ملخص: تنتظر الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية في عام 2021 مهمات جسام، إذ لم يحدث من قبل أن كان هذا المنصب بهذه الأهمية ومصدراً يُعتمد عليه، ليس فقط لرفع مستوى أداء المواهب، ولكن لتحسين الأداء المالي للمؤسسة أيضاً. وثمة فرصة أخرى متاحة أمام أولئك الذين يرأسون أقسام الموارد البشرية في الشركات المتوسطة للتأثير بشكل إيجابي في القدرة على الانتعاش والنمو من خلال التركيز المكثف على العنصر البشري وآليات العمل ومستوى الأداء. ومن هنا استطاعت المؤلفتان تحديد أهم 5 تحديات تواجه قسم الموارد البشرية وتشغل بال رؤساء أقسام الموارد البشرية في الشركات متوسطة الحجم هذا العام، وقدمتا بعض النصائح حول أفضل السبل للتعامل معها.
يحفل جدول أعمال رئيس قسم الموارد البشرية في عام 2021 بصعوبات غير مسبوقة، فبالإضافة إلى عبء العمل المعتاد، سيضطر رؤساء أقسام الموارد البشرية إلى التعامل مع مجموعة كاملة من التحديات ذات الأثر المباشر على قدرة الشركة على التعافي والنمو.
وتزداد صعوبة جدول أعمال رؤساء أقسام الموارد البشرية في الشركات متوسطة الحجم والناشئة التي تضطر عادة إلى اجتياز اختبارات الشركات الكبيرة لكن بموارد الشركات الصغيرة. فعلى سبيل المثال، عادة ما يكون لدى مؤسسة تضم 300 موظف بدوام كامل ثلاثة أو أربعة موظفين في قسم الموارد البشرية بدوام كامل، وهو ما يكفي للتعامل مع المهمات المعتادة في الظروف العادية، ولكنه لا يكفي بحال من الأحوال لمجابهة التحديات الاستثنائية في الظروف غير العادية.
وتشير نتائج أبحاثنا وعصارة خبراتنا إلى أن عام 2021 سيشهد تحديات استثنائية لا مثيل لها. حيث نفذنا في أواخر العام الماضي مشروعين، عبارة عن استقصاء ودراسة حول أفضل الممارسات، بالتعاون مع "تحالف الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية" (CHRO Alliance) التابع لشركة "أتشيف نكست" (AchieveNEXT)، وهو عبارة عن شبكة احترافية للتواصل بين الأقران تضم 2,000 رئيس قسم الموارد البشرية في الشركات الأميركية المتوسطة. وتشرفت إحدانا (روبين) على هذه الشبكة، بينما تنتسب لها الأخرى (دينا) بصفتها عضو في مجلسها الاستشاري العالمي وترأس الموارد البشرية لمجموعة "فولكنر أوتوموتيف غروب" (Faulkner Automotive Group) للسيارات، وهي شركة عائلية عمرها 89 عاماً تملكها وتديرها إحدى العائلات وتوظّف حوالي 1,600 فرد في 28 وكالة للسيارات و10 مراكز لإصلاح السيارات في بنسلفانيا.
واستناداً إلى هذه الدراسات وخبرتنا العملية وتجارب أعضاء شبكة "تحالف الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية"، استطعنا تحديد أهم 5 تحديات تواجه قسم الموارد البشرية وتشغل بال الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية في الشركات المتوسطة. يتقاطع كل من هذه التحديات مع غيره من التحديات، ولكن يمكن أن تسهم الحلول المقدمة للتعامل مع إحداها في التعامل مع التحديات الأخرى.
إدارة نمو قوة العمل من جديد
تُشير البيانات المأخوذة من دراسة الميول إلى ضخامة هذه القضايا. فبعد عام تقلصت فيه كشوف الرواتب في معظم الشركات أو ظلت ثابتة في أفضل الأحوال، أكد أكثر من 61% من الشركات المتوسطة أنها ستزيد عدد موظفيها في عام 2021، بينما لن تُقدِم سوى 4% منها فقط على خفض عدد موظفيها.
