في ثقافتنا الحالية، يتوقع أرباب العمل أن يكون الموظفون متجاوبين ويسهل الوصول إليهم في جميع الأوقات. وعلى أي حال، تبين الأبحاث أن التواصل المستمر ربما يكون غير مثمر عندما يتعلق الأمر بمستويات المشاركة والإنتاجية. فكيف يمكن مساعدة الفريق لتجنب الإلهاء؟
يتفقد مستخدمو الهاتف الذكي اليوم هواتفهم 150 مرة في اليوم الواحد، ما يعادل إهدار ساعتين ونصف الساعة يومياً في فتح الهاتف وإغلاقه فحسب. ويمكن لرسالة نصية واحدة، تستغرق قراءتها حوالي 2.2 ثانية، أن تضاعف معدلات الخطأ في القيام بالمهمات الأساسية، والأسوأ من ذلك هو ما تبين للموظفين أن استئناف مهمة العمل السابقة يستغرق 11 دقيقة في المتوسط. أصبحت هواتفنا أدوات للهوس الإجباري، بدلاً من كونها أدوات لتحقيق الكفاءة.
اقرأ أيضاً: إذا لم تفلح جهودك الابتكارية فانظر من يرأس الفريق
وربما يكون التأثير الممتد للإلهاء في الإنتاجية أكثر بروزاً من فوائد الكفاءة المضافة. يوضح الأخصائي السابق في أخلاقيات التصميم في شركة "جوجل" تريستان هاريس أننا نكافح في اقتصاد جذب الانتباه، حيث يُحفّز المطوّرون والمعلنون على الاستحواذ على انتباهنا. واستراتيجياتهم ناجحة. اليوم، تكاد نسبة 26% من مستخدمي الهاتف الذكي يتصلون بالإنترنت على مدار الساعة، ويتحققون من هواتفهم بحثاً عن الرسائل أو التنبيهات أو المكالمات، وحتى إذا لم يلاحظوا رنين هواتفهم أو اهتزازها.
كيفية مساعدة الفريق لتجنب الإلهاء
وللتغلب على آثار اقتصاد جذب الانتباه أو إيجاد توازن في هذا الأمر على الأقل، يمكن لأرباب العمل البناء على ممارسات معتمدة لرعاية ثقافة رسمية إيجابية:
إنشاء أماكن هادئة لاستعادة النشاط الذهني
حتى أكثر المنفتحين اجتماعياً يحتاجون مدة توقف عن العمل. خصِّص مساحة للموظفين كي يبتعدوا عن العمل والأجهزة لتنشيط قواهم وأفكارهم. سواء وضعت حجرات لغفوات القيلولة مثل شركة جوجل، أو حجرات للتأمل مثل شركة "سيغنا" (Cigna) للتأمين الصحي، أو خصّصت ركناً فيه وسائد مريحة، فإن امتلاك مساحة لفترات التوقف عن العمل يساعد الموظفين في تنشيط الشبكة الافتراضية العصبية لديهم، وهي التي تؤدي دوراً بالغ الأهمية في تجزئة المعلومات وربط الأفكار المتباينة. ووفقاً لاستبانة أجريتُها بالتعاون مع فنادق "إمباسي سويتس" (Embassy Suites) و"هوموود سويتس" (Homewood Suites) و"هوم تو سويتس" (Home2 Suites) التابعة لشركة "هيلتون" (Hilton) العالمية، فإن نسبة 89% من الموظفين يعتقدون أن تغيير بيئة عملهم طوال اليوم يعطيهم دفعة إيجابية. (اعتراف: كنت مستشارة أتقاضى أجراً في هذه الدراسة).
التشجيع على قضاء فترات الاستراحة بلا هواتف
على الرغم من رغبة الموظفين في الابتعاد عن أجهزتهم، فإن أكثر من نصفهم يلجؤون إلى هواتفهم الذكية خلال فترة توقفهم عن العمل، مع أن الأبحاث تبين أن الموظفين الذين يأخذون هواتفهم الجوالة في فترات الاستراحة يشعرون بانتعاش أقل وتكون إنتاجيتهم أقل بعد العودة إلى العمل. ووجدت دراسة أُجريت عام 2019 على أكثر من 4,000 موظف حول العالم، أن الموظفين "الأقل سعادة" أكثر ميلاً بنسبة 57% لقضاء فترات استراحتهم المخصصة لتناول الغداء في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يعتبر فيه الموظفون "الأكثر سعادة" أكثر ميلاً بنسبة 275% لتناول وجبات الغداء على مهل مع الأصدقاء. وعلاوة على ذلك، وجدت دراسة أُجريت على 450 موظفاً في كوريا، أن الأفراد الذين يأخذون استراحة قصيرة من العمل دون هواتفهم الجوالة شعروا بنشاط أكبر وإرهاق عاطفي أقل، مقارنةً بالأفراد الذين حملوا هواتفهم الجوالة معهم في فترات استراحتهم، بغضّ النظر عما إذا استخدموا الهاتف أم لا. ولتحقيق فائدة إضافية، شجِّع الموظفين على تحقيق الاستفادة القصوى من فترات استراحتهم من خلال ممارسة عادات إيجابية (كتابة المذكرات اليومية أو كتابة أشياء يشعرون بالامتنان لها أو ممارسة التأمل أو القيام بأي عمل من أعمال الخير أو التجول في المكان أو التواصل مع الزملاء) ستزودهم بالطاقة والنشاط طوال اليوم.
اقرأ أيضاً: إدارة أصحاب الأنا المتضخمة لضمان نجاح كامل الفريق
تحديد المخطط الاجتماعي للتواصل
يشعر الكثير من الموظفين بأنهم ملزمون بالاستجابة فوراً عند تلقي اتصال من أرباب العمل، حتى لو أتى الاتصال بعد العمل أو خلال عطلة نهاية الأسبوع أو أثناء الإجازة. أشار 55% من الموظفين الأميركيين إلى أنهم يتحققون من بريدهم الإلكتروني بعد الساعة 11 مساءً، في حين نام 44% من أصحاب الهواتف الجوالة وهم يضعون هواتفهم إلى جانب أسِرّتهم، لأنهم يحرصون على التأكد من عدم تفويت أي مكالمة أو رسالة نصية أو مستجدات أخرى أثناء الليل. يستطيع القادة خلق ثقافة رقمية إيجابية بشكل أكبر للموظفين من خلال وضع سياسة واضحة حول توقيت الرد المتوقع من الموظفين وكيفيتها. وتشرع شركات مثل "ديلويت" (Deloitte) في إنشاء "ميثاق الفريق" لتسجيل تفضيلات المراسلة والتوقعات حولها.
تمكين الموظفين من الإيقاف المؤقت لأوقات التركيز
وسط ضجيج الاجتماعات والرسائل البريدية المستمرة، يشعر الكثير من الموظفين بافتقارهم إلى وقت غير متقطع لإنجاز عملهم بالفعل. أما الموظفون الذين يحصلون حتى على 55 دقيقة من الوقت لأنفسهم فقد أفادوا بأنهم يشعرون بمزيد من النشاط (56%)، والألفة (53%)، والمرح (23%) والمزيد من الذكاء (22%). ولتمكين الموظفين كي يكونوا في حالتهم الأكثر إنتاجية، شجّعهم على اقتطاع فترات محددة من "أوقات التركيز" ووضعها على تقويمهم الخاص. يمكنهم أن يضعوا استجابة آلية لمدة قصيرة توضح ما يفعلونه ومتى سيعودون ("أنا مبتعد عن بريدي الإلكتروني لإنهاء هذا المشروع. سأعود بعد ساعة"). هذه الإيماءة البسيطة ترسل شعوراً بالاحترام لأعضاء الفريق الآخرين، ولكنها تشير أيضاً إلى أنهم يقدّرون العمل الجيد.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: كيف أدير فريقاً تقنياً دون أن أُمنح سلطة رسمية؟
ويمكن لأرباب العمل مساعدة الفريق لتجنب الإلهاء وتحقيق المشاركة على المدى الطويل من خلال العمل على نحو فاعل لإيجاد مساحات عقلية وبدنية على حد سواء داخل المؤسسة. حان الوقت لإعطاء الموظفين استراحة (حقيقية)، وبالتالي إطلاق العنان لإمكاناتهم الكاملة في القوى العاملة لديك.
اقرأ أيضاً: 5 طرق لتحقيق الاستفادة القصوى من فريق التصميم لديك