أصبحنا نستوعب نطاق تأثير جائحة "كوفيد-19" بشكل كامل الآن. فالمؤسسات من جميع الأنواع تشعر بالضغط لمحاولتها النجاة في ظل الأزمة الحالية مع التخطيط في الوقت نفسه لمستقبل مختلف جذرياً. ولكن كيف يمكن للمؤسسات مشاركة الخسارة الاقتصادية مع أصحاب المصلحة؟ وكيف ينبغي لها تجديد سلاسل توريدها لتصبح أكثر قدرة على التحمل والتكيف؟ وأيضاً كيف يمكن للمؤسسات تجنب الأخطاء في أوقات الأزمات التي ارتكبتها في الأزمة المالية الأخيرة، سواء كان الأمر يتعلق بتأخير الاستجابة لفترة طويلة للغاية، أو المبالغة في الاستجابة من خلال إجراء اقتطاعات بشكل عميق ما تسبب في عرقلة تعافي المؤسسة، أو إجراء اقتطاعات في الأماكن الخاطئة ببساطة؟
تواجه المؤسسات في مختلف أنحاء العالم تهديداً لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن قادتها وأعضاء مجلس إدارتها لديهم مخاوف هائلة لا تؤججها المخاطر التي تهدد بقاء شركاتهم فحسب، ولكن أيضاً المخاطر الصحية التي تواجههم هم وعائلاتهم والعملاء والموظفين.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح للتواصل مع الموظفين في أوقات الأزمات
تماماً في الوقت الذي يحتاج فيه القادة إلى أن يكونوا قادرين على التكيف للتعامل مع الأمور المجهولة والمخاطر، فإن التعرض لهذا الضغط قد يؤدي إلى وقوع العديد من الفرَق التنفيذية ومجالس الإدارة ضحية فيما يُعرف بـ "جمود التهديد" (threat rigidity)؛ ما يعني التوقف عن الابتكار واللجوء إلى الإجراءات التي نجحت في الماضي بدلاً من التوصل إلى نُهج جديدة حاسمة.
تجنب الأخطاء في أوقات الأزمات
إن هذا التوجه، بالإضافة إلى قيود التباعد الاجتماعي التي تمنع أعضاء الفرَق القيادية ومجالس الإدارة من الاجتماع وجهاً لوجه في الاجتماعات الرسمية الجماعية أو المحادثات الجانبية غير الرسمية، يزيد إلى حد كبير من احتمالات عدم ارتقائهم إلى مستوى الحدث. بناء على بحثنا الأخير وأعمالنا الاستشارية واهتمامنا منذ أمد طويل بدراسة تأثيرات الضغوط المفروضة على التعاون في مكان العمل، توصلنا إلى طرق يُمكنهم بها تجنُّب الوقوع في ثلاثة فخاخ رئيسية.
الفخ الأول: ضيق الأفق
قد تعتقد أن الأزمات تجعل الأشخاص أكثر ابتكاراً (عملاً بمبدأ "الحاجة أم الاختراع")، ولكن الحقيقة هي أننا نميل بشكل طبيعي إلى البحث عن الراحة والاستقرار من خلال الاعتماد على الحلول المتاحة (أي "ما نفعله بشكل جيد في أغلب الوقت"). يمكن للفرَق التنفيذية ومجالس الإدارة التغلب على هذا الميل بطرح الأسئلة بالغة الأهمية الواردة أدناه:
ما الذي تفعله المؤسسات الأخرى بطريقة صحيحة في الوقت الحالي، وخاصة المنافسين المحتملين الجدد في مجالنا؟ يُعد التركيز على المنافسين الجدد في مجالك أو منطقتك أو شريحة عملائك مفيداً لأنه من غير المرجح أن يكونوا يعتمدون على إجراءات عفا عليها الزمن.
هل خطة الاستعداد للكوارث التي تم وضعها والتدرب عليها تناسب الأزمة الحالية؟ ستساعد مناقشة هذا السؤال بشكل صريح المسؤولين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة على فهم ما إذا كانوا يعتمدون دون قصد على خطة قائمة أو على جزء منها لأنهم يرون أنها أفضل طريقة لمواجهة التحديات أم لأنهم يتجنبون دون قصد الشعور بعدم الراحة الناتج عن اضطرارهم إلى وضع نهج جديد.
أي من المستشارين الخارجيين يمكن أن تعتمد عليهم لمساعدتك على تحدّي افتراضاتك والرؤية عبر القطاعات والمناطق الجغرافية؟ يمكن لعدد من المستشارين الحاليين في الشركة (مثل المحامين والاستشاريين والمراجعين) الذين يعملون في طائفة واسعة للغاية من الشركات والقطاعات والدول مساعدة أعضاء المجموعة على التفكير بمزيد من التعمق وتخصيص الحلول الممكنة.
اقرأ أيضاً: 4 سلوكيات تساعد القادة على الإدارة خلال الأزمات
الفخ الثاني عند تجنب الأخطاء في أوقات الأزمات: الاعتماد المفرط على القائد
عندما يشعر الأشخاص بالتهديد فإنهم يميلون إلى التطلع إلى القائد للحصول على الإلهام والبصيرة والقوة. إلا أنه ينبغي للمسؤولين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة مقاومة الرغبة في الإذعان غريزياً للقائد الأعلى مرتبة، والتأكد بدلاً من ذلك من أنهم يستفيدون من مهارات ورؤى جميع القادة وأعضاء مجلس الإدارة. وطرح الأسئلة التالية سيساعد في هذا الصدد:
هل تحصل على رؤى أعضاء مجلس الإدارة المستقلين فقط؟ من الضروري التأكد من أن أعضاء مجلس الإدارة المستقلين يشعرون بالراحة عند عرض وجهات نظر بديلة، خاصة إذا كان رئيس مجلس الإدارة هو أيضاً الرئيس التنفيذي.
هل يعتمد أعضاء مجلس الإدارة بشكل مفرط على رئيس مجلس الإدارة في اتخاذ القرارات؟ على سبيل المثال، هل تُعقد لجان المجلس للتعامل مع الموضوعات الملحة ثم تُقدَم مدخلات كافية لمناقشات المجلس بكامل أعضائه؟
هل يعتمد كبار المسؤولين التنفيذيين بشكل مفرط على الرئيس التنفيذي في اتخاذ القرارات ووضع خطة للمضي قدماً والتواصل مع أصحاب المصلحة؟ ينبغي أن يكون الفريق بأكمله مشتركاً في إيجاد الحلول والتواصل بشأن ما يحدث. ويجب أن تتأكد أن كل عضو يؤدي دوره.
الفخ الثالث: الخضوع لرأي الأغلبية
أظهرت البحوث التي أجراها بعض العلماء، مثل عالم النفس إيرفينغ جانيس، أن هناك ضغوطاً شديدة للتوافق مع الآخرين في أوقات الأزمات لتحقيق الانسجام. وبعضها فطرية؛ فنحن لا نرغب في عرقلة الإجراءات أو إبطائها لحل أزمة ما، لذلك نراقب كلامنا في المناقشات.
وأيضاً بمجرد توصل الأغلبية إلى قرار أولي أو الاتفاق على خطة أولية، فإنهم يميلون إلى الضغط على المعارضين للتوافق مع رؤيتهم لاتخاذ إجراءات موحدة. ونتيجة لذلك، لا تستغرق المجموعة مزيداً من الوقت لدراسة الخيارات التي من المحتمل أن تكون أفضل. وقد أدى هذا النوع من التفكير الجماعي إلى ارتكاب أخطاء من قبيل عملية غزو خليج الخنازير التي نفذتها إدارة كينيدي في كوبا، وقرار شركة "فورد موتورز" (Ford Motor) بتصميم سيارة "إدسل" (Edsel).
اقرأ أيضاً: أزمة طائرات شركة بوينغ وكيفية التعامل الصحيح معها
لتجنُّب الوقوع في تلك الفخاخ، ينبغي أن تطرح المجموعة هذه الأنواع من الأسئلة:
هل تلقّى الجميع المعلومات نفسها وأُتيحت لهم الفرصة لتكوين آرائهم قبل سماع آراء الآخرين؟ هل يتفهم الجميع المشكلات ولديهم الفرصة لطرح الأسئلة قبل أن تُعرَض عليهم الحلول المقترحة؟ وهل يُتاح لأعضاء مجلس الإدارة، على سبيل المثال، الوصول إلى المسؤولين التنفيذيين المختصين من خارج المناصب التنفيذية العليا الذين تُعد معرفتهم ضرورية لمواجهة الأزمة (كرئيس سلسلة التوريد الذي لا يمتلك عادة إمكانية الوصول إلى مجلس الإدارة)؟
هل جميع الخبراء يشاركون خبراتهم؟ سيرى كل خبير المشكلة نفسها من وجهة نظره ومن المرجح أن يكون لديه توصيات مختلفة إلى حد ما. فهل يتعرف فريق القيادة العليا ومجلس الإدارة على وجهات النظر المختلفة هذه جميعها؟
هل يقبل فريق القيادة العليا أو مجلس الإدارة أول حل معقول ببساطة أم يواصلون البحث عن حلول بديلة من المحتمل أن تكون أفضل بكثير؟ ينبغي للمجموعة أن تسعى جاهدة لأن تضع مجموعة من السيناريوهات المستقبلية المحتملة وكذلك خيارات مختلفة لكل منها.
وفي نهاية الحديث عن كيفية تجنب الأخطاء في أوقات الأزمات بطريقة صحيحة، قد يُنظر أحياناً إلى طرح هذه الأنواع من الأسئلة والسعي إلى إيجاد إجابات صادقة عنها على أنه يُبطئ الاستجابة للأزمة. ولكن الفرَق التنفيذية ومجالس الإدارة الذين يطرحون الأسئلة الصعبة القاسية الآن من غير المرجح أن يضيعوا المال والوقت في حماية ما اتضح أنه نهج قد عفا عليه الزمن، كما أنهم أكثر ميلاً إلى القيام بأفضل ما يمكن لإعداد الأعمال لأي مستقبل قد يبرز في نهاية المطاف.
اقرأ أيضاً: 10 أسئلة ستساعدك على إنقاذ نفسك وشركتك من أضرار أزمة كورونا