متى تؤثر الثقة في فعالية التعاون بين الموظفين؟

5 دقائق
بناء الثقة

ملخص: يجب أن يكون القادة على دراية بالمخاطر غير البديهية للثقة؛ إذ يمكن أن يؤدي التركيز الشديد على الثقة إلى حالة من الجمود، فقد يعطي الموظفون الأولوية للظهور كأشخاص جديرين بالثقة على حساب انتهاج السلوكيات الضرورية لصناعة القرارات بطريقة جيدة وتعاونية. على سبيل المثال، من أجل الحفاظ على الانطباع بأنك كفء وجدير بالثقة، قد يخفي الفرد بعض المعلومات أو يشارك معلومات غير دقيقة في حال لم تسر الأمور بشكل جيد. أمضى المؤلف أكثر من عقد من الزمان في إجراء بحوث حول التعاون يمكن أن تستفيد منها مؤسسات تتراوح من شركات سريعة النمو تريد أن تصبح شركات يونيكورن إلى شركات راسخة تريد أن تجري عمليات تحول. ويوضح في هذه المقالة كيف أن التركيز بشكل مفرط على الثقة يمكن أن يعوق صنع القرارات على نحو تعاوني وأن يسبب حالة من الجمود، وكيف يمكن للقادة تحقيق التوازن السليم بين الثقة والتقدم.

 

تظهر البحوث أن بناء الثقة المتبادلة بين الأشخاص في المؤسسات يستغرق وقتاً طويلاً. فعندما يجتمع أشخاص من فِرق مختلفة معاً للتعاون بشأن التصدي للتحديات الاستراتيجية المهمة، ستكون الثقة منخفضة بين الأشخاص الذين لم يعملوا معاً من قبل. وينطبق الشيء نفسه عندما تجلب شركة ناشئة مسؤولين تنفيذيين جدداً للمساعدة على توسيع نطاق الأعمال، أو عندما تُدخل مؤسسة راسخة أفراداً جدداً بكفاءات جديدة في عمليات صنع القرار وفي فريقها الإداري.

تشير الاستدلالات مثل "يتمحور التعاون حول الثقة" إلى أن الأمثلة المذكورة أعلاه مآلها الفشل، وأن معدل النجاح المنخفض للشمول والتعاون فيما بين الفِرق والأقسام الذي نراه في المؤسسات قد يبدو للوهلة الأولى أنه الدليل على ذلك. لحسن الحظ، وعلى عكس الاعتقاد السائد، ليست الثقة شرطاً أساسياً للعمل الجماعي والعمل التعاوني. إذ تشير البحوث التي أجريت حول تكوين الفِرق والذكاء الجمعي إلى أنه إذا ركزنا على تصحيح بعض الأشياء، فيمكن للمجموعات الجديدة من الأشخاص التعاون معاً بفعالية قبل أن يتاح لهم الوقت لبناء الثقة بينهم.

يعتمد التحول الناجح على قدرة المؤسسة على جمع الأشخاص ذوي الكفاءات المتنوعة معاً لاتخاذ قرارات عالية الجودة. في مثل هذه المواقف، فإن صرف الانتباه عن بناء الثقة وتوجيهه نحو مشاركة المعلومات وتبنّي وجهات النظر الأخرى وتناوب الأدوار بفعالية، يمكن أن يساعد المؤسسات على إحراز تقدم وتسريع عمليات التغيير والتحول.

بناء الثقة مقارنة بإثبات الجدارة بالثقة

يجب أن يكون القادة على دراية بالمخاطر غير البديهية للثقة؛ إذ يمكن أن يؤدي التركيز الشديد على الثقة إلى حالة من الجمود، فقد يعطي الموظفون الأولوية للظهور كأشخاص جديرين بالثقة على حساب انتهاج السلوكيات الضرورية لصناعة القرارات بطريقة جيدة وتعاونية. على سبيل المثال، من أجل الحفاظ على الانطباع بأنك كفء وجدير بالثقة، قد يخفي الفرد بعض المعلومات أو يشارك معلومات غير دقيقة في حال لم تسر الأمور على نحو جيد.

أمضيت أكثر من عقد من الزمان في إجراء بحوث حول التعاون يمكن أن تستفيد منها مؤسسات تتراوح من شركات سريعة النمو تريد أن تصبح شركات يونيكورن إلى شركات راسخة تريد أن تجري عمليات تحول. سأشرح أدناه كيف أن التركيز بشكل مفرط على الثقة يمكن أن يعوق صنع القرارات على نحو تعاوني وأن يسبب حالة من الجمود، وكيف يمكن للقادة تحقيق التوازن السليم بين الثقة والتقدم.

كيف تؤثر الثقة وانعدام الثقة في صناعة القرارات؟

هناك أمران حاسمان في صناعة القرارات المتعلقة بالتحديات المعقدة على نحو تعاوني.

أولاً، في البيئات السريعة التغير، ستكون بحاجة إلى الوصول إلى بيانات دقيقة ومحدّثة من أجل اتخاذ قرارات جيدة. من السهل نسبياً الحصول على البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات البسيطة. على سبيل المثال، يمكن لمعظم المؤسسات التي ساعدتها الوصول إلى بيانات العملاء في الوقت الفعلي، كما يمكنها تحليلها واتخاذ قرارات سريعة وذكية بناءً عليها. لكن التحديات الاستراتيجية الأكثر تعقيداً، مثل التعاون فيما بين الأقسام أو الفِرق لتلبية طلبات العملاء المتغيرة، تتطلب من البشر الحصول على معظم المعلومات المهمة.

عندما تشهد القطاعات تحولات، تحتاج المؤسسات إلى كفاءات جديدة. وفي أغلب الأحيان، يختلف الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الكفاءات عن الموظفين القدامى من حيث الخلفية والقيم والسمات الديموغرافية، وما إلى ذلك. وبالتالي، فإن القدرة على إدماج أفراد جدد ومعلوماتهم في الفِرق وعمليات صناعة القرارات هي الشرط الثاني لصنع القرارات على نحو تعاوني.

الثقة مصطلح مبهم وله الكثير من التعريفات. لذا، لفهم الثقة فيما يتعلق باتخاذ القرارات الجماعية، ضع هذين التعريفين في الاعتبار:

  1. في السياق المؤسسي، غالباً ما تُعرَّف الثقة على أنها علاقة بين الأشخاص تتشكل عندما يُظهر شخص ما دليلاً مناسباً على كفاءته وعطائه ونزاهته. ويستغرق بناء هذا النوع من الثقة وقتاً طويلاً ويمكن أن تتحطم بسهولة.
  2. بصورة أعم، تعبر الثقة عن الشعور الداخلي والفوري الذي ينتابنا عندما نتفاعل مع شخص آخر، وخاصة الأشخاص الجدد. وهذا الشعور مبني على تجاربنا السابقة: إذا كان الشخص الجديد يبدو ويتصرف مثل الأشخاص الذين مررنا بتجربة إيجابية معهم، فإننا نشعر بالثقة تجاهه تلقائياً، أما إذا كان الشخص الجديد مختلفاً عنا، فلا نثق به. وكلما كان الاختلاف كبيراً، زاد انعدام الثقة. يرتبط هذا النوع من الثقة ارتباطاً وثيقاً بالانحياز اللاإرادي، ولا علاقة له بكفاءة الشخص الجديد أو جودة المعلومات التي يقدمها.

تظهر المشكلات عندما يجعلنا شعورنا الداخلي بعدم الثقة أكثر تشككاً في المعلومات التي يقدمها الأشخاص الجدد الذين لم يكن لديهم الوقت لإثبات جدارتهم بالثقة. وهذا يعرضنا لخطر الاستهانة بالمعلومات المهمة التي يقدمها شخص جديد والمبالغة في تقدير معلومات أخرى. ونظراً إلى أن الأشخاص الجدد غالباً ما يقدمون معلومات مهمة، فقد يضر ذلك بعمليات التحول والتقدم الاستراتيجي.

هناك مشكلة أخرى وهي تحدث عندما يتسبب انعدام الثقة في قيام الأشخاص القدامى بتحدي شخص جديد بطرق لا يتحدون بها المتعاونين القدامى الآخرين. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الشعور بالاستبعاد وانتهاج سلوكيات دفاعية واستفزازية فيما بين الأطراف، ما يضر بالتبادل المثمر للمعلومات التي تعتمد عليها عملية صنع القرارات على نحو تعاوني. إذ غالباً ما ينتهج الأفراد الذين يعتقدون أنهم يحافظون على مؤسستهم ويحمونها سلوكيات الاستبعاد. وللأسف لا يدركون أن سلوكياتهم تمنع المؤسسة من الوصول إلى المعلومات اللازمة للتقدم الاستراتيجي وعمليات التحول والبقاء لفترة طويلة.

تخاطر المؤسسات التي تبالغ في التشديد على الثقة بإثارة هذا النوع من السلوكيات غير المرغوب فيها. بالطبع من المهم معرفة أن الأشخاص في المؤسسة جديرون بالثقة، ولكن اجتماعات الإدارة والأنشطة ذات الصلة بجهود التعاون الاستراتيجي ليست الوقت المناسب لإجراء مثل هذه التقييمات.

كيف يؤدي تركيزنا على الثقة إلى حالة من الجمود واتخاذ قرارات سيئة؟

من الطبيعي أن يرغب الأشخاص في أن يثبتوا أنهم أكفاء وجديرون بالثقة في نظر أقرانهم وقادتهم. ولكن يصعب على الأشخاص العمل معاً لمواجهة التحديات المعقدة وذات التأثير الكبير المتعلقة بإجراء التحولات إذا كانوا مهتمين بأن يظهروا كأشخاص جديرين بالثقة أكثر من اهتمامهم بالتبادل الفعال للمعلومات والأفكار. أوضّح لكم فيما يلي ما يمكن أن يبدو عليه ذلك في الواقع العملي:

  1. يحجب الأشخاص الجدد المعلومات والأسئلة المعقدة والأفكار الإبداعية لكي يرسّخوا أقدامهم كأشخاص أكفاء ومعطائين وجديرين بالثقة.
  2. يمتنع الأشخاص الذين يتبعون القواعد القديمة والذين ليسوا خبراء في مجال التحول عن طرح الأسئلة ويخفون جهلهم والفجوات المعرفية لأنهم يخشون الظهور كأشخاص أقل كفاءة وجدارة بالثقة.
  3. عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها، يخفي الأشخاص المعلومات أو يشاركون صورة غير دقيقة للموقف لتجنب الظهور كأشخاص غير أكفاء أو فاشلين.
  4. في البيئات التي تتطلب التعاون بين الأقسام، يحجب الأشخاص المعلومات والأسئلة والأفكار لأن هناك تاريخاً من عدم الثقة بين الأقسام المختلفة.
  5. يحجم الأشخاص عن تغيير رأيهم علناً، خوفاً من الظهور كأشخاص متناقضين ومتقلبين.

كلما زاد تشديد المؤسسة على أهمية الثقة، تفاقمت السلوكيات المذكورة أعلاه.

كيف تمنع الثقة من الوقوف في طريق التقدم؟

لزيادة السلوكيات الإنتاجية وللتقدم الاستراتيجي، من الحكمة أن يوضح القادة ما يلي عند جمع فِرق متنوعة معاً لحل التحديات المهمة والمعقدة:

  • الثقة مهمة للعديد من جوانب النجاح المؤسسي، ولكن الثقة بين الأشخاص ليست شرطاً أساسياً للتعاون. وهذا أمر مهم، لأن الفكرة غير الدقيقة القائلة إن "التعاون يتمحور حول الثقة" متجذرة بعمق.
  • الشعور بالثقة أو انعدام الثقة أمر طبيعي عند التعاون مع أشخاص جدد، ولكنه من التحيزات التلقائية ويجب تنحيته جانباً. ضع في اعتبارك نصيحة دانيال كانيمان الحائز على جائزة "نوبل": "لا تكوِّن فكرة بسرعة كبيرة. بدلاً من ذلك، ركز على النقاط المنفصلة، وعندما تتوفر لديك المعلومات الكاملة، يمكنك حينها تكوين فكرة".
  • من الضروري الحصول على أدق البيانات المتاحة، حتى عندما يكون من غير المحبب مشاركة هذه البيانات. فجميع الأشخاص المعنيين مسؤولون عن تهيئة مناخ يتيح للآخرين مشاركة وجهات نظرهم بصراحة والتعبير عن أوجه ضعفهم.
  • استعدادنا لاستكشاف وجهات نظر بعضنا البعض وأخذها في الاعتبار هو أمر أساسي للتقدم وصناعة القرارات بشأن التحديات المعقدة بفعالية.

عندما يركز القادة على إجراء المحادثات بشكل صحيح، غالباً ما تحسِّن الفِرق القرارات وتحرز تقدماً بسرعة كبيرة. إذ غالباً ما تعزز تجربة التقدم المشترك الثقة بين المتعاونين. وصرف الانتباه عن الثقة قد يكون طريقة فعالة لبناء الثقة في الأشخاص الجدد بسرعة، على الرغم من أن ذلك قد يبدو منافياً للمنطق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي