تحتاج المؤسسات إلى أصحاب المواهب أكثر من حاجتهم إليها؛ يأخذ المهنيون في منتصف عمرهم المهني هذه الحقيقة البديهية في الاعتبار عندما يبحثون عن طرق لمواءمة رغباتهم الشخصية مع طموحاتهم المهنية، فيبحثون عن فرص جديدة من خلال تغيير مسارهم المهني من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية وتعزيز فرصهم في نيل الترقيات، ويرتبط هذا التغيير بتجديد الالتزام المهني وزيادة الرضا الوظيفي. لكن لماذا يسمي هؤلاء المهنيون هذه النقلة المهنية "أزمة منتصف العمر المهني"؟ يمكن أن يكون تدخل القيادة أو عدمه هو السبب.
تؤدي القيادة الاستباقية دوراً حاسماً في تعزيز التزام الموظفين الموهوبين الذين وصلوا إلى منتصف عمرهم المهني. عند انتقال الموظف في منتصف العمر المهني إلى وظيفة جديدة، غالباً ما يبدأ العمل على الفور من دون أن تهتم الشركة بإعداده للعمل الجديد على اعتبار أنه يملك خبرة كافية لأدائه، لكن كل موظف في منتصف عمره المهني يحتاج إلى الدعم والإرشاد في بيئة العمل الجديدة. لذلك يجب أن يُظهر القادة مهاراتهم القيادية بفعالية للموظف الذي يمر بمرحلة تحول مهني ويعبّروا عن حاجة المؤسسة إليه.
ما الإجراءات التي يمكن أن يتخذها القادة؟ فيما يلي 3 خطوات رئيسية:
تجسيد مهمة شخصية هادفة
لا يزال أحد زملائي يتذكر اليوم الذي صادف فيه رئيسه التنفيذي على الرصيف بانتظار عبور الشارع، تركت المحادثة القصيرة وغير الرسمية التي جرت بينهما انطباعاً دائماً لدى زميلي بأن هذا الرئيس التنفيذي كان شخصاً جيداً يسعى جاهداً لفعل أشياء جيدة. لماذا نترك مثل هذه الانطباعات للصدفة؟ لا يخفى على أحد أن مرحلة منتصف العمر المهني تكون غالباً محفوفة بالأزمات والعثرات والتغيرات. يتساءل الموظف الذي وصل إلى منتصف العمر المهني عادة عن أهمية عمله وقيمة رسالة شركته ودرجة استقلاليته الوظيفية وأهمية إسهاماته وعلاقاته. يخطئ كثير من القادة عندما يتركون الموظف الذي وصل إلى منتصف عمره المهني يعمل بمفرده بأسلوبه المعتاد دون تقديم الدعم أو الإرشاد اللازم له، بل يجدر بهم السعي إلى بناء علاقات وثيقة مع هذه الفئة من الموظفين في المؤسسة؛ تسهم هذه التحالفات في إزالة الحواجز وتضفي طابعاً شخصياً على البنية التنظيمية، فتتجسد رسالة المؤسسة في عمل الموظفين والقائد على حد سواء. تفاعل القادة وتواصلهم مع هؤلاء الموظفين وسيلة فعالة لزيادة إحساسهم بأهمية رسالة المؤسسة وأهدافها.
تحفيز التفكير البعيد المدى وعرض مسارات واضحة للمستقبل المهني
يكشف المؤلف دان لورتي في أعماله الرائدة حول القيادة وتحليل مكان العمل، عن تطور الممارسات الثقافية في أماكن العمل، ويوضح أن التفاعلات المحدودة في بعض أماكن العمل تعزز ما يسميه "عقلية الحاضر"؛ أي التفكير القصير المدى والموجه نحو الحاضر، الذي يعزز النزعة المحافظة ويعوق الابتكار. خلص لورتي إلى أن عقلية الحاضر تنشأ نتيجة أهداف العمل القصيرة المدى وقلة الحماس تجاه التغيير والعمل الجماعي وعدم شعور الموظف بأنه يتقن عمله بالكامل، ويعتقد أن القادة يمكنهم مواجهة هذه العقلية من خلال التفاعل والتواصل المبكر مع الموظفين الذين وصلوا إلى منتصف عمرهم المهني. لماذا نؤجل الحديث عن الأهداف المهنية حتى موعد مراجعة الأداء؟ تعمل مناقشة الأهداف والتطلعات المهنية على صدّ عقلية الحاضر في منتصف العمر المهني. بالإضافة إلى ذلك، أضفِ الطابع الشخصي. يملك كل قائد قصة مثيرة عن رحلته التي أوصلته إلى ما هو عليه الآن، ويمكن أن تكون هذه القصص أدوات فعالة لتحفيز الآخرين، إذ يُضفي سماعها طابعاً شخصياً على الاستراتيجيات المهنية بوصفها أحداثاً بعيدة المدى.
اعترف بالمواهب الصاعدة وكافئها
يدرك كل قائد جيد أهمية استقطاب المواهب، لكن لا يزال تحديد القادة المستقبليين الذين سيحققون التغيير والابتكار مهمة مُهملة إلى حد كبير، لكن الموظفين الذين وصلوا إلى منتصف عمرهم المهني هم الجيل التالي من القادة، وبناء العلاقات معهم يسمح للقائد بتحديد أصحاب المواهب منهم ومكافأتهم وتدريبهم وتطويرهم لخدمة مستقبل المؤسسة.
لتعزيز قيمة هؤلاء الموظفين وزيادة التزامهم، يجب على القادة بناء علاقات قوية معهم والالتزام بدعمهم وتطويرهم، ما يعني زيادة التفاعلات المتكررة والواضحة التي تؤكد الترابط بين الأهداف المؤسسية وطموحات الموظفين المهنية.
هل لديك اقتراحات أخرى للقادة من أجل مساعدة الموظفين أصحاب المواهب في التغلب على أزمة منتصف العمر المهني؟