سأبوح لكم بسرّ لكن لا تخبروا أحداً :)؛ لقد استعنت بالأستاذ تشات جي بي تي (ChatGPT) في كتابة هذا المقال. كتابة المقالات عندي لا بد أن تخرج من القلب والعقل معاً، ولا بد أن يكون فيها روحٌ ونَفَس لا يُمكن صناعتها بالآلات. هل تتخيلون أن تصنع الآلة طبخةً بطعم طبخة الأم ونكهتها؟ لا أدري لماذا جاء ببالي مثال الطبخ وأنا في صباح الرابع من رمضان :)، لكن لربما هو الشوق للأم وليس للطبخ، حفظ الله أمهاتنا جميعاً.
على كل حال، يمكن الاستعانة بالبرامج والآلات لجمع المعلومات وترتيب البيانات، وهذا ما صنعتُه عندما طلبت من تشات جي بي تي أن يعطيني بعض الأمثلة على موضوع المقال، لكن لن أسمح له يوماً أن يكتب مقالاً للجمهور، هيهات أن أسلّمه القلم.
قبل سنوات، تلقّيت دعوة خاصة لحضور مؤتمر خاص لشركة فريدة من نوعها، كان ذلك المؤتمر السنوي لشركة آيديو (IDEO) في مدينة سان فرانسيسكو، تلك الشركة التي تساعد شركات مثل آبل وجوجل ونايك وفورد وماريوت وكوكاكولا وغيرها على الابتكار. وقد رُتّب لي لقاء مع أهم شخصين في العالم في موضوع التفكير التصميمي (Design Thinking)؛ تيم براون (Tim Brown) وديفيد كيلي (David Kelly). وقد حدَثَت لي في ذلك اليوم قصة طريفة وحزينة في الوقت نفسه لعلي أسردها مع تفاصيل لقائي مع هذين النجمين في يوم من الأيام.
في ذلك المؤتمر تكلّمَتْ الشريكة في شركة آيديو، المُلهِمة سوزان هوارد، عن موضوع في غاية الأهمية، ألا وهو القيادة الإبداعية (Creative Leadership)، وهو مفهوم عمِلت على إعادة نشره منذ قرابة العشرين عاماً من خلال الأخوين ديفيد وتوم كيلي، ومن ثمّ تبعهما المُلهِم تيم براون. ذكَرَت هوارد أنواع القيادة وتدرّجها وتغيّرها عبر التاريخ، وكيف كان لكل حقبة نوع مختلف من القيادة. ففي زمن الحروب، كان ثمة نوع من القيادة، وفي زمن الثورة الصناعية كان نوع مختلف، وفي زماننا هذا ثمة نوع مختلف جداً، يناسب درجة التعقيد والتغيير والغموض الذي نعيش، إنها "القيادة الإبداعية".
القائد الإبداعي هو القائد الذي لديه الشجاعة والتواضع لقول "لا أعلم"، بل يجب عليه أن يُظهر لفريقه أنه لا يعلم كل شيء. القائد الإبداعي يُجيد طرح الأسئلة أكثر من إعطاء الإجابات، ولديه القدرة على رواية القصص التي أبطالها أناس غيره، والقدرة على فهم مشاعر موظفيه والاهتمام بها، والقدرة على تهيئة مكان آمن من الناحية النفسية يسمح بالفشل والتجريب ويركّز على التعلّم والنمو.
القائد الإبداعي يحتاج إلى أن يلعب ثلاثة أدوار مهمة، المستكشف (Explorer)، والبستاني (Gardner)، والموجّه (Coach):
- المستكشف: هو الشخص الذي لديه الشجاعة للخوض في المجهول حتى يصل إلى الوجهة المُلهمة. قد لا تكون الطريق واضحة أمامه، لكن الوجهة واضحة والطموح كبير. المستكشف هو أيضاً الذي يقود فريقه لاكتشاف المجهول، يعطيهم الأمان في خِضَم الكثير من علامات الاستفهام، يجعلهم يغامرون لأنهم يثقون أنّ خلفهم قائداً يدعمهم ويقف إلى جانبهم. شخصية المستكشف مهمة جداً في بداية رحلة جديدة ووجود مخاطر كبيرة، الرؤية الملهمة هي التي تقود الفريق إلى الأمام بشغف، تماماً كما يحدث مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
- البستاني: قد يبدو دوره وشخصيته بسيطَين لكنهما في غاية الأهمية. أرأيت ذلك الشخص الذي يهتم بالحديقة، يسقي نباتاتها، يُبعد عنها الحشرات والنباتات الضارة، يفسح لها المجال حتى تنمو وتزدهر، يعطيها من السماد والغذاء ما تحتاج بقَدَرٍ دون زيادة أو نقصان؟ إنه يعرف كيف يحمي نباتاته في شدة الحر وشدة البرد. ذلك مثَلُ القائد الذي يهيّئ لفريقه البيئة التي يُبدع فيها الفريق وينمو ويزدهر.