لكن ممارسات التعيين التي أثبتت نجاحها في عام 2019 قد لا تحقق النجاح ذاته في عام 2021. فمن أين سيأتي الموظفون الجدد؟ وكيف ستدافع الشركات متوسطة الحجم عن قضيتها (أي الترويج لنفسها كصاحب عمل جدير باستقطاب أفضل الكفاءات) في هذه البيئة الجديدة؟ وكيف ستُجرى المقابلات الشخصية مع المرشحين الذين سيقع عليهم الاختيار؟ وما أفضل الطرق لإعداد الموظفين الجدد ودمجهم، سواء كانوا يعملون في المقر الرسمي للشركة أو يعملون من المنزل؟
صقل مهارات الموظفين وتحسينها
يحتاج الموظفون الحاليون أيضاً في الشركة ككل، وفي قسم الموارد البشرية على وجه الخصوص، إلى تعلم مهارات جديدة، وعلى رأسها المهارات الرقمية. إذ يحتل التدريب المرتبة الثانية في قوائم أولويات موظفي الموارد البشرية، بعد التوظيف، ولكن أكثر من 55% من رؤساء أقسام الموارد البشرية في الشركات المتوسطة يخبروننا بأن قدرتهم على التدريب والتطوير إما ضعيفة أو ضعيفة للغاية، وهو أمر لا يثير الدهشة نظراً لقلة عدد الموظفين.
وتؤدي الحاجة إلى المهارات الرقمية والتحليلات المحوسبة للبيانات إلى تفاقم المشكلة لأن فرق الموارد البشرية نفسها غالباً ما تفتقر إلى هذه المهارات، حيث يقول 16% من قادة الموارد البشرية في الشركات المتوسطة إن أصعب التحديات الإدارية التي تواجههم هو معالجة نقاط الضعف في عمليات الموارد البشرية وأنظمة المعلومات واستخدام أدوات التحليلات المحوسبة، وقد ظهرت نقاط الضعف هذه على السطح لأن الجائحة أجبرت موظفي الموارد البشرية على الاعتماد بشكل أكبر على التقنيات التكنولوجية لأداء مهمات وظائفهم.
تجديد أنظمة الموارد البشرية وعملياتها
لا يمكن الفصل بين تحسين المهارات والتقنيات التكنولوجية المتقدمة، فهما يسيران بالتوازي. ومعظم المشاكل التي واجهناها في شركة "فولكنر أوتوموتيف" لم تكن ترتبط في الغالب بتوافر البرمجيات، ولكنها كانت أكثر ارتباطاً بحُسن استغلالنا للبرمجيات المتوافرة لدينا. فقبل الجائحة كان بإمكاننا إنجاز المهمة باستخدام بعض التقنيات التكنولوجية المتاحة لنا. لقد استمرأنا الحلول المؤقتة. ودأب الكثير من الموظفين على تجاهل التدريب الذي كنا نقدمه لهم، وساعدناهم نحن على ذلك.
لكن لم تلبث قدرتنا على الترقيع أن انهارت فجأة عندما صار التفاعل مع العملاء يجري عبر الإنترنت بشكل متزايد وبدأنا تطبيق سياسة العمل من المنزل. كانت كمبيوتراتنا متصلة في السابق بشبكات المكاتب. وظللنا عاجزين لفترة من الوقت عن الحصول على أجهزة كمبيوتر محمولة بالقدر الكافي. وبمجرد أن استطعنا اقتناء العدد الكافي من أجهزة الكمبيوتر المحمولة وزيادة معدلات استخدام تقنيات العمل عن بُعد بشكل كبير، فوجئنا بإصابة الخطوط والخوادم بالأعطال، صحيح أنها لم تصب بالشلل التام، ولكنها تعطلت بما يكفي لتسليط الضوء على ضرورة تحديث البنية التحتية بالصورة اللازمة (كتحسين برمجيات إدارة علاقات العملاء ودمج نظام معلومات الموارد البشرية مع النظام المحاسبي).
شحذ قدرة الموظفين على الاندماج والإنتاجية
مع مرور أسوأ ما في الجائحة (أو هكذا نأمل)، يواجه قادة الموارد البشرية التحدي الرابع، ألا وهو: شحذ قدرة الموظفين على الاندماج والإنتاجية في بيئة تفرض على الجميع إما العمل عن بُعد أو اتباع طريقة هجينة أو غيرها من أشكال العمل. فقد بات الاحتراق الوظيفي، وليس "إجهاد الاجتماعات الافتراضية" فقط، أمراً شائعاً للغاية في بيئة العمل عن بُعد في ظل اضطرار الموظفين إلى الجلوس على مكاتبهم لمدة 12 ساعة متواصلة يومياً دون راحة أو تجاذب أطراف الحديث مع زملاء العمل، بخلاف ما كان سائداً قبل تفشي جائحة "كوفيد-19". وقد يؤدي كل هذا إلى ظهور انقسامات ثقافية جديدة بين الفرق التي يمكنها العمل من المنزل في الغالب وموظفي الخطوط الأمامية الذين ليس لديهم هذا الخيار، على سبيل المثال، أو حتى بين أولئك الذين يعملون من مكاتب منزلية مريحة وزميلاتهم اللاتي يعملن من على طاولات المطابخ.
وقد وجدنا في شركة "فولكنر" أن الموظفين يحتاجون إلى مزيد من التفاعل مع مدرائهم في مكان العمل أكثر مما كان مطلوباً في السابق، وذلك لتخفيف حدة القلق ومشاركة المعلومات آنياً مع تغير التوقعات والقواعد وبناء روح الزمالة. كما يجب أن يكون قادة الموارد البشرية أيضاً على رأس التغييرات التنظيمية المتواصلة. وتضيف التحديثات الصادرة عن "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، وغيرها من الجهات المحلية المسؤولة عن الصحة، ضغوطاً هائلة على كلّ المدراء والموظفين الذين بقوا في مكان العمل.
فعندما اندلعت الجائحة، تراجعت أهمية إدارة الأداء في ظل معاناة الشركات لتنظيم شؤون العمل عن بُعد ومحاولات توفير السيولة النقدية والتكيف مع الأوضاع المستجدة والخروج من الأزمة بسلام. ولكن بعد مرور ما يقرب من العام، بات الاستثمار في تنمية المواهب من خلال عملية إدارة الأداء محور تركيز رؤساء أقسام الموارد البشرية. فقد صنّف أكثر من 50% من المشاركين في دراسة الميول عملية إدارة أدائهم بأنها إما ضعيفة أو ضعيفة للغاية.
حيث تؤدي عمليات إدارة الأداء الظرفيّة أو غير الفاعلة إلى تعطيل عجلة النمو لأن الشركات تفشل في تحديد الموظفين الأكثر إنتاجية ومكافأتهم (واستبعاد الموظفين الأقل إنتاجية). ويؤدي سوء إدارة الأداء أو غيابها من الأساس إلى خلق ثقافة مضرة تكتنفها أجواء ملوثة بانعدام الثقة والغموض والمحاباة، ويشعر فيها الموظفون بالتهميش، ولا يعرفون ما الذي يتعين عليهم القيام به لتحقيق النجاح، أو لا يفهمون سبب حصول شخص على ترقية دون آخر.
تفاقمت هذه المشكلات بسبب تفشي الجائحة، وأضرّت بالشركات المتوسطة على وجه الخصوص لأنها تعتمد في الغالب على عمليات الموارد البشرية غير الرسمية وربما تنظر إلى إدارة الأداء الرسمية باعتبارها عملية بيروقراطية للغاية، وهي نظرة يجانبها الصواب بكل تأكيد. يأتي الاستثمار في الموظفين، لاسيما أولئك الذين يتمتعون بإمكانيات عالية، على رأس جدول أعمال رؤساء أقسام الموارد البشرية في الشركات المتوسطة باعتباره الأمر الأهم لتعويض أي خسائر في الإنتاجية وتحفيز قوة العمل، وبالتالي دفع أداء المؤسسة في عام 2021.
معالجة القضايا الملحة الماسة بالتنوع والمساواة والشمول
أخيراً، يعد التنوع والمساواة والشمول ضرورة حتمية تأتي على رأس الأولويات بسبب معطيات المناخ الثقافي الحالي إثر مقتل جورج فلويد، ومن ثم فإنها تتصدر قائمة أولويات رؤساء أقسام الموارد البشرية في عام 2021. فقد شهد صيف عام 2020 بداية موجة الاضطرابات العرقية، وكانت تلك الأحداث بمثابة مؤشر واضح للحاجة إلى نهج أكثر استراتيجية وتكاملاً وشمولية. بالإضافة إلى ذلك، فإن جائحة "كوفيد-19" نفسها والاستجابة المؤسسية لها (من إغلاق المدارس إلى تسريح العمال) كان لها أبلغ الأثر على المرأة والأقليات دون غيرهما من الفئات.
وبالحديث عن المستجدات المتوقعة في عام 2021، قال ما يقرب من 75% من المشاركين في دراسة الميول إن التنوع والمساواة والشمول إما أمرٌ مهم إلى حد ما أو بالغ الأهمية بالنسبة للأداء المالي في المستقبل واستدامة مؤسساتهم. وتتمثل المشكلة الحقيقية التي تواجه رؤساء أقسام الموارد البشرية في الشركات المتوسطة في كيفية تحقيق ذلك في ظل جداول أعمالهم المتخمة بالمهمات، ودون قوة كافية أو بقوة معدومة، وبخبرة محدودة في مجال التغيير المؤسسي المعقد.
كيفية التصدي للتحديات
كيف يتعامل القادة مع جدول أعمال متخم إلى هذا الحد في ظل محدودية الإمكانيات المتاحة أمام مسؤولي الموارد البشرية في الشركات المتوسطة؟ فيما يلي 4 نصائح من واقع خبرتنا:
1- لا تخض هذه التجربة وحدك، فثمة حلفاء طبيعيون يمكن الاستعانة بهم في كلٍّ من هذه المبادرات. إذ يعد رفع كفاءة قوة العمل، على سبيل المثال، أمراً يعود بالنفع عليك وعلى رئيس العمليات. فالتمس مساعدة هذا الشخص كراعٍ مشارك أو كمصدر للتمويل، وما إلى ذلك.
2- احصل على المشورة من الأقران. فمعظم الأبحاث والدراسات التي تتناول مثل هذه القضايا تستهدف الشركات الكبيرة في المقام الأول، وقد تكون عالية الكلفة أو شديدة التعقيد أو بالغة "الضخامة" بالنسبة للشركات المتوسطة. ويمكن أن تكون شبكات الأقران مصدراً رائعاً للنصائح وطريقة للتواصل مع المستشارين الخارجيين الذين يبلون بلاء حسناً مع شركات بحجم شركتك.
3- استعن بالخبرات والقدرات الخارجية. غالباً لا يكون هناك ما يكفي من الوقت أو الخبرة الداخلية للتعامل مع هذه المبادرات الموسعة دون مساعدة خارجية، ولكن الأمر يستحق الاستثمار، وإلا فقد لا يتم تنفيذه أبداً. وتعتبر مبادرات التنوع والمساواة والشمول خير مثال على ذلك، فقلما تمتلك الشركات متوسطة الحجم ما يكفي من المعرفة المتخصصة اللازمة لتنفيذ برنامج التنوع والمساواة والشمول داخلياً.
4- الأهم من كل ذلك أن تسخّر استراتيجية شركتك لمساعدتك على تحديد الأولويات وجذب انتباه الرئيس التنفيذي وغيره من القيادات العليا. ففي كثير من الأحيان، يتم التعامل مع مبادرات الموارد البشرية الجديرة بالاهتمام باعتبارها أفكاراً مؤسسية يمكن الأخذ بها لاحقاً ("من الجيد امتلاكها") لكن بعد التعامل مع المسائل الماسة بنمو الإيرادات وهوامش الأرباح والقضايا التشغيلية. وستغدو الأمور أسهل كثيراً عندما يتمكّن رئيس الموارد البشرية من رسم خط مستقيم يربط ما بين العمليات التشغيلية ومشاريع الموارد البشرية، مثل مساعدة مندوبي المبيعات على تطوير مهارات البيع عن بُعد أو تحسين الكفاءة من خلال ربط أنظمة معلومات الموارد البشرية بمكتب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية. يُشار إلى أنه يسهل تنفيذ هذا الإجراء في الشركات متوسطة الحجم بخلاف الشركات الكبيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الفرق التنفيذية أكثر تماسكاً في الشركات المتوسطة ولأن قائد الموارد البشرية البارع في الأعمال التجارية يستطيع في كثير من الأحيان التفاعل مباشرة مع العملاء والبائعين والمستثمرين بطرق نادراً ما تكون متاحة لنظرائهم في المؤسسات الكبيرة.
تنتظر الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية في عام 2021 مهمات جسام، إذ لم يحدث من قبل أن كان هذا المنصب بهذه الأهمية ومصدراً يُعتمد عليه، ليس فقط لرفع مستوى أداء المواهب، ولكن لتحسين الأداء المالي للمؤسسة أيضاً. وثمة فرصة أخرى متاحة أمام أولئك الذين يرأسون أقسام الموارد البشرية في الشركات المتوسطة للتأثير بشكل إيجابي في القدرة على الانتعاش والنمو من خلال التركيز المكثف على العنصر البشري وآليات العمل ومستوى الأداء.