قد تكون محاسباً منهمكاً في العمل في موسم الضرائب أو طبيباً مبتدئاً في فترة الإقامة، أو رجل أعمال تُدير شركة ناشئة ومبتدئة بالفعل. فمعظمنا يمر بفترات في الحياة نفتقد فيها إلى وقت خاص للراحة. وربما يكون بعضنا الآخر ملتزماً بوظائف تتطلب ساعات مكثفة وطويلة بانتظام، وتخلق حالة لا تنتهي من عدم الراحة.
وعلى الرغم من أنّ هذا النوع من العمل الزائد ليس مثالياً، لكن لا شك أن هناك حالات يصبح فيها العمل ضرورة أو منطقياً. لقد خضت هذه التجارب بالتأكيد في فترات من حياتي، على سبيل المثال، في الفترة التي سبقت الاختبارات أو عند وضع اللمسات النهائية على كتبي. حيث كانت عطلة نهاية أسبوع كاملة تبدو في أوقات كهذه وكأنها حلم بعيد المنال. وقد تبدو النصيحة بشأن أهمية الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الشخصية، والحد من التوتر، والحصول على قسط كاف من النوم كصفعة على الوجه. لكنك لا تحتاج إلى توبيخ للعمل بشكل أقل. بل تحتاج إلى نصائح عملية للاستمرار والازدهار في خضمّ الالتزام الكامل في العمل. وإليك بعض الاستراتيجيات التي قد تساعدك:
استخدم مبدأ بريماك
يعتمد مبدأ بريماك حسبما ينطبق هنا على استخدام سلوك سهل كمكافأة لإنجاز سلوك أكثر صعوبة. على سبيل المثال، يمكنك مكافأة نفسك على الانتهاء من مهمة مجهدة ذهنياً، مثل كتابة تقرير معقد عن طريق إكمال مهمة منخفضة الأهمية ولكنها ضرورية، مثل إنجاز مهمة تساعدك على البقاء منظّماً. قد يساعدك هذا النهج على التحكم في أعصابك خلال يوم عملك، ما يضمن حصولك على فترات راحة منتظمة يتحول عقلك خلالها إلى عجلة أكثر استرخاء بينما تحافظ على مستوى إنتاجيتك. فكر في الأمر كأنه تعافي من الإنهاك الذي يعتري جسدك عند الجري من خلال المشي بدلاً من التوقف.
تقسيم المهام
قد تصبح المهام التي تستمتع بإنجازها تجارب تجعلك متوتراً وغير سارة بالفعل في حال قيامك بها وأنت مشتت الذهن وقد تشعر بالتوتر والقلق حيال مئات الأشياء الأخرى في قائمة مهامك. ما الشيء الذي تستمتع بإنجازه أو يُرضيك للغاية حتى لو كان يستغرق وقتاً طويلاً؟ قد يكون البحث عن أفضل طريقة لعرض بيانات معقدة بصرياً. وقد يكون التدرب على إلقاء الخطابات أمام الأصدقاء أو العائلة.
اسمح لنفسك بالاستمتاع بالمهمة إذا كنت تعرف أنها قيمة وكنت تُنجزها بكفاءة. أما بالنسبة للواجبات الصعبة المتكررة، فكر في الأجزاء التي تُفضلها في المرحلة الأولى ومن ثم الأجزاء المفضلة في المرحلة المتوسطة والنهائية. على سبيل المثال، أحب الاستماع إلى خاصية القراءة التلقائية لمسودات منشورات مدونتي على حاسوبي عند إجراء تعديلاتي النهائية. وكم يكون الأمر مرضياً أن أجد تلك الحالات القليلة الأخيرة التي كررت فيها كلمة، أو ارتكبت خطأ مطبعياً، أو كان لحن الجملة خاطئاً. أحب أيضاً المراحل الأولى للمشاريع عندما أرقى بمستوى تفكيري من خلال عمليات بحث واسعة النطاق على محرك البحث العلمي من جوجل، وأحب المراحل المتوسطة عندما أتصارع مع أجزاء غير ملائمة قمت بكتابتها ولكن الهيكل العام منظم وسليم. يمكنك أن تكون أكثر وعياً من خلال التعبير عن جوانب مميزة وممتعة من المهام، وأن تستمتع بها.
خصص بعض الوقت للراحة الذهنية
من المغري عندما تكون مشغولاً أن تحاول حشد طاقتك الإنتاجية، مثل الرد على البريد الإلكتروني أو التفكير في القرارات في أي فترة زمنية قصيرة تغتنمها. قد تُنجز ذلك عند انتظار دورك في السوبر ماركت، أو في انتظار بدء العرض التقديمي، أو في الدقائق الخمس بين الانتهاء من شيء ما والانضمام إلى اجتماع. قد يبدو من الضروري لك العمل خلال هذه اللحظات حتى عندما تُنتَقد. لكن ليس عليك أن تفعل ذلك. فكّر بدلاً من ذلك في استغلال أوقات الانتظار القصيرة كفترات استراحة عقلية حقيقية، خذ نفساً عميقاً، أرخِ كتفيك واهدأ.
