ملخص: قد يستصعب الموظفون الشباب الذين يدخلون سوق العمل التواصل مع زملائهم الأكبر سناً والذين قد يبدون في مراحل مختلفة من حياتهم. ولكن يُعد بناء العلاقات في العمل طريقاً إلى بيئة عمل أكثر إرضاءً كما يعني ذلك المزيد من الفرص المهنية في المستقبل، بالإضافة إلى أنها قد تساعدك على تحسين أدائك في العمل. يقدم كاتب هذا المقال الاستراتيجيات الآتية لمساعدتك على بناء علاقات مع موجهين وأصدقاء من مختلف الأعمار:
- دقق في وجهة نظر الفريق بشأن ديناميات الفريق وثقافته وافهمها كلياً في عملية المقابلة الشخصية.
- أعِد صياغة وجهة نظرك في العلاقات مع الزملاء الأكبر سناً واخلق فرصاً للتواصل معهم.
- حاول أن ترى زملاءك الأكبر سناً كمجرد أقران.
- اعقد اجتماعات فردية منتظمة.
- أنصت جيداً عندما يتحدثون وتذكر ما يهمهم.
- تذكر أن هناك فروقات بين صداقات العمل والعلاقات المهنية التي لديك مع زملائك الأكبر سناً، واحرص على فهم تعقيدات كلتيهما.
- اطلب النصيحة منهم واستثمر في البحث عن مناصرين لك.
عندما أجريتُ مقابلة أول وظيفة لي، كنت مركّزاً على إبهار مدراء التوظيف فقط، وكان الحصول على عرض العمل أولويتي، وكل ما يأتي بعد ذلك في المقام الثاني. إذ لم أفكر بما ستصير عليه الأشياء بعد حصولي على الوظيفة. بعد مرور وقت طويل، أدركت أنّ العلاقات التي بنيتها مع زملائي باتت مهمة. إذ لم يشكّلوا لي مجتمعاً فحسب، بل جعلوني موظفاً أفضل.
مقارنة بما أردته من الوظيفة في بداية مسيرتي المهنية، يبدو الجيل القادم من الموظفين على دراية أكبر بما يريدونه من الوظيفة إلى جانب المنصب والراتب. إذ في دراسة استقصائية جديدة ضمت أكثر من 200 مشارك من الجيل زد، أشاروا إلى أنّ ما يهمهم في العمل هو شعورهم بالانتماء وحصولهم على إجازات مدفوعة وأيام راحة بهدف الحفاظ على الصحة النفسية – وهي كلها أمور استغرقت مني عدة سنوات لأقدرّ قيمتها.
في الآن ذاته، قد يرى الخريجون الجدد الذين بدؤوا وظائفهم الأولى أنّ الشعور بالانتماء لا يأتي بسهولة. فمن المعروف أن القوى العاملة اليوم تتكون من خمسة أجيال، وهو ما يعني أنك إذا كنت حديث الدخول إلى سوق العمل، فغالباً ما ستنضم إلى شركة يعمل بها أشخاص أكبر منك سناً بكثير.
قد يمتلك بعض زملائك مكانة مرموقة في مهنهم، وقد يكون البعض الآخر في مراحل مختلفة في حياتهم فمنهم من يتزوج أو يؤسس عائلة أو يشتري بيتاً لأول مرة. فجأة، قد تتضح لك الصورة الأكبر: لم تعد في بيئة جماعية، ولا يتجه الكل نحو الطريق ذاته، ولا يستثمر الكل في بناء علاقات مع أقرانهم.
ولكن لا تيأس، فتوجد فرص رائعة للتوجيه والصداقة إذا بحثت عن الأشخاص الذين يشاركونك الاهتمام ذاته ببناء العلاقات.
لبناء علاقات ناجحة مع زملاء أكبر منك سناً، جرب بعضاً من الاستراتيجيات التي ساعدتني خلال مسيرتي المهنية. يمكنك تطبيقها قبل أن تقرر إذا كانت مؤسسة ما مناسبة لك أو استخدامها لتعزيز الروابط الاجتماعية مع زملائك بعد قبولك لوظيفة ما.
دقق في ديناميات الفريق في عملية المقابلة الشخصية
تعتبر أول خطوة لبناء علاقات عمل قوية هي التأكد من أنّ ثقافة الشركة مصممة لتبنّيها. وبإمكانك أن تكشف عن الكثير من المعلومات حول ذلك من خلال طرح الأسئلة الصحيحة في عملية المقابلة الشخصية.
للتحضير، خذ قليلاً من الوقت قبل المقابلة للتفكير في الدروس الإيجابية والسلبية التي تعلمتها من خبرات عملك السابقة. ما العلاقات التي توليها قيمة أكبر؟ هل ستستطيع بناء العلاقات ذاتها مع أعضاء فريقك الجديد؟ دوّن بعض الأسئلة المباشرة وحاول أن تكون مباشراً ودقيقاً قدر الإمكان.
على سبيل المثال، عندما قررتُ الاستقالة من أول وظيفة لي كمستشار استراتيجي للعلوم الحيوية، أمضيت بعض الوقت في التفكير فيما يهمني في الوظيفة وما لا يهمني. إذ قيّمت جميع العلاقات التي بنيتها واكتشفت أنّي كنت على استعداد أن أعمل بجهد أكبر ولفترة أطول لدعم أولئك الذين لدي علاقة قوية معهم. على سبيل المثال، أتذكر حين توليت مشروعاً إضافياً وصرت أقتطع وقتاً من عطلتي الأسبوعية لدعم مديرة صرت أراها موجهة لي وليس فقط مسؤولتي المباشرة. لا شيء كان يفرض عليّ تولي ذلك المشروع، لكني أردت أن أدعمها. وهذه الإرادة في دعم شخص صار يعني لي الشيء الكثير، بالإضافة إلى الخبرة الإضافية التي حصلت عليها وتوسيع نظرتي لعمليات الشركة، جعل المهمة تستحق ما بُذل من جهد فيها.
عند معرفتي لذلك، استطعت البحث عن خبرة مشابهة للتي ذكرتها في وظيفتي المقبلة من خلال طرح الأسئلة الآتية:
- ما فلسفتك في القيادة؟ أو ما الأمور التي توليها قيمة أكبر كمدير؟
- ما نوع الموارد التي استثمرت فيها لتساعد على تعزيز ديناميات إيجابية ضمن الفريق؟
- هل يعتبر بناء العلاقات عبر مختلف الفئات العمرية مسألة مهمة لك أو لمديرك؟
- هل تمتلك شركتك برنامج توجيه؟
- في رأيك، كيف يؤثر بناء العلاقات القوية مع الزملاء على الأداء؟
أنصت جيداً إلى الإجابات. إذ بإمكانك أن تقرر لنفسك إن كانت الأجوبة تخرج من إطار المعتاد وتتماشى مع احتياجاتك. هل يدركون المنافع الكثيرة للصداقة في أداء الفريق؟ حتى إن لم تكن أجوبتهم مثالية، قد ترى إمكانية لما تريد، وذلك مؤشر جيد.
اخلق فرصاً لتتواصل مع الزملاء الأكبر منك سناً
ماذا لو قبلت عرض عمل بالفعل؟ كيف بإمكانك أن تبدأ العمل بأساس جيد مع الزملاء الأعلى منك مرتبة وظيفياً؟
تعتبر أول خطوة هي امتلاك العقلية الصحيحة. إذ من السهل التخلي عن العلاقات مع الأشخاص من مختلف الأجيال والتصديق بأننا لا نستطيع التواصل مع أشخاص أكبر منا سناً، فنحن من أجيال مختلفة في نهاية المطاف. وذلك يعني أننا مررنا بتجارب خارجة عن سيطرتنا قد تفسر اختلافاتنا في تقدير الأولويات والمعتقدات والقيم.
بالإضافة إلى ذلك، كلما كان الزميل متمرساً في مهنته، زاد تأثيره وسلطته غالباً. لذا قد تشعر بضغط أكبر لأن تبدو واسع الاطلاع أو مبهراً لهم عندما تتحدث معهم. ولكن مع أنّ التحدث معهم قد يُشعرك بالرهبة، لا تجعل تواصلك معهم يقتصر على محادثات سطحية أو مبنية على مصلحة ما. إذ قد لا تُدرك ذلك، ولكن قد يشعر الزملاء الأكبر منك سناً بالرهبة ذاتها حيال التحدث معك.
جرب استخدام الاقتراحات الآتية للتغلب على هذه المشاعر:
فكر في الزملاء الأكبر سناً على أنهم أقران أعلى مرتبة. تساعدك رؤية زملائك كأقران على تغيير تصورك الشخصي عنهم والتقليل من الضغط الذي قد تشعر به لنيل إعجابهم. عندما تحوّل منظورك بهذه الطريقة، قد تستسهل كونك على طبيعتك وتبدأ نقاشات طبيعية أكثر، إلا أنّ كيفية ارتباطك بكل شخص ستختلف. شخصياً، وجدت أنّ التحلي بحس الفكاهة يساعد. مع ذلك، لتتجنب أن تكون مندفعاً بقوة، أفضل ما قد تبدأ به هو طرح الأسئلة: كيف حصلت على وظيفتك الحالية؟ ما هواياتك؟ حيث ستساعدك المحادثات البسيطة على تحديد نقاط مشتركة مع الآخرين.
اعقد اجتماعات فردية منتظمة يعتبر تناول القهوة شهرياً أو عقد الاجتماعات الافتراضية طرقاً رائعة للتعرف على شخص ما على المستوى الشخصي. ولكن كن حذراً من الإفراط في التودد من البداية. في بعض الأحيان، نفكر أنّه قد يساعد على تسريع عملية التواصل مع شخص ما، ولكن على الصعيد المهني، من الأفضل ترك مستوى الراحة لأن يُبنى مع الوقت. ولكن بعد بناء أساس من الثقة، بإمكانك استخدام هذه الفرص لتتبادل الأفكار معه أو حتى الإلهام. مجرد ما أصبحتما أكثر انخراطاً، قد تصبح علاقتكما منفعية للطرفين في العمل وخارجه.
أنصت جيداً عندما يتحدثون. تكمن الفكرة في أن تتذكر المواضيع المهمة لزملائك واهتماماتهم وقيمهم وكأنما تفعل ذلك لصديق قريب إليك. يبين هذا أنك تهتم بعلاقتك معهم بصدق. ولكن من الصعب تذكر كل التفاصيل، لذا إذا كنت تحتاج إلى أن تدوّنها على دفتر ملاحظات لتذكّر نفسك فيها في محادثات مستقبلية، فلا تتردد!
اعلم أنك لن تكون صديق الكل
حاول ألا تُحبط إذا لم تستطع التواصل مع شخص تكنُّ له الكثير من الاحترام. إذ حتى في الحياة المهنية، ستستطيع التواصل مع أشخاص معينين دوناً عن غيرهم كما في الحياة الشخصية خارج العمل. في نهاية المطاف، قد تبني صداقات عمل مع قلة مختارة وعلاقات مهنية مع الآخرين. لا تستبعد إحداهما الأخرى بالضرورة ولكنه من المفيد فهم الفرق بينهما.
تُبنى صداقات العمل من خلال الاهتمامات المشتركة وقد تعزز حسَّ المجتمع في العمل والانتماء إليه. على سبيل المثال، أصبحت صديقاً قريباً لمساعد إداري في وظيفتي السابقة. أصبح هذا الشخص موجهاً لي لاحقاً ولكن ليس على الصعيد المهني بل الشخصي. إذ نقل لي دروساً حياتية استمرت في تكوين هويتي إلى الآن.
أما علاقات العمل الأخرى فهي تُبنى من خلال مشاركة الاهتمامات المهنية وقد تساعدك في التطوير من مسيرتك المهنية. على سبيل المثال، بنيت علاقة عمل قوية مع خبير تسويق في الشركة التي كنت أعمل بها سابقاً. نجا هذا الشخص من مرض السرطان وكانت نقطتنا المشتركة هي شغفنا حيال تصدير أحدث دواء علاجي من شركتنا إلى السوق. واستمديت هذا الشغف لأن أمي نجت من مرض السرطان أيضاً، لذا كنا مصممين على مساعدة أكبر عدد من المرضى. وأدت هذه العلاقة إلى الكثير من الفرص المهنية التي طورت من مسيرتي المهنية.
كلتا العلاقتين قيّمة وجديرة بالسعي إليها.
اطلب النصيحة من الموجهين واستثمر في تطوير علاقاتك معهم
يستمتع العديد من كبار الموظفين بالتوجيه. إذ بالنسبة لهم، يعتبرون تناقل الدروس التي تعلموها خلال مسيراتهم المهنية مكافأة بحد ذاتها. لذا بمجرد ما تشعر بالاستقرار في وظيفتك الجديدة وتتمكن من بناء بعض الصلات، ابدأ بالاستفادة من تلك الأكثر تأثيراً.
فكر في الزملاء الأعلى رتبة كموارد باستطاعتها أن تساعدك على حل المشكلات التي تواجهها في العمل. إذ بإمكانك أن تسألهم عن كيفية مواجهة المواقف التي تستصعبها. قد يمتلك من يتحمس لمشاركة نصائحه إمكانية لتوجيهك أو ليصبح راعياً لك. إذ لن يساعدك الحصول على موجه أو راعٍ على التطوير من نفسك مهنياً فقط. كما تحتاج إلى أنصار بمناصب عليا لتبني تأثيراً ورأس مال اجتماعي في مؤسستك.
حالياً، أتولى منصب رئيس الموظفين في شركة تكنولوجيا حيوية أخرى. وأُعتبر أحد أصغر الأعضاء في فريق القيادة، ولكني أجلس مع نواب الرؤساء بخبرة في القطاع تجتاز خبرتي بكثير. لتقوية علاقاتي معهم، أتواصل معهم كلما أردت مناقشة فكرة جديدة، وأسألهم بصراحة عن رأيهم في الفكرة نفسها ولكن أيضاً في طريقة إيصالي لها للآخرين.
وتقوى علاقتنا مع كل تفاعل. إذ أتعلم أكثر عن القطاع وعن كيفية إلهامي وتأثيري وتحفيزي وقيادتي لمن حولي بشكل أكبر. في الوقت ذاته، أحصل على الفرصة لأُري نواب الرؤساء أنه بإمكاني التفكير على نحو مدروس ومتزن، وبالتالي، أبني مصداقيتي وأعزز ثقتهم بي كشريك فكري.
مع أنك قد لا تكون في فريق القيادة بعد، ولكن بإمكانك أن تصل إليه من خلال الابتداء بتبني هذا النوع من العلاقات من الآن.
في البداية، قد تشعر بأن أخذ هذه الخطوات مُغرقاً أو مخيفاً، ولكن أنصحك بألا تتخلى عنها. في بعض الأحيان، قد يصبح بناء العلاقات في العمل تحدياً كبيراً يشعرنا بأننا وحدنا ويجعلنا نفكر بالاستقالة. ولكن في نهاية المطاف، العلاقات لا تُجبر. إذ ستلتقي بزملاء، وبالأخص أولئك الذين أكبر منك سناً، ولن يكونوا مهتمين في التواصل مثلك. ولكن ستجد أشخاصاً آخرين مستعدين لبذل جهد في بناء العلاقات، وقد تغير حياتك. لذا اسعَ إليها.