نعمل اليوم في حقبة سريعة الحركة، إذ إننا مثقلون بالمعلومات، ويتعيّن علينا تحديد الأولويات والتركيز من أجل تحقيق النجاح. هذا هو بالتأكيد حال شركات اليوم. ولكنه صحيح أيضاً بالنسبة لنا على الصعيد الفردي. فمن أجل تحقيق أهدافنا الأكثر وضوحاً، يتوجب علينا النضال ضد اثنين من الدوافع، وهما الالتزام الدقيق بخطة ثابتة، ومحاولة إنجاز الكثير من المهام في وقت واحد.
يبدو أن ترياق الضوضاء والتشتت في عالم العمل سيكون في تحديد أهداف بعيدة المدى، ومن ثم الانزواء والعمل بشكل منظم نحو تحقيقها على مر الزمن. ولكن وفقاً لأبحاث ريتا ماكغراث، أستاذة الأعمال في كلية "كولومبيا للأعمال" بجامعة "كولومبيا"، فإن هذه الخطوة خاطئة، كما أنها تحدّثت في كتابها "نهاية الميزة التنافسية" (The End of Competitive Advantage)، عن الشركات الأكثر نجاحاً التي درستها أنها "تجري استثمارات كبيرة في المرونة".
وبدلاً من الانخراط في طقوس سنوية نموذجية للتخطيط الاستراتيجي، تخطط أفضل الشركات على أساس ربع سنوي. تقول ماكغراث: "تتيح الوتيرة المتسارعة لعملياتها سرعة الاستجابة للتغيّرات في البيئة المحيطة بها، واقتناص الفرص لإجراء التغييرات، والتكيف في وقت مبكر أكثر من الشركات التي تتّبع عملية تخطيط سنوية أكثر جموداً". وبعبارة أخرى، السرعة والمرونة هما العناصر الرابحة في بيئة الأعمال الحيوية اليوم.
وبالمثل، يُمارس العديد من الأفراد المهنيين طقوس التخطيط السنوي الخاصة بهم. بمعنى آخر، قرارات السنة الجديدة. إلى جانب ذلك، فإن التخطيط لتطوير حياتك المهنية للعام المقبل ليس بالأمر السيئ. في الواقع، يضعك هذا التخطيط أمام العديد من الزملاء الذين لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير بعمق حول تطورهم المهني الخاص، أو يفترضون أن شركتهم "ستهتم بذلك" من أجلهم عبر تنظيم عدة دورات تدريبية.
لكن كما يشير بحث ماكغراث في مجال الشركات، من الأفضل تشغيل دورة التخطيط الخاصة بك بشكل متكرر، بحيث يمكنك التكيف مع الظروف المتغيرة. ربما تكتشف أن الهدف الذي كان مرغوباً في الماضي، مثل الحفاظ على رشاقة جسمك من خلال لعب كرة المضرب مع صديقك بانتظام، هو فكرة رهيبة في الواقع، كما تعلّمت ذلك بنفسي عندما عانيت الحرمان من النوم وأصبحت غير منتج وذلك بفضل أنشطتنا في الصباح الباكر. على العكس من ذلك، من المفيد تنظيم أولوياتك التي خططت لها عندما تبرز أمامك فرصة رائعة غير مخطط لها، مثل تواصل ناشر رئيسي مع صديقي بريان مؤخراً ليطلب منه وضع مقترح لكتاب.
وبينما يحبط العديد من الأفراد المهنيين فرصهم في النجاح من خلال التشبث بأهداف قديمة، يفشل آخرون في خلق إنجازات ذات مغزى لأنهم يُهدرون طاقاتهم في محاولة إنجاز العديد المهام في وقت واحد.
والدليل على ذلك في الواقع هو الاستخدام الشائع لقوائم المهام التي تهدف إلى تنظيم مسؤوليات الفرد. ووفقاً لدراسة أجراها موقع "لينكد إن"، تُستخدم هذه القوائم من قبل 63% من الأفراد المهنيين. ويكون ذلك عظيماً إذا أنجزنا بصدق ما شرعنا في تحديده. لكن الموقع الناشئ "أي دونذيس" (iDoneThis) حلل بيانات مستخدميه واكتشف أن 41% من المهام التي أدرجها المستخدمون في القائمة لم تنجز مطلقاً، ولا عجب من ذلك في عالم يتطلّب من الفرد المهني العادي إنجاز 150 مهمة في أي وقت محدد، وذلك وفقاً لبحث أجراه عالما النفس روي باوميستر وجون تيرني.
ومع الكثير من الأولويات المتنافسة، بات من السهل معرفة سبب تراجع مهمة مفيدة بشكل دائم إلى الجزء الأخير من القائمة (على سبيل المثال، تأليف كتاب)، مقارنة مع إشباع المهام الملحة مثل "إرسال رسالة بريد إلكتروني" أو "تحرير العرض التقديمي".
جسد فهم هذين التحديين طريقة تعاملي شخصياً مع تحديد الأهداف. بدلاً من تحديد قرارات السنة الجديدة، وضعت أهدافاً لستة أشهر. على سبيل المثال، كانت أهدافي المهنية للنصف الأول من عام 2015 "هي مضاعفة كمية القائمة البريدية قبل نهاية العام" وأطلقت كتابي الجديد بعنوان "كيف تتميّز" (Stand Out). وفي النصف الثاني من العام، حافظت على هدف بناء القائمة البريدية، وقمت بتحديث الهدف الأخير إلى "بيع اقتراح كتابي التالي".
أما المفتاح الآخر فهو أنني حددت هدفين رئيسيين فقط لكل دورة، حيث تم انتقاد قوائم المهام لأسباب عدة، وأهمها أن تجميع أعداد كبيرة من المهام معاً حجب ما هو مهم حقاً. أستطيع بالتأكيد إنجاز أكثر من مهمتين في وقت واحد خلال حياتي المهنية. وفي أثناء عام 2015 وحده، أجريت أكثر من 160 مقابلة صوتية لدعم كتابي، والتي لم تكن أحد أهدافي العلنية على الإطلاق. ولكن كما هو الحال مع جميع أنشطتي، نظرت إلى أهمية هذه المقابلات في دعم أهدافي. ولأن الظهور في مقابلة صوتية سيكون مفيداً للترويج لكتابي وبناء القائمة البريدية على حد سواء، ضاعفت المقابلات، حيث إنّها مكّنتني من تحقيق تقدّم على جبهتين في وقت واحد.
بطبيعة الحال، ليست الغاية من الأهداف إنجاز المهام التي حدّدناها لأنفسنا بشكل أعمى لسنوات مضت بنجاح، ولا مضاعفة إنجازاتنا للتفاهات السخيفة الصغيرة. بدلاً من ذلك، ما يهم هو قدرتنا على إتقان النوع الصحيح من الأهداف الكبيرة، الأهداف التي تكون سبباً في تغيير حياتنا، مثل الترشح للترقية إلى أحد مناصب كبار التنفيذيين أو كتابة كتاب أو إطلاق مشروع ريادي.
يمكنك تحقيق هذه الأهداف فقط إذا كنت على استعداد لمناقشة الفرضيات بانتظام وإعادة تقييمها حسب الضرورة، وعندما تستسلم لهجوم الدوبامين المؤقت لشطب المهام السهلة من قائمة مهامك، لصالح إحداث أثر في حفنة المشاريع الكبرى التي تهم حقاً.