي تم تحديدها في الخطوة الأولى (أعلاه) إلى مبادئ توجيهية تتعلق بالمحفظة الاستثمارية الاستراتيجية التي تحفز عملية وضع الميزانية والتكيف. وهذه المبادئ التوجيهية تُجبر على إجراء النقاشات التي تُخصَّص فيها الموارد من الاستراتيجية إلى الأسفل وليس من المشاريع الفردية إلى الأعلى. فيما يلي بعض الأسئلة النموذجية التي قد تثيرها المبادئ التوجيهية للمحفظة الاستثمارية الاستراتيجية:

  • ما هي النتائج التي ستكون أكثر أهمية للنجاح الاستراتيجي؟
  • في ضوء هذه الأولويات، أين ينبغي أن تذهب الموارد؟ على سبيل المثال، ما هو مقدار الموارد التي ينبغي تخصيصها لإدارة الأعمال (العمليات) مقابل تغيير الأعمال (الابتكارات)؟
  • ضمن إطار الابتكار، كيف يمكن تحقيق التوازن الصحيح بين الموارد الموجهة نحو الابتكار التدريجي والاختراقات الكبيرة؟
  • ما مقدار الموارد التي ينبغي تخصيصها لمختلف شرائح العملاء؟
  • ما مقدار الموارد التي ينبغي توجيهها إلى قنوات المبيعات والتوزيع المختلفة أو المناطق الجغرافية أو وحدات الأعمال أو العلامات التجارية أو خطوط الإنتاج؟
  • كم من مواردنا التكنولوجية يتم إنفاقها بشكل سليم على الحفاظ على استمرارية عمل النُظم الحالية مقابل تطوير ميزات جديدة أو تحسين الهيكل؟
  • ما هي الفرضيات التي يجب وضعها لنجاح استراتيجيات تخصيص الموارد هذه، وكيف يمكننا اختبارها بأقصى سرعة وكفاءة؟

عندما يميز المسؤولون التنفيذيون الاستثمارات الفردية بهذه التصنيفات الاستراتيجية ويجمعونها، فإنهم غالباً ما يكتشفون أنماطاً مدهشة. فقد يتضح أن أكبر فرص النمو المتاحة أمامهم هي خسارة حصة سوقية واستثمار القليل في الابتكار. وقد يتم تخصيص 90% من ميزانية التكنولوجيا لضمان استمرارية الأعمال وإصلاح النُظم القديمة ببساطة. وقد يتضح أن الاستثمار في القناة الإلكترونية التي يفضلها كبار العملاء منخفض بشكل مؤسف.

من خلال مواءمة الموارد بصورة سليمة مع تحديد الأولويات الاستراتيجية، يمكن للشركات رؤية، على نحو أفضل، المفاضلات الصعبة التي ينبغي القيام بها ولكنها لا تنجح إما بسبب الإهمال وإما بسبب اتخاذ القرارات بواسطة الأشخاص غير المناسبين. وهذا الأمر أصبح أكثر أهمية في ظل الاضطرابات الحالية، حيث ينبغي للمسؤولين التنفيذيين المسؤولين عن النتائج الاستراتيجية إجراء مفاضلات بين الموارد لتحقيق تلك النتائج. ففي المؤسسات المرنة، مثل "نات ويست غروب" (NatWest Group ) ("البنك الملكي الاسكتلندي" Royal Bank of Scotland سابقاً)، لا تقدم وحدات الأداء خطة تخصيص الموارد الموصى بها فحسب ولكنها تعرض أيضاً ما يمكنها تقديمه بموارد أكثر بنسبة 20% أو موارد أقل بنسبة 20%. كما أنها تتوقع ما يمكن تخفيضه دون التضحية بالأهداف الاستراتيجية وكيف ينبغي لها الاستجابة للأحداث والنتائج غير المتوقعة.

3. التخطيط بشكل أسرع وعلى نحو أكثر تواتراً.

إذا كانت الميزانيات غير مرنة ولا يمكن تعديل التوقعات الحاسمة، فإن الشخص الذي يضعها يصبح مهووساً بدقتها بطبيعة الحال. وإذا تُركت دون مساس، حتى الأخطاء الصغيرة يمكن أن تتضاعف بمرور الوقت وتُفسد الخطط. ولكن إذا تمكنا من تعديل التوقعات طويلة الأجل كل 3 أشهر أو كل شهر أو كل أسبوع، يمكننا تحسين دقتها باستمرار في وقت أقل بكثير وبجهد أقل بكثير. وبذلك فإن أفضل طريقة للتحسين هي وضع أهداف جريئة تنطوي على تحديات ثم تعديل الخطط لإدماج الدروس القيمة المستفادة.

لنأخذ على سبيل المثال الطريقة التي تتوقع بها "الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي" (NOAA) العواصف الخطيرة وتتبعها لإنقاذ الأرواح. في منتصف شهر مايو/أيار من كل عام، تُصدر "الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي" توقعات اتجاهية لموسم الأعاصير القادم: من 1 يونيو/تموز حتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني. والغرض من ذلك هو مساعدة المدن والشركات ومدراء حالات الطوارئ على توقُّع السيناريوهات المحتملة وإعداد خطط العمل المحتملة وتخصيص الموارد الكافية. وقد توقعت "الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي" هذا العام مع ثقة بنسبة 70% أن منطقة المحيط الأطلسي ستشهد بنسبة 60% موسم عواصف فوق المعدل الطبيعي، حيث توقعت من 13 إلى 19 عاصفة مسماة، ومن 6 إلى 10 أعاصير، ومن 3 إلى 6 أعاصير كبيرة.

وفي حين أن هذه النطاقات واسعة، إلا أنها تشير بوضوح إلى أنه ينبغي للأشخاص أن يلزموا منازلهم ويستعدوا لحالات الطوارئ. وبمجرد أن يتطور إعصار ما، تسرّع "الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي" وتيرة بحوثها وتضع توقعات لخمسة أيام قادمة توضح مدى كثافة العاصفة ومسارها. لهذا التوقع هامش خطأ كبير، زائد أو ناقص 200 ميل، ولكنه يساعد الأشخاص على التدرب على السيناريوهات وإعداد خطط طوارئ. وعلى الرغم من ذلك فإن توقعات الـ 24 ساعة القادمة، تقلل هامش الخطأ بنسبة 75% (زائد أو ناقص 50 ميلاً فقط).

مثل مسارات الأعاصير على مدار 5 أيام، من الصعب توقُّع استراتيجيات العمل على مدار 5 سنوات. ولكن لحسن الحظ، يمكن لعملية تخطيط الأعمال اتباع مبادئ مماثلة، وهي: وصف مسار متوقع، وتقدير مدى عدم اليقين وتحديد نطاق معقول من النتائج، وتوضيح الفرضيات الكامنة وراء التوقعات، وتتبع مدى صحة هذه الفرضيات، وتغيير الفرضيات الخاطئة وتكييف الخطط لتحقيق أفضل النتائج الممكنة في ضوء المعلومات الأكثر دقة.

بالنسبة إلى معظم الشركات، هناك قدر من اليقين الباعث على الراحة في صميم عملية التخطيط وتحديد الميزانية التقليدية. فالمدراء يحبون معرفة ما هو متوقع منهم. والرؤساء التنفيذيون يحبون التحكم الذي تنطوي عليه هذه العملية. ومن الصعب التخلي عن ذلك. لكن هناك فرق بين الصحة والدقة، والخطط المرنة بما يكفي للتركيز على ما يخلق قيمة حقاً تستحق هذا الشعور بعدم الراحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي