تعتبر العديد من الدول أن منح المرضى صوتاً مسموعاً في أنظمة الرعاية الصحية هو أولوية وطنية، لذلك ظهر مفهوم تمكين المرضى كعنصر أساسي في الجهود الحكومية الهادفة إلى زيادة فعالية الرعاية الصحية الذاتية، وتحسين الالتزام بتناول الأدوية، كما والاستخدام الأمثل للموارد الصحية المتاحة، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين رفاهية المواطنين بشكل عام. وقد تم تعريف مفهوم تمكين المرضى بأنه قدرة المريض على إدارة صحته بشكل ذاتي وذلك عن طريق المشاركة في اتخاذ القرارات وتحمل مسؤولية الخيارات التي تؤثر على صحته الشخصية.
اعتمدت دولة الإمارات العربية المتحدة أولوية استراتيجية لتحقيق نظام متكامل للرعاية الصحية، وذلك من خلال التحسين المستمر لمختلف مرافق القطاع الصحي، كما وضعت نصب أعينها تحقيق مكانة رائدة عالمياً وتحويل الدولة إلى مركز استقطاب للحصول على الخدمات الطبية على المستوى الدولي. وقد تم توثيق التقدم الملحوظ الذي حققته دولة الإمارات في قطاع الرعاية الصحية بشكل جيد، ولكن لاحظنا ندرة الدراسات المتعلقة بتمكين أفراد الجمهور من المشاركة في أعمال تصميم وتقديم وإدارة الرعاية الصحية، لذلك عملنا على سد هذه الفجوة من خلال إجراء مراجعة شاملة للأبحاث التي تم نشرها بهذا الخصوص خلال السنوات الخمس الماضية وتحليل النتائج لتوضيح مفهوم تمكين المريض بأبعاده المتعددة، واستخلاص توصيات لتطوير ممارسات تمكين المرضى ضمن الإطار الثقافي والتنظيمي لدولة الإمارات.
خلصنا بعد دراسة الأبحاث المنشورة عن تمكين المرضى إلى مسارين أساسيين، الأول يحاول تعريف وتوضيح معنى تمكين المرضى، والثاني يشرح هذا المفهوم في سياقات مختلفة مثل النظام الوطني للرعاية الصحية، إدارة الرعاية الصحية، تكنولوجيا المعلومات، والاستمرارية العلاجية. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فقد وصلنا إلى ثلاثة مواضيع رئيسية تمحورت حولها دراسات تمكين المرضى، وقد كان الموضوع الأول رعاية الأمراض المزمنة وتضمّن بشكل خاص الاستفسارات العامة وإدارة مضاعفات مرض السكري، الموضوع الثاني كان العلاج الذاتي بالأدوية، أما الثالث فهو التدخلات غير العلاجية. ومن خلال مقاطعة النتائج التي توصلنا إليها، استطعنا تحديد ثلاث فرص واعدة لصانعي السياسات والممارسين في القطاع الصحي لتطوير ممارسات تمكين المرضى في دولة الإمارات.
توحيد الممارسات
ربطت معظم الدراسات الإماراتية تمكين المرضى بالاستمرارية العلاجية للأمراض المزمنة والعلاج الذاتي، وقد لحظنا هنا وجود حاجة لإجراء أبحاث تأكيدية على عينات أكبر عبر الإمارات المختلفة لنصل لمرحلة نكون فيها قادرين على تعميم هذه النتائج.
من غير المستغرب أن معظم الدراسات التي أخذنا عينات منها تتعلق بمرض السكري ومضاعفاته، لأن 20% من إجمالي سكان الإمارات يعانون بشكل أو بآخر من هذا الداء المزمن. ويلعب تمكين المرضى دوراً حاسماً في الإدارة الناجحة للأمراض المزمنة، حيث يقع العبء على المريض للتأقلم النشط مع المرض من خلال المراقبة الذاتية المنضبطة، لذلك فإن تحقيق هدف حكومة الإمارات في الحد من نسبة السكري بحلول عام 2021 يعتمد على فعالية تنفيذ برنامج تمكين المرضى لتشجيع المستويات المثلى من الرعاية الذاتية.
كذلك وجدنا أن أولويات الصحة العامة في دولة الإمارات تتطلب معالجة عدد من الأمراض الأخرى مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، السرطانات، واضطرابات الجهاز التنفسي. وهناك حاجة إلى مزيد من التقييم لمساهمة استراتيجيات تمكين المرضى في تعزيز النتائج لدى الذين يعانون من هذه الحالات المزمنة من خلال إدارة الألم، والالتزام بالأدوية، والكفاءة الذاتية.
كما ركزت الأبحاث التي درست التطبيب الذاتي في الإمارات على مخاطر هذه الممارسة وآثارها الصحية السلبية، وأن انتشار التطبيب الذاتي باستخدام المضادات الحيوية قد يكون بسبب عدم كفاية التشريعات العقابية للصيدليات التي تصرف الأدوية بدون وصفة طبية، وكذلك الجانب الديموغرافي حيث يعتمد قسم من العمالة الوافدة على مصادر الأدوية من الوطن الأم. وننصح هنا بمزيد من الرقابة وتكثيف جهود التوعية والتثقيف للحد من حالات إساءة استخدام الأدوية، والتركيز على الجوانب المفيدة للتطبيب الذاتي كمظهر للسلوك الصحي المستقل.
خصوصية المجتمع والثقافة
إن تطبيق مفهوم تمكين المرضى هو الأدنى في الدول العربية مقارنة مع دول أخرى مثل كندا وأستراليا وحتى دول أميركا اللاتينية وآسيا، لذلك هناك حاجة إلى استكشاف هذا المفهوم بشكل أعمق وأكثر تناسقاً من خلال النظر في الخصائص الاجتماعية والثقافية والدينية لدولة الإمارات. وهنا يجب الاعتراف بوجود عدد من التحديات التي تعوق تحقيق إجماع حول تعريف تمكين المرضى منها انخفاض معدلات معرفة القراءة والكتابة بين كبار السن والعمالة غير الماهرة، وكذلك القدرة على الوصول إلى المعلومات، والفجوة الرقمية، ومسائل السرية. كما لمسنا فرصة لتوسيع البحث حول فعالية ممارسات تمكين المرضى الموجهة إلى الشباب لغرس عقلية التغذية الصحية، لأن الحد من السمنة بين الأطفال يمثل هدفاً آخر للأجندة الوطنية الإماراتية لعام 2021.
قد لا تكون بعض الثقافات مستعدة لقبول الاتجاه نحو اتخاذ القرار الذاتي وحق تقرير المصير في الدول الإسلامية، قد يفضّل المرضى الاعتماد على آراء الخبراء المختصين أو التنازل عن سلطة اتخاذ القرار لأفراد أسرهم الذكور، كما تحتفظ التعاليم الإسلامية بمكان مركزي للأطباء نظراً لواجبهم المهني والديني في فعل الخير ودرء الضرر. ربما تكون المناهج التشاركية القائمة على العقيدة والمتمحورة حول الأسرة جذابة للغالبية المسلمة في الإمارات العربية المتحدة، حيث تشكل المبادئ الإسلامية والالتزامات الدينية جزءاً من الحياة اليومية. إن الدور الذي يمكن أن يلعبه قادة المجتمع ودور العبادة والأسرة في نشر الوعي حول أنماط الحياة الصحية وتمكين سكان دولة الإمارات العربية المتحدة من إدارة صحتهم ذاتياً يستحق المزيد من الدارسة والاكتشاف.
الإشراك والمشاركة
ننصح صنّاع القرار بصياغة مبادرات من شأنها تعزيز مشاركة المرضى في نظام رعاية صحية متكامل. كما ننصح المشرعين والممارسين في الإمارات العربية المتحدة بإعادة النظر في آليات تقديم الخدمات الصحية لتمكين الجمهور من المشاركة في تصميم وتقديم الرعاية ولعب دور أكبر في إدارة الخدمات الصحية. يجب على الناس المشاركة في المبادرات الصحية في مجتمعهم والتعبير عن آرائهم بشأن الأولويات الوطنية لرسم السياسات، كما يجب مراجعة الأطر الحكومية للصحة العامة بشكل دوري لضمان الامتثال لأفضل الممارسات الدولية والتعامل مع المخاوف الصحية السائدة.
تمثل تقنيات العصر الرقمي منصات قيّمة للاعتماد على رؤى المواطنين لتطوير المؤسسات العامة وصنع السياسات، وعلى الرغم من وصول دولة الإمارات إلى مراكز متقدمة عالمياً في جاهزية الشبكات والبنية التحتية الإلكترونية، إلا أن الدراسات عن أنظمة الصحة الإلكترونية التي تساعد على تمكين المرضى ما زالت قليلة جداً. هذا وينشط سكان الإمارات بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستخدمونها للوصول إلى البيانات المتعلقة بالصحة، ومن المعروف ما تعاني منه هذه الوسائل من عدم دقة المعلومات ومشكلات الخصوصية والأمن، لذلك يجب ضمان سهولة الوصول إلى معلومات موثوقة لمحو الأمية الصحية للناس، وعلى الأطباء دعم مشاركة المرضى من خلال توجيههم إلى مواقع صحية موثوقة.
وأخيراً، لقد وجدنا في هذا البحث أن تمكين المرضى هي فكرة ناشئة وغير مستكشفة في نظام الرعاية الصحية الإماراتي، وفي الوقت الذي تطمح فيه الإمارات لتصبح مركزاً طبياً عالمياً، فإن تصميم وتنفيذ استراتيجيات مشاركة المرضى المناسبة تلعب دوراً حاسماً في تطوير رعاية صحية عالمية تتمحور حول المريض في الدولة.