كيف يمكن لتأشيرات دخول الرحالة الرقميين تعزيز الاقتصادات المحلية؟

4 دقائق
الرحالة الرقميين

ملخص: يقدّم عدد متزايد من الشركات للموظفين خيار "العمل من أي مكان"، سواء من مكاتبهم من المنزل أو في ولاية أخرى أو حتى في دولة أخرى من العالم. لكن وسّعت مجموعة متزايدة من المهنيين العاملين عن بُعد عبارة "من أي مكان" لتشمل أماكن جديدة. حيث يستفيد "الرحالة الرقميون" اليوم من ميزة وظائفهم القائمة على العمل عن بُعد للعيش في مناطق سياحية أو وجهات استوائية لعدة أشهر. في حين ينخرط آخرون في "أسفار عمل" لمدة شهور يجمعون فيها بين فترات العمل والسياحة. بدأ العديد من البلدان خلال جائحة "كوفيد-19" تقديم تأشيرات دخول محددة للرحالة الرقميين، لا سيما تلك التي يعاني قطاع السياحة فيها من انخفاض السفر العالمي. ومن الواضح تماماً أن الرحالة الرقميين والعاملين عن بُعد بشكل عام يُعتبرون نعمة لأي اقتصاد، بسبب إنفاقهم الأموال وتسهيلهم التعاون وتحفيزهم الابتكار، وهو ما يمثّل صفقة رابحة لكل من الرحالة الرقميين والاقتصادات التي يختارون العيش والعمل فيها.

 

تزداد ظاهرة العمل من أي مكان اليوم، حيث يتمتع العمال اليوم بالمرونة للعيش في أي منطقة جغرافية يختارونها، وتتسابق البلدان في جميع أنحاء العالم لجذب الفئة المتزايدة من العمال الدوليين العاملين عن بُعد والمعروفين باسم "الرحالة الرقميين". على سبيل المثال، تقدم البرتغال اليوم تأشيرة إقامة لمدة عامين قابلة للتجديد للعمال الذين يمكنهم إثبات أنهم سيعملون عن بُعد طوال مدة إقامتهم. وتشمل البلدان الأخرى التي تقدم شكلاً من أشكال تأشيرات الدخول للرحالة الرقميين أستراليا وجمهورية التشيك والإمارات العربية المتحدة وإستونيا وألمانيا وتايلاند وإندونيسيا وإيطاليا وإسبانيا والبرازيل، إضافة إلى العديد من الدول الأخرى. (انظر الرسم البياني أدناه للاطلاع على مزيد من التفاصيل). تتطلب تلك التأشيرات عادة وثيقة إثبات للدخل وإثباتاً بامتلاك الموظف عملاً عن بُعد، وتأميناً للسفر، ونية المغادرة. باختصار، يستثمر الرحالة الرقميون وقتهم وأموالهم في الاقتصاد المحلي دون شغل وظائف محلية، ويوطدون علاقاتهم مع موظفي المعرفة المحليين، وهي صفقة مربحة لكل من العاملين عن بُعد والمجتمعات المحلية.

يقدّم عدد متزايد من الشركات للموظفين خيار "العمل من أي مكان"، سواء من مكاتبهم من المنزل أو في ولاية أخرى أو حتى في دولة أخرى من العالم. وتبنّت شركات بالفعل نموذجاً كاملاً للعمل عن بُعد تخلصت فيه من المكاتب تماماً، مثل "زابير" (Zapier) و"غِت لاب" (GitLab) و"دويست" (Doist). ولا تزال شركات أخرى، مثل "تويتر" و"شوبيفاي" (Shopify)، محتفظة بمكاتبها الفعلية لكنها تتبنى عقلية "العمل عن بُعد أولاً". ومع ذلك، لا تزال شركات أخرى تستكشف نماذج العمل الهجينة عن بُعد، سواء كان ذلك يعني السماح لمناصب معينة بالعمل عن بُعد، أو (كما أعلنت "جوجل" عام 2021) السماح بفترات سنوية للعمل من أي مكان.

لكن وسّعت مجموعة متزايدة من المهنيين العاملين عن بُعد عبارة "من أي مكان" لتشمل أماكن جديدة. حيث يستفيد "الرحالة الرقميون" اليوم من ميزة وظائفهم القائمة على العمل عن بُعد للعيش في مناطق سياحية أو وجهات استوائية لعدة أشهر. في حين ينخرط آخرون في "أسفار عمل" لمدة شهور يجمعون فيها بين فترات العمل والسياحة.

وبدأ العديد من البلدان خلال جائحة "كوفيد-19" تقديم تأشيرات دخول محددة للرحالة الرقميين، لا سيما تلك التي يعاني قطاع السياحة فيها من انخفاض السفر العالمي. ويمكن للرحالة الرقميين اليوم الاختيار من بين مجموعة من الوجهات الاستوائية (كوستاريكا والمكسيك والإكوادور) والجزر السياحية (سانت لوسيا وبربادوس وسيشيل) والبلدان الباردة (إستونيا وأيسلندا والنرويج). ووسّعت دول أخرى نطاق تأشيرات العمل الحالية قصيرة المدى لتشمل أولئك الذين يعملون عن بُعد، بما فيها العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي والعديد من دول جنوب شرق آسيا. تبلغ تكلفة برامج التأشيرات عموماً حوالي 1,000 دولار وتُعفي حاملي التأشيرات من ضريبة الدخل المحلية لمدة ستة أشهر إلى سنتين. ويتطلب الحصول عليها وثائق إثبات للدخل والتوظيف لضمان أن يكون حاملو التأشيرات قادرين على إعالة أنفسهم دون شغل وظائف محلية.

اطلع على المزيد من مخططات "هارفارد بزنس ريفيو" في قسم "إنفوجراف".

وتجلب تأشيرات الرحالة الرقميين العديد من الفوائد للبلدان والمجتمعات المحلية. أولاً، تُعتبر تلك التأشيرات حلاً مؤقتاً لمشكلات سياسة الهجرة وتأخر التأشيرات في جميع أنحاء العالم. إذ لا يستطيع العديد من موظفي المعرفة حالياً العمل من أي مكان في العالم، لا سيما في بلدان مثل الولايات المتحدة، بسبب أزمة سياسة الهجرة أو الضغط في معالجة التأشيرات. لقد كانت تلك المشكلات شائعة بالفعل قبل جائحة "كوفيد-19"، إذ لطالما واجه موظفو المعرفة أوقات انتظار طويلة للحصول على التأشيرات، وارتفاع معدلات رفض التأشيرات، وحالات من الغموض وعدم اليقين. لكن الجائحة أدت إلى تفاقمها وزيادة التحديات، حيث أضافت قيوداً على السفر إلى البلدان التي تنتشر فيها عدوى "كوفيد-19"، وفرضت إغلاق السفارات في الخارج، وأسفرت عن تأخر أوقات معالجة جميع أنواع التأشيرات. في المقابل، توفر تأشيرة الرحالة الرقميين وصولاً قصير المدى إلى البلدان حول العالم، وتستمر عادة من 6 أشهر إلى 12 شهراً للعاملين عن بُعد. ويمكن للتنقل الجغرافي للرحالة الرقميين أن يحفز السفر التجاري على المدى القصير إلى المتوسط، ما يمنح قطاع الطيران زيادة على الطلب هو في أمسّ الحاجة إليها.

ثانياً، والأهم من ذلك، يمثّل الرحالة الرقميون عوامل تحفيز تسهم في تدفق المعارف والموارد بين المناطق، ما يعود بالنفع على أنفسهم وعلى مؤسساتهم وعلى البلدان المضيفة لهم. أظهر بحثي السابق حول التنقل الجغرافي والابتكار أن السفر القصير المدى وحتى الفترات القصيرة من العمل من موقع مشترك مع زملاء من مناطق جغرافية بعيدة قد يساعد العمال على الوصول إلى المعلومات والموارد التي تعينهم على تطوير أفكار ومشاريع جديدة، والتي ستعود بالنفع على كل من العمال المتنقلين ومؤسساتهم. وأظهر بحثي الآخر مع طالبة الدكتوراة السابقة دو يون كيم أيضاً أن المهاجرين المهرة يجلبون معارف فريدة من ثقافات بلدهم الأم إلى المجتمعات المضيفة. وقد يعمل المبتكرون المحليون على "إعادة دمج المعارف" من خلال الجمع بين معارفهم الحالية والمعرفة التي ينقلها المهاجرون. وأظهرنا في بحث لاحق مع داني بهار وهليل رابوبورت، أن المبتكرين المهاجرين "ينقلون" المعارف من بلدانهم الأصلية، الأمر الذي يعني كسب مزيد من براءات الاختراع، وتعزيز كسب براءات الاختراع تلك في التكنولوجيا التي تتخصص فيها بلدانهم الأصلية. نتيجة لذلك، من المرجح أن يكون لدى بلد ما مهاجرون مبتكرون لأول مجموعة من براءات الاختراع على الإطلاق في أي تكنولوجيا جديدة.

أخيراً، قد يؤدي الرحالة الرقميون دوراً رئيسياً في تعزيز ريادة الأعمال وإنشاء مجموعات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم. ويمكن لرواد الأعمال الأجانب الذين يتجمعون في مساحة عمل مشتركة ولو لبضعة أشهر إقامة علاقات جديدة وبناء مؤسسات جديدة؛ وقد شهدت ذلك بالفعل في عملي ضمن برنامج "ستارت أب تشيلي" (Start-Up Chile)، وهو برنامج حاضنة أعمال ترعاه الحكومة دعا أكثر من 280 شركة ناشئة لقضاء بعض الوقت في تشيلي منذ تأسيسه عام 2012.

باختصار، من الواضح أن الرحالة الرقميين، والعاملين عن بُعد بشكل عام يشكلون نعمة لأي اقتصاد، لإنفاقهم الأموال وتسهيلهم التعاون وتحفيزهم الابتكار. ومع ذلك، لم تعلن الولايات المتحدة عن أي برنامج للرحالة الرقميين بعد، في حين تتنافس البلدان في جميع أنحاء العالم على المواهب العاملة عن بُعد بالفعل. وبالتالي، حان الوقت لكي تنضم الولايات المتحدة إلى تلك البلدان أو تخاطر بالتخلف عن الركب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي