العوائق الخفية التي تمنع مواءمة ثقافة الشركة مع استراتيجيتها

4 دقائق
ثقافة العمل المنشودة
shutterstock.com/NiglayNik

في بداية العقد الماضي، انتشرت ظاهرة مثيرة للاهتمام في العديد من شركات التكنولوجيا وهي المنافسة لخلق جو من المرح في أوساط الموظفين. وتعددت الأساليب لتحقيق ذلك مثل المزالق العملاقة في الردهات والحفلات الصاخبة وإنشاء الفِرق الرياضية، حيث كان المرح محطّ تركيز شديد للعديد من الشركات. لدرجة أن بعض الشركات أدرجت المرح في لائحة قيَمها. فمن يملك الجرأة لمعارضة المزيد من السعادة في حياتنا؟ لا أحد. لكن في بعض الشركات حصلت ردود فعل سلبية على ذلك "المرح الإلزامي". ولم يربط العديد من هذه الشركات بين سبب رغبتها في إمتاع موظفيها (هذا بخلاف استبقائهم) ومدى توافق ذلك مع تجربتهم الإنسانية أو "طموحهم" في بلوغ "ثقافة العمل المنشودة". بالإضافة إلى عدم الربط بين المرح واستراتيجية الشركة.

في بداية عمل الموظف في أي مؤسسة، يبدأ باكتشاف آليات العمل فيها. وعبر الإعداد والتدريب وحتى مراقبة النظرات وإيماءات الوجوه، يبدأ باستكشاف ما هو مقبول وكيف يغير سلوكه ليتوافق مع الجو العام. وينصاع الموظفون لثقافة العمل السائدة في كل لحظة من ساعات عملهم. هل المطلوب منهم التعاون أم التنافس؟ هل يتدخل المدير بسرعة أم يضع خططاً وهيكليات؟ هل المطلوب من الموظفين المشاركة في مناقشة العمل أم التزام الصمت؟

غالباً ما تُعرّف الثقافة المؤسسية بأنها مجموعة من الافتراضات الضمنية والمشتركة حول التصرفات موضع التقدير، وكيف يجب أن يتصرف الموظفون، والأعراف الأخرى المتعلقة بما هو "طبيعي" داخل المؤسسة.

وفي بعض الأحيان يتم إضفاء الطابع الرسمي على هذه الافتراضات الضمنية في المؤسسات، على سبيل المثال، عبر كتيب الموظف أو السياسات الرسمية للشركة على شبكة الإنترانت (الداخلية) أو المعايير التي يتم إبلاغها رسمياً بواسطة المدراء. ولكن في أغلب الأحيان تكون هذه الافتراضات الضمنية غير رسمية وغير مكتوبة وحتى غير واضحة ويتعلمها الموظفون بمرور الوقت من خلال دورة التعلّم والتكيّف.

لذلك، فإن ثقافة العمل بالغة القوة هي التي تشكّل سلوكنا، وتوجه قراراتنا، وتوضح الخطوات المستقبلية. فثقافة العمل هي منبع السلوكيات في المؤسسة. ولأن ثقافة العمل هي أصل السلوك داخل المؤسسة، فستلقي بظلالها على كل مراحل سير العمل الواضح منها كأداء الموظف والأقل وضوحاً كرضا العملاء.

في عملنا في بودكاست "سعداء في العمل" (Happy at Work)، تتاح لنا الفرصة للتحدث مع القادة المهتمين بشدة بثقافة العمل. من مدير شركة ريكو نورث أميركا (Ricoh North America) ورئيسها التنفيذي، كارستن برون، الذي ناقش أهمية العقلية الملهمة، إلى مؤسِسة ميتا ليدرز (Metta Leaders)، صوفي بريتاغ، التي ناقشت أهمية تعزيز ثقافة اللطف في العمل. وكان القاسم المشترك للمناقشات أن ثقافة العمل تحتاج إلى تطوير لتتواءم مع استراتيجية المؤسسة.

وعادةً لا تكون ثقافة المؤسسة "جيدة" أو "سيئة"، على الأقل بالنسبة لمعظم الشركات، بل تميل بعض جوانب ثقافة العمل إلى أن تكون أكثر إيجابية أو أكثر سلبية في دعم المؤسسة لتحقيق أهدافها وتنفيذ استراتيجيتها التنافسية.

لذا يجب أن تكون ثقافة العمل ذات مغزى وتتواءم مع أهداف المؤسسة. ومن البديهي أن تكون لدى الشركات التي تقوم بإنشاء برمجيات التعاون رغبة بوجود تعاون بين موظفيها. أو في حال كانت تركز على تطوير ابتكار من شأنه أن يزعزع أحد القطاعات، فترغب بأن يشعر موظفوها بالأمان في مشاركة الأفكار وتجربة ابتكارات جديدة وعدم الخوف من المخاطرة أو الفشل.

هذه الحاجة الصريحة إلى الارتباط بين أعمال المؤسسة وطبيعة نشاط موظفيها واضحة للغاية ولكن الأمثلة كثيرة على افتقار المواءمة بين ثقافة العمل والاستراتيجية في الشركات التي عملنا معها. وكما ترى، إنها ليست فروق بسيطة تحتاج إلى تعديل. إنها حواجز عملاقة تفصل بين ثقافة العمل والاستراتيجية. لذلك نسمع هذا الاقتباس مراراً و تكراراً: "ثقافة العمل ممكن أن تقضي على الاستراتيجية"، وللأسف هذا الانفصال لا يزال حاضراً وبقوة.

وبسبب أهمية المواءمة مع استراتيجية الشركة (والتفاوت الواسع بين تلك الاستراتيجيات)، لا توجد ثقافة عمل واحدة تناسب الجميع. وينبغي لكل مؤسسة تحديد معاييرها وقيمها وفلسفتها الخاصة التي تدفعها لتحقيق النجاح.

فلماذا يستمر الانفصال بين ثقافة العمل المطلوبة والاستراتيجية التنافسية للشركة؟ فيما يلي بعض أسباب هذا الانفصال المستمر:

  • الاستراتيجية التنافسية غير واضحة أو غير مفهومة جيداً: من الصعب ربط ثقافة العمل باستراتيجية مبهمة. هل لدى الموظفين (خاصة أولئك الذين يعملون على ثقافة العمل) رؤية واضحة للاستراتيجية لكي يعملوا وفقها؟ هل يفهمونها؟
  • ثقافة العمل يديرها أشخاص منفصلون عن الاستراتيجية. على افتراض أن استراتيجية العمل واضحة، فهل لدى الموظفين العاملين على ثقافة العمل فكرة عن عمل الاستراتيجية؟ وهل لديهم اطلاع كافٍ لفهمها جيداً؟
  • ثقافة العمل من اختصاص الموارد البشرية فقط. هل تعتقد أن ثقافة العمل في مؤسستك من مسؤوليات قسم الموارد البشرية وليست مسؤولية الشركة برمتها وفريق القيادة فيها؟ سيحدث ذلك الانفصال عندما نعتبر ثقافة العمل هي ممارسات الأفراد، وليست جوهر نجاح الشركة.
  • اعتبار ثقافة العمل مبادرة سطحية وبسيطة. هل قيم ثقافة العمل المنشودة تنطبق على أي شركة أخرى؟ هل لدى معظم الموظفين ارتباط عاطفي بها أم أنها مجرد كلمات على موقعك الإلكتروني؟
  • إنها مهمة شاقة. ليس من السهل بناء ذلك الرابط فهو يتطلب الكثير من التفكير والجهد (والكثير من تكرار المحاولات والإضافات) وذلك لجعل الروابط بين الاستراتيجيات والمشاعر والسلوك والعمل البشري جليةً وواضحة.

شركة كيوري ثيرابيوتكس (Curie Therapeutics) من الأمثلة على شركات أقامت علاقة واضحة بين ثقافة العمل والاستراتيجية، وهي شركة أميركية للتكنولوجيا الحيوية. حيث لم يقتصر الأمر على استخدامها لاستراتيجية الشركة وهدفها كإطار لثقافة العمل، بل حرصت على أن يرتبط كل مبدأ من مبادئها الثقافية بشكل واضح بالاستراتيجية. وقامت بهذا العمل عبر ورشات خارجية ولعدة أيام حيث جمعت مساهمات من أقسام وأنواع متعددة من الموظفين.

تبني ثقافة العمل مؤسسة متوائمة وذات قدرة على إلهام صفوف طاقم العمل بأكمله وتوحيدها في سبيل تحقيق الأهداف المشتركة. كما أنها توضح السلوك المتوقع من الموظفين وتساعد الجدد منهم على التأقلم مع بيئة العمل الجديدة. ولكي تكون ثقافة العمل حقيقية وذات مصداقية، يجب أن تكون في صميم عملك، وليست مجرد كلمات على موقعك الإلكتروني أو منشورات على جدران مؤسستك.

ولنأخذ مستشفى على سبيل المثال. ففي حال كانت ثقافة العمل السائدة هي الثقة والرعاية، فإن طاقم التمريض سيوفر رعاية أفضل للمرضى. وفي حال كان العكس صحيحاً، أي أن طاقم التمريض لا يلمس أي رعاية أو تقدير، فكيف سيقدم رعاية عالية الجودة للمرضى؟ من خلال ربط ثقافة عمل الشركة باستراتيجية العمل، ستكون شركتك أكثر اتساقاً وسيختبر موظفوك عملاً يسوده الدعم والمصداقية، ما يدفعهم للقيام بعملهم على أكمل وجه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي