غالباً ما نساوي بين تطوير المهارات القيادية وإيجاد طرق جديدة للظهور بثقة أمام الآخرين. ونفترض أنّ نجاحنا يعتمد على تقليد شخص آخر أو تطوير مهاراتنا القيادية أو قول الأمور بصوت أعلى من الآخرين. ولكن بدلاً من أن تعيش متلازمة المحتال (imposter’s syndrome) أو أن تشعر بالإرهاق نتيجة ارتداء لقناع معين طوال اليوم، يمكنك أن تبني ثقتك الحقيقية بالتركيز المتعمد على زرع أجزاء مختلفة من المهارات القيادية كل يوم؛ حتى تتمكن من التعامل مع أي موقف قيادي أو جمهور قد تواجهه، وستتمكن كذلك من الاستجابة بطريقة موثوقة وبناءة وفعالة. إذاً، ما هي المهارات المختلفة التي يجب أن تنميها في نفسك مع مرور الوقت؟ وما هي المواقف التي تستدعي كلاً منها؟
مهارة الشخصية. أولاً، وقبل كل شيء عليك التفكير بمهارة الشخصية، لأنها الجزء الثابت والمستقر في مهاراتك القيادية. ويرتكز هذا الجزء على مبادئ رئيسية تتعلق بمن ترغب أن تكون وما هي إرشادات ودوافع تعاملك مع الآخرين. أعرف قادة يقولون أنهم يتمسكون بمبادئ قيادية أساسية عند خوض محادثات صعبة أو اجتماعات أو صراع محتمل، مثل "الشك لصالح المتهم"، و"عدم التعامل مع الأمور بشكل شخصي"، و"التركيز على الأهم لصالح العمل"، و"التعامل بشكل مباشر لكن باحترام". إنّ تمسكنا بشخصيتنا التي ندركها تماماً يجنبنا من التلون كالحرباء أو إظهار استجابة "الكر والفر" أو الاقتصار في إظهار الاحترام على الحالات التي يمكن الحصول فيها على مكسب تجاري أو منفعة، في حين أننا نتعامل بشكل غير متحضر مع الآخرين ممن نظن أنهم أقل قيمة منا. تُظهر مهارة الشخصية حقيقتك ونواياك ودوافعك التي توجّه خطابك وأفعالك.
مهارة السياق. مع تقدم مستوى المناصب الذي تمثله، تنمو رؤيتك ووجهة نظرك تجاه العمل؛ إذ أنك تتمكن من رؤية الصورة الكاملة بشكل أفضل. وبذلك يصبح البحث عن طرق للتعبير عن الصورة الشاملة وإيصالها إلى الآخرين جزءاً من العمل. في كثير من الأحيان، ونظراً لضيق الوقت، نتعمق في تفاصيل عرض تقديمي ما أو اجتماع أو محادثة دون أن نمضي بضع دقائق إضافية لتمهيد الطريق بشكل مناسب ومشاركة السياق المهم. وتتضمن المواقف التي يمكنك فيها استدعاء مهارة السياق:
- مشاركة الرؤية أو الاستراتيجية أو التغيرات التنظيمية المقبلة مع الآخرين.
- عرض فكرة أو اقتراح على المسؤولين التنفيذيين، والتكلم بوضوح حول الهدف من عرضك وما الذي تحتاج إليه.
- بدء اجتماع مع فريقك وتوضيح الصورة الشاملة للموضوع الذي تجتمعون من أجله.
- جعل معايير أو منطق اتخاذ القرار شفافاً أمام الآخرين.
مهارة الوضوح. في بيئات العمل المكثفة، لديك الفرصة لتكون الصوت الذي يتحدث بوضوح ويساعد فريقه على التركيز على الأولويات الأكثر أهمية. فالقادة القادرون على تصور إمكانيات جديدة أو يفكرون بصوت مرتفع أو يتصرفون بشكل غير محسوب، يتحملون خطر محاولة تحقيق فرقهم لكل ما يخطر على بالهم؛ ينتهي الأمر بهذه الفرق بأن تصبح مشتتة ومتفرقة وغير مركزة وغير قادرة على تحقيق أهم المكاسب. هنا أقدم لكم بعض الطرق لاستخدام مهارة الوضوح في توجيه طاقات الآخرين بإنتاجية أكبر:
- في بداية العام، اجلس مع الأشخاص الذين تشرف عليهم بشكل مباشر لتحديد الأولويات وتوضيح التجارب الناجحة الكبيرة ضمن مجالاتهم. وقد حدثتني إحدى الزميلات عن تجربتها، حيث كانت تجمع فريق عملها وتسألهم عن طموحاتهم بطريقة افتراضية، حيث تقول لهم: "إذا كنت سننشر خبراً عن أداء فريقك في صحيفة ما، ما هي العناوين الرئيسية المتعلقة بك وبفريقك، والتي ترغب أن تراها في نهاية العام؟".
- ساعد الأشخاص الذين تشرف عليهم بشكل مباشر لإعادة تحديد الأولويات بصورة منتظمة. يمكنك أن تفعل هذا عن طريق اجتماعات فردية أو بحضور الفريق كاملاً.
- مكّن فريقك من قول "لا".
