إذا كنتَ على شاكلتي، فأنت تسأل نفسك غالباً كيف يمكنك إنجاز المزيد من العمل في اليوم الواحد؟ وكيف يمكنك تعزيز إنتاجيتك على أفضل وجه؟ فما هو تأثير التوتر على الإنتاجية عموماً؟
لطالما افترضتُ أنه إذا كان بوسعي فقط الحد من أي توتر أواجهه، فقد تزداد إنتاجيتي. لكن في الواقع، كان حدسي خاطئاً. صحيح أنه يمكن للتوتر أن يشكل خطراً على الصحة، وأننا نُشجَّع غالباً على تجنبه إذا أردنا أن نعيش حياة سعيدة ومنتجة ومديدة. لكن تشير البحوث إلى أن الإحساس ببعض التوتر يمكن أن يكون له أثر جيد بالفعل في الأداء.
قانون "يركيس-دودسون" وعلاقته بالإنتاجية
ألقِ نظرة على الصورة أدناه. وفقاً لما يُعرف بقانون "يركيس-دودسون"، يتحسن الأداء مع زيادة (التوتر) الفيزيولوجي أو العقلي، لكن إلى حد معين فقط. فعندما يصبح مستوى التوتر مرتفعاً للغاية، ينخفض الأداء.
علاوة على ذلك: يختلف شكل المنحنى استناداً إلى تعقيد المهمة والدراية بها. فقد توصلت البحوث إلى أن المهام المختلفة تتطلب مستويات مختلفة من الحماسة لتحقيق الأداء الأمثل. على سبيل المثال، تتطلب المهام الصعبة أو غير المألوفة انخفاض مستويات الحماسة لتسهيل التركيز، وخلافاً لذلك، يمكن أن تؤدي المهام التي تتطلب الجلَد أو المثابرة إلى مستويات أعلى من الحماسة لتحفّز الدافع وتزيده.
نظراً إلى العلاقة بين التوتر والأداء، قد يكون من المفيد أن نفهم كمّ التوتر الذي ينتابك حالياً في العمل. إذا كان لديك فضول لمعرفة ذلك، فيمكنك إجراء اختبار سيلدون كوهين وتوم كامارك وروبن ميرميلستاين الشائع المستند إلى "مقياس التوتر المُدرَك" الشائع يمكنك الاطلاع على الاختبار من هنا.
كلما حصلت في الاختبار على درجات أعلى، كما قد يتبادر إلى ذهنك، كنت تعاني من مستويات أعلى من التوتر. وحسب استخدامي لهذا الاختبار في فصول تعليم المهارات التنفيذية وفي البحوث التي أُجريت مع مجموعات أخرى، تُعتبر النتائج التي تناهز 13 متوسطة. فعادة ما تشير النتائج ضمن هذا النطاق إلى أن مستوى انتباهك واهتمامك مناسبان، ما يتيح لك أن تكون منتجاً في العمل. وبالإشارة إلى قانون "يركيس-دودسون"، تتوافق مثل هذه النتائج عموماً مع مستوى مثالي من الحماسة وبالتالي الأداء.
لكن إذا كانت نتيجتك أعلى بكثير أو أقل بكثير، فمن المحتمل أنك تعاني من التوتر على نحو يضرّ بالإنتاجية. وعلى وجه الخصوص، يُعتبر تسجيل نتائج تبلغ 20 نقطة أو أكثر مؤشراً بصورة عامة على مستوى توتر غير منتِج. لكن، حتى النتائج التي تشير إلى مستويات منخفضة من التوتر يمكنها أن تُسبب مشكلة، مثلاً النتائج التي تبلغ عادة أربع درجات أو أقل - نظراً إلى أنها تشير إلى مستوى غير كافٍ من الحماسة لإبقائك منخرطاً في عملك. وإذا كانت هذه حالك، فحاول إيجاد أساليب صحية تزيد بها توترك من خلال الاضطلاع بمزيد من المهام أو المسؤوليات الصعبة. قد تبدو زيادة التوتر منافية للمنطق، لكن تذكر أنه وفقاً للبحوث، تتوافق زيادة الحماسة أيضاً مع زيادة الانتباه والاهتمام (حتى درجة معينة).
على سبيل المقارنة، إليك بعض المعدلات المتوسطة للدرجات من البحوث التي أُجريت باستخدام هذا المقياس:
استراتيجيات من أجل الحد من التوتر
إذا قاربت نتيجتك 20 درجة أو تجاوزَتها، فإليك بعض الاستراتيجيات التي قد تساعدك على الحد من التوتر وصولاً إلى مستوى أكثر إنتاجية:
حاول زيادة سيطرتك
يتمثل أحد الحلول البسيطة لتقليل التوتر في إيجاد المزيد من السبل لزيادة سيطرتك على العمل الذي تؤديه. ويميل الناس إلى الاعتقاد بأن المناصب رفيعة المستوى تُسبب الكثير من التوتر، لكن البحوث تشير إلى عكس ذلك تماماً: يشهد القادة الذين تقع على عاتقهم مستويات أعلى من المسؤولية مستويات توتر أدنى بالمقارنة مع أولئك الذين تقلّ المسؤوليات التي يتحملونها. ويُعزى ذلك إلى تمتع القادة بسيطرة أكبر على أنشطتهم. فبغض النظر عن موقعك في التراتبية المؤسسية، قد تتاح لك أساليب لزيادة شعورك بالتحكم، أي من خلال التركيز على جوانب في عملك تستطيع اتخاذ القرارات فيها (على سبيل المثال، المفاضلة بين مشروعين أو اختيار ترتيب الرد على رسائل البريد الإلكتروني الواردة ببساطة).
إيجاد مزيد من الفرص لتعبر عن نفسك
تشير الأدلة إلى أن الناس يعانون غالباً من مشاعر عدم التعبير عن أنفسهم في العمل، بمعنى أنهم يمتثلون لآراء الزملاء بدلاً من التعبير عن آرائهم الخاصة، كما أنهم يماشون الآخرين بدلاً من وضع جدول الأعمال الخاص بهم. ويكون لذلك، وفقاً للبحوث التي أجريتُها، آثار مهمة على مستوى التوتر والأداء. إذ يعاني الناس عندما لا يعبرون عن أنفسهم من مستويات أعلى من القلق تفوق ما يعانونه عندما يكونون على سجيتهم ببساطة. لذا، حاول إيجاد طرق للتعبير عن كيانك في العمل كأن تعرض مشاركة مواهبك الفريدة أو تزيين مكتبك لتعكس شخصيتك.
استخدم العادات
ارتدى نجم كرة السلة مايكل جوردان سرواله القصير الخاص بفريق "كارولينا الشمالية" تحت سروال فريق "شيكاغو بولز" في كل مباراة؛ ويأكل وايد بوغز، لاعب فريق "بوسطن ريد سوكس" الدجاج قبل كل لعبة ويتدرب على ضرب الكرة في الساعة الخامسة و17 دقيقة مساءً بالضبط ويركض بأقصى سرعة في الساعة السابعة و17 دقيقة مساء بالضبط. قد تبدو هذه العادات غريبة، لكن يمكنها فعلياً تحسين الأداء.
حسنت العادات ثقة الناس بقدراتهم وحفّزت بذل جهد أكبر، كما أسهمت في تحسين الأداء اللاحق.
بالمثل، تبيّن بحوث علم النفس الرياضي أن الإجراءات الروتينية السابقة للأداء تعود بالنفع عليه، بدءاً من تحسين الانتباه والتنفيذ ووصولاً إلى زيادة الثبات الانفعالي والثقة. ومؤخراً، وجدتُ وزملائي أنه عندما يتشارك الناس في عادات قبل الاضطلاع بمهام عالية الخطورة، فإنهم يشعرون بقدر أقل من القلق والتوتر إزاء المهمة ونتيجة لذلك، ينتهي بهم المطاف بتقديم أداء أفضل.
قد يساعدك قدر معتدل من التوتر على امتلاك عقلية مناسبة للتعامل مع عملك. لكن إذا كنت تشعر بالإرهاق، فأتمنى أن تجرب بعض هذه الاستراتيجيات المتعلقة بموضوع تأثير التوتر على الإنتاجية حتى لا تحسّن إنتاجيتك فحسب، بل لتزيد سعادتك أيضاً.