ملخص: هل تجد صعوبة في التعبير عن أفكارك في العمل بثقة على الرغم من رغبتك في ذلك؟ أنت لست وحدك. من المهم أن تتذكر أن الافتقار إلى الثقة ليس عيباً متأصلاً فيك، وأن هذا العيب يجب ألا يشكّل هويتك. فالثقة يمكن تعلمها وتطويرها بالممارسة.
- الخطوة 1: تواصل مع نفسك. خصص وقتاً كافياً لفهم طبيعتك وأين تكمن دوافعك وما يجعلك فريداً. تذكّر أن تفرّدك له قيمة، فلديك أفكار قيّمة لمشاركتها حتى لو بدت بديهية أو غير ملهمة.
- الخطوة 2: ركز على بناء السلوكيات التي تعزز الثقة، وتذكر أن أي تغيير في عقلية المرء يستغرق بعض الوقت، لذلك ابدأ بخطوات صغيرة مدروسة حول كل جهد تبذله لبناء الثقة. ولا تتوقع حدوث التغيير بين عشية وضحاها، بل احرص على الاستمرار في المحاولة وبناء ثقتك بنفسك تدريجياً.
قبل بضعة أيام، جلست مع إحدى عملائي، ولنسمها سلوى، وروت لي تجربة عمل شائعة جداً. تقول سلوى إنها أجرت في اجتماع الفريق الأخير عصفاً ذهنياً مع زملائها حول بعض القرارات الاستراتيجية، لكنها لم تتفق مع النتيجة تماماً وكان لها منظور مختلف عن زملائها، لذلك غادرت الاجتماع محبطة.
عندما سألتها عما حدث حين عبرت عن مخاوفها في اجتماع الفريق، قالت بصوت خافت: "لم أقل شيئاً في الواقع".
أوضحت سلوى أنها كانت ترغب في إبداء رأيها لكنها لم تكن واثقة من نفسها وبقيت صامتة، إذ كانت قلقة من أن يبدو رأيها متناقضاً جداً وأن يعرقل المحادثة، وشعرت أيضاً أن الفريق لم يكن يُعير وجهات نظرها أي أهمية.
إليك المشكلة: لم تكن سلوى موظفة جديدة، وهي تتمتع بـ 5 سنوات من خبرة العمل التي يمكنها الاعتماد عليها.
لماذا كانت تتردد في مشاركة آرائها؟
مع استمرارنا بالحديث، أدركنا أن معضلة سلوى في مشاركة آرائها لم تقتصر على اجتماعات الفريق، بل في مواقف أخرى أيضاً. لقد تحدثت عن حالات تجنبت فيها الأضواء في الاجتماعات الكبيرة وقللت من شأن نجاحاتها وإضعاف آرائها بعبارات مثل "قد أكون مخطئة ولكن هذا ما أعتقده".
لم يكن نمط سلوى في تجنب الأضواء بسبب نقص الخبرة أو المعرفة، بل كان قضية ثقة، وتسبب التزامها الصمت بتفويت الفرص لحل المشكلات والتأثير في القرارات المهمة وبناء مصداقيتها.
لماذا نتجنب التحدث بثقة؟
سلوى ليست الوحيدة التي تعاني هذه المشكلة. فالكثير منا يعاني الشعور بالنقص في العمل، حتى لو كان لدينا الكثير من الإسهامات ذات القيمة التي يمكننا تقديمها.
تظهر الأبحاث أن الكثير من الناس، لا سيما النساء، يعاني الافتقار إلى الثقة في مرحلة مبكرة من الحياة المهنية. وفي الواقع تشير سلسلة من الاستقصاءات الحديثة إلى أن النساء يروجن أنفسهنّ بدرجة أقل من الرجال، ما يضع النساء غالباً في موقف مجحف حقاً، إذ يصبحن أقل عرضة للتوظيف أو الحصول على أجور تنافسية.
يمكن أن يكون تدني الثقة أمراً طبيعياً عندما يكون المرء موظفاً جديداً أو يفتقر إلى الخبرة الكافية في المواقف العالية المخاطر. ولكن في حالات أخرى، مثل حالة سلوى، يمكن أن يكون تدني الثقة ناتجاً عن عدة عوامل؛ فقد يكون متجذراً في تجارب الطفولة المبكرة، أو مرتبطاً بنقص التمثيل في الشركة أو وسائل الإعلام أو حتى بسمات الشخصية أو التجارب السابقة، أو لأسباب عديدة أخرى.
من المهم ملاحظة أن تدني الثقة ليس عيباً متأصلاً ويجب ألا يحدد هويتك، وأنه من الممكن تعلم الثقة وتطويرها بالممارسة، ويبدأ الأمر بزيادة وعيك بذاتك وتغيير عقليتك وتعلم إظهار شخصيتك بأصالة في العمل أو في أي مكان آخر.
بناءً على تجربتي في عملي مدرباً قيادياً ومستشاراً للمواهب، أقدم هنا نهجاً من خطوتين لمساعدتك على بناء الثقة. تتمثل الخطوة الأولى في استكشاف المنظور الفريد الذي تقدمه للعالم لفهم كيف يمكنك إضافة قيمة بطريقة لا يمكن لأي شخص آخر القيام بها. في الخطوة الثانية، ستجد بعض الأنشطة السهلة التي يمكنك التدرب عليها لتساعدك في الشعور والتصرف بثقة أكبر، بحيث يمكن أن تصبح الثقة صفة أساسية فيك مستقبلاً.
الخطوة 1: تواصل مع نفسك
ما لا تدركه سلوى ولا يدركه معظمنا بالطبع هو أننا مختلفون، وما قد يبدو طبيعياً أو بديهياً بالنسبة لك قد يبدو في الواقع غريباً تماماً أو غير مريح لشخص آخر.
لنأخذ مثالاً على ذلك. كنت في بداية مسيرتي المهنية جزءاً من فريق يواجه أفراده صعوبة في التواصل على نحو فعال، حيث كان لكل منا آراء متشددة حول كيفية معالجة المشاكل، الأمر الذي كان يثير الخلاف ويعرقل سير العمل. بعد ذلك، تحدث إلينا زميل جديد في الفريق لديه خبرة في المسرح واقترح علينا استخدام أسلوب ارتجال يُدعى "نعم، وأيضاً" لتحسين تواصلنا معاً.
أساس النهج هو البناء على فكرة موجودة بدلاً من رفضها، أي عندما يقدم شخص ما اقتراحاً، وبدلاً من قول "نعم، لكني أعتقد أن كذا وكذا"، يمكنك التوسع فيما يقوله من خلال الرد بـ "نعم، وأعتقد أيضاً أن كذا وكذا". لقد ساعد هذا النهج الفريق في بناء إجماع في الآراء بمرور الوقت وتحقيق النتائج التي كنا نصبو إليها وحسّن علاقات الزمالة فيما بيننا. ربما كانت معاناة الفريق مع هذه المشكلة ستستمر لو لم يشارك هذا الزميل تجربته المسرحية.
جميعنا فريدون ولدينا شيء ذو قيمة نشاركه، يجب أن نؤمن بذلك. الخطوة الأولى للقيام بذلك هي التعرف على صفاتك ووجهات نظرك الفريدة التي تجعلك مميزاً عن الآخرين.
نفذت سلوى خلال جلستنا تمريناً أدعوه "ابحث عن ذاتك الفريدة"، حيث فكرت ملياً خلاله في خبراتها وتجاربها وسماتها التي تشكل وجهة نظرها الفريدة.
سلوى خبيرة في استراتيجيات العلاقات العامة وتبلغ من العمر 26 عاماً، وقد نشأت في منزل حضري مع والدتها في غياب والدها، وتتحدث لغتين وأتيحت لها فرصة السفر على نطاق واسع، بما في ذلك الوجهات الدولية. لديها شغف بكرة السلة وفنون الشوارع، وتستمتع باستكشاف التقنيات الجديدة، وتقضي الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، وتطمح إلى جعل العالم مكاناً أفضل.
إنها صفات رائعة بلا شك، أليس كذلك؟
خلال اجتماع الفريق الذي أشرنا إليه أعلاه، كانت سلوى وزملاؤها يناقشون في الواقع طرق التواصل مع جمهور أصغر سناً يتمتع بالذكاء التكنولوجي، وكانت سلوى أفضل شخص مؤهل للنقاش في هذه القضية خلال الاجتماع.
اتبع التعليمات الواردة في تمرين "ابحث عن ذاتك الفريدة" أدناه حتى تتمكن من التأمل في تجاربك الحياتية الفوضوية الرائعة والفريدة، والبدء بتقدير القيمة التي تقدمها. أنت فريد، وهذا ما يجعل وجهة نظرك تستحق الاستماع.
الخطوة 2: ركز على السلوكيات التي تبني الثقة
تساعدك الخطوة السابقة على البدء في التفكير في هويتك وما يجعلك فريداً، وهي بداية رائعة، ولكن بناء الثقة يتطلب أيضاً تغيير سلوكك.
خطط فريق سلوى للاجتماع مرة أخرى في غضون أسابيع قليلة لمتابعة المناقشة السابقة، وقد أرادت سلوى طرح آرائها بثقة ولكن عليها أن تعد نفسها لنهجها الجديد. لذلك تحدثنا عن بعض المبادئ التي يمكن أن تستخدمها لبناء الثقة وممارستها.
ابدأ بخطوات بسيطة
لا ترتبط الثقة بصفات التهور أو الجدال أو العدوانية أو الاعتذار، ولا يتطلب تحقيقها التحول إلى شخص جديد تماماً، بل ترتبط بالتوصل إلى طريقة للتعبير عن نفسك وأفكارك بطريقة مريحة لك.
كان لدى سلوى مثلاً صلات قوية بزملائها وتشعر بالارتياح في المحادثات الفردية أو الاجتماعات التي تضم عدداً محدوداً من المشاركين، ولكنها أرادت بناء الثقة للتعبير عن أفكارها في اجتماعات الفريق الموسعة. اعتادت سلوى إيقاف تشغيل الكاميرا أو التزام الصمت في أثناء مكالمات الفيديو، وبعد النقاش في الأمر، بدأت سلوى تشغيل الكاميرا في أثناء المكالمات لتشعر بمزيد من الراحة عندما يراها الآخرون، وتسجيل الدخول قبل دقائق قليلة من موعد بدء الاجتماع لتبادل بعض المجاملات مع فريقها، وإظهار الاستماع النشط من خلال الابتسامات والإيماءات، واستخدام ميزة الدردشة الكتابية لمشاركة أفكارها العفوية.
كان نهج سلوى الجديد بمثابة تحول تدريجي للتواصل بفعالية أكبر مع جميع زملائها، وساعدتها هذه الإجراءات الصغيرة في التعرف على زملائها بصورة أفضل وبناء الثقة معهم ومنحتها الطمأنينة للتعبير عن نفسها دون الشعور بالخوف.
تدرّب بوعي
كان على سلوى تعلم عدم استخدام تعابير مُشككة في جملها (مثل ربما وأعتقد ولا أعلم ولست متأكداً وغيرها) كي تبدو أكثر ثقة واتزاناً عندما تتكلم.
أمضت عدة أسابيع تراقب هذه التعابير التي كانت تستخدمها، حيث كانت معتادة على قول عبارات مثل: "لا أعرف ما إذا كان هذا منطقياً" و"لست متأكدةً حقاً من صحة هذا الأمر".
توقفت سلوى عن استخدام هذه التعابير تدريجياً واستعاضت عنها بإعادة صياغة الأفكار التي كانت تعلّق عليها. شعرت بالحرج في البداية، ولكن أصبح من الأسهل عليها بعد بضعة أسابيع استخدام المزيد من العبارات المباشرة من قبيل "أريد التوسع في هذه الفكرة" و"كنت أفكر في استراتيجية جديدة لحل هذه المشكلة".
ابدأ التدرب في مواقف آمنة ومنخفضة المخاطر. يمكنك التدرب على لغة الجسد الواثقة (مثل الوقوف بشكل مستقيم والحفاظ على التواصل البصري) أمام المرآة بنفسك أو محاولة التعبير عن آرائك بقوة أكبر مع مجموعة من الأصدقاء. على سبيل المثال، كان لدى سلوى زميل يعطيها إشارة عندما تستخدم عبارات مشككة في أثناء الاجتماعات.
وهكذا، وبعد بضعة أسابيع من الممارسة المدروسة، كانت سلوى مستعدة لاجتماعها التالي، وعرضت أفكارها ووجهات نظرها بثقة تامة، وعلى عكس ما كانت تتخوف منه، أعرب زملاؤها عن تقديرهم لرؤاها الثاقبة وأخذوها في الاعتبار عند اتخاذ القرار النهائي.
كن صبوراً
على الرغم من أن بناء الثقة يتطلب وقتاً لتعلم عقلية وسلوكيات جديدة وممارستها، ولكن إذا التزمت بإجراء التغييرات، يمكنك أن تحقق نتائج إيجابية. تذكّر أيضاً أنه سيتعين عليك تعديل نهجك في أثناء التدرب لتحديد ما يناسبك أكثر، وستصبح سلوكياتك الجديدة طبيعية أكثر بمرور الوقت، وستقوم بها تلقائياً دون جهد يُذكر.
تجنب محاولة التغيير بين ليلة وضحاها. ادرس بعناية طرق تغيير سلوكك في العمل ووقته المناسب، إذ يمكن أن يشعر زملاؤك بالقلق (وأحياناً قد يسخرون منك) إذا أدركوا أنك تحاول اتباع نهج جديد، فهم في النهاية كوّنوا انطباعاً مسبّقاً عن شخصيتك وقد لا يتقبلون تغيرك المفاجئ.
هل تحتاج إلى مزيد من المساعدة؟
فيما يلي بعض الأنشطة البسيطة التي أنصح عملائي، مثل سلوى، باتباعها لتساعدهم في ممارسة السلوكيات التي تبني ثقتهم بأنفسهم، ويمكنك اعتبارها دليلاً مرجعياً يساعدك في تحسين قدرتك على التعبير عن أفكارك بثقة أكبر.
استخدم هذه النصائح والتمارين لبدء رحلتك نحو اكتشاف ثقتك بنفسك.
صوتك مهم، ويستحق أن يُسمع. ولكن عليك التدرب على السلوكيات التي تساعدك على التخلص من الافتقار إلى الثقة والتدرب لتبني ثقتك بنفسك كي تؤمن بذلك.