كيف تبني مهارات العلوم السلوكية في شركتك؟

7 دقائق
بناء مهارات العلوم السلوكية

إذا كنت مهتماً بالاقتصاد السلوكي، إذاً ربما سمعت أن ريتشارد ثالر، أحد الآباء المؤسسين لهذا المجال، حاز مؤخراً جائزة نوبل في الاقتصاد. وقد تكون أيضاً مقتنعاً بالقدر الذي يمكن أن تُحدِث به الرؤى المستوحاة من العلوم السلوكية تأثيراً كبيراً في مؤسستك. وربما أيضاً جربت اتخاذ بعض الإجراءات القائمة على التحفيز الخفيف في مؤسستك، وتسأل نفسك الآن: ما الخطوة المقبلة؟ وما هي خطوات بناء مهارات العلوم السلوكية في الشركة؟

اقرأ أيضاً: صعود نجم الاقتصاد السلوكي وتأثيره على الشركات

لست وحدك، فهناك أعداد متزايدة من الشركات تسعى إلى بناء فريق للعلوم السلوكية، ليقع في صميم مركز أعمالها، ويمكن للمؤسسة بأكملها الاستفادة منه. يبدو هذا منطقياً نظراً إلى تمثل البديل في أن يجرب أفراد أو أقسام معينة تطبيق الرؤى ذات الصلة بالعلوم السلوكية، ومن المرجح أن تكون معارفهم ومهاراتهم متفاوتة، فالشخص المتخصص في التسويق قد يستخدم معرفته السلوكية لإعداد حملات أكثر فاعلية، وفي الوقت نفسه قد يستخدم شخص آخر متخصص في الموارد البشرية معرفته السلوكية للتركيز على التزام الموظفين. والمتخصصون في المبيعات قد يضعوا استراتيجيات مدروسة سلوكياً، أما موظفو العمليات فسيبحثون عن طرق لخفض التكاليف.

في حين أن المبادرات قد تحقق بعض النجاح، إلا أنه من المرجح افتقارها إلى التنسيق، وعدم تحقق الاستفادة القصوى منها. إلا أن بناء فريق ثابت ودائم للعلوم السلوكية يمتلك الخبرة والموارد، ويكون في صميم المؤسسة، من شأنه أن يزيد فرص تبادل المعارف وتحسين التنسيق (بدلاً من أن تحاول جميع الأقسام فعل الأمور بطريقتها الخاصة)، وأيضاً تحسين النتائج على صعيد الأقسام جميعها.

نصائح حول بناء مهارات العلوم السلوكية

إليكم ست خطوات يجب مراعاتها عند بناء فريق العلوم السلوكية في مؤسساتكم.

حدد الرؤية بشكل صحيح

لا تُعد هذه الخطوة الأولى مبتكرة تماماً، إلا أن ذلك لا يُنقص من أهميتها، فأفضل الاستراتيجيات والسياسات والخطط تبدأ جميعها بتحديد رؤية، وهو ما يعني أن تكون واضحاً بشأن الطريقة التي تنوي بها أن تستفيد شركتك من تطبيق العلوم السلوكية. يُعد تحديد رؤيتك ونطاقك بطريقة صحيحة أمراً ضرورياً، وسيتطلب منك أن تسأل نفسك بعض الأسئلة المفصلة للغاية. فيما يلي عدد غير قليل من الأسئلة التي تساعدك على وضع الرؤية:

اقرأ أيضاً: دروس وإرشادات لوحدات الترغيب والتوجيه السلوكي في الشرق الأوسط

لماذا ترغب في تكوين فريق للعلوم السلوكية؟ ما هي التحديات التي تأمل أن تساعدك العلوم السلوكية على إيجاد حلول لها؟ ما هي الأقسام التي لديها بالفعل الدافع لتطبيق العلوم السلوكية، ومن المرجح أن تكون من أكثر الأقسام استفادة منها؟ وفي هذه المرحلة، من المهم أيضاً التفكير فيما هو ليس مدرجاً في جدول أعمال عملية تطبيق العلوم السلوكية.

الرؤية والنطاق الواضحان المحددان سيوفران لك التوجيه اللازم أثناء اتخاذ بعض الخيارات وإجراء بعض المفاضلات خلال مرحلة بناء الفريق.

كن صريحاً بشأن الموارد التي سوف تحتاج إليها

بمجرد أن تحدد نطاقاً واضحاً وواقعياً، من الضروري أن تكون صريحاً بشأن الميزانية والموارد التي سوف تحتاج إليها، وكذلك أي قيود زمنية. فمثلاً، هل تمتلك الأموال اللازمة لجلب خبراء في المجال؟ سوق العلوم السلوكية هي سوق متخصصة ولم تنضج بعد، لذلك قد لا يمتلك أفضل خبرائك الاستشاريين الخبرة اللازمة لتقديم المشورة لك في هذا المجال. وإذا كنت تخطط أن يُمول الفريق نفسه بنفسه بعد فترة أولية، كم تطول تلك الفترة، بضعة أشهر أم بضع سنوات؟ التزام الوضوح بشأن هذا الأمر سوف يساعدك على توجيه مواردك صوب تلك البرامج التي تهيأ لك أفضل الفرص لاسترداد رأس المال في وقت مبكر. بعد تحديد رؤيتك ومواردك، أنت الآن مستعد لـ...

دراسة متطلبات الفريق

إذا فكرت في الأمر، ستجد أن العلوم السلوكية تضرب مثالاً رائعاً للتعاون الناجح، فهي تجمع رؤى من شتى أنواع العلوم الاجتماعية، بما في ذلك علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الاقتصاد، وعلم الإنسان، وعلم الأعصاب. وبذلك يجب أن يكون فريق العلوم السلوكية الخاص بشركتك على شاكلتها، وذلك بأن يكون مثالاً للتعاون الناجح بين شتى أنواع المهارات والتخصصات.

بناء على الرؤية والطموحات التي حددتها، من المرجح أنك ستحتاج إلى فريق ذي تخصصات محددة. ومن واقع تجاربنا، لينطلق فريق العلوم السلوكية المتوازن انطلاقة جيدة يجب أن يضم:

  • عالم سلوك أو خبير اقتصادي درَسا النماذج والنظريات الأساسية المتعلقة بمجالاتهما. تذكّر أنه بشكل متزايد ثمة زاوية تجريبية في العلوم السلوكية، وهو ما يتطلب المعرفة بكيفية تصميم التجارب وبالاقتصاد القياسي اللذين ربما لم يكونا جزءاً من المناهج الدراسية للحصول على شهادة في علم النفس أو الاقتصاد. (على الأقل ليس في مرحلة ما قبل الحصول على درجة الدكتوراه). لذا كن منفتحاً تجاه البحث عن الخريجين الجدد من برامج الماجستير الواعدة في العلوم السلوكية وعلوم القرار.
  • محلل سلوكي أو مدير مشاريع يمكنه أن يضطلع بأجزاء من العملية السلوكية مثل إعداد الاستبيانات وجمع البيانات وإجراء معاينات ميدانية واستعراض المؤلفات وإجراء بعض التحليلات الإحصائية البسيطة. فكل إجراء من الإجراءات السلوكية التي ستتخذها سيتحول إلى مشروع تجب إدارته في حد ذاته. وستصبح الجداول الزمنية والمخاطر والنطاق والتغيير والميزانية وإدارة شؤون أصحاب المصلحة من العوامل المهمة، مثل أي جزء آخر في مؤسستك.
  • عالم تحليل بيانات يمتلك القدرة على التعامل مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من البيانات المبعثرة في جميع أنحاء مؤسستك وخارجها، واستخلاص قيمة منها. ويتطلب هذا الدور الوظيفي أيضاً امتلاك مهارات في مجال الخوارزميات وتعلم الآلة والبرمجة. ولكن بناءً على أهداف المشاريع السلوكية التي يجري الاضطلاع بها، قد لا تكون هذه المجموعة من المهارات مطلوبة على الدوام. فيجب أن يكون عالم السلوك الجيد قادراً على التعامل مع مجموعة متوسطة الحجم من البيانات، وبذلك عادة لا يلزم وجود عالم بيانات إلا إذا كانت هناك حاجة إلى التعامل مع مجموعات أكبر حجماً من البيانات.
  • ممثلون أصحاب خبرة، وهم أشخاص يمتلكون خبرات وتجارب في الأقسام والشركات المعينة التي تتشاور مع فريقك. كما أنهم يفهمون سياق الأعمال التجارية ومجال العمل والسوق والعمليات الداخلية والعملاء والموظفين والموردين. وبذلك من المرجح أنهم سوف يتغيرون وفقاً للبرنامج الذي يعمل عليه الفريق. يمكن لهؤلاء الممثلين توفير سياق، والمساعدة على تحديد نطاق مشروعك، وتقديم المشورة حول ما هو ممكن (عملياً وأيضاً من الناحية التنظيمية). ومن المدهش أن يكون المفيد هو تأييد هؤلاء الممثلين للعلوم السلوكية، لا تعصبهم لها. وبالنظر إلى أن غالبية أعضاء فريقك مؤيدون للعلوم السلوكية وعلى وفاق معها، يمكن لهؤلاء الممثلين تحقيق التوازن الصحي ومنع تشكيل تحيزات.

اقرأ أيضاً: علم الاقتصاد السلوكي أفضل وقاية من الأنفلونزا

ضع نموذج المصادر الخاص بك

من الذي تحتاج إلى توظيفه؟ هل تبحث عن شركاء أم موردين من خارج الشركة؟ إذا كان الأمر كذلك، فمَن يمتلك الكفاءات التي تحتاج إليها؟ وماذا ستكون أدوارهم الوظيفية ومسؤولياتهم؟ جميعها أسئلة يجب أخذها في الاعتبار عند وضع نموذج مصادرك الخاص، لأن احتياجات كل مؤسسة، والمستوى الحالي للكفاءات، سوف تختلف من واحدة إلى أخرى، وبذلك لا توجد إجابات محددة لهذه الأسئلة. ومن المحتمل أن تتغير احتياجاتك أثناء مراحل بناء فريق العلوم السلوكية.

في المراحل الأولى، يعتمد العديد من المؤسسات على شركاء خارجيين أصحاب خبرة راسخة في تقديم الحلول السلوكية. لذا، كن على استعداد لإقامة شراكات مع أكاديميين متمكنين وشركات استشارية متخصصة وممارسين معروفين. وأيضاً تأكد أن الشركاء الأكاديميين لديهم الحافز لتطبيق عملهم على العالم الحقيقي، وأن الشركات الاستشارية ماهرة فعلاً وليست مجرد وكالات دخيلة على مجال الاقتصاد السلوكي، وأن الممارسين المختارين يمتلكون أعمال سابقة بالفعل، وأنهم ليسوا مجرد أشخاص قرؤوا جيداً عن المجال. فالاختيار الذكي للشركاء المناسبين سوف يُحسّن مصداقية مبادرتك بشكل كبير، ويقلل من احتمالية وقوع الأخطاء أو حتى الفشل. في نهاية المطاف، سوف يتعلق التحدي المتمثل في اختيار أفضل عالم سلوك لمؤسستك بالسؤال عن التكاليف والكفاءة مقابل الحجم والنطاق.

وبطبيعة الحال إذا كنتَ جاداً بشأن بناء قدرات داخلية، لا تترك كل شيء للشركاء الخارجيين. وفي هذا الصدد نؤيد اتباع نهج قائم على بناء نموذج مختلَط حيثما يتعاون مدراء المشاريع الداخليين مع الخبراء الخارجيين. ومع توفير الدعم والتدريب المناسبين، مدراء المشاريع الداخليين هؤلاء سوف يصبحون محللي السلوك المستقبليين في شركتك. احرص على أن تسأل الشركاء الخارجيين عن مدى استعدادهم لمساعدتك على بناء كفاءة داخلية. ومع تطور قدراتك السلوكية، اسع إلى تقليل اعتمادك على الشركاء الخارجيين، واستبدل بهم قدرات من داخل الشركة، ولكن تجنب قطع العلاقات بشكل كامل. وحدد الشركاء الخارجيين الذين يشاطرونك قيماً مشتركة، وتفاوض معهم أن يكون لهم دور استشاري مستمر.

ابحث عن مكان مناسب لفريقك من أجل بناء مهارات العلوم السلوكية

هناك العديد من الأماكن التي يمكن لفريق العلوم السلوكية الجلوس فيها بمؤسستك. من ضمن تلك الأماكن الواضحة، قسم التميز التشغيلي أو قسم الأداء. فمثلاً شركة "ترانسديف" (Transdev)، شركة نقل عالمية ضخمة، أنشأت فريقاً للعلوم السلوكية، وأطلقت عليه اسم "التغيير بقيادة ترانسديف" (CHANGE by Transdev)، بوصفه جزءاً من قسم الأداء والتطوير. يسير هذا الإجراء بشكل جيد لأن العديد من المشاريع تتصل على نحو وثيق بتعزيز الكفاءة وزيادة الإنتاجية، وأيضاً دعم المركز التنافسي لشركة "ترانسديف".

وقد يكون أيضاً قسم الموارد البشرية مكاناً مناسباً. وفي هذا الإطار نوصي بإشراك قسم الموارد البشرية في هذه العملية على أي حال، لأن طبيعة عمله متعددة المهام تجعله مدافعاً قوياً عن إبراز الأنشطة ذات القيمة المضافة التي تتصل بأجزاء الشركة جميعها.

ولكن إذا كان تفكيرك إبداعياً، وترغب حقاً في احتضان الثورة السلوكية، ما رأيك في تعيين مدير مسؤول عن السلوك؟ قد يبدو أمراً غير ضروري، ولكن إذا كانت شركتك تخطط لتنفيذ عدد كبير من الإجراءات الاستراتيجية، يجب عليك بالتأكيد النظر في هذا الأمر. والفوائد المترتبة على ذلك واضحة: فريق متخصص ومعترف به بشكل كامل ويتواصل مباشرة مع الرئيس التنفيذي.

كن واضحاً بشأن الحوكمة

عمليات الموافقة والحوكمة التي تحددها لفريق العلوم السلوكية الخاص بك ستعتمد على ثقافة شركتك ومستوى إقبالك على المخاطر. وأياً كانت تلك الثقافة وذلك المستوى، نوصي كثيراً بشيئين:

  • كوّن لجنة أخلاقيات. تتعلق العلوم السلوكية في جوهرها بفهم السلوكيات وتوقعها والتأثير عليها، لذا، أن تكون هناك أخلاقيات تحكم تلك الجهود هو أمر من المهم أخذه في الاعتبار. اختر لجنة الأخلاقيات بعناية مع ضمان أن تضم مجموعة متنوعة من المناصب والمستويات. ويجب أن يتسم أعضاء اللجنة بالحذر، ولكن ليس كثيراً لدرجة تعطيل أعمالك، لذا تجنَّب كارهي المجازفة بشكل يتجاوز الحدود. ويجب أن يكون هناك ممثل واحد على الأقل من المضطلعين بالمهام القانونية في شركتك، كما يجب أن يتفق أعضاء اللجنة أولاً على عملية شفافة لصنع القرار.
  • أشرِك ممثلي الوظائف. قبل عرض الإجراءات ذات الصلة بالعلوم السلوكية، اختر موظفين يعملون في الأقسام التي ستتأثر بتلك الإجراءات، واطلب موافقة مدرائهم مسبقاً. فإمكانية الوصول إلى هؤلاء الموظفين والحصول على دعم مدرائهم سيتوفر الوقت وتُحد المفاوضات التافهة والأساليب المعرقلة عندما يحين وقت تنفيذ رؤى فريقك عملياً.

وختاماً، ابحث عن فرص تدعم بناء نظام راسخ للحوكمة من أجل بناء مهارات العلوم السلوكية بطريقة صحيحة. إذا كان لديك عملية قيد التشغيل خاصة بالمحفظة الاستثمارية للمؤسسة، ابحث عن طرق لإدراج العلوم السلوكية في عملية الموافقة على المشروع. فمن شأن ذلك أن يضمن أن مؤسستك تدرس التأثير السلوكي، وكذلك التغيرات السلوكية اللازمة لأي مشروع تضطلع به.

ربما قد درستَ بالفعل بعض من النقاط السابق ذكرها. ولكن إذا كنتَ لا تزال في مرحلة البدء، وعلى استعداد لاتخاذ الخطوات الأولى، نوصي بأن تبدأ بما يلي:

  • تحديد المشاكل المهمة بالنسبة إلى أصحاب المصلحة حيثما يمكن أن يُكلل تطبيق نهج سلوكي بالنجاح.
  • التفكير في التحديات منخفضة المخاطر وقوية الأثر حيثما يمكنك أن تُبرز النجاح المبكر.
  • إخبار الآخرين بما تفعله والبحث عن مناصرين داخليين لعملية تطبيق العلوم السلوكية.
  • البحث عن شريك (شركاء) خارجي مناسب.

لن نضمن بالتأكيد أنه باتباعك لهذه النصائح ستنال جائزة نوبل في بناء مهارات العلوم السلوكية في أي وقت قريب. ولكن قد تنال أنت ومؤسستك نوعاً مختلفاً من المديح، كأن تشتهر المؤسسة بامتلاكها قدرات ذات كفاءة وفاعلية في مجال العلوم السلوكية، قدرات تتسم بأنها أخلاقية ومستدامة وتمنح مؤسستك ميزة تنافسية.

اقرأ أيضاً: كيف تتحدد اختياراتنا وفقاً لعلم الاقتصاد السلوكي؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي