أُجريت الكثير من البحوث التي تقصّت المساهمة الكبيرة في نظام الابتكار ضمن الولايات المتحدة التي قدمها العلماء والمهندسون المهاجرون. ومع ذلك، تم القيام ببحوث أقل حول نسبة وجود المهاجرين (سواء كانت هجرتهم إجبارية أم اختيارية) الذين يشغلون مناصب قيادية في الشركات الأميركية. في حين أنّ هناك بعض البحوث التي أُجريت على تمثيل الأقليات العرقية في المناصب العليا ضمن الشركات في الولايات المتحدة. على سبيل المثال: دراسة التركيب العرقي للمجالس في الشركات الأميركية من قبل ريتشي زويغنهافت. إلا أنّه ما تزال دراسات المواهب القيادية المهاجرة نادرة. على الرغم من أنّ العديد من المدراء العامين المعروفين في الشركات الأميركية هم من المهاجرين، مثل إيلون ماسك "تيسلا"، سيرجي برين (Sergey Brin) جوجل، ساتيا ناديلا (Satya Nadella) "مايكروسوفت"، ودارا خوسروشاهي (Dara Khosrowshahi) "إكسبيديا وأوبر".
يثير هذا النقص في الدراسة القلق نظراً لأن 60% من الشركات الأميركية تواجه نقصاً في المواهب القيادية مما يعيق أداءها. واعتباراً من عام 2009، أنفقت الشركات الأميركية 24% من ميزانيتها المخصصة للتدريب في مجال تنمية المهارات القيادية. ومن المتوقع تفاقم هذا النقص بالنظر إلى أنّ التغيّر الديموغرافي في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة يقلّص حجم الفئة العمرية الرئيسية (التي يتراوح عمرها بين 35 و55 عاماً) التي ستكون مصدر ظهور القيادات.
باختصار، نحن بحاجة إلى فهم أفضل للمساهمات التي يقدمها المهاجرون كقادة في الشركات الأميركية، فضلاً عن المسارات التي يتخذونها للوصول إلى هناك. ولتسليط الضوء على هذه الأسئلة، استخدمنا تقنيات مطابقة الأسماء. وكجزء من بحثنا في ورقة عمل "إنسياد"، كلية إدارة الأعمال، استخدمنا بيانات من لجنة تبادل الأمن الأميركية وتقنيات مطابقة الأسماء التطبيقية (الاسم الأول واسم العائلة) لنحدد أولاً الخلفية العرقية للمدراء التنفيذيين للشركات. ثم تتبّعنا خلفيتهم التعليمية، لا سيما ما إذا كانوا حصلوا على تعليمهم في الولايات المتحدة أو خارجها، والقطاع والصناعة التي يعملون فيها. نحن نتعامل مع مكان حصول المدير التنفيذي على شهادته الجامعية كمؤشر على بلده الأصلي، وعلى هذا الأساس، صنفنا بيانات المسؤول التنفيذي الذي حصل على شهادته الجامعية في الهند ولكنه يقود الآن شركة أميركية على أنه مهاجر، على النقيض من الشخص من أصل هندي الذي حصل على شهادته الجامعية من جامعة أميركية. وركّزنا على المواهب المدربة في الخارج من أصول صينية وهندية وشرق أوسطية لأن الطرق التي ننتهجها تسهل تحديد أعضاء هذه المجتمعات من خلال مطابقة الأسماء.
ومع عدم خلوّ هذه التقنية من العيوب، لكنها قوية بما فيه الكفاية لالتقاط معظم الأفراد داخل عرق معين. وبما أنّ تحليلنا لن يرصد بعض الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة بعمر صغير ثم التحقوا بالجامعات الأميركية قبل أن يبدؤوا حياتهم المهنية، فيمكن اعتبار أرقامنا التقديرية أقل من الواقع فيما يتعلق بمساهمة المهاجرين في القيادة التنفيذية للولايات المتحدة.
لقد استطعنا الوصول إلى تفاصيل أخرى عن هؤلاء الأفراد، ما مكّننا من التحقق المزدوج من حالات التداخل المحتملة أو حالات وجود بعض الأخطاء. وأمكننا أيضاً التحقق من المعلومات المتعلقة بالفرد على الإنترنت من أجل التحقق في حالة الخلط ما إذا كان الفرد ينتمي بالفعل إلى مجموعة محددة أو غيرها، بما في ذلك إجراء بحث عالمي على الاسم الأول أو اسم العائلة. وكانت النتيجة هي وجود قاعدة بيانات تضم 147,339 من قادة الشركات الذين تمكّنا من الاطلاع على خلفيتهم التعليمية، ومن أصل هذا العدد الكبير استطعنا تحديد عينة تشمل 3,098 من قادة الشركات أصحاب الأصل الصيني، و3,095 من الهنود، و1,395 من أصل شرق أوسطي وشمال أفريقي. أما الذين بلغ عددهم 139,748 مديراً فقد كانوا من أصول عرقية أُخرى.
حصل حوالي 48% من المدراء التنفيذيين أصحاب الأصل الصيني على شهادتهم الجامعية خارج الولايات المتحدة، مقارنة مع أقل من 53% فقط من المدراء التنفيذيين أصحاب العرق الهندي، و43% من المدراء التنفيذيين الشرق أوسطيين وشمال أفريقيين. (ومن المثير للاهتمام، أنّ احتمال الحصول على درجة الدكتوراه أو ماجستير إدارة الأعمال أو درجة الماجستير عند المدراء التنفيذيين من هذه الأعراق (سواء كانوا مهاجرين أم لا) أكثر من احتمال الحصول عليها عند المدراء التنفيذيين الأميركيين العاديين. ويُعتبر المدراء التنفيذيون الهنود أكثر احتمالاً بشكل كبير للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال أو على درجة الماجستير من المدير التنفيذي العادي، في حين أنّ المدراء التنفيذيين الصينيين هم أكثر احتمالاً في أن يكونوا حاصلين على درجة الدكتوراه). وهذا يعني أنّ نسبة عرقية كبيرة من المدراء التنفيذيين في الولايات المتحدة وصلوا كمهاجرين يحملون بالفعل شهادات جامعية.
وبينما يصل معظم المدراء التنفيذيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة مباشرة من بلدانهم الأصلية، تُظهر بياناتنا أنّ عدداً قليلاً منهم ينجذب إلى الولايات المتحدة قادماً من الاقتصادات المتقدمة الأخرى. إذ تُعتبر كندا القناة الأكبر للمدراء التنفيذيين المدربين من الخارج للشركات الأميركية مع المملكة المتحدة باعتبارها الثانية بفارق شاسع. فقد تبين وجود 4.1% من المدراء الصينيين، و5% من المدراء الشرق أوسطيين وشمال أفريقيين، و2.1% من المدراء الهنود في الولايات المتحدة تلقوا تعليمهم في كندا. ويبدو وجود بعض الاختلاف في مسارات قدوم المدراء التنفيذيين المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا الصدد عن المدراء التنفيذيين الصينيين والهنود، حيث يصل نحو 10% من المدراء التنفيذيين المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الولايات المتحدة قادمين من أوروبا.
في الواقع، يمكن القول أنّ أوروبا هي مصدر مهم للمدراء التنفيذيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة. إذ أنه حوالي 28% من جميع المدراء التنفيذيين المدربين في الاتحاد الأوروبي و22% من جميع المدراء التنفيذيين المدربين في المملكة المتحدة الذين عملوا في مرحلة ما من حياتهم في الشركات الأميركية حاصلين على درجة الدكتوراه. ويشمل ذلك أعضاء من جميع الأعراق، ما يجعل أوروبا أكبر مصدر للمدراء التنفيذيين في الولايات المتحدة الحاصلين على درجة الدكتوراه والمدربين في الخارج. كما أنّ أوروبا، تليها كندا، أكبر مصادر المدراء التنفيذيين في الولايات المتحدة المدربين في الخارج والحاصلين على ماجستير في إدارة الأعمال. ربما يكون هذا أمراً متوقعاً، لكون أوروبا تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث كونها موطناً لبعض من أفضل الجامعات في العالم.
أين يعملون؟
تعمل أعلى نسبة من المدراء التنفيذيين المدربين في الخارج من جميع العرقيات ضمن قطاعي تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية. ثم يليهما قطاع المنتجات الاستهلاكية ثم البنوك والتمويل.
يعمل حوالي 42% (أو 61 مديراً) من المدراء التنفيذيين الذين تلقوا تدريبهم في منطقة البحر الكاريبي ضمن قطاع الصحة، في حين أنّ 45% (أو 328 مديراً) من المدراء التنفيذيين المدربين في الشرق الأوسط يعملون في قطاع تكنولوجيا المعلومات. ويبدو أنّ الرعاية الصحية هي القطاع الرئيسي لتوظيف المدراء التنفيذيين (حوالي 27% أو 965 مديراً) المدربين في الاتحاد الأوروبي وأوروبا على نطاق أوسع. وفي حين يمكن تفسير تركيز المواهب التنفيذية المهاجرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات بارتفاع مستوى التدويل (الاستثمار الأجنبي والتصدير) في هذا القطاع، فإنّ تركيزها في مجال الرعاية الصحية يمكن أن يفسره نمو الطلب على جميع أنواع المواهب في هذا القطاع عالمياً.
لا بدّ من القيام بالمزيد من البحوث للحصول على نظرة ثاقبة لأداء المواهب القيادية المهاجرة بالمقارنة مع المجموع العام لقادة الأعمال. ولكن بالنظر إلى الظروف غير المواتية التي ما يزال يواجهها المهاجرون والأقليات العرقية في سوق العمل، فإننا نتوقع أنّ يتمتعوا بأداء عال. وهذا أمر مهم، حيث أظهرت الأبحاث أنّ المؤسسات ذات القيادات الأعلى جودة كانت أكثر احتمالاً للتفوق على منافسيها وفقاً للمقاييس التنافسية الرئيسية بما في ذلك الأداء المالي وجودة المنتجات والخدمات، ومشاركة الموظفين، ورضا العملاء بنسبة 13 ضعفاً. وتتميز الولايات المتحدة تقليدياً بجذب المواهب المهاجرة من أوروبا وأماكن أُخرى. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي ازدياد الصرامة في سياسة الهجرة الأميركية إلى ازدياد السهولة في جذب الحكومات الأُخرى للمواهب القيادية. ومع ذلك، مع خطاب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يعارض استخدام العمالة الأجنبية في المملكة المتحدة، فمن الواضح أنّ كندا تبدو مناسبة بشكل خاص للحصول على ميزة في المنافسة على اجتذاب المواهب القيادية. وإذا كانت الولايات المتحدة تأمل في معالجة النقص في قيادتها مع ارتفاع أعمار سكانها، فإنها تحتاج إلى تشجيع الهجرة، والاعتراف بالمساهمة الكبيرة التي يقوم بها المدراء التنفيذيون المهاجرون بالفعل.