مهارة الفضول. تتحمل (كقائد) مسؤولية التوجيه ومشاركة المعلومات واتخاذ القرارات المهمة. ولكن يتوجب عليك أن تتأكد من عدم معالجتك لكل موقف كما لو أنك تملك جميع الإجابات أو أنه يتحتم عليك تقديم النصيحة أو حل كل مشكلة تراها أمامك. في كثير من الحالات، يكون استحضار مهارة الفضول مفيداً للموقف الحالي؛ مثل الموقف الذي شاركته إحدى عميلاتي عندما تعرضت للصد من قبل الآخرين "في حين أنني واثقة من أحكامي وغرائزي فيما يتعلق بالعمل، إلا أنني أعلم أنّ المؤسسة التي أعمل بها وظّفت أشخاصاً أذكياء فعلاً. وبالتالي، إذا كان لدى أحد زملائي أو أعضاء الفريق وجهة نظر مختلفة أو اعتراض على أمر ما، فلا أتعامل مع الأمور بمنحى شخصي، بل أهتم فعلاً بفهم السبب وراء وجهة النظر المختلفة، حتى نتمكن من الوصول إلى أفضل حل". وهنا أيضاً أطرح بعض الأمثلة على المواقف التي من المفيد فيها استحضار صوت الفضول:
- عندما يكون العمل مترابطاً، ستتمكن من الوصول إلى حل أفضل عند سماع جميع وجهات النظر قبل اتخاذ قرار نهائي.
- عند تدريبك لموظف بشكل مباشر، فإنّ طرحك أسئلة جيدة يساعد على التطور بطرق جديدة أو استكشاف المشاكل التي يواجهها هذا الموظف أو يدعم تقدمه الوظيفي.
- عند خوض محادثة صعبة؛ حيث يمثل سماع رأي الشخص الآخر جزءاً مهماً من الابتعاد عن العواطف وفهم احتياجات ووجهات نظر كل طرف في المحادثة ومن ثم اكتشاف أفضل طريقة للمتابعة.
مهارة التواصل. مع توسع نطاق المراقبة أو التأثير، قد تزداد صعوبة التواصل مع مجموعة من الزملاء والشبكات الاستراتيجية والفرق. على سبيل المثال، عادة ما يعمل لدينا أشخاص ضمن مستويات وظيفية أدنى منا، وبالتالي لن نتمكن من معرفة جميع من في محيطنا، ومع ذلك علينا أن نجد طرقاً كي نبقى مرئيين وعلى تواصل مع الجميع. قد تأتي مهارة التواصل بعدة أشكال. وهنا بعض الطرق التي يستخدم البعض فيها هذه المهارة بفعالية:
- نمّ مهارتك كراو للقصص. القصص تجعل أهدافنا بارزة أكثر؛ إذ يمكنها أن تجعل إلقاء خطاب ما أو اجتماع لكل الموظفين في الشركة أكثر حيوية ونشاطاً، أو قد تساعد في إيصال الفكرة أثناء عرض تقديمي ما، أو قد تساعد في إتمام صفقة كبيرة أو معاملة.
- الشكر والتقدير. غالباً ما يبذل زملاؤنا وفرقنا جهداً كبيراً لضمان تحقيق المنجزات المستهدفة وارتفاع العائدات ورضا العملاء. عندما نستخدم مهارة التواصل، نتذكر أنّ نعبّر عن امتناننا لفريق عمل خلال الإجازات لإغلاق القوائم المالية في نهاية ربع العام، أو قد نتذكر أن نعود مرة أخرى إلى زميل قدم لشركتنا قيمة أو إحالة.
- إتاحة وقت لبضع دقائق لإزالة الرسميات أو تعزيز العلاقات في بداية محادثة أو اجتماع. في كثير من الأحيان، نرغب أن نبدأ مباشرة بالعمل، ولذلك نتجاوز المجاملات التي تساعد على بناء العلاقات مع الآخرين. لذلك، عندما يكون الأمر ممكناً ينبغي تخصيص بضع دقائق للتواصل قبل الخوض في العمل، وخاصة مع الزملاء الذين يقدّرون هذا النوع من التواصل. في الأيام العصيبة، وضح الأمر منذ البداية لتجنب حدوث أي نوع من سوء التفاهم. يمكنك أن تقول مثلاً: "أمرّ بيوم حافل، ولذلك سيكون من الرائع أن نبدأ في العمل مباشرة".
إنّ اكتشاف وتطوير مهاراتك كقائد يتطلب عملاً لمدى الحياة. والمفتاح لتحقيق هذا الأمر هو أن تبقى منفتحاً لمجموعة واسعة من المواقف الجديدة والأشخاص. استخدم كل موقف كفرصة للوصول إلى أجزاء أخرى من مهاراتك بدلاً من اتباع طريقة "خيار واحد مناسب للجميع". استحضر مهارة الشخصية والسياق والوضوح والفضول والتواصل بحسب ما تستدعيه الحالة أو الموقف. فمن خلال هذا النوع من التعلم والنمو، لن تنمي ثقتك الداخلية ومرونتك فحسب، بل ستكوّن أيضاً إلهاماً لثقة الآخرين بأنفسهم بطريقة أكثر موثوقية وتأثيراً.