إذا سألت موظفيك: "كيف نقدم قيمة أكبر لعملائنا؟" فهل ستحصل على إجابة واضحة ومباشرة؟ هل من المحتمل أن يتفق 3 موظفين على الرأي نفسه؟
يُعد السؤال المتعلق بكيفية إنشاء قيمة للعملاء من أهم العناصر التي يجب على أي شركة وضعها في صميم استراتيجيتها. لكن ما يثير الدهشة هو قلة عدد المؤسسات القادرة على الإجابة عن هذا السؤال بثقة ووضوح. في كثير من الأحيان، لا تكون تصريحات أهداف الشركات ورسائلها مفيدة في هذا الصدد؛ إذ تكون غامضة على غرار عبارات مثل "نريد أن نكون الشركة المفضّلة لعملائنا" أو "نحن ملتزمون بتقديم أعلى مستويات الجودة وأوسع نطاق من الخيارات لعملائنا".
على الرغم من ذلك، فإننا نعلم أن الشركات التي تتمتع بهوية قوية، أي تلك القادرة على الوفاء بوعودها، هي الشركات التي تحقق النجاح. في استطلاع حديث شمل 720 مسؤولاً تنفيذياً، تفوقت الشركات التي كان يُنظر إليها على أنها تتمتع بهوية قوية على الشركات الأخرى بنسبة 25% (من حيث متوسط العائد الإجمالي السنوي للمساهمين بين عامي 2010 و2013).
هذا ما نقصده عندما نتحدث عن هوية الشركة. إنها القوة الدافعة التي تحفز أقسام المؤسسة كافة لتحقيق الأداء المتميز، كما أنها تسهّل عملية استقطاب أفضل الكفاءات، وتوفر الإطار الذي نستند إليه في إدارة الشركة وتنظيم سير العمل. تتميز الهويات القوية بالتماسك والاتساق، فهي تربط بين 3 عناصر: عرض القيمة الذي تقدمه لعملائك ونظام القدرات الذي يسمح لك بإنشاء تلك القيمة ومجموعة المنتجات والخدمات التي تُوظف تلك القدرات وتُحقق عرض القيمة.
لرؤية أمثلة على الهويات الواضحة والمحددة للغاية، دعونا نأخذ على سبيل المثال شركة إيكيا (IKEA) وهدفها المتمثل في إنشاء حياة يومية أفضل من خلال تقديم مجموعة واسعة من منتجات الأثاث المنزلي العملية والمصممة بطريقة جيدة بأسعار منخفضة جداً بحيث يتمكن أكبر عدد ممكن من الناس من شرائها. أو شركة آبل التي تلتزم بتقديم أفضل تجربة مستخدم لعملائها من خلال أجهزتها وبرامجها وخدماتها المبتكرة. تعزز كلتا الشركتين هويتهما من خلال امتلاك قدرات مميزة. على سبيل المثال، تستفيد شركة إيكيا من قدرتها على تصميم منتجات أنيقة بأسعار معقولة، بالإضافة إلى سلسلة التوريد الفعالة والقابلة للتوسع، لتوفير أثاث منزلي بأسعار منخفضة للمستهلكين حول العالم. تستفيد شركة آبل أيضاً من قدرتها الفريدة على تصميم أنظمة التشغيل والأجهزة وبرامج التطبيقات والخدمات وتطويرها لتزويد عملائها بمنتجات وحلول جديدة تتميز بسهولة الاستخدام والتكامل السلس والتصميم المبتكر.
إذن، لماذا يواجه العديد من الشركات صعوبة في تطوير هويات مؤسسية قوية وبناء القدرات التي تُمكّنها من تحقيق ذلك؟ لأن معظم المؤسسات تحاول مواكبة السوق من خلال السعي وراء العديد من مسارات النمو والتغييرات المؤسسية غير المرتبطة باستراتيجيتها، بدلاً من الإجابة عن الأسئلة الأساسية حول كيفية إنشاء القيمة للعملاء واستخلاص الأولويات الاستراتيجية من ذلك. تكمن المشكلة في عدم الترابط والانسجام؛ إذ تؤول الشركات غالباً، من خلال سعيها لتحقيق النمو، إلى خدمة العديد من شرائح العملاء المختلفة وتلبية العديد من الاحتياجات المتباينة من خلال تقديم مجموعات منتجات وقدرات واستراتيجيات غير مرتبطة بأهدافها، بحيث يكون من المستحيل تحديد هوية الشركة وهدفها الحقيقي. على الرغم من أن هذه الشركات قد تكون جيدة في مجالات عديدة، أو ربما حققت نجاحاً كبيراً في مرحلة ما من رحلة نموها، فإن افتقادها للتركيز يشكّل تحدياً أمام تحقيق التفوق الحقيقي في أي مجال على المدى الطويل.
دعونا ننظر إلى شركة ريسيرتش إن موشن (Research in Motion) على سبيل المثال، شهدت الشركة نمواً ملحوظاً بفضل تقديمها عروض قيمة واضحة للعملاء، لكنّ تعدّد عروض القيمة هذه شكّل عائقاً أمام الحفاظ على النجاح على المدى الطويل. هل كانت شركة لأجهزة اتصالات أم كانت مزوداً لخدمات الأمان للمؤسسات أم كانت متخصصة بأشياء أخرى؟ لم يكلّف هذا الغموض الشركة خسائر كبيرة ما دامت المنافسة غير شديدة؛ لكن مع مرور الوقت، استثمر المنافسون ذوو الأهداف الواضحة في مجموعة مناسبة من القدرات التي سمحت لهم بتصميم أجهزة تلبّي احتياجات مجموعة محددة من العملاء بصورة أكبر. حاولت الشركة اتباع العديد من المسارات الاستراتيجية، لكنّ العملاء والمستثمرين لم يلحظوا توجيه استثمارات وجهود كافية نحو بناء هوية مؤسسية واحدة ومحددة.
إذا كنت ترغب في إنشاء هوية مؤسسية تحفز النجاح، فيجب عليك التحرر من القيود الحالية لمحفظتك الاستثمارية والقطاع الذي تنتمي إليه وحاول تقييم كيفية الاستفادة من نقاط قوة شركتك وقدراتها المتميزة لإنشاء قيمة مميزة للعملاء. يبدأ بعض الشركات بتحديد الطرق الرئيسية التي ستستخدمها لإنشاء القيمة في أسواقها بعد 5 سنوات؛ ثم تحدد عروض القيمة التي تمكنها المنافسة فيها وتحقيق النجاح وفقاً لقدراتها المميزة، ثم تركز هذه الشركات الجزء الأكبر من موارد الشركة على بناء تلك الهوية من خلال تعزيز أهم القدرات ومواءمة محفظتها الاستثمارية بصورة أكبر مع عرض القيمة الذي تقدمه.
لطالما كان تحديد هدف واضح في الحياة تحدياً صعباً يواجه الأفراد والمؤسسات على حد سواء، لكن إذا امتلكت الشركات الشجاعة لإعلان القيمة التي تستطيع تقديمها وتحديد الشريحة المستفيدة منها، فيمكنها الالتزام بمسار لبناء التميز وتحقيق النجاح في ذلك المجال. أثبت هذا النهج نجاحه من حيث تحقيق النتائج المالية المرجوّة، بالإضافة إلى أن تحديد هدف واضح يُشكّل دافعاً قوياً للموظفين، الذين يقدمون أداء أفضل عندما يدركون دورهم في تحقيق هدف أسمى.