يقدم الخبراء للشركات القديمة نصائح مثل "زعزع نفسك قبل أن تتعرض للزعزعة" أو "كلّف موظفي الخطوط الأمامية في وضع الاستراتيجية وتنفيذها" بهدف إحباط أي عملية زعزعة محتملة. لكن لا تقدم هذه المشورة سوى القليل من المساعدة. بينما يتيح لنا التاريخ العسكري وسيلة أفضل بكثير للاستجابة. وندعو هذه الوسيلة بالمنافسة القائمة على السرعة.
في عام 1976، أوضح الكولونيل في سلاح الجو الأميركي جون بويد سبب ارتفاع معدل التدمير بنسبة (10:1) لصالح طياري المقاتلات الأميركية مقارنة بخصومهم في الحرب الكورية. كان الاعتقاد السائد آنذاك هو أن الطيارين الأميركيين كانوا مدرّبين بشكل أفضل بكثير. لكن إذا كان هذا المعتقد صحيحاً، فمن المفترض أن تكون انتصارات المعارك الجوية موزعة بالتساوي بين جميع الطيارين الأميركيين. إلا أنها لم تكن كذلك. بل أنجز عدد قليل من الطيارين معظم عمليات التدمير، في حين كان لبعضهم الآخر معدل تدمير أقل، وفشل آخرون في تنفيذ أي ضربات جوية وأُسقطت طائرات البعض منهم.
وتمثّلت العوامل الرئيسة في برامج تدريب الطيارين، والقدرة الفطرية لكل طيار، والطائرات أنفسها. كان مجال الرؤية في قمرة القيادة في الطائرات من طراز "إف-86" التي حلّق بها الطيارون الأميركيون أكثر تفوقاً من طائرات العدو من طراز "ميغ 15"، وهو ما مكنهم من المناورة بشكل أسهل في السرعات العالية. وبناء على ذلك، افترض بويد أن هذه المزايا التقنية جنباً إلى جنب مع مهارات عدد قليل من أفضل الطيارين الأميركيين أتاحت لهم فرصة التصدي لمناورات العدو بوتيرة أسرع بكثير من قدرة خصومهم على التصدي لمناوراتهم، ما تسبب في إرباك مقاتلي العدو، وتشويش ردود أفعالهم مع تقدم المعركة سواء في المبالغة في التصدي أو الجمود، وهو ما أسفر في نهاية المطاف عن فقدانهم القدرة على السيطرة على الوضع. وقال بويد: "تمكن أولئك الذين استطاعوا التحكم بمعدل تغيير الاتجاه بشكل أسرع من النجاة". ووصف هذه الاستراتيجية بحلقة "أودا" المتمثّلة في الملاحظة والتكيف والقرار والتصرف (OODA).
وعلى الرغم من جميع الاختلافات بين مقاتلي الطائرات ومدراء الشركات، إلا أن نموذج حلقة "أودا" مفيد لفهم بيئة الأعمال الغامضة اليوم. إذ يمارس المبتكرون ضغطاً على المنافسين في حلقة ديناميكية مماثلة: حيث يقومون على الدوام بتفحّص الوضع العام، وتكييف أنفسهم مع الظروف الجديدة، واتخاذ قرار حول كيفية الاستجابة، والتصرف بسرعة، وإعادة استجماع قواهم بعد ذلك وتكرار هذه العملية. ومع اكتسابهم المزيد من التجارب والخبرات، يحكمون وثاقهم على "حلقة سودا" (التفحص، التكيف، القرار، التصرف) (SODA) وتتسارع وتيرة استجاباتهم للتغيرات. وبإمكان الشركات القديمة أن تسعى إلى تطبيق نفس الاستراتيجية، بل يجب عليها ذلك.
ولتوضيح كيفية عمل "حلقة سودا"، دعونا ننظر في كل جانب من جوانبها عن كثب:
التفحص. يجب أن تتفحص الشركات الأفق بشكل منهجي بحثاً عن فرص جديدة وأي زعزعات محتملة، نظراً لإمكانية تغير المنافسين والتقنيات والأسواق بسرعة. انظر في مسارات التوجه، وسلوكيات الزبائن الجديدة، ومواضع الخلل، والمنافسين غير المتوقعين، وأنماط الطلب المتغيرة.
تقوم سوق علي بابا الضخم على شبكة الإنترنت في الصين بتفحص سلوكيات زبائنها باستمرار من خلال استخلاص وتحليل أكثر من بيتابايت من بيانات الزبائن كل يوم. وتمثّل الرؤى الثاقبة محركاً قوياً للابتكار الذي يقدم دفقاً مستمراً من المنتجات والمنصات الجديدة. وبالمثل، تبحث شركة أمازون عن فئات البيع بالتجزئة التي باتت جاهزة لزعزعتها والاستحواذ عليها. حيث تجمع هذه الفئات ذات الأداء المنخفض على شبكة الإنترنت، وتخفض تكاليفها، وتجعلها أكثر كفاءة، وتحسن من خدماتها.
ابحث عن "نقطة التحول" التي تدل على رواج توجه جديد أو تقنية جديدة. على سبيل المثال، سبق تنامي الطلب العالمي على الروبوتات عتبات أسعار جديدة لتقنيات المكونات مع أداء جيد وتبني واسع من قبل المستهلكين، وهو ما دلَ على أن نقطة التحول كانت قريبة. وبالتالي، يمكّن تفحص الوضع العام باستمرار الشركات من الحفاظ على تركيز خارجي ويجنبها الشعور بالقناعة أو الصدمة.
التكيف. بعد تحديد المصادر المحتملة للفرصة أو الزعزعة، يجب على الشركات تقييم المجالات التي أكسبتها ميزة تنافسية والمجالات التي أفقدتها هذه الميزة، وضبط استراتيجيتها وفقاً لذلك. ويتطلب القيام بذلك بشكل جيد وجود فريق قيادة متنوع يمكنه تحليل السيناريوهات المختلفة ومناقشة الخيارات المتاحة وتقييمها بشكل واقعي والنظر في ما هو واضح.
و قد تشمل الخيارات الحاجة إلى تطوير منتج جديد واختباره، أو خطوة هجومية لمواجهة تهديد محتمل يلوح في الأفق، أو مجموعة جديدة من المهارات أو القدرات، أو استحواذ جديد يمكّن الشركة من دخول سوق جديدة واعدة بسرعة، وقد تتباين هذه الخيارات اعتماداً على الظروف. ويتطلب تقييم الخيارات المتاحة وكيفية تأثيرها على الاستراتيجية الحالية وقتاً وانضباطاً وفهماً مشتركاً للوضع في جميع أنحاء هيكل القيادة. والتكيف هو عملية مستمرة يجب "ممارسته على الدوام".
القرار. يتطلب النجاح على المدى الطويل وتجنب الزعزعة توضيح العوامل الرئيسة التي تحدد الميزة التنافسية. يجب على الفريق التنفيذي تحديد قائمة مختصرة من الأسئلة الهامة حول العمل، في حين ستصوغ الإجابات عن هذه الأسئلة استراتيجية الشركة. وتشمل الأسئلة المحتملة: من هم زبائننا المستهدفين وكيف تتغير احتياجاتهم؟ هل ستصبح شرائح زبائن أخرى أكثر جاذبية مع مرور الوقت؟ إذا كان الأمر كذلك، ما الذي يتعين علينا القيام به للفوز بهم بصورة تعود علينا بالربح؟ هل نمتلك المواهب والقدرات التي نحتاجها؟ ما هي نقاط ضعفنا ولماذا؟ عادة ما تسفر عملية الإجابة عن هذه الأسئلة عن قرارات وأولويات استراتيجية واضحة.
التصرف. يتطلب الحفاظ على وتيرة سريعة التنفيذ السريع للاستراتيجية. وغالباً ما تكون الشركات الكبرى في هذه الخطوة في وضع غير موات مقارنة بالشركات الأصغر والأكثر ذكاء. وللتغلب على تلك العقبة، يجب على فريق القيادة في الشركات الأكبر استخلاص سياق الشركة وهدفها الاستراتيجي وصياغته بوضوح وبأبسط لغة ممكنة، حتى يتسنى للأفراد في جميع مستويات المؤسسة التواؤم واتخاذ قرارات أفضل بسرعة أكبر.
على سبيل المثال، لدى شركة زابوس (Zappos)، لبيع الملابس والأحذية بالتجزئة عبر الإنترنت التي استحوذت عليها شركة أمازون في عام 2009 مهمة رئيسية واحدة متمثّلة في جعل زبائنها سعداء. ويعلم ممثلو خدمة الشركة أن بإمكانهم القيام بكل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف، دون الحاجة إلى الحصول على موافقة من رؤسائهم. لذلك سيقومون بإعادة المنتجات المعيبة واستبدالها مجاناً، وإرسال الزهور إلى زبون يقول: "أمي مريضة" على سبيل المثال، وقضاء الكثير من الوقت على الهاتف حسب الضرورة لحل مشكلة ما.
ولضمان التوافق واتخاذ إجراءات سريعة، يجب ربط المهمات الفردية والجماعية بشكل صريح بمهمة الشركة العامة واستراتيجيتها. ويجب تحديد أي تعارض بين الأهداف والموارد والقيود والتخلص منها مبكراً، حتى لا يضيع الوقت والجهد.
إذ تقضي معظم الشركات وقتاً طويلاً على المهمات التي تؤدي إلى إبطاء الأفراد واستخدام الموارد وإضافة قيمة قليلة. في النهاية، يدرك المنافسون القائمون على السرعة مثل علي بابا و أمازون وزابوس أن أفضل طريقة لتجنب الزعزعة هي الحفاظ على تركيز ثابت على العوامل التي تمنحهم ميزة تنافسية، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي. واعلم أنه في حال وقوفك مكتوف الأيدي، فأنت هدف بارز للمنافسين.