لست بحاجة إلى اتباع نهج "كل شيء أو لا شيء" حيال هذه النصيحة بالطبع. إذا كان استغلال الأوقات القصيرة لمواصلة العمل يناسبك في بعض الأحيان، استمر في القيام بذلك من الأحد وحتى الخميس. ولكن فكّر في عطلة نهاية الأسبوع أن تمنح نفسك تلك الاستراحات الصغيرة. اعثر على التوازن الذي يناسبك.
أضف عادات تخفيف الضغط الجسدي إلى يومك
صحيح أنه يمكننا تحمل الكثير من التوتر البدني عندما نثقل كاهلنا. ويرجع هذا جزئياً إلى ردود أفعالنا تجاه الخوف أو الإجهاد والمتمثّلة في الصراع الداخلي أو الهروب أو قلة التركيز. على سبيل المثال، كان الأساس التطوري لقبضة اليد المتكورة هو استعداد إنسان الكهف للركض أو اللّكم. كما يتنفّس بعض الأفراد بشكل أسرع عند تعرّضهم للإجهاد. ويتبنى البعض الآخر نبرة صوت أو لغة جسد عدوانية مسيطرة. وستحتاج إلى دوافع لتصحيح ردود الفعل هذه لأنها غالباً ما تكون غير واعية.
حاول استخدام محفزات الظروف، بمعنى آخر تحديد الأوقات التي ستخصصها لتخفيف الضغط الجسدي ضمن يومك. على سبيل المثال، يمكنك أن تأخذ بعض الأنفاس العميقة كلما ذهبت إلى الحمام، أو بعد الاستيقاظ مباشرة أو قبل النوم مباشرة. يمكنك أيضاً استخدام العواطف كمحفزات، مثلاً "عندما ألاحظ شعوري بالإرهاق سأقوم بتفحص جسدي بحثاً عن نقاط التوتر وأحاول الضغط عليها والتخفيف عن أي نقطة توتر أجدها". إذا لم تكن متأكداً من كيفية القيام بذلك، جرب فتح قبضتك عدة مرات وإغلاقها، أو جرب الإطباق على فكك وإرخائه، أو رفع كتفيك أو إسدالهما. تُعدّ أفكارنا وعواطفنا وردود أفعالنا الجسدية حلقة من ردود الأفعال. عندما تحاكي فسيولوجية شخص ما مرتاح نفسياً، ستجد أن تفكيرك يصبح أقل انغلاقاً وستبدو الأنشطة الصعبة من الناحية النفسية التي تحتاج إلى تفكير عميق أسهل، مثل تلقي الملاحظات.
اربط تجارب المتعة بالأنشطة الأخرى
كتبت في كتابي، "أدوات العقل السليم" (The Healthy Mind Toolkit) عن مدى تخلي الناس عن سعادتهم، خاصة عندما يشعرون بالانشغال أو عدم استحقاقهم لها لأنهم لم ينجزوا ما يكفي. يمكنك حماية نفسك من ضغوط الشعور بالاندفاع والإرهاق إذا قمت بربط مصادر المتعة البسيطة بأنشطة معينة لا تكون متحمساً للقيام بها بشكل متكرر. على سبيل المثال، أقوم بإعداد شطائر زبدة الفول السوداني كلما سافرت، وهذا هو الوقت الوحيد الذي أتناول فيه هذه الشطائر، وأصحبت التجربتان مرتبطتين في ذهني الآن. بغض النظر عن مدى الضغط الذي أشعر به حول رحلتي أو العمل الذي أحتاج إلى القيام به قبل الرحلة وأثناءها وبعدها، أشعر بالراحة أكثر قليلاً لأنني أعددت هذه المكافأة لنفسي. أو قد تعتاد على روتين الاستماع إلى برامج محددة أثناء عودتك إلى المنزل كل يوم من أيام الأسبوع إذا كنت تحب البث الصوتي. وإذا لم يكن ما تحبه بسيطاً مثل السندويشات أو المدونة الصوتية، قم بتخصيص القليل من الوقت بشكل منتظم للانخراط في اهتمامك، وتكون بالتالي قد تخلصت من حاجز صنع القرار. على سبيل المثال، إذا كنت شغوفاً بالطهي، يمكنك إعداد كمية كبيرة من أي طعام يوم الجمعة لتتناوله كغداء ضمن أيام الأسبوع.
وحتى أكون واضحة، أنا لا أقول أنه يمكنك إحداث اختراق كبير في طريقك نحو تغيير نمط حياتك الذي يتسم بإدمان العمل بشكل دائم. لكن في الأوقات التي يصبح فيها تحقيق التوازن في الحياة بسبب الإرهاق الشديد في العمل أمراً منطقياً على المدى القصير أو الطويل (أو ضرورياً)، ستحتاج إلى بعض الاستراتيجيات لتقليل الأضرار الناتجة عن ذلك. من المهم أن ترح نفسك وألا تدع التزاماتك تستهلكك.