- الموجه والمدرّب: وهو الشخص القريب الذي يمكن أن ترجع إليه، موجود في الميدان، يراقب ويوجّه في أثناء التنفيذ، يعرف متى يتدخّل ومتى يصمت. قد تجده لا يتكلم كلمة واحدة طيلة مباراة طويلة، لكنه يراقب ويحلل، ويعرف كيف ينصح ويوجّه. والأهم في دور المدرّب أو الموجّه هو أن يكون قريباً، ومحلّ ثقة وأمان واطمئنان، حتى وإن قسى أحياناً.
من أهم الأمثلة على قادة تبنوا القيادة الإبداعية مؤسس علي بابا، جاك ما، الذي واجهت شركته تحديات كبيرة عند نشأتها، بما فيها نقص الموارد والبنية التحتية في سوق التجارة الإلكترونية الناشئة في الصين، وإحجام المستثمرين عن دعمه. ركّز ما على بناء ثقافة مؤسسية قوية تعطي الأولوية للابتكار والإبداع والمجازفة. وشجع موظفيه على التفكير خارج الصندوق وتحدي الطرق التقليدية لممارسة الأعمال التجارية. واستطاع من خلال تبنّي أسلوب القيادة الإبداعية أن يجعل من علي بابا واحدة من أكبر منصات التجارة الإلكترونية في العالم بقيمة سوقية وصلت إلى نصف تريليون دولار. لقد كان جاك ما مستكشفاً وبستانياً.
ومن الأمثلة أيضاً على قادة تبنّوا مفهوم القيادة الإبداعية، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أمازون جيف بيزوس الذي كان صاحب رؤية مميزة ألهمت العملاء والمستثمرين. ركّز بيزوس على بناء ثقافة إبداعية تقوم على الهَوَس بالعميل وتبنّي التجريب المستمر وعدم الخوف من الفشل. لقد كان مستكشفاً مميزاً وبستانياً بارعاً. بالمقابل، ركّز الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا على التعاطف والتعاون والابتكار في رحلة تحوّل مايكروسوفت. أَوْلى ناديلا الثقافة اهتماماً بالغاً، لقد كان بستانياً مميزاً بالفعل، أنبتت سياسته أشجاراً جديدة أثمرت وعَلَت.
ما وجدتُه من خلال تتبّع قصص عدد من القادة الذين تبنّوا مفهوم القيادة الإبداعية، أنه من الصعب أن تجد قائداً مميزاً في كونه مستكشفاً وبستانياً وموجهاً في نفس الوقت، بل تجده مميزاً في جانب ولديه ضعف في جانب آخر، لكن يظل السعي نحو الكمال مطلوباً قدر الإمكان.
همسة: من السهل رصّ الكلمات وإلقاء الخطب والكلمات عن موضوع القيادة الإبداعية، لكن تطبيقها صعب جداً، ويتطلّب إرادة قوية وتواضعاً ووعياً عالياً بالذات. لقد رأيت نماذج كثيرة فشلت وأخرى عانت أشدّ المعاناة، عانت في رحلة التحوّل من أسلوب القيادة القديم، أياً كان ذلك الأسلوب، إلى أسلوب القيادة الإبداعية، لكن الأمر يستحق العناء. فمِن هنا نداء لقادة اليوم وقادة المستقبل، حاولوا أن تحترفوا الأدوار الثلاثة، المستكشف والبستاني والموجّه، لنهضتكم ونهضة موظفيكم ومؤسساتكم وأمّتكم.